دانشنامه پژوهه بزرگترین بانک مقالات علوم انسانی و اسلامی

نامه 45 نهج البلاغه : نامه به عثمان ابن حنيف انصارىّ حاکم بصره

نامه 45 نهج البلاغه "به عثمان ابن حنيف انصارىّ حاکم بصره" می باشد.
No image
نامه 45 نهج البلاغه : نامه به عثمان ابن حنيف انصارىّ حاکم بصره

متن اصلی نامه 45 نهج البلاغه

عنوان نامه 45 نهج البلاغه

ترجمه مرحوم فیض

ترجمه مرحوم شهیدی

شرح ابن میثم

ترجمه شرح ابن میثم

شرح مرحوم مغنیه

شرح منهاج البراعة خویی

شرح لاهیجی

شرح ابن ابی الحدید

شرح نهج البلاغه منظوم

متن اصلی نامه 45 نهج البلاغه

(45) و من كتاب له عليه السلام إلى عثمان بن حنيف الأنصاري و هو عامله على البصرة

و قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إِلَى مَأْدَبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ عَلَيْكَ الْجِفَانُ«» وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضِمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وَجْهِهِ فَنَلْ مِنْهُ أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ وَ يَسْتَضِي ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ«» بِطِمْرَيْهِ وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ«» فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً وَ لَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ وَ لَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ«» آخَرِينَ وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ«» وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا لَأَضْغَطَهَا«» الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ«» مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ

وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَ لَا أُشَارِكَهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغْلُهَا تَقَمُّمُهَا تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ إِذَا كَانَ هَذَا قُوتَ ابْنِ أَبِيطَالِبٍ فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً وَ الرَّوَائِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْيَةِ«» أَقْوَى وُقُودًا وَ أَبْطَأُ خُمُوداً وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ«» وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ

وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَ هُوَ آخِرُهُ

إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ«» أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ هَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي«» وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حِبَالِكِ وُفِّقَ وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي وَ لَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهُشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ إِذَا قَدَرَتْ عَلَيْهِ مَطْعُوماً وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا مُسْتَفْرَغَةً دُمُوعُهَا أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعُ قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ«» فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَ لِتَكْفِكَ أَقْرَاصُكَ لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ«»

عنوان نامه 45 نهج البلاغه

نامه به عثمان ابن حنيف انصارىّ حاکم بصره

ترجمه مرحوم فیض

45- از نامه هاى آن حضرت عليه السّلام است بعثمان ابن حنيف انصارىّ كه از جانب آن بزرگوار حاكم بصره بود

قسمت اول نامه

هنگاميكه بحضرت خبر رسيد كه او را گروهى از اهل بصره به مهمانى خوانده اند و رفته (و او را بجهت رفتن بآن مهمانى نكوهش نموده است، و عثمان و برادرش سهل ابن حنيف كه از جانب امام عليه السّلام بر مدينه حكومت داشت هر دو از اصحاب رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله و تا آخر عمر شيعه و دوستدار امير المؤمنين عليه السّلام بودند، و از اينرو رجال دانان در نيكى اين دو برادر اختلاف و ترديد نداشته در نقل اخبار آنها را مورد وثوق و اطمينان مى دانند، و پاره اى از سرگذشت عثمان ابن حنيف در وقت تسلّط اصحاب جمل بر بصره در شرح خطبه يك صد و هفتاد و يكم گذشت): 1- پس از ستايش خداوند و درود رسول اكرم، اى پسر حنيف بمن رسيده كه يكى از جوانان اهل بصره ترا بطعام عروسى خوانده است و بسوى آن طعام شتابان رفته اى، و خورشهاى رنگارنگ گوارا برايت خواسته و كاسه هاى بزرگ به سويت آورده مى شد، و گمان نداشتم تو بروى به مهمانى گروهى كه درويش و نيازمندشان را برانند و توانگرشان را بخوانند، پس نظر كن بآنچه دندان بر آن مى نهى از اين خوردنى، و چيزى را كه بر تو آشكار نيست (نمى دانى حلال است يا حرام) بيفكن (مخور) و آنچه را كه به پاكى راههاى بدست آوردن آن دانائى (ميدانى از راه حلال و درستكارى بدست آمده) بخور. 2- آگاه باش هر پيروى كننده را پيشوايى است كه از او پيروى كرده بنور دانش او روشنى مى جويد (راه راستى گفتار و درستى كردار را از او مى آموزد، و تو نيز بايد پيرو پيشواى خود باشى) بدان كه پيشواى شما از دنياى خود بدو كهنه جامه (رداء و ازار يعنى جامه اى كه سر تا پا را مى پوشاند) و از خوراكش بدو قرص نان (جهت افطار و سحر، يا ناهار و شام) اكتفاء كرده است، و شما بر چنين رفتارى توانا نيستيد، ولى مرا به پرهيزكارى و كوشش و پاكدامنى و درستكارى يارى كنيد (از كارهاى ناشايسته دورى گزيده خود را از هر ناپاكى دور سازيد تا مرا به اصلاح حال رعايا و زير دستان يارى نموده باشيد) 3- بخدا سوگند از دنياى شما طلا نيندوخته، و از غنيمتهاى آن مال فراوانى ذخيره نكرده، و با كهنه جامه اى كه در بر دارم جامه كهنه ديگرى آماده ننموده ام.

قسمت دوم نامه

4- بله از تمام آنچه آسمان سايه بر آن افكنده است (از مال دنيا) فدك در دست ما بود كه گروهى (سه خليفه) بر آن بخل ورزيدند (بغصب از دست ما گرفتند) و ديگران (امام عليه السّلام و اهل بيتش) بخشش نموده از آن گذشتند، و خداوند نيكو داورى است (كه بين حقّ و باطل حكم خواهد فرمود و فدك نام يكى از قريه هاى يهود بوده كه مسافت بين آن و مدينه دو منزل و بين آن و خيبر كمتر از يك منزل بوده، و داستان غصب فدك و تظلّم حضرت فاطمه عليها السّلام و شكايت آن معصومه از ستمى كه باو روا داشتند در كتابهاى تازى و فارسى بيان شده و ما براى روشن شدن مطلب شمّه اى از آنچه شارح بحرانىّ در اينجا نگاشته گوشزد مى نماييم: فدك مخصوص حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله بود، زيرا چون خيبر «نام شهرى كه تا مدينه از سمت شام سه روز راه بود» فتح شد اهل فدك نصف آنرا و به قولى تمام را بصلح و آشتى تسليم نمودند، رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله آن قريه را در حيات خود به فاطمه عليها السّلام بخشيد، و از طرق مختلفه در اين باب روايات رسيده، از جمله از ابى سعيد خدرىّ «كه مورد وثوق و اطمينان رجال دانان است» روايت شده كه چون آيه وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَ الْمِسْكِينَ وَ ابْنَ السَّبِيلِ «س 17 ى 26 يعنى حقّ خويشاوند و بى چيز و رهگذر را اداء كن» از جانب خدا به پيغمبر اكرم رسيد آن حضرت فدك را به فاطمه عليها السّلام داد، و ابو بكر كه خليفه شد خواست آنرا بگيرد فاطمه عليها السّلام باو پيغام داد كه فدك از آن من است كه پدرم بمن بخشيده، و امير المؤمنين عليه السّلام و امّ ايمن «مربّيه و آزاد شده پيغمبر اكرم» بر آن گواهى دادند، ابو بكر گفت: رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله فرموده ما گروه پيغمبران باهل خود ميراث ندهيم، آنچه باقى گذاريم صدقه و بخشش است، و فدك مال مسلمانان بوده در دست آن حضرت كه در كار امّت و راه خدا صرف مى نموده من نيز در همان راه صرف مى نمايم، پس فاطمه عليها السّلام چادر بر سر انداخته با بعضى از خدمتكاران و زنان خويشاوند خود بمسجد رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله آمدند و ابو بكر و بسيارى از مهاجرين و انصار حاضر بودند، و در ميان پرده اى آويختند، آنگاه بناليد و زاريد بطورى كه همه گريستند، پس از آن زمانى دراز خاموش ماندند تا جوش و خروش مردم آرام گرديد، پس خطبه اى دراز بيان فرمود از جمله: اى پسر ابى قحافه تو از پدرت ميراث مى برى و من از پدرم ارث نمى برم بعد رو بقبر مقدّس پدر بزرگوارش نموده از امّت اظهار رنجش و درد دل نمود، راوى گويد: هيچ روزى ديده نشده بود كه زن و مرد مدينه بيش از آن روز گريسته باشند، پس بمسجد انصار توجّه نموده با آنان هم سخنانى فرمود، از جمله: بدانيد من شما را مى بينم كه منكر دين شديد، و لقمه گوارا را از دهن بيرون انداختيد، و اگر شما و هر كه در روى زمين است كافر شويد خدا بى نياز است، پس به خانه بازگشت و سوگند ياد كرد كه با ابو بكر سخن نگويد و بر او نفرين نمود، و بر اين حال از دنيا رفت، و وصيّت كرد ابو بكر بر او نماز نخواند، و عبّاس بر او نماز گزارد و در شب دفن گرديد، خلاصه ابو بكر غلّه و سود آنرا گرفته بقدر كفايت باهل بيت عليهم السّلام مى داد و خلفاى بعد از او هم بر آن اسلوب رفتار نمودند تا زمان معاويه كه ثلث آنرا بعد از امام حسن عليه السّلام بمروان داد، و مروان در خلافت خود تمام آنرا تصرّف و كرد و فرزندانش دست بدست مى بردند تا زمان عمر ابن عبد العزيز كه او به اولاد فاطمه عليها السّلام برگردانيد، و شيعه گويد: اوّل مظلمه و چيزيكه از روى ظلم و ستم گرفته شده بود ردّ كرد فدك بود، و سنّى گويد: اوّل آنرا ملك خود گردانيد، و بعد به اولاد فاطمه عليها السّلام بخشيد، و پس از او باز غصب كردند تا در دولت بنى عبّاس ابو العبّاس سفّاح برگردانيد، و منصور گرفت، و پسرش مهدىّ برگردانيد، و دو پسرش موسى و هارون گرفتند، و مأمون برگردانيد تا زمان متوكّل و او سود آنرا بعبد اللّه ابن عمر بازيار واگذاشت، و گويند: در آنجا يازده نخله بود كه حضرت رسول صلّى اللّه عليه و آله بدست مبارك خود نشانده، فرزندان فاطمه عليها السّلام خرماى آنها را براى حاجّ ارمغان مى فرستادند و مالهاى بسيارى دريافت مى نمودند، بازيار كس فرستاد آن درختها را بريد و چون ببصره برگشت فالج گرديد، ابن ابى الحديد در شرح نامه نهم به مناسبتى مى نويسد: ابو العاص شوهر زينب دختر رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله كه مشرك بود «و تا در مكّه بود پيغمبر اكرم نمى توانست بين او و زينب جدائى اندازد و اگر چه اسلام آوردن زينب بين او و شوهرش را جدا ساخته بود» در جنگ اسير و دستگير گرديد، و اهل مكّه فديه و مال مى فرستادند تا اسيرانشان را رها سازند، زينب قلاده اى كه مادرش خديجه باو داده بود فرستاد، رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله چون آن قلاده را ديد سخت برقّت آمد، و به مسلمانان فرمود: اگر اسير زينب را رها كنيد و فديه او پس دهيد شايسته است، گفتند: آرى يا رسول اللّه جانها و مالهاى ما فداى تو، پس فديه زينب را باز گردانيده ابو العاص را بدون فديه رها كردند، پس از آن مى نويسد: اين خبر را بر نقيب ابو جعفر يحيى ابن ابو زيد بصرىّ علوىّ كه خدايش رحمت كند مى خواندم، گفت: گمان ميكنى ابو بكر و عمر در اين واقعه حاضر نبودند آيا مقتضى نبود كه دل فاطمه عليها السّلام را خوش كنند و از مسلمانان بخواهند كه حقّ خود باو واگزارند، آيا مقام و منزلت او نزد رسول خدا صلّى اللّه عليه و آله از زينب كمتر بود و حال آنكه سيّده زنان جهانيان است، و اين در صورتيست كه براى او در باره فدك حقّى ثابت نشده باشد نه به نحله و بخشش و نه به ارث بردن. الحاصل امام عليه السّلام به ستمى كه بر او وارد گشته اشاره نموده و در باره دلبستگى نداشتن بمال دنيا مى فرمايد:) 5- و فدك و غير فدك را چه خواهم كرد در حاليكه جايگاه شخص فردا (پس از مردن) قبر و گور است كه در تاريكى آن اثرهايش بريده و خبرهايش پنهان ميشود، و گودالى است كه اگر گشادگى آن زياده شود و دو دست گور كن در فراخى آن بكوشد سنگ و كلوخ آنرا مى فشارد، و رخنه هايش را خاك روى هم انباشته ببندد، و همّت و انديشه من در اينست كه نفس خود را با پرهيزكارى تربيت نموده خوار گردانم تا در روزى (قيامت) كه ترس و بيم آن بسيار است آسوده باشد، و بر اطراف لغزشگاه استوار ماند.

قسمت سوم نامه

6- و اگر بخواهم راه مى برم به صافى و پاكيزگى اين عسل و مغز اين نان گندم و بافته هاى اين جامه ابريشم، ولى چه دور است كه هوا و خواهش بر من فيروزى يابد، و بسيارى حرص مرا به برگزيدن طعامها وا دارد و حال آنكه شايد به حجاز (مكّه و مدينه و سائر شهرهاى آن) يا يمامه (شهرى است از يمن) كسى باشد كه طمع و آز در قرص نان نداشته (چون در دسترسش نيست) و سير شدن را ياد ندارد يا چه دور است كه من با شكم پر بخوابم و به دورم شكمهاى گرسنه و جگرهاى گرم (تشنه) باشد، يا چنان باشم كه گوينده اى (حاتم ابن عبد اللّه طايى) گفته:

  • حسبك داء أن تبيت ببطنةو حولك أكباد تحنّ إلى القدّ)
  • يعنى اين درد براى تو بس است كه شب با شكم پر بخوابى و در گردت جگرها باشد كه قدح پوستى را آرزو كنند (و براى آنان فراهم نشود چه جاى آنكه طعام داشته باشند).

    قسمت چهارم نامه

    7- آيا قناعت ميكنم كه بمن بگويند زمامدار و سردار مؤمنين در حاليكه به سختيهاى روزگار با آنان همدرد نبوده يا در تلخكامى جلو ايشان نباشم پس مرا نيافريده اند كه خوردن طعامهاى نيكو (از نيكبختى جاويد) بازم دارد مانند چهار پاى بسته شده كه انديشه اش علف آنست، يا مانند چهار پاى رها گشته كه خاكروبه ها را بهم زند تا چيزى يافته بخورد، پر ميكند شكنبه را از علفى كه بدست آورده، و غفلت دارد از آنچه برايش در نظر دارند (نمى داند كه صاحبش مى خواهد فربه شود تا به كشتارگاهش فرستد يا برايش بار كشى نموده كارش را انجام دهد) يا مرا نيافريده اند كه بيكار مانده و بيهوده رها شوم، يا ريسمان گمراهى را كشيده بى انديشه در راه سرگردانى رهسپار گردم، 8- و چنانست كه مى بينم گوينده اى از شما مى گويد: اگر اين است خوراك پسر ابو طالب پس ضعف و سستى او را از جنگ با همسران و معارضه و برابرى با دليران باز مى دارد بدانيد درخت بيابانى (كه آب كم بآن مى رسد) چوبش سختتر (استوارتر) است، و درختهاى سبز و خرّم (كه در باغهاى پر آب كاشته شده) پوستشان نازكتر است، و گياههاى دشتى (كه جز آب باران آب ديگرى نيابند) شعله آتش آنها افروخته تر و خاموشى آنها ديرتر است (آرى انسان هر قدر كمتر بخورد و بياشامد اندامش استوارتر و در كارزار دليرتر است، و هر قدر بيشتر بخورد و بياشامد نازك پوست و سست دل و ترسناكتر است) 9- و (اتّصال و همبستگى) من با رسول خدا مانند (اتّصال) نخلى است از نخل (كه هر دو از يك بيخ روييده) و مانند (اتّصال) دست است به بازو (كه بهم پيوسته اند، بنا بر اين) سوگند بخدا اگر عرب بر جنگ من با هم همراه شوند از ايشان رو برنگردانم، و اگر فرصتها بدست آيد به سويشان مى شتابم (همه را در راه خدا و يارى دين گردن مى زنم) و زود باشد كه كوشش نمايم در اينكه زمين را از اين شخص وارونه و كالبد سرنگون (معاويه) پاك سازم تا اينكه گلوله خاكى از بين دانه درو شده بيرون آيد (منافق و دو رو را از بين مؤمنين رانده راه دين را از رهزنان گمراهى آسوده سازم).

    و قسمتى پنجم از اين نامه و پايان آنست (در نكوهش دنيا و ستودن پارسايان

    و كسانيكه دل بآن نبسته از كار خدا غافل نمانده اند): 10- اى دنيا از من دور شو كه مهارت بر كوهانت است (مهارت را به گردنت انداخته ترا رها كرده ام) من از چنگالهايت جسته، و از دامهايت رسته، و از رفتن در لغزشگاههايت (گمراهيهايت) دورى گزيدم. كجايند كسانيكه به بازيها و شوخيهايت گرفته فريبشان دادى، كجايند مردمانى كه به زينت و آرايشهايت در فتنه و گمراهيشان انداختى اينك ايشان گروگان گورها و فرو رفته در لحدها هستند 11- سوگند بخدا اگر تو شخصى بودى ديدنى و كالبدى محسوس حدود (كيفرهاى) الهىّ را بر تو اجرا مى نمودم به سزاى بندگانى كه بسبب آرزوها فريب دادى، و مردمانى كه در پرتگاه ها (ى شقاوت و بدبختى) انداختى، و پادشاهانى كه به نابودى سپردى، و آنان را در آبگاههاى بلاء و سختى فرود آوردى جائيكه فرود آمدن و بازگشت (سزاوار) نبود. 12- چه دور است كه من از تو فريب خورم هر كه بر لغزشگاهت گام نهد بلغزد، و هر كه در آبهاى انبوهت سوار شود غرق گردد، و آنكه از ريسمانهاى دامت كناره گيرد موفّق شده (رستگار گشته) است، و كسيكه از تو سالم ماند اگر جاى خوابگاهش تنگ باشد (در سختى و ناكامى زندگانى كند) باكى ندارد (چون ميداند اين سختى بزودى مى گذرد، لذا مى فرمايد:) و دنيا نزد او به روزى ماند كه وقت گذشتن آن رسيده است. 13- از من دور شو كه بخدا سوگند رام تو نمى گردم تا مرا خوار سازى، و هموارت نمى شوم (فرمانت نمى برم) تا مرا (بهر جا خواهى) بكشى، و سوگند بخدا سوگندى كه در آن مشيّت و خواست خدا را جدا مى سازم (چنانكه خداوند بآن دستور داده در قرآن كريم س 18 ى 23 مى فرمايد: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً ى 24 إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ يعنى هرگز براى كارى مگو من آنرا فردا خواهم كرد مگر آنكه خدا بخواهد يعنى بگو انجام مى دهم اگر خدا بخواهد) خود را تربيت ميكنم چنان تربيتى كه شاد و شگفته گردد بقرص نانى كه بر آن خورشى يابد، و در خورش به نمك قناعت كرده بسازد، و (از بسيارى گريه) كاسه چشمم را بحال خود گذارم كه اشكهايش تهى شود مانند چشمه اى كه آبش فرو رفته است (آنقدر بگريم كه اشكم نماند) 14- آيا شكم حيوان چرنده از آنچه مى چرد پر ميشود كه به پهلو مى افتد، و رمه گوسفند از علف و گياهش سير مى گردد و سوى خوابگاه مى رود، و علىّ (صلوات اللّه عليه) توشه خود را خورده مانند چهارپايان مى خواهد در چنين حالى چشمش روشن باد كه پس از سالهاى دراز به چهار پاى يله و چرنده در گله پيروى نمايد (در صورتى كه ننگ است كه همّت و انديشه شخص خوردن و آشاميدن باشد) 15- خوشا نفسى كه آنچه پروردگارش واجب كرده اداء كند، و در سختى شكيبا باشد، و در شب از خواب دورى گزيند تا زمانيكه خواب و پينكى بر او غلبه نمايد زمين را فرش پنداشته دستش را بالش قرار دهد، در گروهى كه ترس بازگشت (روز رستخيز) چشمهاشان را بيدار داشته، و پهلوهاشان را از خوابگاهها دور ساخته، و لبهاشان بذكر و ياد پروردگارشان آهسته گويا است، و به بسيارى استغفار (و درخواست آمرزش) گناهانشان (مانند ابرهاى پراكنده) پراكنده شده است (در قرآن كريم س 58 ى 22 مى فرمايد: أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ يعنى) آنان حزب و گروه خدا هستند، بدانيد كه حزب خدا رستگارند. 16 پس اى پسر حنيف از خدا بترس (شكم چرانى مكن) و چند قرص نانت بايد ترا بس باشد تا سبب رهائيت از آتش گردد.

    ( . ترجمه و شرح نهج البلاغه فیض الاسلام، ج5، ص 966-976)

    ترجمه مرحوم شهیدی

    45 و از نامه آن حضرت است به عثمان پسر حنيف انصارى

    كه عامل او در بصره بود به امام خبر رسيد كه او را به مهمانى مردمى از بصره خوانده اند و او بدانجا رفته اما بعد، پسر حنيف به من خبر رسيده است كه مردى از جوانان بصره تو را برخوانى خوانده است و تو بدانجا شتافته اى. خوردنيهاى نيكو برايت آورده اند و پى در پى كاسه ها پيشت نهاده. گمان نمى كردم تو مهمانى مردمى را بپذيرى كه نيازمندشان به جفا رانده است و بى نيازشان خوانده. بنگر- كجايى- و از آن سفره چه مى خايى. آنچه حلال از حرام ندانى بيرون انداز، و از آنچه دانى از حلال به دست آمده در كار خود ساز. آگاه باش كه هر پيروى را پيشوايى است كه پى وى را پويد، و از نور دانش او روشنى جويد. بدان كه پيشواى شما بسنده كرده است از دنياى خود به دو جامه فرسوده و دو قرصه نان را خوردنى خويش نموده. بدانيد كه شما چنين نتوانيد كرد. ليكن مرا يارى كنيد به پارسايى و- در پارسايى- كوشيدن و پاكدامنى و درستى ورزيدن. كه به خدا از دنياى شما زرى نيندوختم، و از غنيمتهاى آن ذخيرت ننمودم، و بر جامه كهنه ام كهنه اى نيفزودم. آرى از آنچه آسمان بر آن سايه افكنده فدك در دست ما بود. مردمى بر آن بخل ورزيدند و مردمى سخاوتمندانه از آن ديده پوشيدند.

