و من خطبة له عليه السلام علم فيها الناس الصلاة على النبي صلّى اللّه عليه و اله و سلّم
و هى الحادية و السبعون من المختار فى باب الخطب و هى مروية في المجلد السّابع عشر من البحار من مناقب ابن الجوزي عن الحسن بن عرفة عن سعيد بن عمير عن أمير المؤمنين عليه السّلام بتغيير يسير.
أللّهمّ داحى المدحوّات، و داعم المسموكات، و جابل القلوب على فطرتها، شقيّها و سعيدها، اجعل شرايف صلواتك و نوامي بركاتك، على محمّد عبدك و رسولك، الخاتم لما سبق، و الفاتح لما انغلق، و المعلن الحقّ بالحقّ، و الدّافع جيشات الأباطيل، و الدّامغ صولات الأضاليل، كما حمّل فاضطلع قائما بأمرك، مستوفزا في مرضاتك، غير ناكل عن قدم، و لا واه في عزم، واعيا لوحيك، حافظا على عهدك ماضيا على نفاذ أمرك، حتّى أورى قبس القابس، و أضاء الطّريق للخابط، و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن، و أقام موضحات الأعلام، و نيّرات الأحكام، فهو أمينك المأمون، و خازن علمك المخزون، و شهيدك يوم الدّين، و بعيثك بالحقّ، و رسولك إلى الخلق.
اللغة
(دحى) اللّه الأرض دحوا بسطها فهى مدحوّة و (دعمت) الشّي ء من باب نفع دعما حفظته بالدّعامة و هي بالكسر ما يستند به الحائط و السّقف و نحوهما يمنعهما السّقوط و (سمكه) سمكا رفعه، و المسمكات كمكرمات السّماوات، و المسموكات لغة و (الجبل) الخلق و (النّامي) الزّايد و (الجيشات) جمع جيشة من جاشت القدر إذا ارتفع غليانها. و (بطل) الشّي ء يبطل بطلا و بطولا و بطلانا بضمّ الأوائل فسدا و سقط حكمه فهو باطل و الجمع بواطل و أباطيل على غير قياس، و قال أبو حاتم: الاباطيل جمع ابطولة بضمّ الهمزة و قيل جمع ابطالة و (دمغته) دمغا من باب نفع كسرت عظم دماغه، فالشجة دامغة و هي التي تخسف الدّماغ و لا يبقى معها حياة و (الصّولة) السّطوة و (الأضاليل) جمع الضّلال على غير القياس.
و (ضلع) الشّي ء بالضّم ضلاعة قوى، و فرس ضليع غليظ الألواح شديد العصب و رجل ضليع قوىّ و (الوفز) العجلة و استوفر في قعدته قعد منتصبا غير مطمئن و (نكل) نكولا نكص و جبن و (ورى) الزّند يورى خرج ناره و اوريته أنا، و منه قوله سبحانه: فَالْمُورِياتِ قَدْحاً.
و (القبس) بفتحتين شعلة من النّار قال سبحانه: لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ.
و القابس هو الذي يطلب النّار يقال قبس نارا يقبسها من باب ضرب أخذها و قبس علما تعلمه و قبست الرّجل علما يتعدّي و لا يتعدّى و أقبسته نارا و علما بالالف و (الخابط) الذي يسير على غير جادّة ليلا و (العلم) بالتّحريك ما يستدلّ به على الطريق.
و (البعيث) بمعنى المبعوث كالجريح و القتيل
الاعراب
داحى المدحوات و داعم المسموكات منصوبان على النّداء، و شقيّها و سعيدها بالجرّ على البدل من القلوب، و اضافة الشّرايف و النوامى من باب اضافة الصّفة إلى الموصوف، و الكاف في قوله كما حمل إمّا بمعنى لام التعليل كما في قول الشّاعر:
- فقلت أبا الملحاة خذهاكما أو سعتنا بغيا و عدوا
اى خذ هذه الضّربة لأجل بغيك و تعدّيك علينا، و يحتمل كونها على أصل التشبيه و قوله: قائما، منصوب على الحال و كذلك المنصوبات بعده أعنى مستوفزا و غير ناكل و ما عطف عليه، و واعيا و حافظا و ماضيا و اضافة الخوضات الى الفتن ظرفية، و اضافة الموضحات و النيرات الى الأعلام و الأحكام من باب اضافة الصفة الى الموصوف، و المخزون بالجرّ صفة علمك، و مقبول الشهادة و كذلك مرضى المقالة منصوب على المفعولية من اجزه،
المعنى
اعلم انّ هذه الخطبة مشتملة على فصول ثلاثة الاول في صفات المدعوّ و تمجيده، و هو اللّه سبحانه الثاني في صفات المدعوّ له و هو النبيّ صلّى اللّه عليه و آله الثالث فى أنواع المدعوّ به.
