أوصيكم بتقوى اللّه الّذي أعذر بما أنذر، و احتج بما نهج، و حذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا، و نفث في الآذان نجيّا، فأضلّ و أردى، و وعد فمنّى، و زيّن سيّئات الجرائم، و هوّن موبقات العظائم، حتّى إذا استدرج قرينته، و استغلق رهينته، أنكر ما زيّن، و استعظم ما هوّن، و حذّر ما آمن «أمّن خ».
اللغه
(نفث) ينفث من باب نصر و ضرب من النّفث و هو كالنّفخ و منه.
النّفّاثات في العقد و نفث الشّيطان في قلبه ألقاه و (استدرجه) خدعه و أدناه و قرين الشّيطان و (قرينته) التّابع لرأيه.
قال الشّارح المعتزلي: القرينة ههنا الانسان الذي قارنه الشّيطان و لفظه لفظ التّأنيث و هو مذكّر أراد القرين و (غلق) الرّهن من باب فرح اذا استحقّه المرتهن و ذلك إذا لم يفتكك في الوقت المشروط.
المعنى
و الأخبار في هذا المعنى كثيرة و فيما أوردناه كفاية في المقام و الزّيادة على ذلك تطلب في شرح المأة و الخامسة و السبعين، و نروى تمام رواية الخفاف السّالفة هناك إنشاء اللّه من أصل كتاب الكلينيّ ثمّ عاد عليه السّلام إلى الحثّ على التّقوى أيضا بقوله (أوصيكم بتقوى اللّه الذى أعذر بما أنذر) أى أزال العذر عنه بما أنذركم به من العقوبات (و احتجّ بما نهج) أى أقام الحجّة عليكم بما أوضحه لكم من الأدلّة و الآيات (و حذّركم عدوّا نفذ في الصّدور خفيّا و نفث في الآذان نجيّا) أراد به تحذير اللّه سبحانه و تعالى في غير واحدة من آيات كتابه الكريم من عداوة الشيطان اللّعين كما قال في سورة البقرة وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ و في سورة يوسف: إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ و في سورة يس: أَ لَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إلى غير ذلك و توصيفه بالنّفوذ في الصّدور و النّفث في الاذان إشارة إلى أنّه ليس مثل ساير الأعداء يرى بالأبصار و يدرك بالعيان، بل هو عدوّ ينفذ في القلوب و يجري من ابن آدم مجرى الدّم في العروق، و يلقى في الآذان زخرف القول و غروره، و يمكن أن يراد بالعدوّ الأعمّ من شيطان الجنّ و الانس فيكون الوصف بالنّفوذ بالنظر إلى شيطان الجنّ، و الوصف بالنّفث بالنظر إلى شيطان الانس كما قال سبحانه مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ قال المفسّر أى من شرّ ذي الوسواس الذي وسوس في الصّدور، ثمّ فسّره بقوله من الجنّة و النّاس كما يقال نعوذ باللّه من شرّ كلّ مارد من الجنّ و الانس، و على هذا فيكون وسواس الجنّة هو وسواس الشّيطان، و وسواس الانس إغواء من يغويه من النّاس، فشيطان الجنّ يوسوس و شيطان الانس يأتي علانية و يرى أنه ينصح و قصده الشرّ و يموّه و يلقى في سمعه زخرف القول الذي يستحسن ظاهره و يقبح باطنه.
(فأضل و أردى و وعد فمنى) أى أضلّ بنفوذه في الصدور و وسوسته في القلوب عن طريق الهداية و أوقع في أودية الهلاكة أعني هلاكة الآخرة الموجبة لاستحقاق النار و لغضب الجبار و وعدهم بالمواعيد الكاذبة و منّا هم الأمانى الباطلة كما قال سبحانه: «وَ مَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً».
أي يمنّيهم الأهواء الباطلة و يلقيها في قلب الانسان فيمنّيه طول البقاء و أنّه ينال من الدّنيا مقصوده و يستولى على أعدائه و يوقع في نفسه أنّ الدّنيا دول فربّما تيسّرت لي كما تيسّرت لغيري، و يشوّش بذلك فكره في استخراج الحيل الدّقيقة و الوسائل اللّطيفة في تحصيل مطالبه الشّهويّة و الغضبيّة، فيصدّه عن الطاعة و يوقعه في المعصية و تسويف التّوبة.