    و بهترين داور پروردگار است، و مرا با فدك و جز فدك چه كار است حالى كه فردا جايگاه آدمى گورست كه نشانه هايش در تاريكى آن از ميان مى رود، و خبرهايش نهان مى گردد، در گودالى كه اگر گشادگى آن بيفزايد، و دستهاى گوركن فراخش نمايد، سنگ و كلوخ آن را بيفشارد، و خاك انباشته رخنه هايش را به هم آرد، و من نفس خود را با پرهيزگارى مى پرورانم تا در روزى كه پر بيم ترين روزهاست در امان آمدن تواند، و بر كرانه هاى لغزشگاه پايدار ماند. و اگر خواستمى دانستمى چگونه عسل پالوده و مغز گندم، و بافته ابريشم را به كار برم. ليكن هرگز هواى من بر من چيره نخواهد گرديد، و حرص مرا به گزيدن خوراكها نخواهد كشيد. چه بود كه در حجاز يا يمامه كسى حسرت گرده نانى برد، يا هرگز شكمى سير نخورد، و من سير بخوابم و پيرامونم شكمهايى باشد از گرسنگى به پشت دوخته، و جگرهايى سوخته. يا چنان باشم كه گوينده سروده: درد تو اين بس كه شب سير بخوابى و گرداگردت جگرهايى بود در آرزوى پوست بزغاله آيا بدين بسنده كنم كه- مرا- امير مؤمنان گويند، و در ناخوشايندهاى روزگار شريك آنان نباشم يا در سختى زندگى- نمونه اى- برايشان نشوم مرا نيافريده اند، تا خوردنيهاى گوارا سرگرمم سازد، چون چارپاى بسته كه به علف پردازد، يا آن كه واگذارده است و خاكروبه ها را به هم زند و شكم را از علفهاى آن پر سازد، و از آنچه بر سرش آرند غفلت دارد، يا مرا وانهند يا به بازى سر دهند يا ريسمان گمراهى را كشان باشم و يا بيخودانه در سرگردانيها گردان، و چنان بينم كه گوينده شما بگويد: اگر پسر ابو طالب را خوراك اين است، ناتوانى او را از كشتن همآوردان بنشاند، و از جنگ با دلاور مردان بازماند. بدانيد درختى را كه در بيابان خشك رويد شاخه سخت تر بود، و سبزه هاى خوشنما را پوست نازكتر، و رستنيهاى صحرايى را آتش افروخته تر، و خاموشى آن ديرتر. من و رسول خدا (ص) چون دو شاخيم از يك درخت رسته، و چون آرنج به بازو پيوسته. به خدا اگر عرب در جنگ من پشت به پشت دهد، روى از آنان برنتابم. و اگر فرصت دست بدهد به پيكار همه بشتابم، و خواهم كوشيد تا زمين را از اين شخص- از فطرت- برگشته و كالبد- خرد- سرگشته پاك سازم تا كه ريگ از دانه جدا گردد- و با ايمان از چنگ منافق رها- . دنيا از من دور شود كه مهارت بر دوشت نهاده است گسسته، و من از چنگالت به در جسته ام و از ريسمانهايت رسته و از لغزشگاههايت دورى گزيده ام. كجايند مهترانى كه به بازيچه هاى خود فريبشان داده اى كجايند مردمى كه با زيورهايت دام فريب بر سر راهشان نهادى. آنك در گورها گرفتارند و در لابلاى لحدها ناپديدار. به خدا اگر كالبدى بودى ديدنى يا قالبى بپسودنى- تو را وانمى گذاشتم- ، و حد خدا را در باره ات بر پا مى داشتم. به كيفر بندگانى كه آنان را با آرزوها دستخوش فريب ساختى، و مردمانى كه در هلاكت جايهاشان در انداختى، و پادشاهانى كه به دست نابودى شان سپردى، و در چنگال بلاشان در آوردى. نه راهى براى در شدن و نه گريزگاهى براى بيرون آمدن. هرگز آن كه پا در لغزشگاهت نهاد به سر در آمد، و آن كه در ژرفاى دريايت فرو رفت به در نيامد، و آن كه از ريسمانهايت رهيد، توفيق رفيقش گرديد، و آن كه از گزند تو ايمن است، باكش نبود اگر جاى تنگش مسكن است و دنيا در ديده او چنان است كه گويى روز پايان آن است. از ديده ام نهان شود به خدا سوگند رامت نشوم كه مرا خوار بدانى، و گردن به بندت ندهم تا از اين سو بدان سويم كشانى، و سوگند به خدا بر عهده خود مى گيرم، جز آن كه او نخواهد كه در آن ناگزيرم. نفس خود را چنان تربيت كنم كه اگر گرده نانى براى خوردن يافتم شاد شود، و از نانخورش به نمك خرسند گردد، و مردم ديده ام را دست مى بدارم تا چون چشمه خشكيده آبى در آن نماند، و اشكى كه دارد بريزاند. آيا چرنده، شكم را با چرا كردن پر سازد و بخفتد و گوسفند در آغل سير از گياه بخورد و بيفتد، و على از توشه اش خورد و آرام بخوابد چشمش روشن باد كه از پس ساليانى دراز چون چارپايى به سر برد رها، يا چرنده اى سر داده به چرا.

    خوشا كسى كه آنچه پروردگارش بر عهده وى نهاده، پرداخته است و در سختى اش با شكيبايى ساخته، و به شب ديده برهم ننهاده، و چون خواب بر او چيره شده بر زمين خفته و كف دست را بالين قرار داده در جمعى كه از بيم روز بازگشت ديده هاشان به شب بيدار است، و پهلوهاشان از خوابگاه بركنار، و لبهاشان به ياد پروردگار و گناهانشان زدوده است از آمرزش خواستن بسيار.

    «آنان حزب كردگارند و بدانيد كه حزب كردگار رستگارند.» پس پسر حنيف از خدا بترس و گرده هاى نانت تو را كفايت است اگر به رهايى از آتش دوزخت عنايت است.

    ( . ترجمه نهج البلاغه مرحوم شهیدی، ص 317-320)

    شرح ابن میثم

    44- و من كتاب له عليه السّلام إلى عثمان بن حنيف الأنصارى، و هو عامله على البصرة

    و قد بلغه أنه دعى إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ- فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ- دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا- تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ- وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ- عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ- فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ- فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ- وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ- أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ- وَ يَسْتَضِي ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ- أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ- وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ- أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ- وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ- فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً- وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً- وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً- بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ- فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ- وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ- وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ- وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ- وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا- وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا- وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا- لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ- وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ- وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى- لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ- وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ- وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ- وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ- وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ- وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ- وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ- أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى- وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ-

    • وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍوَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

    أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ- هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ- وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ- أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ- فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ- كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا- أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا- تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا- أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً- أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ- إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ- فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ- وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ- أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً- وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً- وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً- . وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ- وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ- وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا- وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا- وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ- وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ- حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ- قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ- وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ- وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ- أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ- أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ- فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ- وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً- لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ- وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي- وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ- وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ- هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ- وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ- وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ- وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ- وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي- وَ لَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي- وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ- لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ- إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً- وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً- وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا- مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا- أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ- وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ- وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ- قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ- بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ- طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا- وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا- حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا- وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا- فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ- وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ- وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ- وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ- أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَ لْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ- لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ«»

    اللغة

    أقول: المأدبة بالضمّ: الطعام يدعى إليه. و العائل: الفقير. و القضم: الأكل بأدنى الفم. و الطمر: الثوب الخلق. و الوفر: المال الكثير. و فدك: اسم قرية كانت لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. و الجدث: القبر. و أضغطها: ضيّقها. و القمح: الحنطة. و النسائج: جمع نسجة بمعنى منسوجة. و الجشع. أشدّ الحرص على الطعام. و المبطان: عظيم البطن لكثرة الأكل. و غرثى: جايعة. و البطنة: الكظّة و هي الامتلاء من الطعام و التقمّم: تتبّع القمامة و هي الكناسة. و تكترش: تملأ كرشها. و اسدى: الملقى المهمل. و الروائع: الأشجار الّتي تروع بنضارتها. و البدويّة: النباتات الّتي لا يسقيها إلّا ماء المطر. و المركوس: المردود مقلوبا كالمنكوس. و المداحض: المزالق، و ازورّ أخذ جانبا. و اعزبي. ابعدي. يقال: عزب الرجل- بالفتح- : إذا بعد. و سلس الرجل يسلس بكسر اللام في المستقبل: سهل قياده. و الرياضة: التأديب و التعويد. و الربيضة: الجماعة الرابضة من الغنم. و تجافت: أي بانت و ارتفعت. و الهمهمة: الصوت الخفيّ.

    و في الكتاب مقاصد:

    الأوّل: أشار إلى ما يريد عتابه عليه

    و هو إجابته إلى المأدبة مسرعا يستطاب له الألوان و تنقل إليه الجفان، و أعلمه أنّه بلغه ذلك مقرّرا له ليحسن توبيخه، و ذلك في قوله: أمّا بعد. إلى قوله: الجفان.

    الثاني: أشار على وجه المعاتبة إلى تخطئته في ذلك

    بقوله: و ما ظننت أنّك إلى كذا: أى كان ظنّي فيك من الورع أنّك تنزّه نفسك عن الإجابة إلى طعام قوم لا يلتفتون إلى فقرائهم، و يقصرون الدعوة و الكرامة على أغنيائهم و امرائهم، و وجه الخطاء في إجابة داعي هؤلاء أنّ تخصيصهم الأغنياء دون الفقراء بالكرامة و الدعوة دليل واضح على أنّهم إنّما يريدون بذلك الدنيا و السمعة و الرئاء دون وجه اللّه تعالى، و من كان كذلك فإجابته موافقة له على ذلك و رضى بفعله، و ذلك خطاء كبير خصوصا من أمراء الدين المتمكّنين من إنكار المنكرات.

    الثالث: أمره أن يحترز فيما يتّفق له أن يقع فيه من ذلك

    بالنظر إلى ما يحضر من الطعام فما وجد فيه شبهة حرام و لم يحقّق حاله فليتركه، و ما تيقّن حلّه و طيب وجه اكتسابه ببراءة عن الشبهة فينال منه، و كنّى عنه بالمقضم تحقيرا له و تقليلا، و يفهم منه بحسب التأديب الأوّل أنّ التنزّه عن هذا المباح أفضل له من تناوله.

    الرابع: نبّهه بعد ذلك بقوله: ألا و إنّ. إلى قوله: علمه. على أنّ له إماما يجب أن يقتدى به

    و هو تمثيل في قوّة قياس كامل حذفت صغراه. فأصل التمثيل مطلق الإمام و المأموم، و علّته كونهما إماما و مأموما، و فرعه هو عليه السّلام و عامله، و حكمه وجوب الاقتداء. و تقدير القياس: أنّك مأموم لإمام، و كلّ مأموم لإمام فيجب عليه أن يقتدي بإمامه، ينتج أنّه يجب عليك أن تقتدي بإمامك و يستضي ء بنور علمه.

    الخامس: أردف ذلك بالبيّنة على ما يجب أن يقتدي به فيه من حاله في دنياه و هو اكتفاؤه من ملبوسها بما يستر بدنه من طمريه: و من مطعومها بما يسدّ به فورة جوعه من قرصيه غير ملتفت فيما لبسه إلى زينته فإنّ طمريه كانا عمامة و مدرعة قد استحيا من راقعها، و لا مكترث فيما طعمه بلذّة و طيب فإنّ قرصيه كانا من شعير غير منخول واحد بالغداة واحد بالعشيّ.

    السادس: نبّه أصحابه على أنّ رياضته تلك لا يستطاع لهم

    فإنّها قوّة مشروطة باستعداد لم يصلوا إليه. ثمّ أمرهم إذ كانت الحال كذلك أن يقصروا فى معونته على أنفسهم و رياضته بالورع، و أراد به هنا الكفّ عن المحارم ثمّ بالاجتهاد في الطاعة، و يحتمل أن يريد بالورع لزوم الأعمال الجميلة. ثمّ الاجتهاد فيها.

    السابع: نبّه بالقسم البارّ على ردّ ما عساه يعرض لبعض الأذهان الفاسدة في حقّه عليه السّلام أنّ زهده في الدنيا مشوب برياء و سمعة

    و أنّ وراءه محبّتها و جمعها و ادّخارها خصوصا و هو إمام الوقت و خليفة الأرض فعدّد أنواع ما أفاء اللّه على المسلمين منها ثمّ أقسم أنّه لم يأخذ منه إلّا قوته، و شبّهه في القلّة و الحقارة بقوت الأتان الدبرة، و خصّها لأنّ ضعفها بالدبر و شغلها بألمه يقلّل قوتها. ثمّ بالغ فى وصف حقارة دنياهم عنده فأخبر أنّها في نظره و اعتباره أهون من عفصة مقرة، و ظاهر أنّ من كان كذلك كيف يتصوّر محبّته للدنيا و عمله لها.

    الثامن: أنّه لمّا قال فيما أقسم عليه من الدنيا: و لا حزت من أرضها شبرا.

    استثنى من ذلك فدك

    بقوله: بلى قد كانت لنا فدك من كلّ ما أظلّته السماء. و ذكرها في معرض حكاية حاله و حال القوم معه على سبيل التشكّي و التظلّم ممن أخذها منهم إلى اللّه سبحانه و تسليم الأمر له و الرضا بكونه حكما. و اعلم أنّ فدك كانت خاصّة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ذلك أنّه لمّا فرغ من أمر خيبر قذف اللّه في قلوب أهل فدك الرعب فبعثوا إليه صلّى اللّه عليه و آله يصالحونه على النصف فقبل ذلك منهم فكانت له خاصّة إذ لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب، و روى أنّه صالحهم على كلّها. ثمّ المشهور بين الشيعة و المتّفق عليه عندهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاها فاطمة عليها السّلام، و رووا ذلك من طرق مختلفة: منها عن أبي سعيد الخدري قال: لمّا أنزلت وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السّلام فدك فلمّا تولّى ابو بكر الخلافة عزم على أخذها منها. فأرسلت إليه تطالبه بميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تقول: إنّه أعطاني فدكا في حياته و استشهدت على ذلك عليّا عليه السّلام و أمّ أيمن فشهدا لها بها. فأجابها عن الميراث بخبر رواه هو: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث فما تركناه فهو صدقة، و عن دعوى فدك أنّها لم تكن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إنّما كانت مالا للمسلمين في يده يحمل به الرجال و ينفقه في سبيل اللّه و أنا أليه كما كان يليه.

    فلمّا بلغها ذلك لاثت خمارها و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها حتّى دخلت عليه و معه جلّ المهاجرين و الأنصار فضربت بينها و بينهم قطيفة. ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء. ثمّ أمهلت طويلا حتّى سكتوا من فورتهم«» و قالت: أبتدء بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد الحمد للّه على ما أنعم و له الشكر بما ألهم. ثمّ خطبت خطبة طويلة قالت في آخرها: فاتّقوا اللّه حقّ تقاته و أطيعوه فيما أمركم فإنّما يخشى اللّه من عباده العلماء، و احمدوا اللّه الّذي بعظمته و نوره يبتغى من في السماوات و من في الأرض إليه الوسيلة، و نحن وسيلته في خلقه، و نحن خاصّته و محلّ قدسه، و نحن حجّته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه.

    ثمّ قالت أنا فاطمة بنت محمّد. أقول عودا على بدء ما أقول ذلك شرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعية. ثمّ قالت: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. فإن تعزوه تجدوه أبى دون آبائكم و أخا ابن عمّى دون رجالكم. ثمّ قالت: ثمّ أنتم تزعمون أن لا إرث لأبى أ فحكم الجاهلية تبغون و من أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون ايها معشر الملّة. أفى كتاب اللّه أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبى لقد جئت شيئا فريّا فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك فنعم الحكم اللّه و الزعيم محمّد و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون، و لكلّ نبأ مستقرّ و سوف تعلمون من يأتيه عذاب مقيم قال: ثمّ التفتت إلى قبر أبيها فتمثّلت بقول هند بنت أمامة:

    • قد كان بعدك أنباء و هنبثةلو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
    • أبدت رجال لنا نجوى صدورهملمّا قضيت و حالت دونك الترب
    • تجهّمتنا رجال و استخفّ بناإذ غبت عنّا فنحن اليوم مغتصب

    قال فلم ير الناس أكثر باكيا و باكية منهم يومئذ. ثمّ عدلت إلى مسجد الأنصار، و قالت: يا معشر الأنصار و أعضاد الملّة و حضنة الإسلام ما هذه الفترة عن نصرتى و الونية عن معونتي و الغميزة في حقّى و السنة عن ظلامتي أمّا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: المرء يحفظ في ولده. سرعان ما أحدثتم، و عجلان ما آتيتم ألأن مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمتّم دينه. ها إنّ موته لعمرى خطب جليل استوسع وهيه و استنهر فتقه، و فقد راتقه، و أظلمت الأرض له، و خشعت الجبال، و أكدت الآمال. اضيع بعده الحريم و هتكت الحرمة و أزيلت المصونة، و تلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه قبل موته و أنبأكم بها قبل وفاته فقال: و ما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا و سيجزي اللّه الشاكرين. ايها بنى قبيلة أ اهضم تراث أبى و أنتم بمرأى و مسمع تبلغكم الدعوة و تشملكم الصوت، و فيكم العدّة و العدد، و لكم الدار و الجنن، و أنتم نجبة اللّه الّتى انتجت، و خيرة اللّه الّتي اختار. فاديتم العرب، و ناطحتم الامم، و كافحتم البهم حتّى دارت بكم رحى الإسلام، و درّ حلبه و خبت نيران الحرب، و سكنت فورة الشرك، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدين. أفتأخّرتم بعد الإقدام، و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد إيمانهم و طعنوا في دينكم. فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون.

    ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض و ركنتم إلى الدعة و جحدتم الدين و وسّعتم الّذي سوّغتم. و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فإنّ اللّه غنىّ حميد. ألا و قد قلت ما قلت على معرفة منّى بالخذلة الّتي خامرتكم و خور القنا و ضعف اليقين فدونكموها فاحتبقوها مدبرة الظهور ناقبة الخفّ باقية العار موسومة الشنار موصولة بنار اللّه الموقدة الّتى تطّلع على الأفئدة فبعين اللّه ما تعملون. و سيعلم الذين ظلموا أىّ منقلب ينقلبون. ثمّ رجعت إلى بيتها و أقسمت أن لا تكلّم أبا بكر و لتدعونّ اللّه عليه، و لم تزل كذلك حتّى حضرتها الوفاة فأوصت أن لا يصلّى عليها فصلّى عليها العبّاس و دفنت ليلا، و روي أنّه لمّا سمع كلامها أحمد اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله، ثمّ قال: يا خيرة النساء و ابنة خير الآباء و اللّه ما عدوت رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و لا عملت إلّا بأمره، و إنّ الرائد لا يكذب أهله قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت فغفر اللّه لنا و لك أمّا بعد فقد دفعت ألّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و دابّته و حذاه إلى علىّ عليه السّلام، و أمّا ما سوى ذلك فإنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ذهبا و لا فضّة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لكنّا نورّث الإيمان و الحكمة و العلم و السنّة، و قد عملت بما أمرنى و سمعت. فقالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد وهبها لي. قال: فمن يشهد بذلك. فجاء عليّ بن أبي طالب و أمّ أيمن فشهدا لها بذلك فجاء عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن عوف فشهدا أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقسّمها. فقال: أبو بكر صدقت يا ابنة رسول اللّه و صدق علىّ و صدقت أمّ أيمن و صدق عمر و صدق عبد الرحمن، و ذلك أنّ لك ما لأبيك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يأخذ من فدك قوتكم و يقسّم الباقى و يحمل منه في سبيل اللّه، و لك على اللّه أن أصنع بها كما كان يصنع. فرضيت بذلك و أخذت العهد عليه به. و كان يأخذ غلّتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم. ثمّ فعلت الخلفاء بعده كذلك إلى أن ولّى معاوية فأقطع مروان ثلثها بعد الحسن عليه السّلام. ثمّ خلصت له في خلافته و تداولها أولاده إلى أن انتهت إلى عمر بن عبد العزيز فردّها في خلافته على أولاد فاطمة عليها السّلام قالت الشيعه: فكانت أوّل ظلامة ردّها. و قالت السنّة: بل استخلصها في ملكه ثمّ وهبها لهم. ثمّ اخذت منهم بعده إلى أن انقضت دولة بني أميّة فردّها عليهم أبو العبّاس السفّاح. ثمّ قبضها المنصور. فردّها ابنه المهدى. ثمّ قبضها ولداه موسى و هرون. فلم يزل في أيدى بنى العبّاس إلى زمن المأمون فردّها إليهم و بقبت إلى عهد المتوكّل فأقطعها عبد اللّه بن عمر البازيار، و روى أنّه كان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيده فكانت بنو فاطمة يهدون ثمرها إلى الحاجّ فيصلونهم عن ذلك بمال جليل فبعث البازيار رجلا فصرمها و عاد إلى البصرة ففلج، و في هذه القصّة خبط كثير بين الشيعة و مخالفيهم، و لكلّ من الفريقين كلام طويل. و لنرجع إلى المتن.

    فنقول: أشار بالنفوس الّتي شحّت بها إلى أبي بكر و عمر و أتباعهما، و بالنفوس الّتي سمحت بها إلى وجوه بنى هاشم و من مال ميلهم.

    التاسع: استفهم عمّا يصنع بفدك و غيرها من القينات الدنيويّة

    استفهام إنكار لوجه حاجته إليها تسلية لنفسه عنها و جذبا له عن الدنيا إلى الأعمال الصالحة بذكر غاية النفوس منها، و هي صيرورتها إلى الجدث، و لوازم تلك الغاية من انقطاع الآثار و غيبة الأخبار فيها و ساير ما عدّده من صفات الجدث، و إنّما عدّد هذه الأمور لأنّ الأوهام تنفر عنها و تخشع القلوب لذكرها. فتفزع إلى اللّه تعالى و يجذب إلى الأعمال الصالحة الّتي بها الخلاص من أهوال الموت و ما بعده.

    و الواو في قوله: و النفس. للحال.

    العاشر: لمّا نبّه على أنّ فدك و غيرها من قينات الدنيا لا حاجة إليها

    أشار إلى حصر حاجته و غايته لنفسه و هى رياضتها بالتقوى، و الضمير كهو في قوله فيما سبق: و إنّما هى الكوفة. و التقدير: و إنّما همّتى و حاجتى رياضة نفسى بالتقوى.

    و اعلم أنّ رياضة النفس تعود إلى نهيها عن هواها و أمرها بطاعة مولاها و هى مأخوذة من رياضة البهيمة و هى منعها عن الإقدام على حركات غير صالحة لصاحبها و لا موافقة لمراده، و تمرينها على ما يوافق مراده من الحركات، و القوّة الحيوانيّة الّتى هى مبدأ الإدراكات و الأفاعيل الحيوانيّة في الإنسان إذا لم يكن لها طاعة القوّة العاقلة ملكة كانت بمنزلة بهيمة لم ترض فهى تتبع الشهوة تارة و الغضب اخرى، و غالب أحوالها أن تخرج في حركاتها عن العدل إلى أحد طرفى الإفراط و التفريط بحسب الدواعى المختلفة المتخيّلة و المتوهّمة و يستخدم القوّة العاقلة في تحصيل مراداتها فتكون هى أمّارة و العاقلة مؤتمرة لها. أمّا إذا راضتها القوّة العاقلة و منعتها عن التخيّلات و التوهّمات و الإحساسات و الأفاعيل المثيرة للشهوة و الغضب و مرّنتها على ما يقتضيه العقل العمليّ و أدّبتها على طاعته بحيث يأتمر بأمرها و ينتهى لها كانت العقليّة مطمئنّة لا تفعل أفعالا مختلفة المبادي و كانت باقى القوى مؤتمرة مسالمة لها. إذا عرفت ذلك فنقول: لمّا كان الغرض الأقصى من الرياضة إنّما هو نيل الكمال الحقيقىّ، و كان ذلك موقوفا على الاستعداد له، و كان حصول ذلك الاستعداد موقوفا على زوال الموانع الخارجيّة و الداخليّة كان للرياضة أغراض ثلاثة: أحدها: حذف كلّ محبوب و مرغوب عدا الحقّ الأوّل سبحانه عن درجة الاعتبار و مستنّ الايثار. و هى الموانع الخارجيّة. و الثاني: تطويع النفس الأمّارة للنفس المطمئنّة ليجذب التخيّل و التوهّم عن الجانب السفلى إلى العلوى و يتبعهما ساير القوى فيزول الدواعى الحيوانيّة المذكورة. و هى الموانع الداخليّة. الثالث: بعث السرّ و توجيهه إلى الجنّة العالية لتلقّى السوانح الإلهيّة و تهيّئه لقبولها. و يعين على الغرض الأوّل الزهد الحقيقى و هي الإعراض عن متاع الدنيا و طيّباتها بالقلب، و على الثاني العبادة المشفوعة بالفكر في ملكوت السماوات و الأرض و ما خلق اللّه من شي ء و عظمة الخالق سبحانه و الأعمال الصالحة المنويّة لوجهه خالصا. و عبّر عليه السّلام بالتقوى الّتي روّض بها نفسه عن هذه الامور المعيّنة و الأسباب المعدّة، و نبّه على غرضه الأقصى من الرياضة و هو الكمال الحقيقى و اللذّة به بذكر بعض لوازمه و هى أن يأتي نفسه آمنة من الفزع يوم الخوف الأكبر و هو يوم القيامة، و أن يثبت على جوانب المزلق و هو الصراط المستقيم فلا تميل به الدواعي المختلفة عنه إلى أبواب جهنّم و مهاوى الهلاك. و استعار لفظ المزالق: لمظانّ زلل أقدام العقول في الطريق إلى اللّه و جذب الميول الشهويّة و الغضبيّة عنها إلى الرذائل الموبقة.