اما الاول
فاليه الاشارة بقوله (اللهمّ داحي المدحوّات) أى باسط الأرضين السّبع المبسوطة، و وصفها بالبسط لا ينافي كرويّتها إذ بسطها باعتبار سطحها البارز الذي هو مسكن الحيوان فانّه في الأوهام سطح مبسوط و إن كان بالاعتبار العقلي محدّبا و إلى ذلك ينظر قوله سبحانه: وَ اللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً وَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً.
(و داعم المسموكات) أى حافظ السّماوات المرفوعة بالدّعامة التي هي القدرة على ما مرّ تحقيقه في شرح الفصل الثّامن من فصول الخطبة الاولى (و جابل القلوب على فطرتها شقيّها و سعيدها) أراد كونه سبحانه خالق شقىّ القلوب و سعيدها على فطراتها الأصليّة المكتوبة في اللوح المحفوظ، و المراد بالقلوب النّفوس.
و أهل العرفان كثيرا ما يعبّرون عن النّفس بالقلب، و بالسّعادة ما يوجب دخول الجنّة و النّعمة الدّائمة و اللذة الأبدية، و بالشّقاوة ما يوجب دخول النّار و العقوبات الأبديّة و الآلام الدّائمة.
فمحصّل المعنى أنه خالق النّفوس و موجدها في الخارج موافقا لفطراتها التي كتبت في الألواح السّماويّة قبل خلق الخلق و قدّرت أنّها من أهل الجنّة أو من أهل النّار موافقا لعلمه سبحانه التّابع لما يختارونه بعد وجودهم و تكليفهم بارادتهم و اختيارهم.
و إلى هذا ينظر ما رواه في الكافي باسناده عن منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ اللّه خلق السّعادة و الشقاوة قبل أن يخلق خلقه، فمن خلقه اللّه سعيدا لم يبغضه أبدا و إن عمل شرّا أبغض عمله و لم يبغضه، و إن كان شقيّا لم يحبّه أبدا و إن عمل صالحا أحبّ عمله و أبغضه لما يصير إليه فاذا أحبّ اللّه شيئا لم يبغضه أبدا و إذا أبغض شيئا لم يحبّه أبدا.
و اما الثاني
فاليه أشار بقوله: (اجعل شرايف صلواتك و نوامى بركاتك على محمّد عبدك و رسولك) قيل في تفسير العبد: العين علمه باللّه، و الباء بونه عن الخلق، و الدّال دنوّه من اللّه بلا اشارة و لا كيف، يعنى أنّ العبد لا يكون كامل العبودية إلّا إذا كان عارفا باللّه سبحانه قريبا منه بالقرب المعنوي و باينا من الخلق بأن يكون فيهم و لا يكون منهم، و ذلك مستلزم لاستغراقه في طاعة معبوده اذ لولاه لما حصل التّقرب و لا يتحصّل معنى العبودية.
و من هنا قيل: إنّ حقيقة العبودية عنوان خطبه 72 نهج البلاغه بخش 1 ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوّله اللّه ملكا لأنّ العبيد لا يكون لهم ملك بل يرون المال مال اللّه يضعونه حيث امرهم اللّه، و لا يدبّر العبد لنفسه تدبيرا، و يكون جملة اشتغاله فيما امر اللّه تعالى و نهاه عنه، فاذا لم ير العبد فيما خوّله اللّه ملكا هان عليه الانفاق و إذا فوّض العبد نفسه إلى مدبّرها هانت عليه مصائب الدّنيا، و إذا اشتغل العبد فيما أمره اللّه و نهاه لا يتفرّغ منهما إلى المراء و المباهات مع النّاس.
