المختار السابع و الاربعون من كتبه عليه السّلام و من كتاب له عليه السلام الى معاوية
و إنّ البغى و الزّور يوتغان [يذيعان ] بالمرء في دينه و دنياه و يبديان خلله عند من يعيبه، و قد علمت أنّك غير مدرك ما قضى فواته و قد رام أقوام أمرا بغير الحقّ فتأوّلوا على اللّه فأكذبهم، فاحذر يوما يغتبط [يغبط] فيه من أحمد عاقبة عمله، و يندم من أمكن الشّيطان من قياده فلم يجاذبه. و قد دعوتنا إلى حكم القرآن و لست من أهله، و لسنا إيّاك أجبنا، و لكنّا أجبنا القرآن في حكمه، و السّلام.
اللغة
(الزور): خلاف الحقّ و يطلق كثيرا على الشهادة الكاذبة، (يوتغان): يهلكان، و الوتغ بالتحريك الهلاك، و قد وتغ يوتغ وتغا: أى أثم و هلك، (رام): طلب، (فتأوّلوا): التّأويل: حمل الكلام على خلاف ما قصد منه في الظاهر أو حمل المجمل على أحد محتملاته، و في الشرح المعتزلي: فتالوا، أى حلفوا.
المعنى
قال ابن ميثم: هذا الفصل من كتاب له إليه بعد التحكيم و تمسّك معاوية بما حكم به الحكمان و يحتمل أن يكون عند إجابته إلى التحكيم.
أقول: صدر عنه عليه السّلام هذا الكتاب في مبتدأ حكومة معاوية و استقرار سلطته الظالمة على ناحية كبيرة من البلدان الاسلاميّة المتعقّبة لتسلّطه على سائر البلاد، و بيّن أنّ مبنى حكومته البغي و هو خروجه عن إطاعة الحكومة الحقّة الاسلاميّة و عدم إطاعته عن أمير المؤمنين عليه السّلام و ايجاده الفوضى في بلاد الشام و إغوائه لأهلها مؤيّدا بالزور و البهتان الّذي تمسّك به من الطلب بدم عثمان و تعاون اتباعه معه باتّهام عليّ عليه السّلام بقتله أو معاونته في ذلك، و نبّهه على أنّ الحكومة المكتسبة بهذين العاملين توجب هلاكه في الدين و الدنيا و تبدي مساويه عند أهل النقد و أهل البصيرة في مسير التاريخ، و أشار إلى أنّه لا ينال ما رامه و ما قصد إليه من تقمّصه بخلافة و أمارة ظاهرة الصلاح عند كافّة المسلمين كحكومة الأوّل و الثاني و أنّ المسلمين يتنفّرون عنه لمساوي أعماله، أو المقصود أنّه لا يدرك ثار عثمان عمّن قتله، أو المراد أنّه لا يدرك إثبات تهمة عليّ عليه السّلام بدم عثمان لأنّه زور و بهتان معلوم عند المسلمين.
ثمّ بيّن أنّ اناسا ممّن يؤيّدونه يطلبون السلطنة و الأمارة بغير حقّ فتحالفوا على اللّه على ذلك فأكذبهم، و الظاهر أنّ المقصود من هؤلاء الأقوام طلحة و الزبير و أشياعهما ممّن حضر البصرة و أثاروا حرب الجمل فأكذبهم اللّه بانهزامهم و فشلهم، و حذّر بهذا التذكر معاوية و خوّفه من سوء عاقبته و أفاد عليه السّلام أنّ الشيطان قائده، فلا بدّ له من المقاومة تجاه الشيطان حتّى لا يندم من سوء عاقبته.
ثمّ أشار إلى أنّ دعوة معاوية إلى حكم القرآن كانت خدعة منه و أنّه لا يعتقد بالقرآن و لا يكون من أهله و أنّ أمير المؤمنين و شيعته لم يوافقوا على إجابته و إنّما وافقوا على إجابة حكم القرآن في أمر الامامة و الخلافة عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و حكمه إقرار خلافة عليّ عليه السّلام لنصوص خاصة و عامّة تعين إمامته بعد النبيّ صلّى اللّه عليه و آله من الايات الدالة على إمامته.