    الحادي عشر: نبّه على أنّ زهده في الدنيا و اقتصاره منها

    على الطمرين و القرصين و ترك ما سوى ذلك ليس عن عجزه عن تحصيل طيّبات مطعوماتها و ملبوساتها، و أنّه لو شاء لاهتدى إلى تحصيل تلك الطيّبات و لباب القمح و مصفّى العسل لأنّ الهريسة و العسل من أشهر الطيّبات بمكّة و الحجاز، و إنّما تركه مع القدرة عليه رياضة لنفسه و إعدادا لها لتحصيل الكمالات الباقية. و استثنى هنا نقيض الملزوم و هو عدم غلبة هواه لعقله و عدم قود جشعه له إلى تخيّر الأطعمة، و نبّه عن ذلك العدم بقوله: هيهات. فإنّ ما استبعد وقوعه من نفسه و أنكره فقد نفاه عنها و حكم بعدمه.

    و أمّا أنّ ذلك العدم هو نقيض الملزوم بعينه فلأنّ الملزوم هنا هو المشيئة لتخيّر الطيّبات و غلبة الهوى للعقل على مقتضى رأيه في تركها و التنزّه عنها وقود الشهوة له إلى الموافقة على استعمالها، و المستثنى هاهنا هو عدم ذلك بعينه، و أمّا جواز استثنائه لنقيض المقدّم فلأنّ مشيئة تلك شرط مسا و لتخيّر الطيّبات و الاهتداء إليها، و كان عدمه مستلزما لعدم مشروطه و أكثر استعمال لو في لغة العرب على وجه أنّ الملزوم علّة للازمه أو شرط مساو له، و يستثنى نقيض الملزوم. و الواو في قوله: و لعلّ. للحال: أى هيهات أن يغلبني هواى إلى تخيّر الأطعمة حال ما يحتمل أن يكون بالحجاز و اليمامة من هو بصفة كذا. و قوله: أو أبيت. عطف على يقودني داخل فيما استبعده من نفسه. و الواو في قوله: و حولي. للحال، و العامل أبيت، و كذلك قوله: أو أن أكون. عطف على أبيت، و هما لازمان من لوازم نتيجة القياس الاستثنائى فإنّ عدم إرادته لتخيّر الطيّبات لمّا استلزمه هنا عدم تناولها و استمتاعه بها استلزم ذلك أن لا يبيت مبطانا و حوله أكباد جائعة و أن لا يلحقه عار بذلك. و البيت تمثيل. غرضه التنفير عن العار اللازم عن الاستمتاع بالطيّبات مع وجود ذوى الحاجة إلى يسير الطعام، و نبّه على حسن هذه اللوازم بما قارن نقايضها من الأحوال المذكورة. و البيت لحاتم بن عبد اللّه الطائي من قطعة أوّلها:

    • أيا ابنة عبد اللّه و ابنة مالكو يا ابنة ذى البردين و الفرس النهد
    • إذا ما صنعت الزاد فالتمسى لهأكيلا فإنّى لست آكله و حدى
    • قصيّا بعيدا أو قريبا فإنّنيأخاف إذا متّ الأحاديث من بعدى
    • كفى بك عارا أن تبيت ببطنةو حولك أكباد تحنّ إلى القدّ
    • و إنّي لعبد الضيف ما دام نازلاو ما فيّ لولا هذه شيمة العبد

    و يروى حسبك داء. و أطلق عليه اسم الداء باعتبار أنّه رذيلة تنفيرا عنه، و روى قوله: أو أبيت و قوله: أو أكون. مرفوعين، و الوجه فيه أن لا يكون أو حرف عطف بل تكون الهمزة للاستفهام. و الواو بعدها متحرّكة كالفاء في قوله «أ فأصفاكم ربّكم بالبين» و يكون استفهام إنكار لبيانه مبطانا و لكونه كما قال القائل، و كذلك الاستفهام في قوله: و أقنع من نفسي. في معرض الإنكار لرضاء نفسه بأن يدعى أمير المؤمنين و لا يشاركهم في مكاره الدهر و جشوبة المطعم. و الواو في قوله: و لا. للحال. و أو أكون عطف على اشاركهم في حكم النفى.

    الثاني عشر: نبّه على بعض العلل الحاملة له على ترك الطيّبات و الزهد في الدنيا.

    و هو كونه لم يخلق ليشغله أكل الطيّبات عمّا يراد منه، و ذلك في قوله: فما خلقت. إلى قوله: المتاهة، و نفّر عن الاشتغال بأكل الطيّبات بذكر ما يلزم المشتغل بذلك من مشابهة البهيمة، و أشار إلى وجه الشبه بقوله: همّها علفها. إلى قوله: يراد بها. و ذلك أنّ المشتغل بها إن كان غنيّا أشبه البهيمة المعلوفة في اهتمامه بما يعتلفه من طعامه الحاضر، و إن كان فقيرا كان اهتمامه بما يكسبه و يقمّمه من حطام الدنيا ثمّ تعليفه، و يملأ كرشه مع غفلته عمّا يراد منه كالسائمة الّتي همّها الاكتراش لقممه من الكناسات مع غفلتها عمّا يؤول إليه حالها و يراد بها من ذبح و استخدام، و استعار لفظ الحبل و جرّه، و كنّى بذلك عن الاهمال و الإرسال كما ترسل البهيمة.

    الثالث عشر: أشار إلى بعض ما عساه يعرض للأذهان الضعيفة من الشبهة،

    و هي اعتقاد ضعفه عن قتال الأقران بسبب ذلك القوت النزر، و ذلك بقوله: و كأنّي.

    إلى قوله: الشجعان.

    ثمّ نبّه على الجواب عن ذلك من خمسة أوجه:

    الأوّل: التمثيل بالشجرة البريّة

    قياس نفسه عليها في القوّة. فالأصل هو الشجرة البريّة، و الفرع هو عليه السّلام، و المشترك الجامع بينهما هو قلّة الغذاء و جشوبة المطعم كقلّة غذاء الشجرة البريّة و سوء رعيها، و الحكم عن ذلك هو صلابة أعضائه و قوّته كصلابة عود الشجرة البريّة و قوّتها. ذلك دافع للشبهة المذكورة.

    الثاني: تمثيل خصومه و أقرانه كمعاوية بالروائع الخضرة

    و هي الأصل في هذا التمثيل، و الفرع هو خصومه و أقرانه، و المشترك الجامع بينهما هو الخضرة و النضارة الحاصلة عن الترفّه و لين المطعم، و الحكم اللازم عن ذلك هو رقّة الجلود و لينها و الضعف عن المقاومة و قلّة الصبر على المنازلة و الميل إلى الدعة و الرفاهيّة، و الغرض أن يعلم كون أقرانه أضعف منه. فيندفع الشبهة.

    الثالث: تمثيله بالنباتات العذية

    و هو كتمثيله بالشجرة البرّيّة و الحكم هنا هو كونه أقوى على سعير نار الحرب و أصبر على وقدها و أبطأ فتورا فيها و خمودا كالنباتات العذية في النار.

    الرابع: تمثيله نفسه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالضوء من الضوء.

    و أصل هذا التمثيل هو الضوء من الضوء و فرعه نسبة نفسه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و علّته الجامعة هي كون علومه و كمالاته النفسانيّة المشرقة مستفادة و مقتبسة من مصباح علم النبوّة و كمالاتها كالمعلول من العلّة و المصباح من الشعلة.

    الخامس: تمثيله منه صلّى اللّه عليه و آله بالذراع من العضد.

    و الأصل فيه الذراع مع نسبته إلى العضد، و الفرع هو عليه السّلام منسوبا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و العلّة الجامعة هي قربه منه و قوّته به و كونه ظهيرا له و وسيلة إلى حصول مقصوده من تمام الدين و كماله، و كون الرسول صلّى اللّه عليه و آله أصلا في ذلك كقرب الذراع من العضد، و كون العضد أصلا له، و كون الذراع وسيلة إلى التصرّف و البطش بالعضد، و الحكم في هذين التمثيلين واحد و هو كونه عليه السّلام لا يضعف عن قتال الأقران و منازلة الشجعان، و وجه لزوم هذا الحكم عن المشترك الأوّل أنّه لمّا كانت علومه اليقينيّة و بصيرته في الدين يناسب بصيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذلك أعظم أمر يشجّعه و يقوّيه على قتال الأقران حمية للدين، و كذلك عن المشترك الثاني.

    ثمّ لمّا أثبت ذلك الحكم و نفى عنه الضعف المتوهّم فيه أكدّ ذلك بالقسم البارّ أنّه لو تعاونت العرب على قتاله لما ولّى عنها، و لو أمكنت الفرصة من رقابها يسارع إليها: أي حين القتال و استحقاقهم للقتل بعداوتهم للدين و قبح العفو عنهم ملاحظة تشبّهه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في ذلك في مبدء الإسلام فإنّه لم يكن ليضع العفو إلّا في موضعه، و روي أنّه قتل في يوم واحد ألف إنسان صبرا في مقام واحد لما رأى في ذلك من مصلحة الدين.

    الرابع عشر: تواعد أن يجتهد في تطهير الأرض من هذا الشخص المعكوس و الجسم المركوس

    و أراد معاوية، و إنّما قال: شخصا و جسما ترجيحا لجانب البدن على النفس باعتبار عنايته بكمال بدنه دون كمال نفسه فكأنّه جسم و شخص فقط، و أشار بكونه معكوسا و مركوسا إلى التفاته عن الجنبة العالية و انتكاسه عن تلقّى الكمالات الروحانيّة إلى الجنبة السافلة و ارتكاسه في الدنيا و انعكاس وجه عقله إلى تحصيلها لذاتها و الاعتناء بجمعها [بجميعها خ ] فإن غرض العناية الإلهيّة من خلق الإنسان أن يترقّى في مدارج الكمال بعد حفظ فطرته الأصليّة عن الدنس برذائل الأخلاق فإذا جذبته دواعى الأمّارة إلى الدنيا و غرّته بحبّها حتّى التفت إليها لم يزل ينحطّ في دركات محبّتها و بحسب ذلك يكون انتكاسه عن مراتب الكمال و ارتكاسه في الرذائل و مهاوى الضلال، و تقيّده فيها بالسلاسل و الأغلال. و قوله: حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد. إشعار لفظ المدرة لمعاوية و حبّ الحصيد للمؤمنين، و وجه المشابهة أنّه مخلص المؤمنين من وجود معاوية بينهم ليزكوا إيمانهم و يستقيم دينهم. إذ كان وجوده فيهم سببا عظيما لفساد عقائدهم و هلاك دينهم كما يفعل أهل البيادر من تصفية الغلال و إخراج ما يشوبها و يفسدها من المدر و غيره. و قال الشارح عبد الحميد بن أبي- الحديد كما أنّ الزرّاع يجتهدون في إخراج المدر و الحجر و الشوك و نحوه من بين الزرع كيلا يفسد منابته فيفسد ثمرته. و فيه نظر لأنّه لا معنى لإخراج الطين من الزرع، و لأنّ لفظ حبّ الحصيد لا يفهم منه ذلك.

    الخامس عشر: تمثّل الدنيا بصورة من يعقل

    و خاطبها بخطاب العقلاء ليكون ذلك أوقع في النفوس لغرابته. ثمّ أمرها بالتنحّى و البعد عنه كالمطلّق لها. و حبلك على غاربك كناية عن الطلاق تمثيل. و أصله: أنّ الناقة إذا أريد إهمالها لترعى وضع حبلها على غاربها فضرب مثلا لكلّ من اهمل و اطلق عن الحكم. ثمّ جعلها ذات مخالب استعارة بالكناية عن كونها كالأسد في جذبها للإنسان بما فيها من الشهوات و القينات إلى الهلاك الأبد كما يجرّ الأسد فريسته، و كذلك جعلها ذات حبائل، و كنّى بهذا الوصف المستعار عن كونها تصيد قلوب الرجال بشهواتها الوهميّة فهي لها كحبائل الصايد، و استعار لفظ مداحضها لشهواتها و ملذّاتها أيضا باعتبار كونها مزالق أقدام العقول عن طريق اللّه و مصارع لها، و عبّر بجميع ذلك عن زهده فيها و إبعادها فيها عن نفسه. ثمّ أخذ في سؤالها عن القوم الّذين غرّتهم بمداعبها و الامم الّذين فتنتهم بزخارفها سؤالا على سبيل التوبيخ لها و الذمّ على فعلها ذلك بهم في معرض التنفير عنها، و هو من قبيل تجاهل العارف، و استعار لها لفظ المداعب جمع مدعبة بمعنى دعابة، و وجه المشابهة أنّها عند صفاء لذّاتها للخلق و اغترارهم بها ثمّ كرّها عليهم بعد ذلك بالأمر الجدّ يشبه من يمزح مع غيره و ينبسط معه بالأقوال و الأفعال الليّنة ليغترّ به ثمّ يأتيه بعد ذلك بالأمر الجدّ فيؤذيه أو يهلكه، و إنّما نسب الغرور إليها لكونها سببا مادّيا لذلك. و في نسخة الرضي- رحمه اللّه- غرّرتيهم بإثبات الياء، و وجهه أنّها حدثت من إشباع الكسرة.

    السادس عشر: أشار إلى غايتهم الّتى صاروا إليها

    و هي كونهم رهائن القبور و مضامين اللحود، و نبّه في ذلك على أنّ غرورهم و فتنتهم بما لم يخلصهم من هذه الغاية كلّ ذلك الغرض التنفير عنها. و ها للتنبيه، و استعار لفظ الرهائن لهم عتبار كونهم موثّقين في القبور بأعمالهم كالرهن، و يحتمل أن يكون حقيقة، و يكون رهينة بمعنى راهنة و هى الأشخاص المقيمة بقبورها.

    السابع عشر: أقسم أنّها لو كانت شخصا مرئيّا و قالبا حسّيّا

    لأقام عليها حدود اللّه في عباد غرّتهم بالأمانيّ و أوردتهم موارد البلاء حيث لا ورد و لا صدر: أي أنّ تلك الموارد ليس من شأنها أن يكون إليها ورود و عنها صدر. ثمّ لمّا كان في هذا الخطاب كالمعلم لها أنّه قد اطّلع على خداعها و غرورها قال كالمؤيس لها من نفسه هيهات: أي بعد اغترارى بك و ركوني إليك. ثمّ نبّه على بعض العلل الحاملة على على البعد عنها و النفرة عن قربها و هي ما يلزم وطى ء دحضها من الزلق، و ركوب لججها من الغرق، و الازورار عن حبائلها من التوفيق للسلامة، و ما يلزم السالم منها من عدم مبالاته بضيق مناخه، و كلّ مناخ أناخ به من فقر و سجن و مرض و بلاء بعد السلامة منها فهو فسيح رحب بالقياس إلى ما يستلزم التفسّح فى سعتها و الجرى فى في ميادين شهواتها من العذاب الأليم في الآخرة، و هى عنده في القصر و عدم الالتفات إليها كيوم حان انسلاخه. و ألفاظ المداحض و اللجج و الحبال مستعار لشهواتها و لذّاتها.

    فالأوّل: باعتبار كون شهواتها مظنّة أن تحبّ فينجرّ الإنسان عند استعمالها إلى الاستكثار منها أو تجاوز القدر المعتدل إلى المحرّم فتزّل قدم نفسه عن صراط اللّه فيقع في مهاوى الهلاك و المئاثم. و الثاني: باعتبار أنّ مطالبها و الآمال فيها غير متناهيه فمن لوازم المشتغل بها و المنهمك فى الدنيا أن يغرق نفسه فى بهر لا ساحل له منها فينقطع عن قبول رحمة الله الى الهلاك الابدى كالملقى نفسه فى بحر لجى. الثالث: باعتبار أن الانسان إذا اغترّ بها و حصل في محبّة مشتهياتها عاقته عن النهوض و التخلّص إلى جناب اللّه و منعته أن يطير بجناحي قوّته العقليّة في حضرة قدس اللّه و منازل أوليائه الأبرار كما تعوق حبائل الصائد جناح الطائر. و لفظ الوطى و الركوب و الزلق و الغرق ترشيح. ثمّ كرّر الأمر لها بالبعد عنه و أقسم أنّه لا يذلّ لها فيستذلّه و لا يسلس لها قياده فيقوده، و فيه تنبيه على أنّها لا يذلّ فيها إلّا من أذلّ نفسه و عبّدها لها و لا يملك إلّا قياد من أسلس لها قياده و هو ظاهر. إذ الإنسان ما دام قامعا لقوّته الحيوانيّة مصرفا لها بزمام عقله فإنّه من المحال أن يذلّه الدنيا و يستعبده أهلها و مهما اتّبع شهوته فيما تمثّل إليه فإنّها تذلّه أشدّ إذلال و تستعبده أقوى استعباد كما قال عليه السّلام: عبد الشهوة أذلّ من عبد الرق. و استعار وصف إسلاس القياد للتسهيل في متابعة النفس العاقلة للنفس الأمّارة و عدم التشدّد في ضبطها باستعمال العقل عن متابعتها.

    الثامن عشر: أقسم ليوقّعن ما صمّم عزمه عليه

    و هو بصدده من رياضة نفسه. و وصف تلك الرياضة في قوّتها باستلزام أمرين: أحدهما: كون نفسه يهشّ معها إلى القرص و ترضى به إذا قدرت عليه مطعوما و تقنع بالملح مأدوما. و تلك رياضة القوّة الشهويّة، و لمّا كانت عدوّا للنفس و أكثر الفساد يلحق بسبها خصّها بالذكر و قوّة العزم، و يحتمل أن يريد رياضة جميع القوى و إنّما وصفها بكون النفس تهش معها إلى القرص لأنّ ضبط الشهوة أعظم من ضبط سائر القوى و أصعب و كانت الإشارة إلى ضبطها إلى الحدّ المذكور أبلغ في وصف الرياضة بالشدّة، و استثنى في يمينه بمشيئة اللّه أدبا لقوله تعالى وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ«» و تنبيها على استناد جميع الامور في سلسلة الحاجة إلى اللّه تعالى. الثاني: كونه يدع مقلته في تلك الرياضة كعين ماء نضب ماؤها، و وجه الشبه أن يفنى دموعها و يستفرغها بالبكاء شوقا إلى الملأ الأعلى و ما اعدّ لأولياء اللّه من السعادة الأبديّة و خوفا من حرمانها. و من كان في مقام الغربة و محلّ الوحشة كيف لا يشتاق إلى وطنه الأصليّ و مقام انسه الأوّلىّ. و مطعوما و مأدوما و مستفرغة أحوال. ثمّ أخذ في تمثيل نفسه بالسائمة و الربيضة على تقدير أن يرضى بمثل حالهما و غايتهما من الدنيا في معرض الإنكار لذلك الرضا من نفسه، و الأصل في ذلك التمثيل البهيمة، و الفرع هو عليه السّلام، و المشترك الجامع هو الرعى و الشبع و البروك و النوم و الراحة. و لمّا كان الأصل المقيس عليه في غاية من الخسّة بالقياس إلى الإنسان الكامل استلزم ذلك التشبيه به قوّة النفرة عمّا يستلزم التشبيه من الصفات. و قوله: قرّت إذن عينه. إخبار في معرض الإنكار و الاستهزاء باللذّة كقوله تعالى ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ«»،

    التاسع عشر: نبّه على أنّ النفس إذا كانت بالصفات المذكورة فلها استحقاق طوبى.

    و جمع في تلك الصفات أكثر مكارم الأخلاق: فالاولى: القيام بواجب طاعة اللّه و ما افترضه عليها. الثانية: قوله: و عركت بجنبها بؤسها. كناية عن الصبر على نزول المصائب.

    يقال: عرك فلان بجنبه الأذى، إذا أغضى عمّن يؤذيه و صبر على فعله به. و يلازم ذلك عدّة فضائل كالحلم و الكرم و العفو و الصفح و التجاوز و كظم الغيظ و احتمال المكروه و العفّة و نحوها. الثالثة: أن تهجر بالليل غمضها، و هو كناية عن إحياء ليلها بعبادة ربّها و اشتغالها بذكره حتّى إذا غلب النوم عليها افترشت أرضها و توسّدت كفّها: أى لم يكن لها كلفة في تهيّة فراش و طيب و ساد بل كانت بريّة عن كلّ كلفة عريّة عن كلّ قينة منزّهة عن كلّ ترفة. و قوله: في معشر. يصلح تعلّقه بكلّ من أفعال النفس المذكورة: أى فعلت هذه الأفعال في جملة معشر من شأنهم كذا. و عرّفهم بصفات أربع: أحدها: كونهم أسهر عيونهم خوف معادهم. الثاني: و تجافت جنوبهم من مضاجعهم. و هو كناية عن اشتغالهم ليلا بعبادة ربّهم كقوله تعالى تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ«». الثالث: و همهمت بذكر ربّهم شفاهم كقوله تعالى يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً«».

    الرابع: و تقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم، و هو لازم عن الثلاثة الاولى أو ثمرة لها، و استعار لفظ التقشّع لانمحاء ذنوبهم، و وجه المشابهة أنّ الذنوب و الهيئات البدنيّة في تسويدها لألواح النفوس و تغطيتها و حجبها لها عن قبول أنوار اللّه يشبه المتراكم الحاجب لوجه الأرض عن قبول نور الشمس و الاستعداد بها للنبات و غيره فاستعار لزوالها و انمحائها من ألواح النفوس لفظ التقشّع. كلّ ذلك للترغيب في طاعة اللّه و الجذب إلى الدخول في زمرة أوليائه و باللّه التوفيق.

    ( . شرح نهج البلاغه ابن میثم، ج5، ص 98-118)

    ترجمه شرح ابن میثم

    44- از نامه هاى امام (ع) به عثمان بن حنيف انصارى كه از طرف آن بزرگوار حاكم بصره بود و به امام (ع) خبر رسيد كه گروهى از مردم بصره او را به ميهمانى خوانده اند و او دعوت آنها را پذيرفته است.

    أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ- فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ- دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا- تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ- وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ- عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ- فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ- فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ- وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وُجُوهِهِ فَنَلْ مِنْهُ- أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ- وَ يَسْتَضِي ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ- أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ- وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ- أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ- وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ- فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً- وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً- وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً- بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ- فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ- وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ آخَرِينَ- وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ- وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ- وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا- وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا- وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا- لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ- وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ- وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى- لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ- وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ- وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ- وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ- وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ- وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ الْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ- وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ- أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى- وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ-

    وَ حَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍ وَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

    أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ- هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ- وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ- أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ- فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ- كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا- أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا- تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا- أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً- أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ- إِذَا كَانَ هَذَا قُوتُ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ- فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ- وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ- أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً- وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً- وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً- . وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالصِّنْوِ مِنَ الصِّنْوِ وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ- وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا- وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا- وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ- وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ- حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ- قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ- وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ- وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ- أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ- أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ- فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ- وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً- لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ- وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي- وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ- وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ- هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ- وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ- وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ- وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ- وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمٍ حَانَ انْسِلَاخُهُ اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي- وَ لَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي- وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ- لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ- إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً- وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً- وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا- مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا- أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ- وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ- وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ- قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ- بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ- طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا- وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا- حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا- وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا- فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ- وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ- وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ- وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ- أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَ لْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ- لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ

    لغات

    مأدبة، به ضمّ دال: وليمه اى كه به آن دعوت كنند.

    عائل: فقير، بينوا قضم: خوردن با جلو دهان طمر: جامه كهنه وفر: مال فراوان فدك: نام روستايى است كه مال پيامبر خدا (ص) بوده است جدث: قبر، آرامگاه اضغطها: آن را تنگ گرداند قمح: گندم نسائج: جمع نسجه، به معنى بافته جشع: حرص و علاقه زياد به غذا مبطان: كسى كه به دليل پرخورى شكمش بزرگ است غرثى: گرسنه بطنة الكظّة: پر بودن شكم از غذا تقمّم: جستجو و زيرورو كردن زباله سدى: بيهوده و مهمل رها شده دوائع: درختانى كه داراى سرسبزى و خرمى دل انگيزند بدويّه: گياهانى كه جز با آب باران آبيارى نمى شوند مركوس: مردود، واژگونه مانند كسى كه سرش به طرف زمين است مداحض: شخص كناره گير ازورّ: كناره گرفت اعزبى: دورشو، گفته مى شود: عزب الرّجل- به فتح زاء- هرگاه دورى گزيند.

    سلسل الرّجل يسلس- به كسر لام- : شل كرد افسارش را.

    رياضة: تربيت كردن، عادت دادن.

    ربيضة: گله چرا كننده از گوسفندان تجافت: خالى شد و برخاست.

    همهمة: صداى آهسته.