و هذه الأماني إنّما تنشأ من الثّقة بقوله و الوثوق بوعده، و وعده تارة يكون بالقاء الخواطر الفاسدة و اخرى بألسنة أوليائه من شياطين الانس، فربّما يعد بالمغفرة مع الكبيرة كما قال تعالى: يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا، و ربّما يعد أنّه لا قيامة و لا حساب و لا ثواب و لا عقاب و يقول للإنسان اجتهد في استيفاء اللّذات العاجلة و اغتنم الحياة الزّائلة.
(و زيّن سيئات الجرائم و هوّن موبقات العظائم) أي زيّن في نظر الانسان قبايح المعاصي و هوّن مهلكات الكبائر و منشأ تزيينه للسّيئات كتهوينه الموبقات أيضا مواعيده الكاذبة و أمانيه الباطلة فما لم يثق بقوله و لا يطمئنّ بوعده لا يهوّن الانسان ما هوّن، و لا يميل إلى ما زيّن.
توضيح ذلك و تحقيقه أنّ مقصود الشّيطان هو التّرغيب في الاعتقاد الباطل و العمل الباطل و التنفير عن اعتقاد الحقّ و عمل الحقّ، و معلوم أنّ التّرغيب في الشي ء لا يمكن إلّا بان يقرّر عنده أنّه لا مضرّة في فعله، و مع ذلك فانّه يفيد المنافع العظيمة و التّنفير عن الشي ء لا يمكن إلّا بأن يقرّر عنده أنّه لا فائدة في فعله و مع ذلك فيفيد المضارّ العظيمة.
إذا ثبت هذا فنقول إنّ الشّيطان إذا دعا إلى المعصية فلا بدّ و أن يقرّر أوّلا أنّه لا مضرّة في فعله البتّة، و ذلك لا يمكن إلّا إذا قال لا معاد و لا جنّة و لا نار و لا حياة بعد هذه الحياة، فهذا الطريق يقرّر عنده أنّه لا مضرّة البتّة في فعل هذه المعاصي و إذا فرغ من هذا المقام قرّر عنده و زيّن في نظره أن هذا الفعل يفيد أنواعا من اللّذة و السّرور و لا حياة للانسان إلّا في هذه الدّنيا فتفويتها غبن و حسرة.
و أمّا طريق التّنفير عن الطاعات فهو أن يقرّر أوّلا عنده أنّه لا فايدة فيها من وجهين الاول أنّه لا جنّة و لا نار و لا ثواب و لا عقاب و الثاني أنّ هذه العبادات لا فائدة فيها للعابد و لا للمعبود فكانت عبثا محضا، و إذا فرغ من هذا المقام قال: إنّها توجب التّعب و المحنة و ذلك أعظم المضارّ فهذه مجامع تلبيس إبليس و توضيح و عده و أمانيه و تزيينه و تهوينه.
(حتّى إذا استدرج قرينته و استغلق رهينته) أي إذا خدع قرينه و تابعه بتزيين الباطل في نظره و تنفيره عن الحقّ و أوقعه في الغلق بالذّنوب التي اكتسبها كالرّهن المغلق في مقابل المال (أنكر ما زيّن و استعظم ما هوّن و حذّر ما آمن) كما قال سبحانه في سورة الأنفال: «وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ وَ اللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ» قال الطبرسي: أى اذكر اذ زيّن الشّيطان للمشركين أعمالهم أي أحسنها في نفوسهم و ذلك أنّ إبليس حسّن لقريش مسيرهم إلى بدر لقتال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم، و قال: لا يغلبكم أحد من النّاس لكثرة عددكم و قوّتكم و إنّى مع ذلك جار لكم أي ناصر لكم و دافع عنكم السّوء، و إنّي عاقد لكم عقد الامان من عدوّكم، فلمّا التقت الفرقتان نكص على عقبيه، أي رجع القهقرى منهرما ورائه، و قال: إنّي بري ء منكم، أي رجعت عمّا ضمنت لكم من الأمان و السّلامة لأنى أرى من الملائكة الذين جاءوا لنصر المسلمين ما لا ترون، و كان إبليس يعرف الملائكة و هم كانوا يعرفونه، إنّي أخاف اللّه، أي أخاف عذاب اللّه على أيدى من أراهم، و اللّه شديد العقاب، لا يطاق عقابه و في سورة الحشر: «كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِي ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ».
