و لم يختلفوا في ربّهم باستحواذ الشّيطان عليهم، و لم يفرّقهم سوء التّقاطع، و لا تولّاهم غلّ التّحاسد، و لا شعّبتهم مصارف الرّيب، و لا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم أسراء إيمان لم يفكّهم من ربقته زيغ و لا عدول، و لا ونا و لا فتور، و ليس في أطباق السّموات موضع إهاب إلّا و عليه ملك ساجد، أو ساع حافد، يزدادون على طول الطّاعة بربّهم علما، و تزداد عزّة ربّهم في قلوبهم عظما.
اللغه
(استحوذ) عليه الشيطان استولى و (التقاطع) التعادي و ترك البرّ و الاحسان و (تولّيت) الأمر قمت به و (الغلّ) الحقد و (الشعبة) من كلّ شي ء الطائفة منه و شعّبهم أى فرّقهم و فى بعض النّسخ تشعبّتهم على التفعّل و الأوّل أظهر و (الرّيب) جمع الرّيبة و هو الشّك.
و (أخياف) الهمم اختلافها و أصله من الخيف بالتحريك مصدر من باب تعب و هو أن يكون إحدى العينين من الفرس زرقاء و الاخرى كحلاء، فالفرس أخيف و النّاس أخياف أى مختلفون، و منه قيل لاخوة الامّ: أخياف لاختلافهم من حيث الأب و (الاهاب) ككتاب الجلد و (الحافد) المسرع و الخفيف في العمل و يجمع على حفد بالتحريك و يطلق على الخدم لاسراعه في الخدمة و (العظم) وزان عنب خلاف الصّغر مصدر عظم و فى بعض النّسخ بالضّم و زان قفل و هو اسم من تعظّم أى تكبّر.
المعنى
(و لم يختلفوا في ربّهم باستحواذ الشيطان عليهم) أى لم يختلفوا فيه من حيث الاثبات و النفى أو التعيين أو الصّفات كالتّجرّد و التجسّم و كيفيّة العلم و غير ذلك، و قيل: أى في استحقاق كمال العبادة، و المقصود نفى الاختلاف عنهم باستيلاء الشّيطان كما هو في الانسان لأنّه: لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ«» (و لم يفرقهم سوء التقاطع) و التعادي و ترك البرّ و الاحسان (و لا تولّاهم غلّ التحاسد) الناشي من النفس الامارة بالحقد و العدوان (و لا شعّبتهم مصارف الرّيب) و وجوهات شكوك الأذهان (و لا اقتسمتهم أخياف الهمم) و اختلافاتها لانحصار همّهم في طاعة اللَّه الرّحيم الرّحمن (فهم اسراء الايمان لم يفكهم من ربقته زيغ) و جور (و لا عدول و لاونا) و وهن (و لا فتور) ثمّ أشار عليه السّلام إلى كثرة الملائكة بقوله: (و ليس في أطباق السموات موضع اهاب) و جلد (إلّا و عليه ملك ساجد) خاشع لربّه (أوساع) مسرع (حافد) في طاعة معبوده (يزدادون على طول الطاعة بربّهم علما) و يقينا (و تزداد عزّة ربّهم في قلوبهم عظما) و كمالا.
قال الشّارح البحراني: اعلم أنّ للسماء ملائكة مباشرة لتحريكها، و ملائكة أعلى رتبة من اولئك هم الآمرون لهم بالتحريك، فيشبه أن يكون الاشارة بالساجدين منهم إلى الآمرين، و السجود كناية عن كمال عبادتهم كناية بالمستعار، و يكون الاشارة بالساعين المسرعين إلى المتولّين للتحريك، فأمّا زيادتهم بطول طاعتهم علما بربّهم فلما ثبت أنّ حركاتهم إنما هو شوقيّة للتشبّه بملائكة أعلى رتبة منهم في كمالهم بالمعارف الالهية و ظهور ما في ذواتهم بالقوّة إلى الفعل، و زيادة عزّة ربّهم عندهم عظما بحسب زيادة معرفتهم له تابعة لها.