    تكترش: پر مى كند شكمبه اش را

    ترجمه

    «امّا بعد اى پسر حنيف، به من اطلاع دادند كه مردى از جوانان بصره تو را به مهمانى عروسى دعوت كرده است و تو با شتاب به آن مهمانى رفته اى و غذاهاى رنگارنگ گوارا در اختيارت بوده و كاسه هاى بزرگ برايت مى آوردند، و من چنين گمانى نداشتم كه تو به مهمانى گروهى بروى كه نيازمندان را دور مى سازند و توانگران را دعوت مى كنند بنا بر اين در آنچه از آن خوردنيها كه ميل مى كنى خوب دقّت كن، و هر چه را كه حلال يا حرام بودن آن بر تو نامعلوم است، به دور بينداز و هر چه را كه به پاكى و درستى راههاى به دست آوردن آن، اطمينان دارى ميل كن.

    بدان كه هر مأمومى امام و رهبرى دارد كه از او پيروى مى كند و از پرتو دانش او روشنى مى گيرد، آگاه باش كه رهبر شما از دنياى خود به دو جامه كهنه و از خوراكيها به دو قرص نان بسنده كرده است، هان، شما به عمل كردن بر روشى اين چنين ناتوانيد، ولى به تقوا و مجاهدت، پاكى و درستى مرا كمك كنيد. به خدا سوگند، از دنياى شما زرى نيندوخته و از غنايم آن ثروت فراوانى جمع نكرده ام، و به علاوه جامه اى كه [در بر]دارم جامه كهنه ديگرى مهيّا نكرده ام.

    آرى از آنچه آسمان بر آن سايه افكنده است، فدك در دست ما بود كه در واگذاشتن آن به ما، گروهى بخل ورزيدند و گروه ديگر نيز دست از آن شستند.

    خداوند نيكوداورى است مرا به فدك و غير فدك چه كار، در حالى كه جايگاه انسان فردا قبرى است كه در تاريكى آن آثارش منقطع و خبرهاى مربوط به او گم مى شود، حفره اى كه اگر زياد وسعت داشته باشد و دستهاى كسى كه آن حفره را مى كند گشايشى بخشد باز هم سنگ و كلوخ قبر او را بفشرد، و خاكهاى انبوه روزنه هاى آن را پر كند، براستى كه من در اين انديشه ام تا نفس خود را با پرهيزگارى تربيت كنم تا در روزى كه ترس و بيم آن فراوان است آسوده باشد، و در اطراف لغزشگاه استوار بماند در صورتى كه اگر بخواهم به عسل خالص و مغز گندم و پارچه هاى ابريشمى دست پيدا كنم مى توانم، امّا هيهات كه هواى نفس بر من غلبه كند، و طمع زياد مرا به انتخاب خوردنيها وادارد، در حالى كه ممكن است در حجاز يا يمامه كسى باشد كه به قرص نانى هم طمع نبسته و به سير شدن عادت نكرده است و يا من با شكم سير بخوابم در صورتى كه اطراف من شكمهاى گرسنه و جگرهاى تفديده باشد و يا آن چنان باشم كه گوينده اى گفته است: «اين درد برايت بس كه تو با شكم سير بخوابى، و در پيرامونت جگرهايى آرزومند ظرفى از سبوس باشند» آيا من به اين مقدار قانع باشم كه بگويند اين فرمانرواى مؤمنان است بدون اين كه در سختيهاى روزگار با مردم همدرد و شريك باشم و يا در فشارهاى زندگى الگو و در پيشاپيش آنها باشم من براى اين آفريده نشده ام كه خوردن غذاهاى خوب- مانند چهارپاى بسته كه انديشه اش علف است- مرا سرگرم سازد، و يا همچون چهارپايى از بند رها شده باشم كه خاكروبه ها را به هم مى زند تا شكم خود را پر كند و از سرانجام كارش غافل است و يا اين كه بى هدف و بيهوده رها شوم و يا ريسمان گمراهى را بكشم، و يا بدون انديشه راه انحراف را در پيش گيرم.

    گويا گوينده اى از جانب شما مى گويد: اگر خوراك پسر ابو طالب اين است، پس ناتوانى و سستى او را از نبرد با همگان و ايستادگى در برابر دلاوران باز مى دارد بدان كه درخت بيابان چوبش مقاوم تر، و درختان سرسبز و خرّم نازكتر و كم مقاومت ترند، و شعله گياهان در دشت فروزانتر است و ديرتر خاموش مى شود براستى كه من نسبت به پيامبر خدا (ص) همچون درخت خرما نسبت به درخت خرماى به هم پيوسته و چون دست به بازوى آنم. به خدا قسم اگر تمام مردم عرب به نبرد با من هماهنگ شوند من رو از ايشان برنمى گردانم و اگر فرصتهايى به دستم آيد بر ايشان يورش خواهم برد. بزودى خواهم كوشيد تا صفحه زمين را از اين شخص واژگونه و جسم سرنگون [معاويه ] پاك سازم تا دانه كلوخ از بين دانه هاى گندم درو شده بيرون شود.

    اى دنيا دور شو از من كه مهار تو را بر كوهانت انداخته ام، از چنگت رها شده ام و از دامهايت رسته ام، و از اين كه در پرتگاهايت قرار گيرم پرهيز كرده ام، كجا هستند آن گروهى كه با بازيچه هايت آنان را فريفتى، كجايند ملتهايى كه با زيورهايت آنان را به فتنه انداخته اى هم اكنون آنان در گرو گورها و در جوف قبرهايند به خدا قسم اگر تو يك موجود محسوس و يك جسم قابل حس بودى حدود الهى را در باره تو اجرا مى كردم، در مقابل آن بندگانى كه به وسيله آرمانها فريفتى و ملتهايى كه در پرتگاهاى سقوط انداختى و سلاطينى كه به نابودى كشاندى و در غرقاب مصائب غرق كردى آن جايى كه ديگر رفت و برگشت نبود.

    هيهات هر كس در پرتگاهايت گام نهاد لغزيد و هر كس در انبوه امواج دريايت سوار شد غرق گرديد، هر كس از طنابهاى دامت فاصله گرفت نجات يافت، هر كس از دست تو جان سالم به در برد، باكى از تنگى خوابگاهش ندارد، و نزد او دنيا چون روزى است كه وقت جدايى از آن فرا رسيده است.

    اى دنيا از من فاصله بگير، به خدا قسم من تسليم تو نمى شوم تا مرا دچار ذلّت و خوارى كنى، و تن به فرمان تو نمى سپارم تا زمام اختيار مرا به دست گيرى، سوگند به خدا سوگندى نيكو كه خواست خدا را از آن استثنا مى كنم نفس خود را چنان رياضتى مى دهم كه با قرص نانى اگر برايش فراهم آورم شادمان گردد، و به خورش نمكى قانع شود، و كاسه چشم را همچون چشمه اى كه آبش پايان گرفته به حال خود رها مى كنم تا از رشك تهى گردد آيا حيوان علفخوار از چرا شكمش پر مى شود، تا به پهلو بيفتد و آيا گله گوسفند از علف سير مى شود تا به خوابگاهش برود و على اگر از توشه خود بخورد و بخواهد، پس چشمش روشن كه پس از سالهاى دراز، از چهار پايان بى بند و بار و گلّه به چرا برده پيروى كند.

    خوشا به حال كسى كه واجبات پروردگارش را ادا كند و در سختى آن بردبار باشد و به هنگام شب از خواب خوددارى كند تا وقتى كه خواب بر او غلبه كند، آن گاه زمين را فرش و كف دستش را بالش خود سازد، در زمره كسانى كه ترس معاد خواب را از چشمشان ربوده و پهلوهايشان را از بستر خواب دور نگاهداشته و لبهايشان به ياد پروردگار به آرامى در حركت است و با استغفار زياد گناهانشان پراكنده است: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ«» پس اى پسر حنيف از خدا بترس و بايد چند قرص نان تو را بس باشد تا باعث نجات تو از آتش دوزخ گردد».

    شرح

    اين نامه مشتمل بر چند هدف است: اول: امام (ع) به آن چيزى اشاره كرده است كه مى خواسته به خاطر آن عثمان بن حنيف را مورد پرخاش قرار دهد، يعنى پذيرش فورى مهمانيى كه در آن براى او غذاهاى رنگارنگ گوارا آماده كرده بودند و كاسه هاى بزرگ را مى بردند و مى آوردند، و به او اعلام كرده است كه از اين مطلب با خبر شده است و موضوع برايش به ثبوت رسيده است تا او را سزاوار توبيخ كند. و توضيح اين مطالب در عبارت آن حضرت: اما بعد... الجفان آمده است.

    دوم: امام (ع) به عنوان نامه 45 نهج البلاغه سرزنش عثمان بن حنيف را در اين كار تخطئه مى كند، با اين عبارت: و ما ظننت انّك كذا... يعنى: گمان من نسبت به پارسايى تو اين بود كه تو خود را پاكتر از آن مى دانى كه دعوت به مهمانى گروهى را پذيرا شوى كه به مستمندانشان اعتنا نمى كنند و دعوت و بخشش آنان منحصر به ثروتمندان و فرمانروايان است، و دليل خطاى عثمان در قبول دعوت ايشان آن است كه منحصر ساختن كرامت و ضيافت به ثروتمندان بدون مستمندان، دليل روشنى است بر اين كه هدف ايشان [اشراف بصره ] از اين عمل، جلب دنيا و ريا و سمعه است«» نه رضا و خوشنودى خدا، و هر كس چنين باشد، پذيرفتن پيشنهاد و قبول دعوت او موافقت با او و رضايت به فعل اوست، و اين خود اشتباه بزرگى است بويژه از فرمانروايان دينى كه قادر بر جلوگيرى از كارهاى خلافند.

    سوّم: به وى دستور داده است تا از اين گونه مواردى كه برايش پيش مى آيد، دورى كند و از غذايى كه برايش آماده مى كنند كه احتمال حرمت آن مى رود و كيفيّت آن معلوم نيست بايد احتراز كند، و آنچه را كه يقين به حلال بودن آن و پاكى و درستى راه كسب آن دارد كه بدون شبهه است، ميل كند. و به كنايه از آن، تعبير به مقضم كرده است، تا آن را ناچيز و اندك جلوه دهد، و از اين عبارت بر حسب تأديب اوّل اين طور فهميده مى شود كه خوددارى از اين غذاى مباح براى او بهتر از تناول آن است.

    چهارم: امام (ع) پس از مقدمات قبلى با عبارت: الا و انّ... علمه توجّه داده است بر اين كه وى امام و پيشوايى دارد كه بايد از او پيروى كند، و اين سخن امام، تمثيلى به منزله قياس كاملى مى باشد كه صغراى آن حذف شده است. اصل تمثيل مربوط به مطلق امام و مأموم است و علّت تمثيل آن است كه آن دو تن امام و مأمومند، امّا فرع اين تمثيل شخص امام على (ع) و كارگزار او (عثمان بن حنيف) است و حكم تمثيل همان لزوم پيروى است، قياس مورد نظر چنين است: تو مأموم امامى هستى و هر مأموم، بايد از امام خود پيروى كند، نتيجه اين مى شود كه تو بايد از امام خود پيروى كنى و از پرتو دانش و آگاهى او استفاده نمايى.

    پنجم: به دنبال آن، دليل آورده است كه او بايد از حال امام در امور دنيا پيروى كند، حال امام آن بود كه از پوشيدنيهاى دنيا به مقدارى كه بدنش را بپوشاند يعنى دو جامه كهنه، و از خوراكيها به اندازه اى كه شدّت گرسنگى او را برطرف سازد يعنى دو قرص نان، بسنده مى كرد، بدون اعتنا به زينت و آرايش پوشيدنيها، زيرا دو جامه كهنه آن بزرگوار، عمامه و يك قبايى بود كه در اثر زيادى مراجعه از پاره دوزى كه آن را وصله مى زد شرم داشت و در خوراك خود به لذت و گوارايى آن اعتنا نمى كرد، زيرا آن دو گرده نان از جو سبوس ناگرفته اى بود كه يكى را به عنوان نامه 45 نهج البلاغه ناهار و ديگرى را شام ميل مى فرمود.

    ششم: به اصحاب، اين نكته را نيز خاطرنشان كرده است كه اين نوع رياضت در حد توان آنها نيست، زيرا آن نوع توانايى مشروط به داشتن استعداد و آمادگيى است كه آنان بدان مرحله از استعداد نرسيده اند. آن گاه به ايشان امر فرموده است- اگر جريان بر اين منوال است- تا با رياضت و تلاش خود در راه پرهيزگارى، به يارى او اكتفا كنند و مقصود آن بزرگوار خوددارى از كارهاى حرام و بعد كوشش در راه طاعت پروردگار است و شايد مقصود امام (ع) از ورع و پرهيزگارى انجام مداوم كارهاى شايسته و پس از آن تلاش و كوشش در باره آن بوده باشد.

    هفتم: به وسيله سوگند نيكو بر نادرستى چيزى توجه داده است كه احتمال مى داده بر بعضى از اذهان ناپاك در باره آن بزرگوار خطور كند و آن اين كه پارسايى وى در دنيا آميخته به ريا و سمعه است و در وراى آن پارسايى ظاهرى، علاقه به دنيا و مال اندوزى دنيا وجود دارد، بخصوص كه او امام زمان و خليفه روى زمين است، پس از آن كه انواع چيزهايى را كه خداوند از مال دنيا مباح ساخته، بر شمرده، آن گاه سوگند ياد كرده است كه وى به جز قوتى از آن برنگرفته است، و آن مقدار را از نظر اندكى و حقارت به خوراك چارپايان باركشى كه از زيادى بار پشت آنها زخم برداشته است، تشبيه كرده و اين ويژگى را براى آنها آورده است كه ناتوانى آنها به دليل زخم پشت، و گرفتارى آنها به درد و رنج باعث كم شدن خوراك آنها شده است سپس در تعريف بى ارزش بودن دنياى ايشان در نظر خود، افزوده و بيان كرده است كه دنيا و ارزش آن در نظر وى پست تر از يك برگ تلخ است كه حيوانى آن را بخورد، بديهى است كسى كه چنان باشد چگونه قابل تصوّر است كه علاقه مند به دنيا باشد و براى دنيا كار كند.

    هشتم: پس از آن كه امام (ع) در باره دنيا سوگند ياد كرد و بيان فرمود كه حتّى يك وجب از زمين اين دنيا را مالك نيست، فدك را با اين جمله استثنا كرد: «آرى از تمام آنچه كه آسمان بر آنها سايه افكنده، فدك در دست ما بود»«»، اين مطلب را در مورد بيان حال خود و مردمى كه همزمان با امام (ع) بودند از باب شكايت و اظهار تظلّم به خداى متعال از دست كسانى كه فدك را از ايشان گرفتند، بازگو كرده و خود را تسليم امر او و راضى بر داورى و حكومت وى دانسته است. ناگفته نماند، كه فدك ملك خاصّ پيامبر (ص) بوده است، توضيح آن كه چون پيامبر (ص) كار يهوديان خيبر را يكسره كرد، خداوند در دل مردم فدك ترسى انداخت كه همان انگيزه اى شد تا قاصدى خدمت پيامبر فرستادند و تقاضاى صلح بر نصف زمين فدك«» كردند، و پيامبر (ص) پذيرفت، بنا بر اين [آن ملك ] متعلق به شخص پيامبر بود، چون نه لشكر كشى در كار بود و نه نبردى اتّفاق افتاد. و بعضى گفته اند كه پيامبر در مقابل تمام فدك با آنها صلح كرد.

    مشهور ميان شيعيان و مورد اتّفاق دانشمندان شيعه آن است كه پيامبر خدا (ص)، آن را به فاطمه (ع) بخشيد، و اين مطلب را از طرق مختلف روايت كرده اند: از جمله از ابو سعيد خدرى نقل كرده اند كه: چون آيه مباركه وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ«» نازل شد، پيامبر خدا (ص) فدك را به فاطمه (ع) مرحمت كرد و چون ابو بكر به خلافت رسيد، تصميم گرفت فدك را از آن بزرگوار بگيرد. فاطمه (ع) كسى را نزد ابو بكر فرستاد و ميراث خود از پيامبر خدا را از وى مطالبه كرد و مى فرمود كه پدرم در زمان حيات خود فدك را به من مرحمت كرده است، و در آن باره على (ع) و امّ ايمن را به گواهى طلبيد و آن دو گواهى دادند، ابو بكر راجع به اين كه فدك ميراث پيامبر است با خبرى كه از پيامبر نقل كرد پاسخ داد، كه آن خبر چنين است: ما گروه پيامبران ميراثى پس از خود نمى گذاريم آنچه به جاى گذاريم صدقه است.

    و در مورد فدك نيز چنين پاسخ داد كه آن متعلق به پيامبر (ص) نبوده است بلكه از آن تمام مسلمانان و در دست آن بزرگوار بوده است كه بدان وسيله به افراد كمك مى كرد و در راه خدا انفاق مى نمود و من هم به دنبال او همان كارها را انجام مى دهم. هنگامى كه اين سخنان ابو بكر به اطلاع حضرت زهرا (ع) رسيد، حجاب خود را بر تن پوشيد و در ميان تعدادى از اطرافيان و زنان فاميل كه در پشت سرش حركت مى كردند آمد تا بر ابو بكر وارد شد در حالى كه بيشتر مهاجران و انصار در حضور او بودند، پس از اين كه بين آن بزرگوار و مردان پرده اى آويخته شد چنان ناله جانسوزى از دل برآورد كه تمام مردم را به گريه در آورد. سپس مدتى سكوت كرد تا احساسات مردم فرو نشست«» و فرمود: سخن را با سپاس آن كه سزاوار ستايش و رفعت و عظمت است آغاز مى كنم، سپاس از آن خداست در برابر نعمتهايى كه داده و شكر او را در مقابل آگاهى و دركى كه به ما مرحمت كرده است به جا مى آورم. پس از آن كه خطبه اى طولانى ايراد كرد، در پايان خطبه فرمود: چنان كه سزاوار است تقواى الهى را پيشه كنيد و در مورد اوامر او مطيع باشيد، زيرا كه تنها از ميان بندگان خدا، دانشمندان از خدا مى ترسند. و خدايى را سپاس گوييد كه با عظمت و نور او تمام موجودات آسمان و زمين وسيله ارتباط با او را مى جويند، و ماييم واسطه او در ميان مردم، ماييم برگزيدگان و مركز قدس او، و ماييم حجّت او در جايى كه از انظار نهان است و ما وارثان پيامبران او هستيم، آن گاه فرمود: من فاطمه دختر محمدم، بر پايه و اساس سخن مى گويم، روى فخر و بيهودگى سخن نمى گويم، پس با گوش باز سخن مرا بشنويد. بعد فرمود: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ«». اگر پيوند او را بجوئيد خواهيد ديد كه او پدر من است، نه پدر هيچ يك از شما. و برادر پسر عموى من است نه هيچ يك از مردان شما. سپس فرمود شما گمان مى بريد كه من از پدرم ارث نمى برم، آيا داورى زمان جاهليت را پى مى گيريد براى گروهى كه ايمان و يقين دارند چه كسى از خدا در داورى بهتر و نيكوتر است هيهات اى توده ملّت، چنان تصوّرى آيا در كتاب خداست اى پسر ابو قحافه كه تو از پدرت ارث ببرى و من ارث نبرم براستى اگر چنان تصورى داشته باشى، دروغ و افتراى بزرگى به قرآن نسبت داده اى اينك اين فدك ارزانى تو باد، و اين مركب سوارى زين شده و آماده براى سوارى است روز قيامت فرا خواهد رسيد، پس خداوند داورى نيكو، محمد سرپرستى خوب و قيامت وعده گاه ماست و در قيامت است كه بيهوده كاران زيان مى برند لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَ سَوْفَ تَعْلَمُونَ«» و بزودى خواهى دانست كه چه كسى دچار عذاب دردناك مى گردد.

    راوى مى گويد: آن گاه نگاهى به قبر پدر بزرگوارش نمود و به عنوان نامه 45 نهج البلاغه گواه و مثال شعر هند دختر امامه را در حالى كه پدر بزرگوارش را مخاطب قرار داده بود بيان كرد:

    • قد كان بعدك انباء و هنبثةلو كنت شاهد هالم تكثر الخطب
    • ابدت رجال لنا نجوى صدورهملمّا قضيت و حالت دونك الترب
    • تجهّمتنا رجال و استخفّ بنااذ غبت عنّا فنحن اليوم مغتصب«»

    راوى مى گويد، هيچ روزى سابقه نداشت كه مثل آن روز، مردم و آن بانوى بزرگوار آن همه گريسته باشند. سپس رو به گروه انصار حاضر در مسجد كرد و فرمود: اى گروه ياران پيامبر«» و اى بازوان ملّت و نگهبانان اسلام باعث اين سستى شما از يارى من، و سهل انگارى از كمك به من و چشم پوشى از حق من و ناديده گرفتن ستم به من چيست مگر سخن پيامبر را نشنيديد كه فرمود: «احترام به فرزند، احترام به پدر است.» چه زود عوض شديد، و چه زود به چنين وضعى در آمديد، پيامبر از دنيا رفت شما هم دين او را فراموش كرديد آرى مرگ او مصيبتى جانگداز بوده است، با رفتن او شكافى عميق به وجود آمده كه همواره در حال فزونى است و هرگز التيام نپذيرد. زمين از فقدان او تاريك و كوهها زير و زبر شد و آرزوها بر باد رفته اند. پس از آن بزرگوار حرمتها شكسته و حريمى بر جاى نمانده است، و آن رويدادى ناگوار بود كه قرآن پيش از رحلتش بر ملا ساخته و قبل از وفاتش بدان آگاهى داده و فرموده است: وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ«» اى فرزندان قبيله آيا سزاوار است مقابل چشم شما ميراث پدر مرا از من بازستانند و شما فرياد مرا بشنويد و نداى من به گوش همه شما برسد در حالى كه جمعيّت شما و قدرت و توان شما زياد و ساز و برگ و امكانات شما فراوان است، شما همان درستكارانى هستيد كه خداوند شما را از ميان مردم برگزيد و نيكمردانى كه خداوند شما را انتخاب كرد، شما بوديد كه با عرب نبرد كرديد و در برابر ملّتها استوار بر جاى مانديد و قهرمانان را به خاك مذلّت نشانديد تا آنجا كه آسياب اسلام به وسيله شما به گردش در آمد و بر وفق مراد گرديد و آشوب و فتنه از ميان رخت بربست و آتش كفر خاموش شد و بى سر و سامانيها به سامان رسيد و رشته دين استوار گشت.

    آيا پس از آن همه پيشروى عقب نشستيد و بعد از آن همه دلاورى از گروهى كه پس از ايمان پيمان شكنى كردند و دين شما را بمسخره گرفتند ترسيديد هم اكنون با سران كفر پيكار كنيد زيرا كه آنان به پيمان و قسم خود پاى بند نيستند، تا شايد از فساد خوددارى كنند ولى مى بينم كه با همه اينها خوارى و ذلّت در وجود شما رخنه كرده و مكر و حيله به قلبهايتان چيره شده و دين خدا را منكر شده ايد و اعمال ناشايستى را كه تجويز مى كرديد گسترش داديد وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ«» بدانيد كه من با همه خوارى و پستى كه شما را فرا گرفته و ضعف ايمانتان گفتنيها را گفتم، اين شما و اين فدك لجام آن مركب را بگيريد و بر پشت آن سوار شويد و به هر سو مى خواهيد بتازيد، ولى بدانيد كه ننگ حق كشى را بر خود خريديد و خشم خدا را برانگيختيد آتش دوزخ را كه بر جانها احاطه دارد پذيرا شديد همه كارهاتان در محضر خداست إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ«». آن گاه حضرت زهرا (ع) به خانه برگشت و سوگند ياد كرد كه هرگز با ابو بكر سخن نگويد و از خداوند مى خواست تا حق او را بگيرد، اين چنين بود تا وقتى اجلش فرا رسيد، وصيت كرد كه مبادا ابو بكر بر جنازه او نماز گزارد، اين بود كه عباس بر جنازه آن بزرگوار نماز خواند و شب هنگام به خاك سپرده شد. بعضى نقل كرده اند: وقتى كه ابو بكر سخنان حضرت زهرا (ع) را شنيد، حمد و سپاس خدا را گفت و درود بر پيامبرش فرستاد، سپس گفت اى بهترين بانوان و دختر بهترين پدران به خدا قسم كه من از نظر رسول خدا تجاوز ننموده ام و جز به فرمان او عمل نكرده ام، البته كه زمامدار و رهبر به كسان خود دروغ نمى گويد تو گفتنى را گفتى و آنچه لازم بود ابلاغ كردى و درشتى نمودى و از ما دورى كردى، پس خداوند ما و شما را بيامرزد، اما بعد، سلاح و مركب سوارى و نعلين پيامبر (ص) را به على دادم، من از رسول خدا شنيدم كه مى فرمود: ما گروه پيامبران هيچ طلا و نقره، زمين، باغ، و منزلى پس از خود به ارث نمى گذاريم و ليكن ما ايمان، حكمت، علم و سنت را به ارث مى نهيم.