أي مثل المنافقين في إغراء اليهود أي بني النّضير للقتال كمثل الشّيطان في إغرائه للانسان، فانّه أبدا يدعو الانسان إلى الكفر ثمّ يتبرّء منه وقت الحاجة مخافة أن يشاركه في العذاب و يقول: إنّي أخاف اللّه رب العالمين، و لا ينفعه ذلك كما قال: فكان عاقبتهما أي الدّاعى و المدعوّ من الشّيطان و من أغواه، أنّهما معذّبان في النّار.
قال ابن عبّاس: إنّ المراد بالانسان في هذه الآية هو عابد بني إسرائيل قال: إنه كان في بنى اسرائيل عابد اسمه برصيصا عبد اللّه زمانا من الدّهر حتّى كان يؤتى بالمجانين يداويهم و يعوّذهم فيبرءون على يده، و أنّه أتي بامرأة في شرف قد جنّت و كان لها اخوة فأتوه بها فكانت عنده فلم يزل به الشّيطان يزيّن له حتّى وقع عليها فحملت، فلمّا استبان حملها قتلها و دفنها، فلمّا فعل ذلك ذهب الشّيطان حتّى لقى أحد إخوتها فأخبره بالذي فعل الرّاهب و أنّه دفنها في مكان كذا.
ثمّ أتى بقيّة إخوتها رجلا رجلا فذكر ذلك له فجعل الرّجل يلقى أخاه فيقول و اللّه لقد أتانى آت فذكر لي شيئا يكبر عليّ ذكره، فذكر بعضهم لبعض حتّى بلغ ذلك ملكهم فصار الملك و النّاس، فاستنزلوه فأقرّ لهم بالّذي فعل فأمر الملك به فصلب، فلمّا رفع على خشبته تمثّل له الشّيطان فقال: أنا الّذي ألقيتك في هذا فهل أنت مطيعي فيما أقول اخلّصك ممّا أنت فيه قال: نعم، قال: اسجد لي سجدة واحدة، فقال: كيف أسجد لك و أنا على هذه الحالة فقال: اكتفي منك بالايماء، فأومى له بالسّجود فكفر باللّه و قتل الرّجل، فهو قوله: كمثل الشّيطان إذ قال للانسان اكفر.
اللّهم إنّا نعوذ بك من خداع إبليس و من شرور الأنفس و من سوء الخاتمة.
تنبيهات ثلاثة متضمنة لتحقيق بعض ما تضمنه هذا الفصل
الاول فى تحقيق الصراط و بيانه
فأقول: إنّ الصّراط ممّا يجب الايمان به و هو من جملة ضروريّات الدّين و هو جسر جهنّم.
قال الصدوق (ره) في محكىّ كلامه عن اعتقاداته: اعتقادنا في الصّراط أنه حقّ و أنه جسر جهنّم و أنّ عليه ممرّ جميع الخلق قال اللّه تعالى: «وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا» قال (ره): و الصراط في وجه آخر اسم حجج اللّه فمن عرفهم في الدّنيا و أطاعهم أعطاه اللّه جوازا على الصراط الذي هو جسر جهنّم قال (ره) و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعليّ عليه السّلام: يا عليّ إذ كان يوم القيامة أقعد أنا و أنت و جبرئيل على الصراط و لا يجوز على الصراط أحد إلّا من كان معه برائة بولايتك و قال المفيد «ره»: الصراط بمعنى الطريق و لذلك يقال على ولاية أمير المؤمنين و الأئمة من ذريتهم عليهم السّلام: الصراط، لكونها طريق النجاة.
أقول: الصراط بهذين المعنيين مما اشير إليه في غير واحد من الأخبار، ففي الصافي و البحار من معاني الأخبار و تفسير الامام عليه السّلام في تفسير قوله: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ».
عن الصّادق عليه السّلام يعني أرشدنا للزوم الطريق المؤدِّي إلى محبّتك و المبلّغ إلى جنّتك و المانع من أن نتّبع أهوائنا فنعطب أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك.
و عنه أيضا هي الطريق إلى معرفة اللّه و هما صراطان صراط في الدّنيا و صراط في الآخرة، فأمّا الصراط في الدّنيا فهو الامام المفترض الطاعة من عرفه في الدّنيا و اقتدى بهداه مرّ على الصّراط الذي هو جسر جهنّم في الآخرة، و من لم يعرفه في الدّنيا زلّت قدمه عن الصّراط في الآخرة فتردى في نار جهنّم، و في رواية نحن الصّراط المستقيم.