أقول: و قد مضى الاشارة منّا إلى أنّ هذا كلّه مبنيّ على الاصول الحكميّة و عدول عن طريق الشريعة النبويّة على صادعها آلاف الصّلاة و السّلام و التحيّة و قدّمنا الأخبار المناسبة للمقام في شرح الفصل التّاسع من الخطبة الاولى فتذكّر
و ينبغي تذييل المقام بأمرين مهمّين: أحدهما فى عصمة الملائكة
و هو مذهب أصحابنا الاماميّة رضوان اللَّه عليهم و عليه دلّت الآيات القرآنيّة و الأخبار الكثيرة من طرقنا، و لنقتصر على رواية واحدة، و هو: ما رواه في الصّافي قال: قال الرّاوي: قلت لأبي محمّد عليه السّلام: فانّ قوما عندنا يزعمون أنّ هاروت و ماروت ملكان اختارتهما الملائكة لما كثر عصيان بني آدم، و أنزلهما اللَّه مع ثالث لهما إلى الدّنيا، و أنهما افتتنا بالزّهرة و أراد الزنا و شربا الخمر و قتلا النفس المحرّمة و أن اللَّه يعذّبهما ببابل، و أنّ السحرة منهما يتعلّمون السّحر و أنّ اللَّه مسخ تلك المرأة هذا الكوكب الذي هو الزّهرة. فقال الامام عليه السّلام: معاذ اللَّه من ذلك إنّ ملائكة اللَّه معصومون محفوظون من الكفر و القبايح بألطاف اللَّه تعالى قال اللَّه فيهم: لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ و قال: وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ يعني الملائكة لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ و قال في الملائكة أيضا: بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ إلى قوله مُشْفِقُونَ و مثله في البحار عن يوسف بن محمّد بن زياد و عليّ بن محمّد بن سيّار عن أبويهما أنهما قالا: فقلنا للحسن أبي القائم عليهما السّلام: فانّ قوما إلى آخر الخبر، و رواه أيضا في الاحتجاج عن أبي محمّد العسكري عليه السّلام مثله.
نعم في بعض الرّوايات ما يدلّ على خلاف ذلك، و هو ما رواه عليّ بن إبراهيم القميّ (ره) عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن عليّ بن رئاب عن محمّد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال: سأله عطا و نحن بمكّة عن هاروت و ماروت، فقال عليه السّلام: إنّ الملائكة كانوا ينزلون من السّماء إلى الأرض في كلّ يوم و ليلة يحفظون أعمال أوساط أهل الأرض من ولد آدم عليه السّلام و الجنّ و يسطرونها و يعرجون بها إلى السّماء قال: فضجّ أهل السّماء من معاصي أوساط أهل الأرض فتوامروا فيما بينهم ممّا يسمعون و يرون من افترائهم الكذب على اللَّه تبارك و جرأتهم عليه و نزّهوا اللَّه تعالى ممّا يقول فيه خلقه و يصفون، فقال طائفة من الملائكة: يا ربّنا ما تغضب مما يعمل خلقك في أرضك و ممّا يصفون فيك الكذب و يقولون الزّور و يرتكبون المعاصي، و قد نهيتهم عنها، ثمّ أنت تحلم عنهم و هم في قبضتك و قدرتك و خلال عافيتك، قال عليه السّلام: فأحبّ اللَّه عزّ و جلّ أن يرى الملائكة سابق علمه في جميع خلقه و يعرّفهم ما منّ به عليهم ممّا عدل به عنهم من صنع خلقه و ما طبعهم عليه من الطاعة و عصمهم به من الذّنوب.