    البته آنچه را كه پيامبر مرا بدان مأمور كرده بود شنيدم و اطاعت كرده و انجام دادم.

    حضرت زهرا (ع) گفت: پيامبر (ص) فدك را به من بخشيده بود.

    ابو بكر گفت: چه كسى شهادت مى دهد كه پيامبر آن را به تو بخشيده است

    على (ع) و امّ ايمن آمدند و شهادت دادند كه پيامبر (ص) فدك را به حضرت زهرا (ع) بخشيد، از طرفى عمر بن خطاب و عبد الرّحمن بن عوف شهادت دادند كه رسول خدا (ص)، فدك را ميان مسلمانان تقسيم مى كرد.

    ابو بكر گفت: دختر پيامبر خدا (ص) تو، على و ام ايمن راست گفتيد، و عمر، و عبد الرّحمن هم راست گفتند مطلب از اين قرار است كه آنچه متعلّق به پدرت بوده است حق تو است، پيامبر خدا (ص) از فدك به مقدار خوراك شما برداشت مى كرد و باقى مانده را ميان مسلمانان تقسيم مى كرد و در راه خدا مى داد، و اين مقدار حق الهى تو است، من هم با فدك همان كارى را مى كنم كه پيامبر (ص) مى كرد. اين بود كه حضرت زهرا (ع) بدان راضى شد و عهد و پيمانى بر آن اساس گرفت، و ابو بكر محصول فدك را كه جمع مى كرد و به مقدار كفايت به ايشان مى داد. بعدها، خلفاى پس از ابو بكر، چنان رفتار مى كردند، تا اين كه معاويه سر كار آمد، مروان پس از امام حسن (ع) يك سوم آن را بريد. و بعد آن را در زمان خلافت خود خالصه قرار داد و متعلّق به خود دانست و ميان فرزندان او دست به دست مى شد تا اين كه نوبت خلافت به عمر بن عبد العزيز رسيد، او در زمان خلافت خود، فدك را به فرزندان فاطمه برگرداند. شيعه معتقد است كه آن نخستين مالى بود كه به ستم گرفته شده بود و به صاحبش بازگردانده شد. اهل سنّت مى گويند: نه، بلكه عمر بن عبد العزيز اوّل آن را ملك خالص خود گرداند، آن گاه بديشان بخشيد. بعد از عمر بن عبد العزيز فدك را از دست اهل بيت گرفتند و زمانى كه حكومت بنى اميّه منقرض گرديد، ابو العباس سفّاح فدك را بازگرداند، سپس منصور گرفت و پسرش مهدى برگرداند، و بعد از آن، موسى و هارون پسران مهدى عباسى آن را گرفتند، همين طور در دست بنى عباس بود تا زمان مأمون كه او به اهل بيت پيامبر (ص) باز پس داد و تا زمان متوكّل در دست آنها ماند تا اين كه عبد اللّه بن عمر بازيار آن را قسمت به قسمت كرد.

    نقل كرده اند كه يازده درخت خرما در فدك وجود داشت كه پيامبر (ص) آنها را به دست مبارك خود كاشته بود، و فرزندان فاطمه (ع) محصول آنها را به حاجيان هديه مى كردند و خود از اين راه به ثروت زيادى مى رسيدند، بازيار كسى را فرستاد آن درختان را بريدند و خود به بصره برگشت و در آن جا به فلج مبتلا شد.

    در اين داستان ميان شيعه و مخالفان موارد ابهام فراوانى وجود دارد، و هر كدام از دو گروه سخنان زيادى دارند، و اما اكنون بايد به متن نهج البلاغه بازگرديم: بيان امام (ع): گروهى بر آن بخل ورزيدند، اشاره دارد به ابو بكر، عمر، و پيروان آنها و نيز اين سخن حضرت: گروهى ديگر آن را بخشش نموده و از آن گذشتند، اشاره دارد به سران بنى هاشم و هواداران آنها.

    نهم: امام (ع) به نحو استفهام انكارى پرسيده كه او را به فدك و غير فدك از زر و زيور دنيا چه كار از باب انكار نيازمندى به فدك، تا اين كه نفس خود را نسبت به آن آرامش داده و نيز خود را با ياد هدف نهايى مردم از دنيا يعنى سرانجام مدفون شدن آنها در گور و آنچه كه لازمه آن است از قبيل قطع آثار و فراموش شدن آنان از امور دنيا به اعمال شايسته توجه دهد. البته امام (ع) اين موارد را برشمرده است براى اين كه انديشه انسانى از آن نفرت دارد و دلها با ياد آنها مى شكند، در نتيجه به درگاه خدا مى نالد و به سمت اعمال خوبى كشيده مى شود كه نجات از گرفتاريهاى حالت مرگ و بعد از آن در گروه آنهاست. «واو» در عبارت «و النفس» واو حاليه است.

    دهم- بعد از آن كه بيان فرموده است، به فدك و غير فدك از زيورهاى دنيا نيازى نيست آن گاه به حدّ و مرز نياز خود، يعنى رياضت و تربيت نفس به وسيله تقوا اشاره كرده است. اين ضمير«» مانند ضمير در عبارت «و انما هى الكوفه» است كه قبلا گذشت، و در حقيقت عبارت چنين است: تنها همّت و حاجت من تمرين و تربيت نفسم به تقواست.

    بدان كه تربيت نفس برمى گردد به بازداشتن آن از خواسته ها و وادار ساختن آن به اطاعت از مولايش، و آن از تربيت چارپايان گرفته شده است، يعنى همان طور كه چارپايان را از اقدام بر حركات ناشايست نسبت به صاحبش و كارهايى كه خلاف نظر اوست باز مى دارند، همچنين قوّه حيوانى كه مبدأ حركات و كارهاى حيوانى در وجود انسان است، اگر به اطاعت از قوّه عاقله عادت نكند به منزله چارپاى خواهد بود كه باعث ناخشنودى صاحبش مى گردد، در آن صورت گاهى قوّه حيوانى از شهوت و گاهى از غضب پيروى مى كند و بيشتر وقتها در حركات و رفتار خود از مرز عدالت به يكى از دو طرف افراط و تفريط بر اثر انگيزه هاى مختلف قواى متخيّله و متوهّمه منحرف مى گردد، و قوّه عاقله را در جهت برآوردن خواسته هاى خود به خدمت مى گيرد، در نتيجه او همواره فرمانده (امّاره) و قوّه عاقله فرمانبر او مى شود. امّا اگر قوّه عاقله او را رام كند و از تخيّلات و توهّمات، و احساسات و كارهاى شهوتزا و خشم انگيز باز دارد، و مطابق خواست عقل عملى تمرين دهد و بر اطاعت امر خود تربيت كند به طورى كه به امر و نهى او عمل كند، قوّه عقليّه مطمئنّه خواهد بود، كارهايى با انگيزه ها و پايه هاى گوناگون انجام نخواهد داد، و ديگر قوا سر به فرمان او و تسليم وى خواهند شد.

    اكنون كه مطلب روشن شد در نتيجه مى گوييم: چون هدف نهايى از رياضت و تمرين نفس رسيدن به كمال حقيقى است و آن هم در گرو آمادگى لازم است، و اين آمادگى نيز متوقّف است بر نابودى موانع برونى و درونى بنا بر اين براى رياضت و تربيت نفس سه هدف وجود دارد: 1- ناديده گرفتن و بى اثر شمردن هر چه را كه مورد علاقه و دوست داشتنى است، يعنى همه موانع خارجى، به جز ذات حق تعالى.

    2- واداشتن نفس امّاره به پيروى از نفس مطمئنّه، تا اين كه دو قوّه تخيّل و توهّم را از عالم پست حيوانى به جانب كمال بكشاند، و ديگر قوا نيز از آنها دنباله روى كنند، در نتيجه انگيزه هاى حيوانى يعنى موانع داخلى برطرف شوند.

    سوم: بيدارى دل و توجّه قلب به بهشت برين، براى تحمّل سختيهايى كه از جانب حق مى رسد و آمادگى براى پذيرش آنها.

    پارسايى واقعى يعنى دورى قلب از متاع دنيا و خوشيها و لذايذ آن براى وصول به هدف اوّل مى تواند ما را يارى كند. و همچنين عبادت آميخته با انديشه و تفكّر در ملكوت آسمان و زمين و مخلوقات خدا و عظمت آفريدگار پاك و كارهاى شايسته با نيّت خالص براى رضاى خدا به هدف دوم كمك مى كند.

    امام (ع) به جاى تقوايى كه نفس خود را به آن تربيت كرده و خو داده است، اين امور معيّن و وسايل مقدّماتى را نام برده است، و به جاى هدف نهايى تربيت، يعنى كمال حقيقى و لذّت مربوط به آن، به ذكر بعضى از لوازم آن توجّه داده است يعنى همان كه نفس آدمى از ناآرامى روز قيامت در امان باشد و در لبه هاى پرتگاه يعنى صراط مستقيم استوار بماند، و انگيزه هاى مختلف، آن را به سمت درهاى جهنّم و پرتگاههاى هلاكت نكشاند. كلمه مزالق را استعاره آورده است براى لغزشگاههايى كه پاى خرد در راه سير الى اللّه در آن بلغزد و تمايلات شهوت و غضب انسان را به سمت پستيها و صفات زشت سوق دهد.

    دهم: بر اين مطلب توجه داده است كه پارسايى وى در دنيا و بسنده كردنش به دو جامه كهنه و دو قرص نان، و رها كردن جز آنها، به دليل ناتوانى از فراهم آوردن خوردنيها و پوشيدنيهاى حلال نبوده است، و براستى كه او اگر مى خواست امكان فراهم آوردن آن چيزهاى خوب، و مغز گندم و عسل خالص را داشت، زيرا غذاى مغز گندم و عسل از متداولترين خوراكيهاى آن روز مردم مكه و حجاز بود و صرف نظر امام از اين گونه غذاها با توان و قدرتى كه بر تهيّه آنها داشت از روى رياضت نفس و آماده سازى آن براى كسب كمالات جاودانه بوده است. امام (ع) در اينجا نقيض ملزوم را يعنى غلبه نكردن هواى نفس او بر عقلش و وادار نكردن زيادى حرص او را برگزينش خوراكيها استثنا كرده است و بر اين جنبه عدمى با عبارت: هيهات (چه بسيار دور است)، توجّه داده است، زيرا آنچه را كه امام (ع) انجامش را از جانب خود بعيد شمرده و ناپسند دانسته، از خود نفى كرده و حكم به نيستى آن فرموده است. اما اين كه آن عدم، خود به عينه نقيض ملزوم است براى اين است كه ملزوم در اين جا اراده انتخاب غذاهاى خوب و غلبه هواى نفس بر عقل- با اين كه مقتضاى عقل مخالفت و دورى از آن غذاهاست- و نيز وادار ساختن شهوت او را بر موافقت با بهره گيرى از غذاهاست «مستثنى» در اين جا عدم اين چيزهاست، و امّا جواز استثناى نقيض مقدم [ملزوم ] از آن روست، كه اراده اين امور شرطى است مساوى با انتخاب غذا و لباس خوب و فراهم آوردن آنها و عدم اراده آن شرط مستلزم عدم مشروط است.

    موارد زيادى در زبان عربى وجود دارد كه كلمه لو به گونه اى استعمال شده است كه ملزوم علت و يا شرط مساوى براى لازم است، نقيض ملزوم از آن استفاده مى شود.

    حرف «و» در لعلّ براى حال است، يعنى بسيار دور است كه هواى نفسم مرا وادارد بر انتخاب خوراكيها در حالتى كه ممكن است در حجاز و يمامه كسى با اين اوصاف [كه در ضمن سخنان حضرت بيان شد] وجود داشته باشد.

    جمله او ابيت، عطف بر يقودني است و از امورى است كه امام (ع) آنها را از خود بعيد دانسته است، و واو در عبارت و حولى براى حال و عامل حال ابيت است و همچنين عبارت او ان اكون عطف بر ابيت است و آن دو از لوازم نتيجه قياس استثنائى اند زيرا اراده نكردن وى بر گزينش خوراكيها مستلزم نخوردن و بهره نگرفتن از آنها است و اين خود مستلزم آن است كه با شكمى پر و در حالى نخوابد كه در اطرافش شكمهاى گرسنه باشد تا بدان وسيله دچار ننگ و عار گردد.

    اما شعر از باب تمثيل است و هدف دورى از ننگ و عارى است كه لازمه استفاده از خوردنيهاى لذيذ است با وجود نيازمندانى كه نياز به اندك غذايى دارند و بر درستى و خوبى اين لوازم به وسيله پيامدهاى نقيضهاشان يعنى همان حالات مذكور، توجه داده است، شعر از حاتم بن عبد اللّه طايى و از قطعه اى است كه آغاز آن چنين است: اى دختر عبد اللّه و دختر مالك و اى دختر ذى البردين و صاحب اسب تندرو وقتى كه توشه اى فراهم كردى كسى را بجوى تا آن را بخورد چون كه من به تنهايى غذا نمى خورم چه او شخصى از راه دور آمده و بيگانه و يا نزديك و از خويشاوندان باشد، مى ترسم كه پس از مرگ مرا به بدى ياد كنند اين ننگ تو را بس كه شب با شكم پر بخوابى در صورتى كه پيرامون تو دلهايى محتاج به ظرفى سبوس باشند و براستى من با آنچه در اختيار دارم، تا وقتى كه مهمان دارم، بنده او هستم، هر چند كه اين روش، روش بردگى نيست«» حسبك داء«» نيز روايت شده است، اطلاق واژه درد بر آن عمل، از آن روست كه آن كار پستى است و بايد از آن دورى جست.

    در عبارت امام (ع): او ابيت، و او اكون را بعضى به ضم آخر و مرفوع خوانده اند، به اين دليل كه او حرف عطف نيست بلكه همزه براى استفهام و واو پس از آن مانند فاء در آيه مباركه: أَ فَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ«» متحرك است، و استفهام انكارى و بيانگر اين مطلب است كه شكم او پر و آن چنان است كه گوينده شعر گفته است، و همچنين استفهام در عبارت: و اقنع من نفسى، در معرض انكار اين مطلب است كه نفس امام (ع) بر اين دلخوش مى دارد كه به او امير المؤمنين گويند در صورتى كه در سختيهاى روزگار و تلخكاميها با آنان همدرد نباشد، واو در عبارت: و لا يشاركهم... واو حاليه، و او اكون، عطف بر: اشاركهم، و به منزله نفى است.

    يازدهم: امام (ع) به پاره اى از انگيزه هايى كه باعث پارسايى و ترك غذاهاى لذيذ در دنيا شده است توجّه داده از جمله آن كه وى براى اين آفريده نشده است تا خوردن غذاهاى خوب، او را از هدف اصلى بازدارد، و توضيح اين مطلب در عبارت: فما خلقت... المتاهة، آمده است. همچنين از سرگرم شدن به خوردن غذاهاى لذيذ با خاطرنشان ساختن پيامد چنان سرگرميى يعنى همانندى با چارپايان، برحذر داشته است، و با عبارت: همّها علفها، تا جمله يراد بها، به وجه شبه به بهايم اشاره فرموده است، توضيح آن كه شخص سرگرم به خوردن غذاهاى لذيذ، اگر از نوع خورشهاى ثروتمندان و بى نيازان باشد، به سان چارپاى علفخوارى خواهد بود در همّت گماردن به علفى كه در اختيار دارد، يعنى همان غذاى موجود، و اگر فردى نيازمند باشد، همتش وابسته خواهد بود به هر آنچه كه از متاع دنيا به دست آورد، و تا آخر آن را بخورد و پرخورى كند و شكمبه خود را با غفلت از هدف اصلى همچون حيوان علفخوار پر كند كه همتش پر كردن شكم از آشغال و زباله هاست بدون توجه به سرانجام كار خود و مقصود اصلى ديگران از او، يعنى سر بريدن و كار كشيدن از او. كلمه ريسمان و كشيدن آن را، استعاره آورده و كنايه از رها كردن و يله نمودن، همانند رها گذاشتن چارپايان است.

    دوازدهم: به بعضى از شبهاتى كه احتمال داده است شايد در ذهنهاى سست وارد شود، يعنى اعتماد بر ناتوانى امام (ع) به علت خوردن خوارك ناچيز، از پيكار با دشمنان، اشاره فرموده است و توضيح آن را در عبارت: و كانّى... الشجعان، آورده، آن گاه به پنج طريق در مقام جواب برآمده است: 1- تمثيل به درخت بيابانى، و مقايسه خود با آن در توانمندى، بنا بر اين اصل در تمثيل همان درخت بيابانى و فرع آن امام (ع) و وجه اشتراك كمى تغذيه و خشونت غذا همانند غذاى درخت بيابانى و بد تغذيه شدن آن است، و حكم در تمثيل همان استوارى اعضاى بدن و نيرومندى او همچون صلابت چوب درخت بيابانى و توانمندى آن است، اين يك پاسخ است بر ردّ شبهه ياد شده.

    2- همانند كردن دشمنان و همگنان خود، همچون معاويه با درختان سرسبز و خرم باغها، در اين تمثيل درختان اصلند و دشمنان و همگنان آن حضرت فرع، و وجه اشتراك همان سرسبزى و شادابى است كه در اثر رفاه و خوراك لذيذ به دست مى آيد و حكم قطعى آن نرم و نازك بودن پوست و ناتوانى از مقاومت و كمى استقامت در برابر رويدادها و علاقه به ناز و نعمت و رفاه است و غرض امام (ع) آن است كه ديگران بدانند همگنان او از وى ناتوانترند و در نتيجه شبهه مزبور برطرف گردد.

    3- تمثيل آن بزرگوار به گياهان ديم مانند تمثيل به درخت بيابانى است، و حكم در اينجا آن است كه امام (ع) در برافروختن آتش جنگ تواناتر و در شعله ور ساختن آن مقاوم تر و پايدارتر، و همچون نباتات ديم در آتش ديرپا است.

    4- تمثيل خود، نسبت به پيامبر خدا (ص)، به درخت خرمايى نسبت به درخت خرماى ديگر، اصل اين تمثيل، درخت خرما نسبت به درخت خرماى ديگر، و فرع آن، جايگاه امام (ع) نسبت به رسول خداست وجه اشتراك اين است كه امام (ع) علوم و كمالات نفسانى خود را از چراغ دانش و كمالات پيامبر (ص) اقتباس كرده، به سان بهره گرفتن معلول از علت و چراغ از شعله.

    5- امام (ع) خود را نسبت به پيامبر (ص) چون ذراع نسبت به بازو مى داند، بنا بر اين اصل [مشبه به ]: ذراع نسبت به بازو و [مشبه ]، فرع: امام (ع) نسبت به پيامبر (ص) است. و وجه اشتراك نزديكى امام نسبت به پيامبر و پشتيبانى از او، و وسيله بودن براى رسيدن پيامبر به مقصود خود يعنى اتمام و اكمال دين است و اصل بودن پيامبر در همه اين موارد مانند نزديكى دست به بازو، و اصل بودن بازو نسبت به دست است، و اين كه دست نسبت به بازو وسيله اى براى تصرّف و حمله مى باشد، امّا حكم در اين دو تمثيل يكى و آن ناتوان نبودن امام (ع) از مبارزه با همگنان و نبرد با دلاوران است، و دليل قطعيّت اين حكم، وجه اشتراك اوّل آن است كه چون علوم يقينى و بينش دينى امام (ع) با بينش پيامبر (ص) متناسب بوده است اين خود بزرگترين چيزى است كه به منظور حمايت از دين او را به شجاعت واداشته و بر مبارزه امثال و اقران نيرو مى بخشيد، و ثبوت حكم از وجه اشتراك دوم نيز همين طور است.

    بعد از آن كه امام (ع) آن حكم را ثابت كرد و ناتوانيى را كه در باره اش تصور مى رفت از خود سلب كرد، با سوگند جلاله آن را مورد تأكيد قرار داده است به اين ترتيب كه اگر تمام عرب براى مبارزه با او پشت به پشت هم دهند هر آينه رو از آنها برنخواهد گرداند، و اگر فرصت گردن زدن آنان را بيابد به سوى ايشان خواهد شتافت، يعنى به هنگام نبرد و استحقاق آنان براى كشته شدن به دليل دشمنى آنان با دين و نادرستى عفو و چشم پوشى از آنان، به خاطر شباهت امام (ع) به رسول خدا (ص) در آغاز اسلام است زيرا پيامبر (ص) گذشت و عفو را جز در جاى خود به كار نمى برد. نقل كرده اند كه امام (ع) در يك روز- چون مصلحت دين را تشخيص داد- هزار نفر را يكجا از پا در آورد.

    سيزدهم: امام (ع) وعده داد كه بكوشد تا روى زمين را از آن شخص واژگون و كالبد سرنگون پاك سازد، مقصود امام (ع) از آن شخص معاويه بود، و اين كه امام (ع) تعبير به شخص و جسم كرد به دليل رجحان جنبه بدنى معاويه بر جنبه روانى اش بود، از آن رو كه وى به كمال بدن خود بيش از كمال روحش توجه داشت به حدى كه گويا او تنها جسم و كالبد بوده است و با بيان اين كه معاويّه كسى است واژگونه و كالبدى سرنگون، اشاره فرموده است به توجه داشتن معاويه از جنبه عالى، و سرپيچى او از دريافت كمالات روحى به جنبه پست، و واژگونگى او در دنيا و سرنگونى چهره عقل او به سمت كسب دنيا براى دنيا و توجه به گرد آورى مال دنياست، زيرا كه هدف نهايى از عنايت خداوندى به آفرينش انسان اين است كه با مصون داشتن فطرت اصلى خود از آلودگى به رذايل اخلاقى، راه مدارج كمال را بپيمايد و اگر انگيزه هاى پر كشش او را به سمت دنيا بكشد و فريفته محبت دنيا شود تا آن جا كه يكسره متوجه دنيا گردد و همواره در مراحل انحطاط محبت دنيا سقوط كند، بدين ترتيب نگونسارى از مراتب كمال و واژگونى اش در پستيها و پرتگاههاى ضلالت و گرفتارى اش با غل و زنجيرهاى آن، تحقق مى يابد.

    در عبارت امام (ع): تا دانه كلوخ از ميان دانه گندم دور شده و جدا گردد، دانه كلوخ يعنى معاويه و دانه دور شده يعنى مؤمنان، و وجه تشبيه آن است كه امام (ع) مؤمنان را از وجود معاويه خالص و آنها را جدا مى كند، تا ايمانشان رشد كند و دينشان استوار گردد، زيرا وجود معاويه در بين آنها وسيله مهمى براى تباه ساختن عقيده شان و نابودى دينشان است، همان طور كه صاحب خرمن، غله هاى خود را پاك و آميخته هاى آنها و هر چه كه از كلوخ و امثال آن باعث فساد غلّه مى گردد، از ميان بيرون مى كند. شارح نهج البلاغه عبد الحميد بن ابى الحديد گفته است همان طورى كه كشاورزان در بيرون آوردن كلوخ، سنگ، خار و امثال آنها از ميان كشت، تلاش مى كنند تا باعث فساد در رويش زراعت نشود و محصول را تباه نسازد.

    اين گفتار ابن ابى الحديد محلّ نظر است، زيرا كه بيرون بردن گل از ميان زراعت معنايى ندارد و از طرفى عبارت: دانه گندم درو شده (حبّ الحصيد)، آن معنا را نمى رساند.

    چهاردهم: دنيا را به صورت موجودى با خرد وانمود كرده و او را بمانند خردمندان، مخاطب قرار داده، تا به خاطر شگفت آميزى اين خطاب، در دلها بهتر جايگزين شود. آن گاه به كناره گيرى و دورى از آن همانند زنى كه طلاق داده اند، امر فرموده است. و عبارت: حبلك على غاربك مهار تو بر كوهانت آويخته است، به عنوان نامه 45 نهج البلاغه تمثيل، كنايه از طلاق است، و اصل اين تمثيل، آن است كه هر وقت بخواهند شتر را براى چرا رها كنند، مهارش را بر كوهانش مى آويزند، و اين به صورت مثلى در آمده است، براى هر كسى كه از حكمى آزاد و رها شود.