و في تفسير عليّ بن إبراهيم القمّي عن حفص بن غياث قال: وصف أبو عبد اللّه عليه السّلام الصّراط فقال: ألف سنة صعود و ألف سنة هبوط و ألف سنة حذال.
و فيه عن سعد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن الصّراط فقال: هو أدقّ من الشّعر و أحدّ من السّيف، فمنهم من يمرّ عليه مثل البرق، و منهم من يمرّ عليه مثل الفرس، و منهم من يمرّ عليه ماشيا، و منهم من يمرّ عليه حبوا«»، و منهم من يمرّ عليه متعلّقا فتأخذ النّار بعضه و تترك بعضه.
و فيه قال: حدّثني أبي عن عمر بن عثمان عن جابر عن أبي جعفر عليه السّلام قال: لمّا نزلت هذه الآية:
«وَ جِي ءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ».
سئل عن رسول اللّه فقال صلّى اللّه عليه و آله و سلم: أخبرني الرّوح الأمين أنّ اللّه لا إله غيره إذا برز الخلائق و جمع الأوّلين و الآخرين أتى بجهنّم تقاد بألف زمام أخذ بكلّ زمام مأئة ألف ملك تقودها من الغلاظ الشّداد لها هدّة و غضب و زفير و شهيق و أنّها لتزفر الزّفرة فلو لا أنّ اللّه أخّرهم للحساب لأهلكت الجميع، ثم يخرج منها عنق فيحيط بالخلائق البرّ و الفاجر ما خلق اللّه عبدا من عباد اللّه ملكا و لا نبيّا إلّا ينادي ربّ نفسي نفسي و أنت يا نبي اللّه تنادي أمّتي أمّتي، ثمّ يوضع عليها الصراط أدقّ من حدّ السّيف عليها ثلاث قناطر فأمّا واحدة فعليها الأمانة و الرّحم، و الثّانية فعليها الصّلاة، و الثالثة فعليها ربّ العالمين لا إله غيره فيكلّفون بالعمرّ عليها فيحبسهم الرّحم و الأمانة فان نجوا منها حبستهم الصّلاة فان نجوا منها كان المنتهى إلى ربّ العالمين«» و هو قوله: «إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ».
و النّاس على الصراط فمتعلّق بيد و تزلّ قدم و تستمسك بالقدم و الملائكة حولها ينادون حولها يا حليم اعف و اصفح و عد بفضلك و سلّم سلّم و النّاس يتهافتون في النّار كالفراش فيها فاذا نجى ناج برحمة اللّه مرّ بها فقال: الحمد للّه و بنعمته تتمّ الصّالحات و تزكو الحسنات و الحمد للّه الّذي نجاني منك بعد اياس بمنّه و فضله إنّ ربّنا لغفور شكور.
و في غاية المرام للسيّد هاشم البحراني من طريق العامة عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس قال: إذا كان يوم القيامة أمر اللّه مالكا أن يسعر النّيران السّبع و أمر رضوان أن يزخرف الجنان الثّمان و يقول: يا ميكائيل مدّ الصّراط على متن جهنّم و يقول: يا جبرائيل انصب ميزان العدل تحت العرش و ينادى يا محمّد: قرّب امّتك للحساب.
ثمّ يأمر اللّه تعالى أن يعقد على الصّراط سبع قناطر طول كلّ قنطرة سبع عشر ألف فرسخ، و على كلّ قنطرة سبعون ألف ملك قيام فيسألون هذه الامّة نسائهم و رجالهم على القنطرة الأولى عن ولاية أمير المؤمنين عليه السّلام و حبّ أهل بيت محمّد صلّى اللّه عليه و آله فمن أتى به جاز على القنطرة الأولى كالبرق الخاطف و من لم يحبّ أهل بيت نبيّه صلّى اللّه عليه و آله سقط على أمّ رأسه على قعر جهنّم و لو كان معه من أعمال البرّ عمل سبعين صدّيقا.