قال عليه السّلام: فأوحى اللَّه إلى الملائكة أن انتدبوا منكم ملكين حتّى اهبطهما إلى الأرض ثمّ أجعل فيهما من طبايع المطعم و المشرب و الشّهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلته في ولد آدم، ثمّ اختبرهما في الطّاعة، قال عليه السّلام: فندبوا لذلك هاروت و ماروت و كانا أشدّ الملائكة قولا في العيب لولد آدم و استيثار غضب اللَّه عليهم.
قال عليه السّلام: فأوحى اللَّه إليهما أن اهبطا إلى الأرض فقد جعلت فيكما من طبايع المطعم و المشرب و الشّهوة و الحرص و الأمل مثل ما جعلت في ولد آدم قال عليه السّلام ثمّ أوحى اللَّه إليهما: انظرا أن لا تشركا بي شيئا و لا تقتلا النّفس الّتي حرّم اللَّه و لا تزنيا و لا تشربا الخمر.
قال عليه السّلام: ثمّ كشط«» عن السّماوات السّبع ليريهما قدرته، ثمّ اهبطا إلى الأرض في صورة البشر و لباسهم، فهبطا ناحية بابل فرفع لهما بناء مشرف فأقبلا نحوه فاذا بحضرته امرأة جميلة حسناء مزيّنة معطّرة مسفرة مقبلة.
قال عليه السّلام فلمّا نظرا إليها و ناطقاها و تأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموضع الشّهوة التي جعلت فيهما، فرجعا إليها رجوع فتنة و خذلان و راوداها عن نفسها، فقالت لهما: إنّ لي دينا أدين به و ليس أقدر في ديني على أن اجيبكما إلى ما تريدان إلّا أن تدخلا في ديني الذي أدين به، فقالا لها: و ما دينك قالت: لي إله من عبده و سجد له كان لى السبيل إلى أن اجيبه إلى كلّ ما سألني، فقالا لها: و ما إلهك قالت: إلهي هذا الصّنم.
قال عليه السّلام: فنظر أحدهما إلى صاحبه فقال: هاتان خصلتان مما نهينا عنها الشّرك و الزّنا، لأنّا إن سجدنا لهذا الصّنم و عبدناه أشركنا باللّه و إنّما نشرك باللّه لنصل إلى الزّنا و هو ذا نحن نطلب الزّنا فليس نعطى إلّا بالشّرك.
فقال عليه السّلام: فائتمرا بينهما فغلبتهما الشّهوة التي جعلت فيهما، فقالا لها نجيبك إلى ما سألت، فقالت: فدونكما فاشربا هذا الخمر فانّه قربان لكما و به تصلان إلى ما تريدان، فائتمرا بينهما فقالا: هذه ثلاث خصال ممّا نهينا ربّنا عنها: الشرك و الزّنا، و شرب الخمر، و إنّما ندخل في شرب الخمر و الشّرك حتّى نصل إلى الزّنا، فائتمرا بينهما فقالا: ما أعظم البليّة بك قد أجبناك الى ما سألت، قالت: فدونكما فاشربا من هذا الخمر، و اعبدا هذا الصّنم، و اسجدا له، فشربا الخمر و عبدا الصّنم ثمّ راوداها عن نفسها.
فلمّا تهيّأت لهما و تهيّآ لها دخل عليها سائل يسأل هذه، فلمّا رآهما و رأياه ذعرا«» منه، فقال لهما: إنكما لامرء آن ذعران، فدخلتما بهذه المرأة المعطّرة الحسناء إنكما لرجلا سوء، و خرج عنهما، فقالت لهما: و إلهى ما تصلان الآن إلىّ و قد اطلع هذا الرجل على حالكما و عرف مكانكما، و يخرج الآن و يخبر بخبر كما و لكن بادرا إلى هذا الرجل فاقتلاه قبل أن يفضحكما و يفضحني ثمّ دونكما فاقضيا حاجتكما و أنتما مطمئنّان آمنان.