فاذا اكرم اللّه العبد بهذه الثّلاث هانت عليه الدّنيا و لا يطلب الدّنيا تفاخرا و تكاثرا و لا يطلب عند النّاس عزّا و علوّا و لا يدع أيّامه باطلة فيكون تاركا لدنياه و فارغا لطاعة مولاه، فاذا وصل العبد إلى هذا المقام انكشفت له الحجابات الغيبية و أدركته الألطاف الرّبانية، و تحصل له معنى العبودية «و هي ظ» جوهرة كنهها الرّ بوبية، و يصير مظهرا لصفات الكمال و مصدرا لنعوت الجلال.
و إلى هذا المعنى ينظر الحديث القدسي: إنّ عبدى ليتقرّب إلىّ بالنّافلة حتّى احبّه فاذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به و بصره الذي يبصر به و لسانه الذي ينطق به و يده التي يبطش بها إن دعانى أجبته و إن سألنى أعطيته و لمّا كان هذا المعنى غاية الكمال وصف اللّه سبحانه جملة من أوليائه المقرّبين في كتابه المجيد بذلك فقال: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و قال: عَبْداً مِنْ عِبادِنا و قال: نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ.
الى غير هذا، ثمّ انّه لما كان مرتبة الرّسالة فوق مرتبة العبودية و من عادتهم تقديم غير الابلغ على الابلغ كما يقولون: عالم نحرير و جواد فياض لا جرم قدّم توصيفه بالعبودية على توصيفه بالرّسالة، و إنّما قلنا إنّ درجة الرّسالة فوق هذه الدّرجة لأنّ الرّسول من يسع قلبه الجانبين و لا يحجب بشهود الحقّ عن الخلق، فهو أكمل ممن يستغرق فيه تعالى غافلا عن خلقه.
و يدلّ على تقدّمها عليها رواية زيد الشّحام التي مرّت في شرح الفصل الثاني من فصول الخطبة الثّانية فتذكر (الخاتم لما سبق) إن جاز استعمال كلمة ما في ذوي العقول فالمراد بها النّبيّون و المرسلون، و إلّا فالمراد أنّه خاتم لشرعه للشرايع و الأديان السّابقة.
(و الفاتح لما انغلق) من باب الهدى و طريق الرّشاد و الجنّة، و إنّما كان منغلقا لغلبة أمر الجاهلية و اندراس الشّرايع السّابقة (و المعلن الحقّ بالحقّ) قال الشّارح المعتزلي: اى المظهر الحقّ الذي هو خلاف الباطل بالحقّ أى بالحرب و الخصومة يقال حاق فلان فلانا أى خاصمه فخصمه.
أقول: و منه الحاقّة للقيامة قال تعالى: الحاقّة ما الحاقّة، سمّيت بذلك لأنها تحاقّ الكفّار الذين حاقّوا الأنبياء أى خاصموهم هذا، و الأظهر أن يكون المراد بالحقّ الأول الدّين و بالثّاني الحقّ المرادف للصدق أى مظهر الدّين بقول حقّ ثابت في نفس الأمر و بيان صواب.
(و الدّافع جيشات الاباطيل) اى لثوران فتن المشركين و اجتماعهم على إطفاء نور اللّه أو لفتنتهم التي كانت عادة بينهم و استمرت عليها سجيتهم من القتل و الغارة و حرب بعضهم لبعض، فانّ هذا كلّه امور خارجة عن قانون العدالة و قد اندفع ذلك كلّه بميامن قدومه صلوات اللّه عليه و آله.
(و الدّامغ صولات الأضاليل) أى المهلك لسطوات الضّلالات و قامع هيبات أهل الضّلال المنحرفين عن سبيل اللّه و سبيل الرّشاد إلى الفساد (كما حمل فاضطلع) معناه على جعل الكاف بمعنى اللّام: اجعل شرايف صلواتك عليه لأجل أنّه حمل أعباء الرّسالة فنهض بها قوّيا، و على جعلها بمعناها الأصلى صلّ عليه صلاة مناسبة مشابهة لتحميلك له الرّسالة إذ الجزاء من الحكيم العدل لا بدّ أن يكون مناسبا للعمل المجزى عليه.