    سپس دنيا را صاحب چنگالهايى دانسته است، كنايه از اين كه دنيا انسان را به طرف خواسته ها و زينتها تا سر حدّ هلاكت ابدى مى كشاند همچنان كه شير طعمه خود را مى كشد، و همچنين دنيا را صاحب رشته ها و طنابها دانسته و به وسيله آن صفت استعارى، خواسته است بگويد دنيا دل مردم را با خواهشهاى خيالى مى ربايد همان طور كه طنابهاى دام صيّاد، صيد را به دام مى اندازد، و نيز كلمه: (مداحض) لغزشگاهها، را براى شهوات و لذّتهاى دنيايى، از آن جهت استعاره آورده است كه پاى خرد در آنجا از راه حق مى لغزد و آنجا، جاى زمين خوردن عقول است، و مقصود امام (ع) از تمام اينها، پارسايى در دنيا و دورى خود از دنياست.

    آن گاه شروع به پرسش از مردمانى كرده است كه دنيا آنها را با بازيچه هاى خود فريفته و از ملّتهايى كه با زر و زيور خود آنان را شيفته خود كرده است، پرسشى بر سبيل سرزنش، و نكوهش در مورد اين نحو برخورد دنيا با ايشان، تا اين كه آنها را از دنيا بيزار و برحذر كند، البتّه اين سخن از باب تجاهل عارف است، كلمه: مداعب، جمع مدعبة به معنى بازيچه را براى دنيا استعاره آورده است، و جهت شباهت آن است كه دنيا موقع خالص بودن لذتهايش براى مردم و فريفتن آنها و بعد حمله ور شدن بديشان به صورت جدّى، مانند كسى است كه با ديگرى شوخى مى كند و مى خندد و با حرفها و كارهاى چرب و نرم او را مى فريبد، آن گاه از راه جدّى وارد شده و طرف را مى آزارد و يا نابود مى سازد، كلمه غرور، گول زدن را به دنيا از آن جهت نسبت داده است كه دنيا يك وسيله مادّى براى گول خوردن آدمى است.

    در نسخه سيد رضى- رحمه اللّه- غرّرتيهم با ياء آمده است، دليلش آن است كه ياء از اشباع كسره توليد شده است.

    پانزدهم: اشاره به سرانجام مردم دنيا كرده است كه به سمت آن در حركتند، يعنى گروگان قبرها و فرورفته در زير لحدهايند و در اين سخن توجه داده است كه فريب خوردن و شيفتگى آنها به چيزى است كه تا اين حد با آنها ناخالص است، تمام اينها براى بيزار كردن و دور ساختن آنان از دنياست، كلمه هاء براى تنبيه است، و لفظ رهائن، يعنى گروگانها را براى مردم از آن جهت عاريه آورده است كه اينان در قبرها مانند گروگانى محكم گرفته شده اند، و احتمال دارد كه حقيقت باشد نه استعاره، و رهينه به معناى گروگزار يعنى همان كالبدهاى مقيم در قبرها.

    شانزدهم: امام (ع) سوگند ياد كرده است كه اگر دنيا شخصى قابل رؤيت و كالبدى محسوس بود، حدود الهى را- در قبال بندگانى كه به سبب آرزوها آنها را فريب داده و به مشقت هايى گرفتار كرده است كه نه راه رفتن دارد و نه راه برگشت يعنى اين كه آن موارد از جاهايى است ورود و خروج از آن ممكن نيست- در باره او اجرا مى كردم. چون امام (ع) در اين گفتگو، همچون آموزگارى براى دنيا كه از نيرنگ و فريب او اطلاع يافته و مانند كسى كه او را از خود نااميد مى سازد مى گويد: چه دور است كه حال از تو فريب بخورم. يعنى پس از گول خوردن و اعتمادم به تو آن گاه به بعضى از دلايل دورى از دنيا و بيزارى از نزديك شدن به آن، توجه مى دهد، كه عبارتند از: گام نهادن در لغزشگاه دنيا باعث لغزيدن و سوار شدن بر امواج آبهاى دنيا باعث غرق شدن، و دورى از بندهاى دنيا باعث رسيدن به سلامتى است، و اين كه شخص سالم از دست دنيا، باكى از تنگى خوابگاهش ندارد و هر تنگنايى از قبيل تهيدستى، زندان، بيمارى و گرفتارى پس از سلامت از دست دنيا هر چه تنگ باشد در برابر آن آسايش كه از گشايش در دنيا و تاخت و تاز در ميدانهاى شهوانى دنيا، از عذاب دردناك در آخرت نصيب انسان مى شود، گشايش محسوب مى شود و دنيا در كوتاهى و بى توجهى امام (ع) بدان، همچون روزى است كه وقت پايان يافتن آن فرا رسيده باشد.

    كلمات مداحض، لجج، حبال استعاره اند براى شهوتها و لذتهاى دنيا: اول: از آن جهت كه شهوتهاى دنيا زمينه آن را دارند كه باعث دلبستگى شوند و انسان را به افزون طلبى، يا تجاوز از حد اعتدال به مرز حرام بكشانند، و در نتيجه پاى نفس انسانى از راه حق بلغزد و در پرتگاههاى هلاكت و موارد گناه بيفتد.

    دوم: از آن رو كه خواسته ها و آرمانهاى دنيايى بى پايان است و از پيامدهاى حتمى كسى كه سرگرم بدان و غرق در آن شده، آن است كه خويشتن را در دريايى غرق مى كند كه كناره ندارد، و در نتيجه از قبول رحمت حق سرباز زده، همچون كسى كه خود را در دريايى ژرف افكند، به هلاكت ابدى مبتلا شود.

    سوم: از نظر اين كه انسان وقتى فريب دنيا را خورد و در راه علاقه به دنيا به خواسته هاى خود رسيد، دنيا مانع جهش و پرش او به ساحت قدس خداوندى شده و از پريدن با دو بال نيروى عقلانى در ساحت قدس حق و منزلگاههاى اولياى بزرگ خدا باز مى دارد، همان طور كه بندهاى صياد بال پرنده را از پريدن باز مى دارند. استعمال كلمات وطى، ركوب، زلق و غرق از باب استعاره ترشيحى است. سپس امام (ع) موضوع دورى خود از دنيا را تكرار و سوگند ياد كرده است كه در برابر دنيا سر فرود نخواهد آورد تا دنيا او را خوار سازد، و زمام اختيارش را به دست او نخواهد داد تا هر جا كه مى خواهد بكشد، در اين عبارت توجّه بر اين مطلب است كه كسى در دنيا خوار نمى شود مگر اين كه خود را خوار ساخته و دنيا را بپرستد و دنيا نمى تواند زمام اختيار كسى را به دست گيرد مگر اين كه كسى خود زمام اختيارش را به دست آن سپارد، و اين مطلب واضحى است، زيرا انسان تا وقتى كه نيروى حيوانى را مغلوب كرده و اختيار آن را به دست عقل سپرده است محال است كه دنيا بتواند او را خوار سازد و به بندگى اهل دنيا بكشد، امّا هر وقت از شهوت خود- در برابر جلوه هاى دنيا- پيروى كند، دنيا او را به پست ترين صورت خوار مى سازد و به بدترين نوع بردگى مى كشاند، چنان كه امام (ع) فرموده است: بندگى شهوت پست تر از بندگى بردگان است«». صفت: رها كردن افسار، را- براى سهولت پيروى كردن قوّه عاقله از نفس امّاره و سخت نگرفتن در خوددارى از به كار گرفتن عقل در خدمت نفس- استعاره آورده است.

    هفدهم: امام (ع) سوگند ياد كرده است، تا آنچه را كه بدان تصميم قطعى گرفته و در صدد انجام آن است- يعنى رياضت نفس خود- در ذهن طرف جايگزين كند، و توصيف اين رياضت نفس بالقوه مستلزم دو مطلب است: نخست آن كه وى نفس خود را به قرص نانى خرسند سازد و اگر به آن دسترسى پيدا كرد چون غذاى دلپسندش آن را بپذيرد. و از خورش به نمكى بسنده كند. اين رياضت، رياضت قوه شهوت است، و چون قوه شهوانى دشمن نفس انسانى است و بيشترين فساد از طرف آن قوه به آدمى وارد مى شود، از اين رو، امام (ع)، مخصوصا آن را نام برده و با تصميم قاطع به مقابله آن برخاسته است، و احتمال دارد كه مقصود امام (ع)، تربيت همه قواى نفسانى باشد، كه امام چنين توصيف كرده است، نفس با وجود رياضت و تمرين به قرص نانى خرسند است، زيرا كنترل شهوت از كنترل ساير قوا مهمتر و دشوارتر است، و اشاره به كنترل قوه شهوانى تا به حدّى كه بيان شده است، رساتر از آن است كه تربيت و رياضت را با وصف سخت و شديد بيان مى كرد. امام (ع) در سوگند خود به عنوان نامه 45 نهج البلاغه ادب در گفتار، مشيّت و اراده خدا را استثنا كرده است، به دليل آيه مباركه: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْ ءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ«» و براى جلب توجه به اين مطلب كه امور در سلسله نيازمندى و احتياج، به خداوند منتهى مى شوند.

    دوم- امام (ع) كاسه چشم خود را همچون چشمه آبى به حال خود وامى گذارد كه آبش خشكيده باشد وجه شبه آن است كه اشكهاى چشم تمام شده، و در اشتياق به ملأ اعلى و آنچه از خوشبختى ابدى براى اولياى خدا آماده شده و همچنين از ترس محروم ماندن از آنها، با گريه از اشك تهى گردد. و آن كس كه در جايى غريب مانده و در موضع ترس و وحشت است چگونه شوق ديدار وطن اصلى و نخستين جايى نباشد كه با آنجا انس داشته است. الفاظ مطعوما، مأدوما و مستفرغة [از نظر تركيبى ] حال مى باشند.

    آن گاه امام (ع) به تشبيه و تمثيل خود به حيوان چرنده و گله گوسفند پرداخته است، با اين فرض كه او نيز حالتى مانند اين حيوانات داشته باشد و هدفش از دنيا همان هدف باشد. البته اين مطلب را به عنوان نامه 45 نهج البلاغه انكار از اين كه آن بزرگوار نسبت به نفس خود چنان حالتى را بپسندد. اصل در اين تمثيل حيوان چهارپاست، و فرع آن بزرگوار است. و چون اصل مورد قياس نسبت به انسان كامل در نهايت پستى بوده چنين تشبيهى باعث نفرت زيادى نسبت به صفاتى است كه تشبيه مستلزم داشتن آن صفات است.

    عبارت امام (ع) قرّت اذن عينه- يعنى در چنين حالتى چشمش روشن- جمله خبرى در معرض انكار و به مسخره گرفتن چنان لذتى است همانند آيه مباركه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ«» هيجدهم: امام (ع) توجه داده است كه اگر نفس داراى صفات نام برده باشد، سزاوار آن است كه گفته شود، خوشا به حال او و بيشترين صفات پسنديده را در چنان نفسى جمع كرده است: اوّل- اداى فرمان واجب خداوند و آنچه را كه خداوند بر او فرض دانسته است.

    دوم- عبارت: و عركت بجنبها بؤسها [در سختيها بردبار و نستوه باشد]، كنايه از پايدارى در برابر ناگواريهاست. مى گويند: عرك فلان بجنبه الاذى، هر گاه كسى را كه باعث اذيّت اوست ناديده گرفته و در برابر آزار او شكيبا باشد.

    و اين عمل خود مستلزم شمارى از فضايل اخلاقى از قبيل: بردبارى، بخشندگى، گذشت، چشم پوشى، و فروخوردن خشم، و همچنين تحمّل ناراحتى، پاكدامنى و امثال اينهاست.

    سوم- جمله: ان تهجر باللّيل غمضها (در شب از خواب دورى گزيند)، كنايه است از شب زنده دارى با عبادت پروردگار و سرگرم بودن به ذكر خدا تا وقتى كه خواب بر او غلبه كند آن گاه زمين را فرش و كف دستش را بالش خود قرار دهد: يعنى هيچ زحمتى براى آماده ساختن بستر و بالش نرم به خود راه نمى دهد، بلكه از هر نوع زحمتى به دور، و از هر نوع آرايشى بركنار و از هر رفاه و آسايشى منزّه است.

    عبارت: فى معشر مى تواند متعلّق به هر يك از افعالى كه مربوط به نفس است، بوده باشد، يعنى: من كه اين كارها را انجام دادم از جمله كسانى هستم كه شأن اينان چنين است، و آنها را با چهار ويژگى معرّفى فرموده است: اوّل: ترس از معاد، خواب را از چشمهاى آنان ربوده است.

    دوم: آنان خواب و استراحت ندارند، اين عبارت كنايه از مشغول بودن آنها در تمام شب به ذكر پروردگارشان است، مثل آيه مباركه: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ«».

    سوم: و لبهاى آنان آهسته به ذكر پروردگارشان گوياست مثل آيه مباركه: يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً«».

    چهارم: و با استغفار فراوان گناهانشان را پراكنده سازند، و اين قسمت چهارم لازمه و يا نتيجه سه قسمت اوّل است، كلمه تقشّع، [پراكندگى ابرها] را براى از بين رفتن گناهان، استعاره آورده است، و وجه مشابهت آن است كه گناهان و هيأتهاى جسمانى در سياه كردن صفحه هاى جانها و پوشاندن و ممانعت آنها از پذيرش انوار الهى، نظير ابرهاى متراكمى است كه صفحه زمين را از پذيرش نور خورشيد و آمادگى براى روييدن گياه، و امثال آن، مانع گردد.

    پس كلمه: (تقشّع) را استعاره آورده است براى از بين رفتن و محو شدن گناهان از صفحات دلها. همه اين عبارات براى آن است كه امام (ع) مى خواهد مردم را وادار به اطاعت پروردگار كند و آنان را به ورود در جرگه اولياى خدا جذب نمايد.

    توفيق در دست خداست.

    ( . ترجمه شرح نهج البلاغه ابن میثم، ج5، ص 164-196)

    شرح مرحوم مغنیه

    الرسالة - 44-

    الى عثمان بن حنيف الأنصاري... فقرة 1- 4:

    أمّا بعد يا ابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تستطاب لك الألوان و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ. و غنيّهم مدعوّ. فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه. ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به و يستضي ء بنور علمه، ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه. ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك و لكن أعينوني بورع و اجتهاد، و عفّة و سداد. فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبيّ طمرا. بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السّماء، فشحّت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين. و نعم الحكم اللّه. و ما أصنع بفدك و غير فدك و النّفس مظانّها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها، و تغيب أخبارها، و حفرة لو زيد في فسحتها و أوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر و المدر، و سدّ فرجها التراب المتراكم، و إنّما هي نفسي أروضها بالتّقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب المزلق. و لو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يغلبني هواي و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة. و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص و لا عهد له بالشّبع، أو أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى و أكباد حرّى أو أكون كما قال القائل: و حسبك داء أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ

    اللغة:

    الجفان: جمع الجفنة أي القصعة. و عائلهم: فقيرهم. و تقضمه: تأكله بطرف أسنانك. و المقضم: المأكل. و طيب الوجه من المأكولات: ما كان منها حلالا. و طمريه: ثوبيه الباليين. و التبر: فتات الذهب. و الوفر: المال الكثير.

    و الجدث: القبر. و المدر: الطين. و المزلق: موضع الزلق. و الجشع: الطمع و شدة الحرص. و اليمامة: مدينة من اليمن، و فيها خرج مسيلمة الكذاب. و المبطان:

    ممتلى ء البطن. و غرثى: جائعة. و البطنة: التخمة. و القد: جلد السخلة و اللحم القديد، و المراد به هنا الطعام.

    الإعراب:

    لهي أي الدنيا، اللام للابتداء، و فائدتها التوكيد، و اللّه مبتدأ، و جملة نعم الحكم خبر، و النفس مبتدأ أول، و مظانها مبتدأ ثان، و جدث خبره، و الجملة خبر المبتدأ الأول، و آمنة حال، و هيهات اسم فعل بمعنى بعد، و مبطانا حال، و حسبك مصدر بمعنى كافيك، و هو مبتدأ، وداء تمييز، و المصدر من أن تبيت خبر.

    المعنى:

    عثمان بن حنيف- بضم الحاء- صحابي جليل من الأنصار الذين آووا النبي (ص) وفدوه بالأرواح، و هو من قبيلة الأوس. قال ابن عبد البر في «الاستيعاب»: ذكر العلماء ان عمر بن الخطاب استشار الصحابة في رجل يوجهه الى العراق، فأجمعوا جميعا على عثمان بن حنيف، و قالوا: ان تبعثه الى أهم من ذلك فإن له بصرا و عقلا و معرفة و تجربة، فأسرع عمر فولاه مساحة أرض العراق و ضرب الخراج و الجزية... ثم ولاه الإمام علي بن أبي طالب البصرة حتى نزل بها طلحة و الزبير فنال ابن حنيف ما زاد من فضله، و سكن الكوفة بعد استشهاد الإمام. و قال ابن أبي الحديد في شرح هذه الرسالة : انه مات بها في زمن معاوية.

    «كتب الإمام اليه، و هو و اليه على البصرة: (أما بعد، يا ابن حنيف- الى- مدعو). الإمام يحكم باسم اللّه و الإسلام، و إذن فلا بدع أن يحاسب عامله على أكل الطيبات من الرزق، لأنّها تحل و تطيب لغير الحاكم، أما للحاكم فهي خبيثة و قبيحة ما دام في الرعية محروم واحد، لأن اللّه تعالى قد فرض على حكام العدل أن يقدروا أنفسهم بضعفة الناس من الرعية، كما قال الإمام في الخطبة 207.

    و قال العقاد في كتابه «عبقرية الإمام»: «و قد بلغ من حساب الإمام للولاة أنه كان يحاسبهم على حضور الولائم التي لا يجمل بهم حضورها، فكتب الى عثمان بن حنيف الأنصاري: «فقد بلغني إلخ... و استكثر على شريح قاضيه أن يبني دارا بثمانين دينارا، و هو يرزق خمسمائة درهم، و حاسب على أقل من هذا من هو أقل من شريح أمانة في القضاء».

    و قال عبد الكريم الخطيب في كتابه «علي بن أبي طالب»: «سمع الإمام ان عامله على البصرة عثمان بن حنيف قد دعي الى وليمة أعدها له أبناء البصرة، فثارت لذلك ثائرته، و أعلنها حربا على ابن حنيف حتى انه ليكاد يمسك به من حلقومه فيقيئه ما أكل».

    (فانظر الى ما تقضمه إلخ)... المراد بالقضم و المقضم هنا الأكل و المأكول، و أطلق الإمام عليه هذا الوصف للتنبيه الى ان الغرض من القوت مجرد حفظ الحياة، و المعنى حتى القوت الضروري لا يحل لك إلا إذا جزمت و أيقنت بأنه حلال زلال، و يحرم إذا كان فيه أدنى شبهة للحرام... و من هنا قال الفقهاء: الأصل في الأموال التحريم حتى يثبت العكس، و انها لا تحل أبدا إلا من حيث أحلها اللّه.

    (ألا و ان لكل مأموم إماما إلخ)... أنت يا ابن حنيف مرءوس و مأموم، و أنا رئيسك و إمامك، و عليك أن تقتدي بي و تهتدي بهديي، و أنا كما تراني استر جسمي بثوبين خلقين، و قد رقعت مدرعتي حتى استحييت من راقعها (انظر شرح الخطبة 158 فقرة: مدرعة علي تنص عليه) أما قوتي فقرصان من الشعير بقشره... و قال بعض أصحاب الإمام لخادمته: ألا تتقون اللّه في هذا الشيخ ألا تنخلون هذا الطعام من النخالة قالت: أمر أن لا ننخل له طعاما.

    (ألا و انكم لا تقدرون على ذلك) لأن لهذا النوع من الزهد أهلا يأخذون من الدنيا لبطن الأرض لا لبطونهم، و للآخرة لا للأولى (و لكن أعينوني إلخ).

    بالكف عما حرّم اللّه، و بكبح الشهوات عما تطمح اليه... إن لأجسامكم حقا عليكم، ما في ذلك ريب، فأدوه على وجهه، و لا تتجاوزوا عن حده.

    (فو اللّه ما كنزت من دنياكم إلخ)... إن لي أهلا و أولادا، و اني على جمع المال لقادر، و هذا هو بين يديّ أوزعه على المحاويج، و لا أدخر منه لنفسي و أهلي قليلا و لا كثيرا.

    و هكذا لو نظر المرء الى كل حاكم مخلص لوجده يسمو به العدل و الخوف من اللّه ان يقدر نفسه بضعفة الناس من رعيته، فيكتفي من اللباس بطمرين، و من الطعام بقرصين كيلا يتبيع بالفقير فقره كما قال الإمام في الخطبة 257.

    و في الحديث: ان رسول اللّه (ص) ما اتخذ قميصين و لا إزارين- بل قميصا و إزارا- و لا زوجين من النعال.

    (بلى كانت في أيدينا فدك إلخ)... و هي قرية في الحجاز كانت لجماعة من اليهود، فصالحوا رسول اللّه (ص) عليها، او على نصفها حسب اختلاف الروايات، فملكها النبي بنص الآية الأولى من سورة الأنفال، ثم وهبها لابنته سيدة النساء، و تصرفت بها في حياته، و لما انتقل الى الرفيق الأعلى أخذها أبو بكر، و قال: هي للمسلمين، فأغضى الإمام و تجاهل، و لم يثرها حربا عملا بمبدأه الذي أعلنه في الخطبة 72: «و اللّه لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين، و لم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة» و عليه يكون المراد بشحت نفوس نفس أبي بكر و من وافقه و آزره على عمله، و المراد بسخت عنها نفوس نفس الإمام و فاطمة.

    و تقدم الكلام عن فدك بنحو من التفصيل في شرح الخطبة 200 على ما وعته الذاكرة.

    (و ما أصنع بفدك و غير فدك إلخ)... و هل انتفع بالعقار و الأموال، و أنا محمول على الأعواد، أو في قبر موحش مظلم يتراكم من فوقي التراب أو تسدد عني الحساب حين وقوفي بين يدي اللّه يسألني عما جمعت و تركت و فعلت و هل من شي ء أقسى على الإنسان من أن يكد و يشقى في جمع الحطام، ثم يتركه الى غيره لا ينتفع به في قبره و يوم حشره.

    (و انما هي نفسي أروضها بالتقوى إلخ)... و التقوى هي دعوة الاسلام و القرآن: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ- 1 النساء».

    و قوله: «من نفس واحدة» يومئ الى ان التقوى عند اللّه أن تساوي نفسك بكل نفس، و لا ترى لها فضلا على سواك كائنا من كان إلا بالتقوى، و معنى ترويض النفس بالتقوى أن تطهرها من كل شائبة كالبغض و الكذب و الحسد، و ان تحيي ضميرك بحب الخير للناس، كل الناس.

    (و لو شئت لاهتديت الطريق إلخ)... ان لرسول اللّه (ص) معجزات شتى، و حاول بعض الباحثين أن يجعل من فقر النبي معجزة كبرى تضاف الى معجزاته الجمة لأن معنى الإعجاز في واقعه أن يفعل الإنسان ما يعجز عنه غيره... و قد كانت أموال الجزيرة العربية تجبى لرسول اللّه (ص) فيوزعها على الناس، و يبيت طاويا هو و أهل بيته على التمر و الماء، و لا يستطيع هذا إلا من كان رحمة مهداة للناس أجمعين.

    و عليه فالإمام رحمة مهداة، لأن أموال الجزيرة و غيرها كانت تجبى اليه، و يوزعها على الناس، و هو في أشد الحاجة الى بعضها تماما كما فعل الرسول الكريم (ص)... هذا، و هو يرى ذلك واجبا و إلزاما لا تفضلا و إحسانا، و يقول: كفى بالمرء قسوة و ضراوة أن يتقلب في النعيم، و حوله أكباد تحن الى لقمة العيش... و أعظم منه لؤما و إثما من يعيش على حساب الآخرين يصنعون له الغنى و الترف و يصنع لهم البؤس و الفقر.