قال عليه السّلام: فقاما إلى الرّجل فأدركاه فقتلاه ثمّ رجعا إليها فلم يرياها و بدت لهما سوآتهما و نزع عنهما رياشهما و اسقطا«» في أيديهما، فأوحى اللَّه إليهما أن اهبطتكما إلى الأرض مع خلقي ساعة من النّهار فعصيتماني بأربع من معاصي كلّها قد نهيتكما عنها و تقدّمت إليكما فيها فلم تراقباني و لم تستحييا منى، و قد كنتما أشدّ من نقم على أهل الأرض بالمعاصي و استجرّ أسفى و غضبي عليهم لما جعلت فيكما من طبع خلقي و عصمتي إيّاكما من المعاصي فكيف رأيتما موضع خذلاني فيكما.
اختارا عذاب الدّنيا أو عذاب الآخرة، فقال أحدهما لصاحبه: نتمتّع من شهواتنا في الدّنيا إذ صرنا إليها إلى أن نصير إلى عذاب الآخرة، فقال الآخر: إنّ عذاب الدّنيا له مدّة و انقطاع و عذاب الآخرة قائم لا انقطاع له فلسنا نختار عذاب الآخرة الشديد الدّائم على عذاب الدّنيا المنقطع الفاني.
قال عليه السّلام: فاختارا عذاب الدّنيا فكانا يعلّمان النّاس السّحر في أرض بابل ثمّ لما علّما النّاس السّحر رفعا من الأرض إلى الهواء، فهما معذّبان منكّسان معلّقان في الهواء إلى يوم القيامة، و رواه في البحار عن العيّاشى عن محمّد بن قيس مثله، و بمعناه أخبار اخر، و يمكن حملها على التقيّة، و يشعر به كون السائل في هذه الرّواية من علماء العامة.
و ما رواه في البحار عن العلل عن الصّادق عليه السّلام في حديث قال: و أمّا الزّهرة فانّها كانت امرئة تسمّى ناهيد (ناهيل خ ل) و هي الّتي تقول الناس إنّه افتتن بها هاروت و ماروت، فانّ في نسبة افتتانهما إلى النّاس إشارة إلى ما ذكرناه كما لا يخفى.
و قال بعض أهل العرفان بعد ما أورد الرّوايات الدّالّة على تكذيب أمر هاروت و ماروت و الرّوايات الدّالّة على صحّة قصّتهما: و الوجه في الجمع و التوفيق أن يحمل روايات الصّحة على كونها من مرموزات الأوائل و إشاراتهم، و أنّهم عليه السّلام لمّا رأوا أنّ حكاتها كانوا يحملونها على ظاهرها كذّبوها ثمّ قال: و أمّا حلّها فلعلّ المراد بالملكين الرّوح و العقل فانّهما من العالم الرّوحاني اهبطا إلى العالم الجسمانى لاقامة الحقّ فافتتنا بزهرة الحياة الدّنيا، و وقعا في شبكة الشهوة، فشربا خمر الغفلة، و عبدا صنم الهوى، و قتلا عقلهما النّاصح لهما بمنع تغذيته بالعلم و التقوى، و محو أثر نصحه عن أنفسهما، و تهيّئا للزّنا ببغى الدّنيا الدّنيّة التي تلى تربية النشاط و الطرب فيها الكوكب المسمّى بالزّهرة، فهربت الدّنيا منهما و فاتتهما لما كان من عادتهما أن تهرب من طالبيها لأنّها متاع الغرور و بقي اشراق حسنها في موضع مرتفع بحيث لا تنالها ايدى طالبها ما دامت الزّهرة باقية في السّماء و حملهما حبّها في قلبهما إلى أن وضعها طرائق مر السّحر و هو ما لطف مأخذه و دقّ، فخيّرا للتخلّص منها فاختارا بعد التنبّه و عود العقل إليهما أهون العذابين، ثمّ رفعا إلى البرزخ معذّبين و رأسهما بعد الى أسفل إلى يوم القيامة.
هذا ما خطر بالبال في حلّ هذا الرّمز و اللّه الهادي.