(قائما بأمرك مستوفزا في مرضاتك) أى مستعجلا في تحصيل رضاء اللّه سبحانه و رضوانه غير بطي ء فيه حاثا نفسه عليه (غيرنا كل عن قدم ولاواه في عزم) أراد كونه غير جبان عن التّقدّم فيما يلزمه التقدم فيه و لا متوان في الاتيان بما عزم عليه (و اعيا لوحيك) ضابطا له قويّ النفس على قبوله (حافظا لعهدك) المأخوذ عليه في تبليغ الرّسالة و أداء الامانة (ماضيا على انفاذ امرك) مصرّا في إجرائه و في جذب الخلق إلى سلوك سبيل الآخرة.
(حتّى) انتهى في اصراره في هداية الخلق و جذبهم إلى الآخرة إلى النّهاية و بلغ الغاية ف (أورى قبس القابس) أى أخرج نور الحقّ و أشعله لطالبيه و المقتبسين له (و أضاء الطريق) طريق الجنّة و الصّراط المستقيم (للخابط) في ظلمات الجهل السّالك على غير جادّة واضحة.
(و هديت به القلوب بعد خوضات الفتن) و الآثام اللازمة عما اجترحته من السّيئات (و أقام موضحات الأعلام) أى الأدلة الواضحة على الحقّ التي هى كالأعلام المستدلّ بها على الطريق (و نيرات الأحكام) أى الأحكام الشّرعية و التكاليف الالهية ذوات النّور المستنبطة من الأدلّة الواضحة.
(فهو أمينك المأمون) أى ائتمنه على وحيه و رسالته و المأمون تاكيد للامين (و خازن علمك المخزون) أراد به علمه الذي لا يقدر على حمله عموم الخلق و هو المشار إليه بقوله: «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ».
روى سدير قال: سمعت حمران بن أعين يسأل أبا جعفر عليه السّلام و يقول أرأيت قوله: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً، فقال له أبو جعفر عليه السّلام إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً، و كان و اللّه محمّد ممن ارتضاه و أما قوله عالِمُ الْغَيْبِ، فانّ اللّه تبارك و تعالى عالم بما غاب عن خلقه ممّا يقدر من شي ء و يقضيه في علمه فذلك يا حمران علم موقوف عنده إليه فيه المشية فيقضيه إذا أراد و يبدو له فيه فلا يمضيه، فأما العلم الذي يقدره اللّه و يقضيه و يمضيه فهو العلم الذي انتهى إلى رسول اللّه ثمّ الينا.
(و شهيدك يوم الدّين) يحتمل أن يكون المراد بذلك شهادته على امّته و شهادته على أئمة الدّين خصوصا و جميع الحجج الذين لم يخل اللّه سبحانه ارضه منهم من لدن آدم إلى آخر الدهر و قد ورد الاحتمالات الثلاثة في أخبار أهل البيت و مثل كلامه قوله تعالى في سورة النحل: وَ يَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَ جِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ.
و في سورة البقرة: وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً.
و في سورة النّساء: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.
قال الطبرسي فى تفسير هذه الآية إنّ اللّه يستشهد يوم القيامة كلّ نبىّ على امّته فيشهد لهم و عليهم و يستشهد نبينا على امّته.
و في البحار في الأخبار ما يدلّ على أنّ حجّة كلّ زمان شهيد على أهل ذلك الزمان و نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله شهيد على الشهداء.
و فيه من الكافي باسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: في قول اللّه عزّ و جلّ: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً.
نزلت في أمّة محمّد خاصة في كلّ قرن منهم إمام منا شاهد عليهم و محمّد شاهد علينا قال المجلسيّ يمكن أن يكون المراد تخصيص الشّاهد و المشهود عليهم جميعا بهذه الامة فيكون المراد بكل امّة في الآية كلّ قرن من تلك الامة واحد من الأئمة عليهم السّلام شاهدا على من في عصرهم من هذه الامة و على جميع من مضى من الامم، و الأوّل أظهر لفظا و الثاني معنا و إن كان بحسب اللفظ يحتاج إلى تكلّفات أقول: و يدلّ على الوجه الأوّل ما عن تفسير فرات بن إبراهيم عن أبي جعفر عليه السّلام في تفسير الآية الثانية قال: منا شهيد على كلّ زمان عليّ بن أبي طالب في زمانه و الحسن في زمانه و الحسين في زمانه و كلّ من يدعو منّا إلى أمر اللّه.