و على القنطرة الثّانية فيسألون عن الصّلاة، و على الثّالثة يسألون عن الزكاة، و على الرّابعة عن الصيام، و على الخامسة عن الحجّ، و على السّادسة عن الجهاد، و على السّابعة عن العدل فمن أتى بشي ء من ذلك جاز على الصّراط كالبرق الخاطف و من لم يأت عذّب و ذلك قوله تعالى «وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ» يعنى معاشر الملائكة قفوهم يعنى العباد على القنطرة الأولى انّهم مسئولون عن ولاية عليّ عليه السّلام و حبّ أهل البيت عليهم السّلام.
و في البحار من تفسير الامام عليه السّلام المفسر باسناده إلى أبي محمّد العسكري عليه السّلام في قوله: «اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ».
قال: أدم لنا توفيقك الذي به أطعناك في ماضي أيّامنا حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا، و الصّراط المستقيم هو صراطان: صراط في الدّنيا، و صراط في الآخرة فأمّا الصّراط المستقيم في الدنيا فهو ما قصر عن الغلوّ و ارتفع عن التقصير و استقام فلم يعدل إلى شي ء من الباطل و أمّا الطريق الآخر فهو طريق المؤمنين إلى الجنّة الذي هو مستقيم لا يعدلون عن الجنّة إلى النّار و لا إلى غير النّار سوى الجنّة.
الثاني فى تحقيق الذكر و المستفاد من قوله عليه السّلام: و اوجف الذكر بلسانه الحث و الترغيب عليه
فأقول إنّ ذكر اللّه عزّ و جلّ على أقسام الاول أن يذكره تعالى عند إرادة المعصية الّتي يريد ارتكابها فيتركها له الثاني ذكره عند الطاعة فيسهل عليه مشقّة العبادة الثالث ذكره عند الرّفاهية و النّعمة فيذكره و يؤدّي شكره الرابع ذكره عند الابتلاء و المحنة فيتضرّع له لصرف البلاء و الصّبر عليه الخامس ذكره بالقلب بأن يتفكّر في صفاته الجلالية و نعوته الجماليّة و غيرها من العلوم و معارف الحقّة السادس الذكر باللّسان بأن يسبّح له و يقدّسه و يمجّده و يشتغل بذكر فضائل أهل البيت و تعليم القرآن و تدريس العلوم الشّرعيّة و أنحائها.
و كلّ ذلك ممّا ورد الحثّ عليه في الأخبار و الآيات قال سبحانه: «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ». و قال أيضا: «فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ» و قال: «وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ».
قال الطبرسيّ (ره) هو عام في الأذكار و قراءة القرآن و الدّعاء و التّسبيح و التهليل و تضرّعا و خيفة أي متضرّعا و خايفا، و دون الجهر من القول، أى و متكلّما كلاما دون الجهر، لأنّ الاخفاء أدخل في الاخلاص و أبعد من الرّيا و أقرب إلى القبول و في الكافي و عدّة الدّاعي لأحمد بن فهد الحلّي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم قال: مكتوب في التّوراة الّتي لم تغير أن موسى سأل ربّه فقال: يا ربّ أ قريب أنت فأناجيك أم بعيد فأناديك فأوحى اللّه إليه يا موسى أنا جليس من ذكرني، فقال موسى: فمن في سترك يوم لا ستر إلّا سترك فقال تعالى: الّذين يذكروني فأذكرهم و يتحابّون لي فاحبّهم فأولئك الّذين إذا أردت أن اصيب أهل الأرض بسوء ذكرتهم فدفعت عنهم بهم.
و في عدّة الدّاعي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم ما جلس قوم يذكرون اللّه إلّا قعد معهم عدّة من الملائكة.
و روى أبو بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكرو اللّه و لم يذكرونا إلّا كان ذلك المجلس عليهم حسرة يوم القيامة، ثمّ قال: قال أبو جعفر عليه السّلام إنّ ذكرنا من ذكر اللّه و ذكر عدوّنا من ذكر الشّيطان.
و روى الحسن بن الحسن الدّيلمي عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلم أنّ الملائكة يمرّون على حلق الذّكر فيقومون على رؤوسهم و يبكون لبكائهم و يؤمّنون لدعائهم، فاذا صعدوا إلى السّماء يقول اللّه تعالى: يا ملائكتي أين كنتم و هو أعلم، فيقولون: يا ربّنا إنّا حضرنا مجلسا من مجالس الذكر فرأينا أقواما يسبّحونك و يمجّدونك و يقدّسونك و يخافون نارك، فيقول اللّه سبحانه: يا ملائكتي أذودها عنهم و اشهدكم أنّي قد غفرت لهم و أمنتهم ممّا يخافون، فيقولون: ربّنا إنّ فيهم فلانا و إنّه لم يذكرك فيقول تعالى: قد غفرت له بمجالسته لهم، الحديث.