    الشجرة البرية... فقرة 5- 9:

    أ أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدّهر، أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش. فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها و تلهو عمّا يراد بها. أو أترك سدى أو أهمل عابثا، أو أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طريق المتاهة. و كأنّي بقائلكم يقول إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران و منازلة الشّجعان. ألا و إنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عودا، و الرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، و النّباتات البدويّة أقوى وقودا و أبطأ خمودا. و أنا من رسول اللّه كالصّنو من الصّنو و الذّراع من العضد. و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها، و لو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، و سأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس و الجسم المركوس حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد. إليك عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، و أفلتّ من حبائلك، و اجتنبت الذّهاب في مداحضك. أين القرون الّذين غررتهم بمداعبك. أين الأمم الّذين فتنتهم بزخارفك. ها هم رهائن القبور و مضامين اللّحود. و اللّه لو كنت شخصا مرئيّا و قالبا حسّيّا لأقمت عليك حدود اللّه في عباد غررتهم بالأماني و أمم ألقيتهم في المهاوي، و ملوك أسلمتهم إلى التّلف و أوردتهم موارد البلاء إذ لا ورد و لا صدر. هيهات من وطى ء دحضك زلق، و من ركب لججك غرق، و من ازورّ عن حبائلك وفّق. و السّالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه و الدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه. اعزبي عنّي. فو اللّه لا أذلّ لك فتستذلّيني، و لا أسلس لك فتقوديني. و ايم اللّه يمينا أستثني فيها بمشيئة اللّه لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص، إذا قدرت عليه مطعوما، و تقنع بالملح مأدوما، و لأدعنّ مقلتي كعين ماء نضب معينها، مستفرغة دموعها. أ تمتلئ السّائمة من رعيها فتبرك، و تشبع الرّبيضة من عشبها فتربض و يأكل عليّ من زاده فيهجع. قرّت إذا عينه إذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة، و السّائمة المرعيّة. طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها، و عركت بجنبها بؤسها. و هجرت في اللّيل غمضها حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها و توسّدت كفّها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم. و همهمت بذكر ربّهم شفاههم، و تقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم «أولئك حزب اللّه ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون». فاتّق اللّه يا ابن حنيف و لتكفك أقراصك ليكون من النّار خلاصك.

    اللغة:

    الجشوبة: الخشونة. و تقمّمها: تأكل القمامة أي الكناسة. و تكترش: تملأ كرشها و معدتها. و اعتسف الطريق: سار بلا هداية و دراية. و المتاهة: مكان الحيرة. و الوقود- بفتح الواو- المحروقات، و بضمها مصدر أي الاشتعال.

    و الصنو: الأخ الشقيق، و الصنوان: فرعان لأصل واحد. و الذراع: الساعد من طرف المرفق الى طرف الاصبع الوسطى. و العضد: من المرفق الى أعلى الكتف. و تظاهرت على قتالي: تعاونت عليه. و المعكوس: المقلوب. و حب الحصيد: حب النبات المحصود. و الغارب: العنق، و أعلى الظهر مما يلي العنق، و أعلى كل شي ء. و مداعب: جمع مدعبة أي دعابة. و الورد: الإشراف على الماء. و الصدر: الرجوع عنه. و الزلق: لا تثبت فيه الأرجل. و ازورّ: انحرف. و انسلاخه: ذهابه. و اعزبي: ابعدي. و أسلس: لان. و هشّ ابتسم و ارتاح. و المأدوم: ما يؤكل مع الخبز. و الربيضة: الغنم المجتمعة في مرابضها مع رعاتها. و تربض: تبرك. و يهجع: يسكن. و قرت عينه: بردت.

    و البهيمة الهاملة: المتروكة بلا راع. و عركت بجنبها بؤسها: كناية عن الصبر على الأذى. و الغمض و الكرى: النوم. و الهمهمة: الصوت الخفي. و تقشعت: انجلت.

    الإعراب:

    كالبهيمة الكاف بمعنى مثل حالا من مفعول يشغلني، و مثلها سدى و عابثا، و عودا تمييز و مثله جلودا و وقودا و خمودا، و اليك عني «إليك» اسم فعل بمعنى ابعدي. و مطعوما حال، و مثله مأدوما، و طوبى مصدر بمعنى الطيب، مبتدأ، و لنفس خبر.

    المعنى:

    (أ أقنع من نفسي بأن يقال: هذا أمير المؤمنين إلخ)... يسأل الإمام كل حاكم: هل الغرض من الحكم الألقاب الفارغة، و المظاهر الكاذبة و هل أنت مقتنع بينك و بين نفسك بذلك، أو تستطيع أن تقنع به واحدا على وجه الأرض و جواب الحاكم عن هذا السؤال قولا و فعلا هو الذي يحدد حقيقته و شخصيته، و بعد هذا السؤال حدد الإمام وظيفته و مكانته في الحكم، حددها بالوحدة الإنسانية، و مساواة الحاكم للرعية في كل شي ء حتّى في مكاره العيش، و من البديهة ان هذه المساواة تضمن الحرية للجميع، و التعاون على مصلحة الجميع.

    (و كأني بقائلكم يقول: اذا كان هذا قوت ابن أبي طالب إلخ)... إن البطولة و الشجاعة لا تقاس بنوع الطعام، و انما تقاس بالصبر و الثبات، و توطين النفس على الموت، و بقوة الجسم و العضلات، و المواقف التي سجلها التاريخ للإمام في غزوات النبي (ص) و حروبه- تشهد بأنه فارس الاسلام و العرب (ألا و إن الشجرة البرية أصلب عودا) من الشجرة الأهلية، لأن هذه تحيا بالحرث و السماد و الماء السائح و التقليم و التطعيم، و تحيا تلك على الطبيعة لا أثر فيها للصنعة و يد الانسان (و الروائع الخضرة) و هي الأعشاب الغضة التي تعجبك بمنظرها (أرق جلودا) من الأعشاب (و النباتات البدوية أقوى وقودا) لنفس العلة الموجبة لصلابة الشجرة البرية. و القصد من هذا هو التنبيه الى ان في التقشف و الخشونة القوة و الصلابة، و في الترف و الرفاهية الضعف و اللين. و معلوم ان معاوية كان يتقلب في النعيم كالروائع الخضرة.

    (و انا من رسول اللّه كالصنو إلخ)... النبي و علي من طينة واحدة، و أصل واحد، و كان النبي صلب العود، و علي سيفه و ساعده. و قال المفسرون: إن كلمة «أنفسنا» في آية المباهلة أراد بها سبحانه محمدا و عليا: فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ- 61 آل عمران. (و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت عنها). و السر ان الإمام لا يبالي دخل الى الموت، او خرج الموت اليه كما قال في الخطبة 55، بل هو آنس به من الطفل بثدي أمه كما قال في الخطبة 5. و قال العقاد في آخر كتاب «عبقرية الإمام»: خلق علي شجاعا بالغا في الشجاعة، و الشجاع جري ء لا يبالي بالحياة.

    (و لو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت اليها) أي الى رقاب الضالين المضلين من العرب (و سأجهد في أن أطهر الأرض من هذا الشخص) و هو معاوية، و نعته بالمعكوس لانعكاس عقيدته و فسادها، و بالمركوس لارتكاسه بالشهوات و المحرمات (حتى تخرج المدرة) القطعة من الطين اليابس و نحوها (من بين حب الحصيد) أي من ثمر الزرع و ناتجه كالحنطة و الشعير، و غيرهما من الحبوب. و مجمل المعنى ان الإمام يريح الانسانية من شر معاوية إن استطاع الى ذلك سبيلا.

    (إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك) لا حاجة لي فيك، فقد طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها، كما قال في الحكمة رقم 77 (و قد انسللت من مخالبك إلخ)... لقد حررت نفسي من ملذات الدنيا و أهوائها، و وقفتها على الآخرة و جزائها (أين القرون الذين غرتهم إلخ)... كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الاكرام. و تقدم مثله مرارا و تكرارا (و من وطى ء دحضك زلق) الخطاب للدنيا، و دحض الحجة إبطالها، و دحض الأرض زلقها (و السالم منك) أي من فتن الدنيا و غرورها (لا يبالي ان ضاق به مناخه إلخ)... المناخ- بضم الخاء- مبرك الإبل، و المراد به هنا العيش و غيره من شئون الدنيا، و العاقل لا يكترث بالدنيا و آلامها، لأنها الى زوال، و الآخرة هي دار القرار. و سبق التفصيل مرات و مرات.

    الإمام في جهاد دائم:

    (لا اذل لك فتستذليني). لا أطمع في شأن من شئون الدنيا، لأن الطامع في وثاق الذل، و لا أتذلل إلا لمن كان التذلل له عزة و رفعة (و لا أسلس لك فتقوديني) مهما بذلت من الثمن (لأروّضن نفسي رياضة إلخ)... من تجرأ على الدنيا جرأة علي بن أبي طالب، و احتقرها هذا الاحتقار فعليه أن يوطن النفس على الحرمان من متعها، و يستعد لضرباتها... و لذا روّض الإمام نفسه حتى قنعت و أعطت الدنيا كلّ ما تريد من التضحيات، و ما أخذت منها إلا قرص شعير بنخالته مع ذرات من الملح تبتسم له و ترحب به.

    و يدلنا هذا على ان الإمام كان في صراع و جهاد دائم و متصل: فمن الجهاد الأصغر في ميادين القتال ضد الشرك و البغي الى الجهاد الأكبر في ترويض النفس و كبحها عن الأهواء و الرغبات. و في حديث قدسي: يموت الناس مرة، و يموت من جاهد نفشه و هواه في كل يوم سبعين مرة.

    ان آلام الدنيا لا حد لها و لا نهاية، و طريق الخلاص من كل المتاعب و الهموم مقفل و مسدود، و العاقل يعرض عن الدنيا، و يهرب منها، و يتوجه بكله الى اللّه وحده، و معنى الهروب من الدنيا أن تهرب من لهوها و لعبها، من آثامها و مفاسدها، من السلب و النهب و البغي و الفساد، و الدس و النفاق، و معنى التوجه الى اللّه أن تتقيه في أقوالك و أعمالك، و تجاهد بنفسك و أموالك لمصلحة عباده و عياله... هذه هي رياضة الإمام و فلسفته و منهجه في حياته و خلافته.

    (طوبى لنفس أدت الى ربها فرضها) و هو أن تترك أثرا ينتفع به الناس من بعده، و على الأقل ان تكف الأذى عن الناس، و لا تفسد في الأرض. قال الرسول الأعظم (ص): «كف أذاك عن الناس، فإنه صدقة تتصدق بها على نفسك». فسلب الشر خير في دين الاسلام (و عركت بجنبها بؤسها). صبرت في الحق، و جاهدت في سبيله، و تحملت من الأشرار الكثير من البلاء و الضراء طلبا لمرضاة الرحمن و راحة الوجدان (و هجرت في الليل غمضها) خوفا من التقصير في أداء فرضها الذي أشار اليه الإمام بقوله: «طوبى لنفس إلخ».

    (حتى اذا غلب الكرى عليها افترشت إلخ)... هذا كناية عن قناعة النفس بما تيسر، و انها لا تتكلف ما تعسر. و في الحديث: إن رسول اللّه (ص) كانت له حصيرة يجلس عليها في النهار، و ينام عليها في الليل حتى أثّرت في جنبه... و لكنه كان يكره الفقر، و لا يرضى به، و يتعوذ منه. و من دعائه: اللهم اني أعوذ بك من الفقر و القلة و الذلة... و من أن أظلم او أظلم... و في حديث آخر: كاد الفقر يكون كفرا.

    (و في معشر أسهر عيونهم خوف المعاد إلخ)... عاشت هذه النفس الطيبة القانعة مع أهل اللّه الذين تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً- 16 السجدة» أي خوفا من عذابه، و طمعا في ثوابه (فاتق اللّه يا ابن حنيف و لتكفف أقراصك). هكذا جاء «لتكفف» فيما لدي من نسخ النهج... و لعلها خطأ من الناسخ، و ان الأصل «لتكفك أقراصك» أي اكتف عن موائد الذين يدعونك بما لديك من أقراص. و بهذا وحده يكون خلاصك من النار. و اللّه أعلم بالصواب، و منه نستمد التوفيق.

    و بعد فإن هذه الرسالة أوضح و أصدق بيان في تحديد نهج الإمام.

    ( . فی ضلال نهج البلاغه، ج4، ص 12-23)

    شرح منهاج البراعة خویی

    المختار الرابع و الاربعون و من كتاب له عليه السلام الى عثمان بن حنيف الانصارى، و هو عامله على البصرة، و قد بلغه أنه دعى الى وليمة قوم من أهلها فمضى اليها.

    الفصل الأول من الكتاب

    أمّا بعد، يا ابن حنيف فقد بلغني أنّ رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفوّ، و غنيّهم مدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجوهه [وجهه ] فنل منه. ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يقتدي به، و يستضي ء بنور علمه ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه، ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينوني بورع و اجتهاد و عفّة و سداد، فواللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، و لا ادّخرت من غنائمها وفرا، و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا.

    اللغة

    (الفتية): ج فتى كفتيان و فتوّ الشابّ و الجواد، (المأدبة) بضمّ الدال: طعام يدعى إليه الجماعة و أدب القوم يأدبهم بالكسر أى دعاهم إلى طعامه، (الألوان): أنواع من الطعام اللذيذ، (الجفان): جمع جفن، و هو القصعة الكبيرة، (العائل): الفقير، (مجفوّ): مفعول من جفاه أي معرض عنه يقال: جفوت الرجل أجفوه إذا أعرضت عنه، (المقضم): معلف الدابّة، يأكل منه الشعير بأطراف أسنانه، و الفضم: الأكل بأطراف الأسنان إذا أكل يابسا يقال: قضمت الدابّة شعيرها من باب تعب و من باب ضرب لغة: كسّرته بأطراف أسنانها- مجمع البحرين- ، و (لفظت) الشي ء من فمي ألفظه لفظا من باب ضرب:

    رميت به، (الطمر) بالكسر هو الثوب الخلق العتيق أو الكساء البالي من غير الصوف- مجمع- .

    الاعراب

    تستطاب لك الألوان: جملة حاليّة عن المخاطب و ما بعدها عطف إليها، تجيب إلى طعام قوم، مفعول ثان لقوله ظننت، و جملة: عائلهم مجفوّ، مبتدأ و خبر حال عن القوم و ما بعدها عطف إليها.

    المعنى

    عثمان بن حنيف، بضمّ الحاء، ابن واهب بن الحكم بن ثعلبة بن الحارث الأنصاري الأوسي أخو سهل بن حنيف أحد الأمجاد من الأنصار، أخذ من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله العلم و التربية و بلغ الدرجة العالية فنال مناصب كبرى، قال في الشرح المعتزلي: «عمل لعمر ثمّ لعليّ و ولّاه عمر مساحة الأرض و جبايتها بالعراق، و ضرب الخراج و الجزية على أهلها، و ولّاه عليّ عليه السّلام على البصرة، فأخرجه طلحة و الزبير منها حين قدماها».

    و يظهر من ذلك أنّه كان رجلا بارعا في علم الاقتصاد و السياسة معا فاستفاد منه عمر من الناحية الاقتصاديّة و فوّض إليه أمر الخراج و الجزية و هو من أهمّ الامور في هذا العصر و خصوصا في أرض العراق العامرة، و كان من خواصّ عليّ عليه السلام و من السابقين الّذين رجعوا إليه و أخلصوا له، قال في الرجال الكبير بعد ترجمته: «هو من السابقين الّذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السّلام، قاله الفضل ابن شاذان» و كلمة السابقين في وصفه مأخوذ من قوله تعالى في سورة البراءة الاية 100 «و السابقون الأوّلون من المهاجرين و الأنصار و الّذين اتّبعوهم بإحسان رضى اللّه عنهم و رضوا عنه و أعدّ لهم جنّات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم» و كفى له بذلك مدحا و إخلاصا له عليه السّلام فإنّ الاية تخصّص السابقين الأوّلين من الأنصار و المهاجرين بهذه الفضيلة الّتي لا فضيلة فوقها، و السبق و التقدّم إنّما هو بقبول ولاية أمير المؤمنين فإنّها ميزان الايمان و الإخلاص للّه و رسوله و دليل البراءة من النفاق و المطامع الدنيويّة.

    و مؤاخذته عليه السّلام بمجرّد إجابة دعوة من بعض فتيان البصرة و تشديده في توبيخه بهذه الجمل البالغة في الطعن و المذمّة دليل آخر على علوّ رتبته و سموّ درجة ايمانه و أنّه لا ينبغي من مثله إجابة مثل تلك الدعوة و الاشتراك في حفلة ضيافة تعقد لكسب الشهرة، أو جلب المنفعة، أو الانهماك في اللّذة و الغفلة، أو الاستمتاع بالأغذية اللذيذة، فظاهر الكتاب الموجّه على عثمان بن حنيف بالعتاب توبيخ عنيف على ارتكابه خلافا عظيما يستحقّ به هذا التوبيخ الشديد الّذي آلم من الضرب بالسوط، أو الحبس إلى حين الموت، فلا بدّ من التدبّر في امور: الاول: ما هو جوهر هذا الخلاف الّذي ارتكبه هذا الوالي الّذي فوّض إليه إدارة امور ثغر هامّ من الثغور الاسلاميّة في هذا الزمان، فالبصرة أحد الثغور الهامّة الاسلاميّة في تينك العصور تضاهي مركزيّة الكوفة و مصر و الشام، و قد انتخبه عليه السّلام واليا له و فوّض إليه إدارة شئونه و سياسة نظامه في هذا الموقف الرهيب، فكيف يؤبّخه و يؤنبّه بهذه الجمل القاسية ملؤها الوهن و الاستضعاف فهذا الخلاف يحتمل وجوها: 1- أنّه مجرّد إجابة دعوة الاشتراك في وليمة لذيذة هيئت للتفريح و الانس مع الأحباب و الأقران.

    2- اعدّت هذه الوليمة على حساب استمالة الوالي و النفوذ فيه للاستفادة منه في شتّى المقاصد المرجوعة إليه و للاعتماد عليه في تنفيذ الحوائج كما هو عادة ذوي النفوذ و الجاه في كلّ بلد، فإنّ شأنهم تسخير عمّال الدولة بالتطميع و الإحسان للاستمداد منه في مقاصدهم.

    3- إنّ هذه الوليمة اعدّت من عصابة مخالفة لعليّ عليه السّلام و موالية لمعاوية و أعوانه فهي حفلة مؤامرة ضدّ عليّ عليه السّلام و الهدف منها جلب الوالي إلى الموافقة مع مقاصد سياسة هامّة و صرف عثمان بن حنيف عن موالاته عليه السّلام إلى معاداته كما فعل معاوية مع زياد بن أبيه بعد ذلك، فانّه أحد أعوان عليّ عليه السّلام و أحد ولاته المسيسن، و له يد في تقوية حكومته فاستجلبه معاوية بالمكائد و المواعيد و أثبته أخا لجلبه من موالاة عليّ عليه السّلام إلى معاداته، و استفاد منه أكثر استفادة في حكومته.

    و ما ذكره عليه السّلام في كتابه هذا يناسب الوجه الثالث، فانّه موقف خطر يحتاج إلى الحذر منه أشدّ الحذر فشرع عليه السّلام يوبّخ عثمان في قبول هذه الدعوة و الإسراع إليها و تقبّل ما أعدوّه له من النذل من إعداد الأطعمة الطيّبة المختلفة الألوان و تقديم الأقداح الكبيرة في الخوان، و أشار عليه السّلام إلى أنّ هذه الوليمة ممّا لم يقصد به رضاء اللّه و إكرام والي وليّ اللّه، و إلّا فيشترك فيه ذووا الحاجة و الفقراء من الجيران و سائر المسلمين و لم يخصّصوا الدّعوة بالأغنياء و ذوي النفوذ و الثروة.

    ثمّ أشار عليه السّلام إلى أنّ الحاضرين حول هذه الخوان من الغافلين المنهمكين في اللذّات المادّيّة، فعبّر عن الخوان بالمقضم و هو ما يعدّ فيه علف الدابّة من التبن و الشعير، و تعبيره عليه السّلام يعمّ كلّ خوان و مطعم مهيّا لأمثال هؤلاء المفتونين بأمر الدنيا.

    و قوله عليه السّلام (فما اشتبه عليك علمه فالفظه) يحتمل وجهين: 1- أن يكون المقصود منه بيان الأصل في الأموال و أنّ الأصل فيها التحريم و لزوم الاحتياط و التحرّز إلّا ما ثبت حلّه بوجه شرعيّ كما ورد في الحديث أنّه: لا يحلّ مال إلّا من حيث ما أحلّه اللّه، فالأصل في المال المشتبه الحلّ و الحرمة التحريم و إن قلنا في غيره بالحلّيّة و هو الظاهر من قوله عليه السّلام «فما اشتبه عليك علمه فالفظه» و لكن يشكل عليه بأنّه لا ينطبق على المورد لأنّ مورد الكتاب الأكل من مأدبة الضيافة و دليل حلّها هو ظاهر يد المسلم و إصالة اليد دليل عامّ يتّكى عليه في اكثر المعاملات و المبادلات.

    2- أن يكون المقصود تحقيق الحلال الواقعي و عدم الاكتفاء بالأمارات و الأدلّة المحتملة للخلاف تحصيلا للورع عن الحرام الواقعي، كما يستفاد من قوله عليه السّلام (و ما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه) فيستفاد منه أنّه قرّر على عمّاله احتياطا في الدين فوق حدّ العدالة الّتي كانت شرطا في تصدّي هذه المناصب الجليلة.

    قال ابن ميثم في شرح المقام: «و يفهم منه بحسب التأديب الأوّل أنّ التنزّه عن هذا المباح أفضل له من تناوله» فحمل كلامه عليه السّلام على الوجه الثاني و هو أوضح، لأنّ مقام هذا الصحابي الكبير أجلّ من أن ينال ما لا يحلّ له من الطعام جهلا بالمسألة أو تسامحا في أمر دينه فكان هذا التشدّد منه عليه السّلام عليه لعلوّ رتبته، فنبّه عليه السّلام على أنّه لا يليق هذا العمل بمثله و إن كان لا بأس عليه لغيره ممّن لم ينل مقامه في العلم و الورع.

    ثمّ توجّه عليه السّلام إلى بيان منظّمة لعمّاله أو مطلق شيعته، و لخصّها في كلمتين: 1- الاقتداء بالامام في العمل و السيرة.

    2- الاستضائة من نور علمه و الأخذ بدستوره في كلّ الامور، و الاقتداء بالامام عملا و أخذ دستور العمل منه، كلاهما سلوك طريق النجاة و لكنّ الثاني أعمّ، فانّه يشمل الغايب عن محضر الامام و يشمل التكاليف الخاصّة بالمأموم دون الامام، و هى كثيرة جدّا.

    ثمّ لخصّ عليه السّلام سيرته في كلمتين لتكون مدار العمل لعمّاله و للاقتداء به عليه السلام: 1- الاكتفاء من رياش الدنيا و لباسها و زينتها بطمرين أى ثوبين باليين إزار و رداء من غير صوف يلبسه أحوج الناس.

    2- الاكتفاء من طعامها و غذائها و لذائذها بقرصين من خبز الشعير اليابس الفارغ عن الادام.

    و قد مثّل عليه السّلام في هذه الكلمتين الزهد بأدقّ معانيه و أشقّ ما فيه بحيث جعله من كراماته و أنّه ممّا لا يقدر على العمل به غيره فقال عليه السّلام: (ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك).

    ثمّ نظم برنامجا تربويّا لعمّاله و من يتصدّي إدارة امور حكومته في أربع موادّ: 1- الورع- و هو تحصن النفس عن الرذائل و الاجتناب عن المحارم و المحرّمات.

    2- الاجتهاد- في تحرّي الحقيقة و العمل على مقتضي الوظيفة و تحمّل الكدّ و الاذى في سبيل الحقّ.

    3- العفّة- و هى ضبط النفس عمّا لا يحلّ و لا ينبغي من المشتهيات و ما فيه الرغبات.

    4- السداد- و هو تحكيم المعرفة بالامور و الأخذ باليقين و تحكيم العمل و الدّقة في تقرير شرايطه و كيفيّاته و عدم التسامح فيه.

    و قد بقي في المقام نكتة و هى أنّه ربما يزهد بعض الناس في معاشهم حبّا بجمع المال و ادّخاره، فيعيشون عيش الفقراء و يكنزون الذهب و الفضّة و يقتنون العقار و الدار فقال عليه السّلام (فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا و لا ادّخرت من غنائمها وفرا و لا أعددت لبالي ثوبي طمرا)، و زاد في متن الكتاب في شرح ابن أبي الحديد «ج 16 ط مصر»: «و لا حزت من أرضها شبرا، و لا أخذت منه إلّا كقوت اتان دبرة» و هى الّتي عقر ظهرها فقلّ أكلها.