الثاني
اختلف المسلمون في أنّ الأنبياء و الملائكة أيّهم أفضل أى أكثر ثوابا، فذهب أكثر الأشاعرة إلى أنّ الأنبياء أفضل، و قال المعتزلة كما في شرح المعتزلي إنّ نوع الملائكة أفضل من نوع البشر، و الملائكة المقرّبون أفضل من نوع الأنبياء و ليس كلّ ملك عند الاطلاق أفضل من محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، بل بعض المقرّبين أفضل منه، و هو صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أفضل من ملائكة اخرى غير الأوّلين.
و لا خلاف بين علماء الاماميّة قدّس اللّه أرواحهم في أنّ الأنبياء و الأئمّة صلوات اللّه عليهم أفضل من جميع الملائكة، و أخبارهم على ذلك مستفيضة، و قد حقّقوا ذلك في كتب الاصول و لا حاجة لنا الآن إلى بسط الكلام في ذلك المقام، و إنّما نقتصر على رواية واحدة توضيحا للمرام.
و هو ما رواه الصّدوق في كتاب إكمال الدّين و إتمام النّعمة قال: حدّثنا الحسن بن محمّد بن سعيد الهاشمي، قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال: حدّثنا محمّد بن علىّ بن أحمد الهمداني، قال: حدّثنى أبو الفضيل العبّاس ابن عبد اللّه البخاري، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن إبراهيم بن عبد اللّه بن القاسم بن محمّد بن أبي بكر، قال: حدّثنا عبد السّلام بن صالح الهروي عن عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام عن أبيه موسى بن جعفر عن أبيه جعفر بن محمّد عن أبيه محمّد بن عليّ عن أبيه عليّ بن الحسين عن أبيه الحسين بن عليّ عن أبيه عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: ما خلق اللّه خلقا أفضل منّي و لا أكرم عليه منّي قال عليّ عليه السّلام: فقلت: يا رسول اللّه فأنت أفضل أم جبرئيل فقال: إنّ اللّه تبارك و تعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقزّبين و فضّلني على جميع النّبيّين و المرسلين و الفصل بعدي لك يا عليّ و الأئمّة من بعدك، فانّ الملائكة لخدّامنا و خدّام محبّينا يا عليّ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ... وَ يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا» بولايتنا، يا عليّ لو لا نحن ما خلق اللّه آدم عليه السّلام و لا حوّا و لا الجنّة و لا النّار و لا السّماء و لا الأرض، و كيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سبقناهم إلى التّوحيد و معرفة ربّنا عزّ و جلّ و تسبيحه و تقديسه و تهليله، لأنّ أوّل ما خلق اللّه عزّ و جلّ أرواحنا، فأنطقنا بتوحيده و تمجيده ثمّ خلق الملائكة فلمّا شاهدوا أرواحنا نورا واحدا استعظموا امورنا فسبّحنا لتعلم الملائكة أنّا خلق مخلوقون و أنّه منزّه عن صفاتنا فسبّحت الملائكة لتسبيحنا و نزهته عن صفاتنا.
فلمّا شاهد و اعظم شأننا هلّلنا لتعلم الملائكة أن لا إله إلّا اللّه فلمّا شاهدوا كبر محلّنا كبّرنا اللّه لتعلم الملائكة أنّ اللّه أكبر من أن تنال و أنّه عظيم المحلّ فلمّا شاهدوا ما جعل اللّه لنا من القدرة و القوّة قلنا: لا حول و لا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم، لتعلم الملائكة أن لا حول و لا قوّة إلّا باللّه.