و عنه أيضا من ذكر اللّه في السّوق مخلصا عند غفلة النّاس و شغلهم كتب اللّه له ألف حسنة و يغفر اللّه له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر.
و في عدّة الدّاعي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: إنّ موسى عليه السّلام انطلق ينظر إلى اعمال العبّاد فأتى رجلا من أعبد النّاس فلمّا أمسى حرّك الرّجل شجرة إلى جنبه فاذا فيه رمّانتان قال فقال: يا عبد اللّه من أنت إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه ما أجد في هذه الشّجرة إلّا رمّانة واحدة و لو لا أنّك عبد صالح ما وجدت رمّانتين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران.
قال: فلمّا أصبح قال تعلم أحدا أعبد منك قال: نعم فلان الفلاني، قال: فانطلق إليه فاذا هو أعبد منه كثيرا فلمّا أمسى أوتي برغيفين و ماء فقال: يا عبد اللّه من أنت إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه و ما اوتى إلّا برغيف واحد و لو لا أنّك عبد صالح ما اوتيت برغيفين قال أنا رجل أسكن أرض موسى بن عمران.
ثمّ قال موسى: هل تعلم أحدا أعبد منك قال: نعم فلان الحداد في مدينة كذا و كذا، قال: فأتاه فنظر إلى رجل ليس بصاحب العبادة بل إنّما هو ذاكر للّه تعالى و إذا دخل وقت الصّلاة قام فصلّى فلمّا أمسى نظر إلى غلّته فوجدها قد اضعفت قال يا عبد اللّه من أنت إنّك عبد صالح أنا ههنا منذ ما شاء اللّه غلّتي قرب بعضها من بعض و اللّيلة قد اضعفت فمن أنت قال: أنا رجل أسكن في أرض موسى بن عمران.
قال: فأخذ ثلث غلّته فتصدّق بها، و ثلثا أعطى مولى له، و ثلثا اشترى له طعاما فأكل هو و موسى، قال: فتبسّم موسى عليه السّلام فقال: من أىّ شي ء تبسّمت قال: دلّني نبيّ بني إسرائيل على فلان فوجدته من أعبد الخلق فدلّني على فلان فوجدته أعبد منه فدلّني فلان عليك و زعم أنّك أعبد منه و لست أراك شبه القوم.
قال: أنا رجل مملوك أليس تراني ذاكر اللّه تعالى أ و ليس تراني اصلّى الصّلاة لوقتها و إن أقبلت إلى الصّلاة أضررت بغلّة مولاى و أضررت بعمل النّاس أ تريد أن تأتى بلادك قال: نعم.
قال فمرّت به سحابة فقال الحدّاد: يا سحابة تعالى، قال: فجاءت، قال: اين تريدين فقالت: اريد كذا و كذا، قال: انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال: يا سحابة تعالى فجاءت فقال: اين تريدين فقالت اريد ارض كذا و كذا، قال: انصرفي ثمّ مرّت به اخرى قال: يا سحابة تعالى فجاءته فقال اين تريدين قالت أريد أرض موسى بن عمران قال: تعالى و احملي هذا حمل دقيق وضعيه في أرض موسى بن عمران وضعا دقيقا.
قال فلمّا بلغ موسى عليه السّلام بلاده قال: يا ربّ بما بلّغت هذا ما أرى قال تعالى: إنّ عبدي هذا يصبر على بلائي و يرضى بقضائي، و يشكر على نعمائي.
و في البحار من تفسير الامام عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم: الا فاذكروا يا امّة محمّد محمّدا و آله عند نوائبكم و شدائدكم لينصرنّ اللّه بهم ملائكتكم على الشّياطين الّذين يقصدونكم، فانّ كلّ واحد منكم معه ملك عن يمينه يكتب حسناته و ملك عن يساره يكتب سيئاته، و معه شيطانان من عند إبليس يغويانه.
فاذا وسوسا في قلبه ذكر اللّه و قال: لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم و صلّى اللّه على محمّد و آله حبس الشّيطانان ثمّ صارا إلى إبليس فشكواه و قالا له: قد أعيانا أمره فامددنا بالمردة و لا يزال يمدّهما حتّى يمدّهما بألف مارد فيأتونه فكلّما راموه ذكر اللّه و صلّى على محمّد و آله الطّيّبين لم يجدوا عليه طريقا و لا منفذا.