و على الثاني ما عن تفسير عليّ بن إبراهيم في تفسير الآية الثانية أيضا باسناده عن بريد العجلي قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن تفسير هذه الآية قال نحن الامّة الوسط و نحن شهداء اللّه على خلقه و حجّته في أرضه.
و ما عن بصائر الدّرجات باسناده عن سليم بن قيس عن أمير المؤمنين عليه السّلام قال: إنّ اللّه طهّرنا و عصمنا و جعلنا شهداء على خلقه و حجته في أرضه و جعلنا مع القرآن و جعل القرآن معنا لا نفارقه و لا يفارقنا.
و على هذا فمعنى كونهم شهيدا أنّهم عليهم السلام يشهدون على الأنبياء أنّ اللّه أرسلهم و يشهدون للأنبياء أنّهم بلغوا رسالات ربّهم و يشهدون لمن أجابهم و أطاعهم باجابته و اطاعته و على من خالفهم و عصاهم بمخالفته و عصيانه و يشهدون على محمّد أنّ اللّه أرسله و يشهدون له انّه بلغ ما امر بتبليغه و على امته و لهم كذلك و يشهد رسول اللّه عليهم بما حملهم من أمر الخلافة و لهم بما أدّوا ما حملوا و لمن أجاب بما أجاب و لمن عصى بالعصيان هذا. و غير خفىّ على الفطن العارف أنّ الشّهادة لما كانت مشروطة بالعلم و اليقين و من ذلك أنّ رسول اللّه أرى للشّاهد الشّمس و قال على مثل هذا فاشهد أودع، فاللازم من كونهم صلوات اللّه عليهم شهداء على النّاس أن يكونوا عالمين بأعمال النّاس غير غائبين عنها، و يستفاد ذلك من الأخبار و هى على قسمين.
احدهما ما دلّت على أنّه سبحانه أعطى الامام عمودا من نور يرى فيه أعمال الخلايق كرؤية الشّخص في المرات و أنّ الدّنيا بأسرها و ما فيها عند الامام كالدرهم في يد أحدكم يقلّبه كيف شاء.
فمن ذلك ما في البحار من بصاير الدّرجات عن معاوية بن حكيم عن أبي داود المسترقّ عن محمّد بن مروان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الامام يسمع الصّوت في بطن امّه فاذا بلغ أربعة أشهر كتب على عضده الأيمن: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.
فاذا وضعته امّه سطع له نور ما بين السّماء و الأرض فاذا درج رفع له عمود من نور يرى ما بين المشرق و المغرب.
و منه باسناده عن ابن ظبيان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ الامام لسمع في بطن امّه فاذا ولد خطّ على منكبيه، ثمّ قال هكذا بيده فذلك قول اللّه تعالى: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.
و جعل له في كلّ قرية عمودا من نور يرى به ما يعمل أهلها فيها.
و عن محمّد بن الفضيل عن بعض رجاله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام الامام يسمع الكلام في بطن امّه فاذا سقط إلى الأرض نصب له عمود في بلاده و هو يرى ما في غيرها.
و عن محمّد بن مروان قال: سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إنّ الامام يسمع في بطن امّه فاذا ولد خط بين كتفيه: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ.
فاذا صار الأمر إليه جعل اللّه له عمودا من نور يبصر به ما يعمل به أهل كلّ بلدة.
و عن إسحاق القميّ قال: قلت لأبي جعفر عليه السّلام ما قدر الامام قال يسمع في بطن امّه فاذا وصل إلى الأرض كان على منكبه الأيمن مكتوبا: وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَ عَدْلًا لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ وَ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.
ثمّ يبعث أيضا له عمودا من نور من تحت بطنان العرش إلى الأرض يرى فيه أعمال الخلايق كلّها، ثمّ ينشعب له عمود آخر من عند اللّه إلى اذن الامام كلّما احتاج إلى مزيد افرغ فيه افراغا.
أقول: و العمود الآخر ما اشير إليه في رواية صالح بن سهل.
عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: كنت جالسا عنده فقال لي ابتداء منه: يا صالح بن سهل إنّ اللّه جعل بينه و بين الرّسول رسولا و لم يجعل بينه و بين الامام رسولا، قال: قلت: و كيف ذاك قال: جعل بينه و بين الامام عمودا من نور ينظر اللّه به إلى الامام و ينظر الامام به إليه فاذا أراد علم شي ء نظر في ذلك النّور فعرفه.