قال ابن ميثم: قوله: و قد دعوتنا- إلى آخره صورة سؤاله و الجواب عنه، و كونه ليس من أهله إذ لم يكن صالحا للامامة كما سبق بيانه مرارا، و حيث لم يكن أهلا لأن يجاب إلى الرضا بالتحكيم أعلمه بذلك و أنه إنما أجاب القرآن إلى حكمه و ذلك في قوله تعالى في حقّ الزوجين: «و إن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله و حكما من أهلها» الاية، فجعل هذا أصلا و قاس عليه بالطريق الأولى حال الامّة عند وقوع الشقاق بينهم، و بعين ذلك احتجّ ابن عباس- رضي اللّه عنه- على الخوارج حيث أنكروا التحكيم فقالوا: كيف يجوز لعليّ أن يحكّم في دين اللّه الرجال فقال لهم: إنّ ذلك ليس بأمر عليّ عليه السّلام و إنما هو بأمر من اللّه تعالى في كتابه، إذ يقول في حقّ الزوجين: «و إن خفتم» الاية أ فترون أنّه أمر تعالى بذلك في حقّ الرّجل و امرأته مراعاة لمصلحتهما و لا يأمر بذلك في حقّ الامّة رعيا لمصلحتهم فرجع كثير منهم إلى قوله، و باللّه التوفيق.
أقول: و في كلامه هذا موارد من النظر: 1- أنّ مفاد قوله عليه السّلام (و لكنّا أجبنا القرآن في حكمه) ليس الإجابة إلى الدّعوة بالتحكيم في أمر الإمامة على وجه عرضه معاوية، فانّ الإمامة تشريع إلهى لا يناله رأى البشر، بل المراد الإجابة إلى حكم القرآن في تعيين أمر الإمامة و بيان أوصاف الإمام ممّا ينطبق عليه عليه السّلام.
2- انّه عليه السّلام لم يرض بالتحكيم و إنّما أكرهوه على ذلك فسكت عمّا يطلبه ذووا الباس من جنده حفظا لدماء أهله و خصوصا الحسن و الحسين عليهما السّلام منهم حيث إنّهما إمامان بعده و لا بدّ من بقائهما و تحمّلهما أمر الإمامة على ما قرّره النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و قد أوضح عليه السّلام ذلك فيما أجاب به رأس اليهود في مصاحبته معه عليه السّلام بعد المراجعة من صفيّن، كما ذكره الشّيخ الصّدوق رحمه اللّه في الباب الرّابعة عشر من الخصال في ضمن ما يلي به من الامتحان و الابتلاء في زمان حياة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بعد مماته، فاكره عليه السّلام على التحكيم أوّلا و على انتخاب أبي موسى الأشعري حكما ثانيا.
3- أنّ قياس الحكميّة في أمر الإمامة بالحكميّة في اختلاف الزّوجين قياس مع الفارق من وجوه شتّى، فانّ الاختلاف بين الزّوجين يرجع إلى حقوقهما الخاصّة بهما و لهما الحقّ على إسقاطها و الطلب بها و التراضى عليها بكلّ وجه و لكن أمر الإمامة حقّ إلهى و لا مدخل للرأى و النظر من النّاس فيها، و يرجع إلى كافّة الرّعيّة فكيف يصحّ تحكيم جمع أو أفراد فيه، و ما نقله عن ابن عبّاس لا يصحّ إلّا على وجه الجدال بالأحسن و الاحتجاج على الخصم بما يلتزم به دحضا لشبهته و دفعا لتهمته و إرجاعا له إلى الحقّ بأىّ وجه تيسّر، و إلّا فاية التحكيم بين الزّوجين بمعزل عن الإمامة و الخلافة خصوصا على ما التزم به الاماميّة من أنها لا يثبت إلّا بالنّص من المعصوم في حقّ إمام معصوم.
الترجمة
از يك نامه اى كه بمعاويه نگاشته است: و راستى كه شورش بر حكومت و گفتار دروغ مرد را در ورطه هلاكت دين و دنيا اندازند و كم و كاستى او را نزد تيز بينان و عيب جويان هويدا سازند.
تو بخوبى مى دانى كه آنچه بحكم قضاى حتمى از دست رفته بدست نتوانى آورد، مردمى بنا حق دنبال كارى و مقامى ناشايست آنها رفتند و با هم بر خداوند هم سوگند شدند و خداوند دروغ آنها را فاش ساخت.
بر حذر باش از روزى كه بر هر كه سرانجامش ستوده و رضايت بخش است رشك برند و هر كس شيطانش مهار كشيده و در برابرش مقاومتى نكرده و دنبال او رفته پشيمان است و افسوس مى خورد.
تو ما را بحكم قرآن دعوت كردى با اين كه أهل آن نبودى، و ما هم پاسخ گو و پذيراى دعوت تو نبوديم ولي قرآن را در حكم و فرمانش پذيرا هستيم. و السّلام.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 134-138)
|