قالوا لابليس ليس له غيرك تباشره بجنودك فتغلبه فتغويه فيقصده إبليس بجنوده، فيقول اللّه تبارك و تعالى للملائكة: هذا إبليس قد قصد عبدي فلانا، أو أمتي فلانة بجنوده ألا فقاتلوه، فيقاتلوه بازاء كلّ شيطان رجيم منهم مأئة ألف ملك و هم على افراس من نار بأيديهم سيوف من نار و رماح من نار و قسىّ و نشاشيب«» و سكاكين و أسلحتهم من نار.
فلا يزالون يجرحونهم و يقتلونهم بها و يأسرون إبليس فيضعون عليه تلك الأسلحة فيقول: يا ربّ وعدك وعدك قد أجّلتني إلى يوم الوقت المعلوم، فيقول اللّه تبارك و تعالى للملائكة: وعدته أن لا اميته و لم أعده أن لا اسلّط عليه السّلاح و العذاب و الآلام اشتقوا منه ضربا بأسلحتكم فانّي لا اميته فيسخنونه بالجراحات ثمّ يدعونه، فلا يزال سخين العين«» على نفسه و أولاده المقتولين المقتّلين«» و لا يندمل شي ء من جراحاته، إلّا بسماعه أصوات المشركين بكفرهم فان بقى هذا المؤمن على طاعة اللّه و ذكره و الصّلاة على محمّد و آله بقى إبليس على تلك الجراحات، فان زال العبد عن ذلك و انهمك في مخالفة اللّه عزّ و جلّ و معاصيه اندملت جراحات إبليس ثمّ قوى على ذلك العبد حتّى يلجمه و يسرج على ظهره و يركبه ثمّ ينزل عنه و يركب ظهره شيطانا من شياطينه و يقول لأصحابه أما تذكرون ما أصابنا من شأن هذا ذلّ و انقاد لنا الآن حتّى صار يركبه هذا ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فان أردتم أن تديموا على إبليس سخنة عينه و ألم جراحاته فداوموا على طاعة اللّه و ذكره و الصّلاة على محمّد و آله، و إن زلتم عن ذلك كنتم اسراء إبليس فيركب أقفيتكم«» بعض مردته هذا، و اللّه المستعان و به الاعتصام في النّجاة من مكايد الشّيطان.
الثالث فى تحقيق معنى الرجاء و الخوف على فى ما شرح البحرانى اخذا من احياء العلوم لابى حامد الغزالى بتغيير و تصرف يسير
فاعلم أنّ الرّجاء من جملة مقامات السالكين و حالات الطالبين، و هو ارتياح النّفس لانتظار ما هو محبوب عندها فهو حالة لها تصدر عن علم و تقتضي عملا بيان ذلك أنّ ما يتصوّره النّفس من محبوب أو مكروه فامّا أن يكون موجودا في الماضي أو في الحال أو يوجد في الاستقبال، و الأوّل يسمّى ذكرا و تذكيرا، و الثّاني يسمّى وجدا لأنّها حالة تجدها من نفسك، و الثّالث و هو أن يغلب على ظنّك وجود شي ء في الاستقبال لنفسك به تعلق يسمّى ذلك انتظارا و توقّعا، فان كان مكروها حدث منه في القلب تألم يسمّى خوفا و اشتفاقا، و إن كان محبوبا حصل من انتظاره و تعلّق القلب به لذّة للنفس و ارتياح باخطار وجوده بالبال يسمّى ذلك الاتياح رجاء.
و لكن ذلك المحبوب المتوقّع لا بدّ و أن يكون له سبب، فان كان توقّعه لأجل حصول أكثر أسبابه فاسم الرجاء عليه صادق، و إن كان انتظاره مع العلم بانتفاء أسبابه فاطلاق اسم الغرور و الحمق عليه أصدق من اسم الرجاء، و إن كانت الأسباب غير معلومة الوجود و لا معلومة العدم فاسم التمنّى أصدق على انتظاره.
إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ أرباب القلوب و العرفان قد علموا أنّ الدّنيا مزرعة الآخرة، فالقلب كالأرض و البذر هو الايمان و المعارف الألهيّة و تأثر القلب بالمواعظ و النّصايح و الإتيان بالطّاعات جار مجرى تقليب الأرض و اصلاحها و مجرى سياق الماء إليها و اعدادها للزراعة.