قال المحدّث المجلسيّ: نظر اللّه تعالى إليه كناية عن إفاضاته عليه و نظره إليه كناية عن غاية عرفانه.
و القسم الثاني من الأخبار ما دلّت على عرض أعمال العباد على النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و على الأئمة عليهم السلام و إلى ذلك اشير في الكتاب العزيز: قال تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ وَ سَتُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.
روى في البحار من تفسير عليّ بن إبراهيم عن أبيه عن محمّد بن الحسن الصّفار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما من مؤمن يموت أو كافر يوضع في قبره حتّى يعرض عمله على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و على أمير المؤمنين عليه السّلام و هلمّ جرّا إلى آخر ما فرض اللّه طاعته فذلك قوله: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.
و عنه عليه السّلام قال: إنّ أعمال العباد يعرض على رسول اللّه كل صباح أبرارها و فجّارها فاحذروا فليستحى أحدكم أن يعرض على نبيّه العمل القبيح.
و من بصاير الدّرجات باسناده عن معلّي بن خنيس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه تعالى: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.
قال: هو رسول اللّه و الأئمة تعرض عليهم أعمال العباد كلّ خميس.
و عن محمّد بن مسلم و زرارة قالا سألنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الأعمال تعرض على رسول اللّه قال ما فيه شكّ، ثمّ تلاهذه الآية: وَ قُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَ رَسُولُهُ وَ الْمُؤْمِنُونَ.
قال إنّ للّه شهداء في أرضه.
و عن ابن أبى عمير عن غير واحد من أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأصحابه حياتي خير لكم و مماتي خير لكم، قالوا: أما حياتك يا رسول اللّه فقد عرفناه، فما في وفاتك قال: أمّا حياتي فانّ اللّه يقول: و ما كان اللّه ليعذّبهم و أنت فيهم و ما كان اللّه معذّبهم و هم يستغفرون، و أمّا وفاتي فتعرض علىّ أعمالكم فأستغفر لكم.
و عن داود الرّقي قال: دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال يا داود أعمالكم عرضت علىّ يوم الخميس فرأيت لك فيها شيئا فرحني و ذلك صلتك لابن عمك أما أنّه سيمحق أجله و لا ينقص رزقك، قال داود: و كان لي ابن عمّ ناصب كثير العيال محتاج، فلما خرجت إلى مكّة أمرت له بصلة، فلما دخلت على أبي عبد اللّه عليه السّلام أخبرني بهذا هذا.
و قد تحصّل ممّا ذكرنا كلّه اطلاع النبيّ و اطلاع الأئمة على جميع أفعال النّاس و أعمالهم من خير أو شرّ و أنّه لا تفاوت في ذلك بين حالتي الموت و الحياة فان قلت: ما فايدة تلك الشّهادة و ما ثمرة عرض الأعمال عليهم و اطلاعهم بذلك و النّاس كلّهم يردّون إلى عالم الغيب و الشّهادة و ينبّئهم بما كانوا يعملون.
قلت: ثمرة ذلك أنّ النّاس إذا علموا أنّ لهم شهداء و رقباء و كتّابا يكتبون ما يفعلون لا يغادرون صغيرة و لا كبيرة و أنّ النبيّ و الأئمة يعرض عليهم الأعمال و يطلعون بما يعملون كان ذلك رادعا للنّفس الامارة عن الانهماك في الشّهوات و مانعا لها عن متابعة الأهواء و اللذات، فلا بدّ للعاقل البصير أن ينظر إلى عمله و يحذر من عرض عمله القبيح على نبيّه و أئمته و يستحى من ذلك و لا يفعل ما يوجب مسائة حالهم و استحيائهم من اللّه سبحانه من قبايح أعمال شيعتهم و اللّه وليّ التوفيق.
(و بعيثك بالحقّ و رسولك إلى الخلق) أراد كونه مبعوثا بالدّين الثابت الباقي نفعه إلى الخلق و رسولا إليهم، و هذان الوصفان كساير الأوصاف المذكورة في هذا الفصل إشارة إلى جهات استحقاق الصّلاة و الرّحمة.
|