فلمّا شاهدوا ما أنعم اللّه به علينا و أوجبه من فرض الطاعة قلنا: الحمد للّه، لتعلم الملائكة ما يحقّ اللّه تعالى ذكره علينا من الحمد على نعمه فقالت الملائكة الحمد للّه فبنا اهتدوا إلى معرفة اللّه و تسبيحه و تهليله و تحميده، ثمّ إنّ اللّه تبارك و تعالى خلق آدم عليه السّلام و أودعنا صلبه و أمر الملائكة بالسّجود له تعظيما لنا و إكراما، و كان سجودهم للّه عزّ و جلّ عبوديّة و لآدم إكراما و طاعة لكونه في صلبه فكيف لا نكون أفضل من الملائكة و قد سجدوا لآدم عليه السّلام كلّهم أجمعون.
و أنّه لما عرج بي إلى السّماء أذّن جبرئيل عليه السّلام مثنى مثنى ثمّ قال: تقدّم يا محمّد، فقلت: يا جبرئيل تقدّم عليك فقال: نعم لأنّ اللّه تبارك و تعالى اسمه فضّل أنبيائه على ملائكته أجمعين و فضّلك خاصّة، فتقدّمت و صلّيت بهم و لا فخر فلمّا انتهينا إلى حجب النّور قال لي جبرئيل عليه السّلام: تقدّم يا محمّد و تخلّف عني، فقلت: يا جبرئيل في مثل هذا الموضع تفارقني فقال: يا محمّد إنّ هذا انتهاء حدّي الّذي وضعه اللَّه لي في هذا المكان فان تجاوزته احترقت أجنحتي لتعدّى حدود ربّي جلّ جلاله، فزّج بي ربّي زجّة في النّور حتّى انتهيت إلى حيث ما شاء اللّه عزّ و جلّ من ملكوته.
فنوديت: يا محمّد، فقلت: لبّيك ربّي و سعديك تباركت و تعاليت فنوديت يا محمّد أنت عبدي و أنا ربّك فإيّاى فاعبد و علىّ فتوكّل فانّك نوري في عبادي و رسولي إلى خلقي و حجّتي فى بريّتي، لمن تبعك خلقت جنّتي و لمن عصاك و خالفك خلقت ناري، و لأوصيائك أوجبت كرامتي، و لشيعتك أوجبت ثوابي.
فقلت: يا رب و من أوصيائي فنوديت: يا محمّد إنّ أوصيائك المكتوبون على ساق العرش، فنظرت و أنا بين يدي ربّي إلي ساق العرش فرأيت اثنا عشر نورا في كلّ نور سطر أخضر مكتوب عليه اسم كلّ وصيّ من أوصيائي أوّلهم عليّ بن أبي طالب و آخرهم مهديّ أمّتي.
فقلت: يا ربّ هؤلاء أوصيائي من بعدي فنوديت: يا محمّد هؤلاء أوليائي و أحبّائي و أصفيائي حجّتي بعدك على بريّتي، و هم أوصياؤك و خلفاؤك و خير خلقي بعدك، و عزّتي و جلالي لاظهرنّ بهم ديني، و لأعلينّ بهم كلمتي و لاطهّرنّ الأرض بآخرهم من أعدائي، و لا ملكنّه مشارق الأرض و مغاربها، و لأسخّرنّ له الرّياح و لاذللنّ الرّقاب الصّغار، و لا رقبه في الأسباب، و لأنصرنّه بجندي، و لأمدّنه بملائكتي حتّى يعلو دعوتي و يجمع الخلق على توحيدي، ثمّ لأديمنّ ملكه و لأداولنّ الأيام بين أوليائي إلى يوم القيامة.
و الحمد للّه ربّ العالمين و الصّلاة على نبيّنا محمّد و آله الطّيبين الطاهرين و سلّم تسليما و إنّما ذكرت الرّواية بطولها مع كون ذيلها خارجا عن الغرض لتضمّنه مناقب أهل البيت الأطهار، و كونه نصّا في خلافة الأئمة الأبرار و لعا منّى بايراد فضايلهم و مناقبهم ما تعاقب على اللّيل و النّار، سلام اللّه عليهم أجمعين، و لعنة اللّه على أعدائهم و منكري فضائلهم إلى يوم الدّين.
|