و القلب المستغرق بحبّ الدّنيا و الميل إليها كالأرض الصلبة أو السبخة التي لا تقبل الزّرع و الانبات و لا ينمو فيها البذر لصلب الأرض أو لمخالطة الأجزاء الملحية، و يوم القيامة يوم الحصاد و لا حصاد إلّا من زرع، و لا زرع إلّا من بذر و كما لا ينفع الزّرع في أرض صلبه سبخة كذلك لا ينفع إيمان مع حبّ القلب و قساوته و سوء الأخلاق.
فينبغي أن يقاس رجاء العبد لمغفرة اللَّه و رضوانه برجاء صاحب الزّرع و كما أنّ من طلب أرضا طيّبة و قلّبها و القى فيها بذراً جيّدا غير متعفّن و لا مسوس ثمّ أمدّه بالماء العذب و ساير ما يحتاج إليه في أوقاته، ثمّ طهّره عن مخالطة ما يمنع نباته من الشّوك و الحشيش و نحوهما، ثمّ جلس منتظراً من فضل اللَّه رفع الصواعق و الآفات المفسدة إلى أن يتمّ الزّرع و يبلغ غايته كان ذلك رجاء في موضعه و استحقّ اسم الرجاء إذا كان في مظنّة أن يفوز بمقصده من ذلك الزّرع.
و من بذر في أرض كذلك إلّا أنّه بذر في اخريات النّاس و لم يبادر إليه في أوّل الأوقات أو قصر في بعض أسبابه مع حصول غالب الأسباب، ثمّ أخذ ينتظر ثمرة ذلك الزّرع و يرجو اللّه سبحانه في سلامة له فهو من جملة الرّاجين أيضا.
و من لم يحصل بذرا أو بذر في أرض سبخة أو صلبة غير قابلة للانبات، ثمّ أخذ ينتظر الحصاد فذلك الانتظار حمق فكان اسم الرجاء إنّما يصدق على انتظار ما حصل جميع أسبابه أو غالبها الداخلة تحت اختيار العبد و لم يبق إلّا ما لا يدخل تحت اختياره و هو فضل اللّه تعالى بصرف المضّار و المفسدات.
كذلك حال العبد إن بذر المعارف الالهية في قلبه في وقته و هو انف البلوغ و مبدء التكليف و دام على سقيه بماء الطاعات و اجتهد في تطهير نفسه عن شوك الأخلاق الردية التي تمنع نماء العلم و زيادة الايمان و انتظر من فضل اللّه أن يثبته على ذلك إلى زمان وصوله و حصاد عمله فذلك الانتظار هو الرجاء الحقيقي المحمود و هو درجة السّابقين.
و إن ألقى بذر الايمان في نفسه لكنه قصر في بعض الأسباب إما بتأخير في البذر أو تسامح في السقي في الجملة ثمّ أخذ ينتظر وقت الحصاد و يتوقع من فضل اللّه تعالى أن يبارك له و يعتمد عليه على أنه الرّزاق ذو القوة المتين فيصدق عليه أنه راج أيضا لحصول اكثر الأسباب. و أما من لم يزرع من قواعد الايمان في قلبه شيئا أو زرع و لم يسقه بماء الطاعة أو لم يطهر نفسه من رزايل الأخلاق و اشتغل بالسّيئآت أو انهمك في الشهوات ثمّ انتظر المغفرة و الفضل من اللّه فانتظاره حمق و غرور.
قال سبحانه: «خلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى و يقولون سيغفر لنا» و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم: الأحمق من اتبع نفسه هواها و تمنّى على اللّه الجنّة، قال الشّاعر:
- إذا انت لم تزرع و عاينت حاصداندمت على التفريط في زمن البذر
فأعظم الحمق و الاغترار التمادي في الذنوب مع رجاء العفو من غير ندامة و توقع القرب من اللّه تعالى بغير طاعة، و انتظار زرع الجنّة ببذر النّار و طلب دار المطيعين بالمعاصي و انتظار الجزاء بغير عمل و التمنّى على اللّه مع الافراط و التجرّي.
- ترجو النّجاة و لم تسلك مسالكهاإنّ السّفينة لا تجري على اليبس
|