    ثمّ بيّن إحساسه من الدنيا الّتي يطلبها أهلها و يجهدون في طلبها و أنّه من النفرة و الانزجار إلى أقصى حدّ، فقال «دنياكم في عيني أهون من عفصة مقرة» و العفصة حبّة كالبندقة تستعمل في دبغ الجلود و يتّخذ منها الحبر- كما في مجمع البحرين- أى من طعم هذه الحبّة المرّة و هى في نهاية النفور.

    بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السلام

    بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السّماء، فشحّت عليها نفوس قوم، و سخت عنها نفوس [قوم ] آخرين، و نعم الحكم اللّه و ما أصنع بفدك و غير فدك، و النّفس مظانها في غد جدث، تنقطع في ظلمته آثارها، و تغيب أخبارها، و حفرة لو زيد في فسحتها، و أوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر و المدر، و سدّ فرجها التّراب المتراكم، و إنّما هى نفسي أروضها بالتّقوى لتأتى آمنة يوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب المزلق.

    اللغة

    (فدك): قرية من قرى اليهود بينها و بين مدينة النبي صلّى اللّه عليه و آله يومان، و بينها و بين خيبر دون مرحلة- مجمع البحرين- ، (الشحّ): البخل مع حرص فهو أشدّ من البخل، (سخوت) نفسي عن الشي ء: تركته، (الجدث): القبر، (أضغطها الحجر): جعلها ضاغطة، (المظانّ) جمع مظنّة: موضع الشي ء و مألفه الّذي يكون فيه.

    الاعراب

    في أيدينا: ظرف مستقرّ خبر كانت و قوله: فدك، اسم لها، من كلّ: جار و مجرور و ما موصولية و جملة أظلّته السماء صلتها و جملة الظرف في محلّ الحال من فدك، و النفس مظانّها في غد جدث: جملة حالية، و قوله: حفرة، عطف على جدث.

    المعنى

    لمّا قال عليه السّلام «و لا حزت من أرضها شبرا» توجّه إلى ماض بعيد و هو بعيد وفاة النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال: (كانت في أيدينا فدك) فبخلت بها قوم، سلبوها و أخذوها من أيدينا غصبا و هم المتصدّون لغصب خلافته خوفا منهم أن يجمع الناس حول أهل البيت برجاء هذا المال فأيّدوهم و استردّوا حقّهم (و سخت عنها نفوس آخرين) يظهر من بعض الشرّاح أنّ المراد من نفوس آخرين هم أهل البيت أى تركوها في أيدي الغاصبين و انصرفوا عنها قال الشارح المعتزلي: و سخت عنها نفوس آخرين أى سامحت و أغضت و ليس يعني بالسخاء ها هنا إلّا هذا لا السخاء الحقيقي لأنّه عليه السّلام و أهله لم يسمحوا بفدك إلّا غصبا و قسرا.

    أقول: يمكن أن يكون المراد من الاخرين هم الأنصار حيث سكتوا عن مطالبة حقّهم و قعدوا عن نصرتهم لاسترداده و إن لم يبخلوا بكونها في أيديهم و هذا هو الظاهر لأنّه عليه السّلام في مقام الشكوى إلى اللّه عمّن ظلمه و أهله في غصب فدك و قد سامح الأنصار في نصرته لردّها بعد مطالبتها من جانب فاطمة عليها السّلام.

    قال في الشرح المعتزلي: قال أبو بكر: حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال: حدّثنا حيّان بن بشر، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمّد بن إسحاق، عن الزهري، قال: بقيت بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحقن دمائهم و يسيرهم ففعل، فسمع ذلك أهل فدك، فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبي صلّى اللّه عليه و آله خاصّة، لأنّه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

    و قال ابن ميثم: ثمّ المشهور بين الشيعة و المتّفق عليه عندهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاها فاطمة عليها السّلام و رووا ذلك من طرق مختلفة.

    منها: عن أبي سعيد الخدري قال لمّا انزلت «و آت ذا القربى حقّه 31- الروم:» أعطى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فاطمة فدك، فلمّا تولّى أبو بكر الخلافة عزم على أخذها منها فأرسلت إليها يطالبها بميراثها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و تقول: إنّه أعطاني فدكا في حياته و استشهدت على ذلك عليّا عليه السّلام و امّ أيمن فشهدا لها بها فأجابها عن الميراث بخبر رواه هو: نحن معاشر الأنبياء لا نورّث فما تركناه فهو صدقة، و عن دعوى فدك: أنّها لم تكن للنبيّ و إنما كانت للمسلمين في يده يحمل بها الرجال و ينفقه في سبيل اللّه و أنا أليه كما كان يليه.

    و في شرح المعتزلي قال: أبو بكر و حدّثني محمّد بن أحمد بن يزيد، عن عبد اللّه بن محمّد بن سليمان، عن أبيه، عن عبد اللّه بن الحسن بن حسن قالوا جميعا: لمّا بلغ فاطمة عليها السّلام إجماع أبي بكر على منعها فدك، لاثت خمارها، و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تطأ في ذيولها، ما تخرم مشيتها مشية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حتّى دخلت على أبي بكر و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار، فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء و قال بعضهم: قبطيّة و قالوا قبطيّة، بالكسر و الضمّ، ثمّ أنّت أنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثمّ أمهلت طويلا حتّى سكنوا من فورتهم، ثمّ قالت: أبتدء بحمد من هو أولى بالحمد و الطّول و المجد، الحمد للّه على ما أنعم و له الشكر بما ألهم، و ذكر خطبة جيّدة قالت في آخرها: فاتّقوا اللّه حقّ تقاته، و أطيعوه فيما أمركم به، فانّما يخشى اللّه من عباده العلماء، و احمدوا اللّه الّذي بعظمته و نوره يبتغي من في السماوات و الأرض إليه الوسيلة، و نحن وسيلته في خلقه، و نحن خاصّته، و محلّ قدسه، و نحن حجّته في غيبه، و نحن ورثة أنبيائه، ثمّ قالت: أنا فاطمة بنت محمّد، أقول عودا على بدء و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا فاسمعوا بأسماع واعية، و قلوب داعية، ثمّ قالت: «لقد جائكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم: 128- التوبة» فان تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم، و أخا ابن عمّي دون رجالكم.

    ثمّ ذكرت كلاما طويلا، سنذكره فيما بعد في الفضل الثاني، ثمّ أنتم الان تزعمون أن لا إرث لي «أ فحكم الجاهليّة يبغون و من أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون: 50- المائدة» ايها معاشر المسلمين، ابتزّ إرث أبي، أبى اللّه أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريا، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه، و الزعيم محمّد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون، و لكلّ نبأ مستقرّ و سوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم، ثمّ التفت إلى قبر أبيها فتمثّلت بقول هند بنت أثاثه:

    • قد كان بعدك أنباء و هيمنةلو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
    • أبدت رجال لنا نجوى صدورهملمّا قضيت و حالت دونك الكتب
    • تجهّمتنا رجال و استخفّ بناإذ غبت عنّا فنحن اليوم نغتصب

    قال: و لم ير الناس أكثر باك و لا باكية منهم يومئذ: ثمّ عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت: يا معشر البقيّة، و أعضاد الملّة، و حضنة الاسلام، ما هذه الفترة عن نصرتي، و الونية عن معونتي، و الغمزة في حقّي، و السّنة عن ظلامتي، أما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: «المرء يحفظ في ولده» سرعان ما أحدثتم، و عجلان ما أتيتم، الان مات رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمتّم دينه، ها إنّ موته لعمري خطب جليل استوسع و هنه، و استبهم فتقه، و فقد راتقه، و اظلمت الأرض له، و خشعت الجبال و أكدت الامال، اضيع بعده الحريم، و هتكت الحرمة، و اذيلت المصونة، و تلك نازلة أعلن بها كتاب اللّه قبل موته، و أنبأكم بها قبل وفاته، فقال «و ما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أ فإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا، و سيجزي اللّه الشاكرين: 144- آل عمران».

    ايها بنى قيلة أ أهتضم تراث أبي، و أنتم بمرأى و مسمع، تبلغكم الدعوة و يشملكم الصوت، و فيكم العدّة و العدد، و لكم الدار و الجنن، و أنتم نخبة اللّه الّتي انتخب، و خيرته الّتي اختار، باديتم العرب، و بادهتم الامور، و كافحتم البهم، حتّى دارت بكم رحى الاسلام، و درّ حلبه، و خبت نيران الحرب، و سكنت فورة الشرك، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدين، أفتأخّرتم بعد الإقدام، و نكصتم بعد الشدّة، و جبنتم بعد الشجاعة عن قوم «نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون» ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و ركنتم إلى الدعة، فجحدتم الّذي وعيتم، و سغتم الّذي سوّغتم، و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا فانّ اللّه لغنيّ حميد.

    ألا و قد قلت لكم ما قلت على معرفة منّي بالخذلة الّتي خامرتكم، و خور القناة، و ضعف اليقين، فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر، ناقبة الخفّ، باقية العار، موسومة الشعار، موصولة بنار اللّه الموقدة الّتي تطّلع على الأفئدة، فبعين اللّه ما تعملون، و سيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

    و حدّث بسنده عن عوّانة بن الحكم قال: لمّا كلّمت فاطمة عليها السّلام أبا بكر بما كلّمته به حمد أبو بكر اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله، ثمّ قال: يا خيرة النساء و ابنة خير الاباء: و اللّه ما عدوت رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ما عملت إلّا بأمره، و إنّ الرائد لا يكذب أهله، و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت، فغفر اللّه لنا و لك، أمّا بعد، فقد دفعت آلة رسول اللّه و دابّته و حذاءه إلى على عليه السّلام، و أمّا ما سوى ذلك فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول «إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ذهبا و لا فضّة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا و لكنّا نورث الايمان و الحكمة و العلم و السنّة» فقد عملت بما أمرني و نصحت له، و ما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت و إليه انيب.

    قال أبو بكر: و روى هشام بن محمّد، عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول اللّه، و اللّه ما خلق اللّه خلقا أحبّ إلىّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبيك و لوددت أنّ السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، و اللّه لأن تفتقر عائشة أحبّ إليّ من أن تفتقري، أ تراني اعطى الأحمر و الأبيض حقّه و أظلمك حقّك، و انت بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، إنّ هذا المال لم يكن للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم، و إنّما كان مالا من أموال المسلمين يحمل به النبيّ الرجال، و ينفقه في سبيل اللّه، فلمّا توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وليته كما كان يليه، قالت: و اللّه لا كلّمتك أبدا، قال: و اللّه لا هجرتك أبدا، قالت: و اللّه لأدعونّ اللّه عليك قال: و اللّه لأدعونّ اللّه لك، فلمّا حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلّى عليها، فدفنت ليلا، و صلّى عليها عبّاس بن عبد المطلب، و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة.

    قال أبو بكر: و حدّثني محمّد بن زكريّا، قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة بالإسناد الأوّل قال: فلمّا سمع أبو بكر خطبتها شقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر و قال: أيّها الناس ما هذه الرّعة إلى كلّ قالة، أين كانت هذه الأمانيّ في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، ألا من سمع فليقل، و من شهد فليتكلّم، إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه، مربّ لكلّ فتنة، هو الّذي يقول كرّوها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة، و يستنصرون بالنساء، كامّ طحال أحبّ أهلها إليها البغيّ ألا إنّي لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إنّي ساكت ما تركت.

    ثمّ التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، و أحقّ من لزم عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنتم، فقد جاءكم فاويتم و نصرتم، ألا إنّي لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحقّ ذلك منّا، ثمّ نزل، فانصرفت فاطمة إلى منزلها.

    أقول: هذا شطر ممّا ورد في أمر فدك عن طرق أهل السنّة، ذكرناه بنصّه عن الشرح المعتزلي، و قد بحث الفريقان في هذه المسألة بحثا وافيا لا مزيد عليه، و أوّلوا ما ورد فيه و ما صدر من النصوص بكلّ وجه ممكن لتأييد كلّ فريق مذهبه و كفى في ذلك ما نقله الشارح المعتزلي عن قاضى القضاة و ما نقله من النقد و الردّ عليه من السيّد المرتضى- رحمه اللّه- و ما علّق على نقوض السيّد المرتضى انتصارا لقاضى القضاة، من أراد الاطّلاع فليرجع إليه، و نحن نلخّص البحث في أمر فدك بما يلي: الاول: لا خلاف و لا شكّ في أنّ فدك كانت ملكا صافيا خالصا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، لأنّ أهلها ملّكوها إيّاها صلحا على أن يزرعوها بنصف عوائدها، و ما روي من أنّه صلّى اللّه عليه و آله صالحهم على النصف محمول على العوائد لا على صلب الملك و لا ينافي مع ما دلّ على أنّ أهلها صالحوه على جميعها، و الدليل على ذلك من وجوه:

    1- قوله تعالى: «و ما أفاء اللّه على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل و لا ركاب و لكنّ اللّه يسلّط رسله على من يشاء، و اللّه على كلّ شي ء قدير: 6- الحشر».

    ظاهر هذه الاية أنّ ما أعطاه اللّه رسوله من أهل القرى من غير ايجاف الخيل و الركاب و زحف المجاهد و المحارب فهو خاصّة للرسول لا يشترك فيه سائر المسلمين كأرض صالح أهلها مع النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّموها إليه أو باد أهلها أو تركوها و هاجروا منها، و فدك ممّا سلّمها أهلها إلى النبي صلّى اللّه عليه و آله من دون حرب و زحف، فهي له خاصّة، و الاية التالية تنظر إلى الفى ء الّذي اخذ عنوة، فهو للنبي صلّى اللّه عليه و آله و ذوى القربى و غيرهم.

    2- اعتراف أبي بكر بأنّه للنبي صلّى اللّه عليه و آله حيث تمسّك بمنعها عن فاطمة عليها السّلام بحديث رواه عن النبيّ و هو قوله «لا نورث، ما تركناه صدقة» مع أنّه لو لم يعترف بكونها ملك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا يحتاج إلى التمسك بهذا الحديث، بل يمنعها باعتبار عدم ارتباطها بها.

    3- أنّه بعد ما ادّعت فاطمة عليها السّلام أنّها نحلة أبي و قد وهبها لي، طلب ابو بكر منها الشهود، و طلب الشهود على النحلة، يدلّ على اعترافه بأنّها ملك مخصوص بالنبيّ صلّى اللّه عليه و آله، لأنّه لا هبة إلّا في ملك، نعم قال في الشرح المعتزليّ: قال أبو بكر: و روى هشام بن محمّد، عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إنّ امّ أيمن تشهد لي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول اللّه و اللّه ما خلق اللّه خلقا أحبّ إلىّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبيك- إلى أن قال- إنّ هذا المال لم يكن للنبي صلّى اللّه عليه و سلّم و إنّما كان مالا من أموال المسلمين يحمل النبيّ به الرجال و ينفقه في سبيل اللّه، فلمّا توفّى رسول اللّه وليته كما كان يليه، قالت: و اللّه لا كلّمتك أبدا- إلخ.

    و يرد الإشكال على هذا الحديث بوجوه: 1- معارضته صريحا مع ما رواه في الشرح أيضا:

    قال أبو بكر: حدّثني أبو زيد عمر بن شبّة قال: حدّثنا يحيى بن بشر، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، قال: أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمّد بن إسحاق، عن الزهري، قال: بقيت بقيّة من أهل خيبر تحصّنوا، فسألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحقن دمائهم و يسيرهم ففعل، فسمع ذلك أهل فدك، فنزلوا على مثل ذلك، و كانت للنبي صلّى اللّه عليه و آله خاصّة، لأنّه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب.

    و هذا الحديث صريح و معلّل و موافق للقرآن و له وجوه من الترجيح سندا.

    2- قال الشارح المعتزلي: و أمّا الخبر الثاني و هو الّذي رواه هشام بن محمّد الكلبي عن أبيه ففيه إشكال أيضا، لأنّه قال: إنّها طلبت فدك و قالت: إنّ أبي أعطانيها، و إنّ امّ أيمن تشهد لي بذلك، فقال لها أبو بكر في الجواب: إنّ هذا المال لم يكن لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و إنما كان مالا من أموال المسلمين يحمل به الرجال و ينفقه في سبيل اللّه، فلقائل أن يقول له: أ يجوز للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يملّك ابنته أو غير ابنته من أفناء الناس ضيعة مخصوصة، أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين، لوحي أوحى اللّه إليه- إلى أن قال: و هذا ليس بجواب صحيح.

    3- مخالفته مع الاية السابقة السادسة من سورة الحشر كما بيّنّاه، فالقول بأنّ فدك لم يكن للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله مردود و مخالف لما عليه الفريقان، فاذا ثبت أنّ فدك كانت خاصّة لرسول اللّه يثبت أنّ انتقالها إلى فاطمة عليها السّلام كان بهبة رسول اللّه إيّاها لا بالارث فانه لو كان بالارث لا يختص بفاطمة سلام اللّه عليها، فانّها لم تك وارثة منحصرة له صلّى اللّه عليه و آله بل تشترك معيا أزواج النبيّ التسع و عصبة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، على مذهب العامّة فلا يصحّ لها دعوى كلّ فدك.

    و لم يرد في رواية اشتراك غيرها معها في دعوى فدك إلّا ما رواه في الشرح عن أبي بكر بسنده عن عروة عن عائشة أنّ فاطمة و العبّاس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هما حينئذ يطلبان أرضه بفدك و سهمه بخيبر، فقال لهما أبو بكر: إنّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول: «لا نورث، ما تركناه صدقة» إنّما يأكل آل محمّد صلّى اللّه عليه من هذا المال، و إنّي و اللّه لا احيز أمرا رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يصنعه إلّا صنعته، قال: فهجرته فاطمة فلم تكلّمه حتّى ماتت.

    و هذه رواية شاذّة تتضمّن إرث العصبة مع الأولاد، و هو مخالف لمذهب الاماميّة، مع احتمال أن يكون ارضه بفدك غير ضيعة فدك، بل قطعة ارض مخصوصة فيها.

    الثاني لا بدّ و أن يكون في بحث فاطمة عليها السّلام مع أبي بكر دعويان: 1- دعوى فدك بعنوان نامه 45 نهج البلاغه النحلة لا بعنوان نامه 45 نهج البلاغه الميراث.

    2- دعوى ميراث النبيّ ممّا تركه من غير فدك، و هو امور، منها سهمه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر، و منها سهم الخمس الّذي كان له في حياته من سهم اللّه و سهم الرسول، و منها سائر ما يملكه من الدار و المتاع و غيرهما و قد حازها كلّها أبو بكر بحجّة ما تفرّد بروايته من قوله «لا نورث ما تركناه صدقة» فدعوى الهبة و الارث لم تتعلّق بموضوع واحد و هو فدك، بل الهبة متعلّقة بفدك و دعوى الارث بغيرها، كما يستفاد ممّا رواه في الشرح المعتزلي عن أبي بكر بسنده إلى امّ هاني، أنّ فاطمة قالت لأبي بكر: من يرثك إذا متّ قال: ولدي و أهلي، قالت: فمالك ترث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله دوننا قال: يا ابنة رسول اللّه، ما ورّث أبوك دارا و لا مالا و لا ذهبا و لا فضّة، قالت: بلى سهم اللّه الّذي جعله لنا، و صار فيئنا الّذي بيدك، فقال لها: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّما هي طعمة أطعمنا اللّه، فاذا متّ كانت بين المسلمين.

    و لا بدّ من القول بأنّ الدعويين مختلفتان و لم تتواردا على مورد واحد، فانّهما متكاذبان، لأنّ دعوى الهبة تقتضي الاعتقاد بخروج المورد عن ملك النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في حياته، و دعوى الارث تقتضي بقائه في ملكه إلى حين الموت اللهمّ إلّا أن يقال: إنّ دعوى الهبة مقدّمة على دعوى الارث فلمّا ردّت طرحت دعوى الارث على وجه التنزّل عنها و على وجه الجدال مع الخصم، و فيه بعد.

    و قد اختلف كلامهم في أنّ أيّ الدعويين مقدّمة، قال في الشرح المعتزلي في الفصل الثالث من مباحثه الّتي طرحها في أمر فدك «ص 269 ج 16 ط مصر»: و قد أنكر أبو علي ما قاله السائل من أنّها لمّا ردّت في دعوى النحلة ادّعته إرثا و قال: بل كانت طلبت الارث قبل ذلك، فلمّا سمعت منه الخبر كفّت و ادّعت النحلة.

    و العجب كلّ العجب من أبي علي، كيف خفى عليه أنّه لو كانت دعوى الارث مقدّمة فقد اعترفت فاطمة عليها السّلام ببقاء المورد في ملك أبيه إلى حين الوفات، فكيف يصحّ منها أن تدّعي النحلة بعد ذلك.

    و العجب من السّيد المرتضى- رحمه اللّه- حيث لم يتوجّه في جوابه عن كلامه هذا في الشافي إلى خبطه فقال: و أمّا إنكار أبي علي أن يكون النحل قبل ادّعاء الميراث و عكسه الأمر فيه، فأوّل ما فيه أن لا نعرف له غرضا صحيحا في إنكار ذلك لأنّ كون أحد الأمرين قبل الاخر لا يصحّح له مذهبا فلا يعتدّ على مخالفه مذهبا، ثمّ قال رحمه اللّه: ثمّ إنّ الأمر في أنّ الكلام في النحل كان المتقدّم ظاهرا، و الروايات كلّها به واردة، و كيف أن تبتدأ بطلب الميراث فيما تدّعيه بعينه نحلا أو ليس هذا يوجب أن تكون قد طالبت بحقّها من وجه لا تستحقّه منه مع الاختيار و كيف يجوز ذلك و الميراث يشتركها فيه غيرها، و النحل تنفرد به».

    أقول: قد ترى أنّ السيّد رحمه اللّه لم يشر إلى التكاذب و التناقض الّذي يلزم على المدّعي للميراث قبل ادّعاء النحل، فانّه لو ادّعى الميراث أوّلا فقد اعترف ببقاء الملك على ملك المورث إلى حين الموت، فلو ادّعى النحل بعد ذلك فقد ناقض دعواه الاولى و كذّب نفسه، و لا يصحّ صدوره من فاطمة عليها السّلام مع عصمته و طهارته، فلا بدّ من القطع بتقدّم دعوى النحل على دعوى الارث، و لا يصحّ جعله ظاهر الحال أو ظاهر الأخبار، كما يستفاد من كلام السيّد رحمه اللّه.

    و قد انتصر الشارح المعتزلي لأبي على بما يلي «ص 285 ج 16 ط مصر»: فأمّا تعجّب المرتضى من قول أبي علي أنّ دعوى الارث كانت متقدّمة على دعوى النحل و قوله: إنّا لا نعرف له غرضا في ذلك، فانّه لا يصحّ له بذلك مذهب و لا يبطل على مخالفيه مذهب، فانّ المرتضى لم يقف على مراد الشيخ أبي علي في ذلك، و هذا شي ء يرجع إلى اصول الفقه، فانّ أصحابنا استدلّوا على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد باجماع الصحابة، لأنّهم أجمعوا على تخصيص قوله تعالى: «يوصيكم اللّه في أولادكم» برواية أبي بكر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «لا نورث ما تركناه صدقة»، قالوا: و الصحيح في الخبر أنّ فاطمة عليها السّلام طالبت بعد ذلك بالنحل لا بالميراث، فلهذا قال الشيخ أبو علي: إنّ دعوى الميراث تقدّمت على دعوى النحل، و ذلك لأنّه ثبت أنّ فاطمة انصرفت عن ذلك المجلس غير راضية و لا موافقة لأبي بكر، فلو كانت دعوى الارث متأخّرة، و انصرفت عن سخط لم يثبت الاجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد، أمّا إذا كانت دعوى الارث متقدّمه فلمّا روى لها الخبر أمسكت و انتقلت إلى النزاع من جهة اخرى، فانه يصح حينئذ الاستدلال بالاجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد، فأمّا أنا فالأخبار عندي متعارضة، يدلّ بعضها على أنّ دعوى الارث متأخّرة، و بعضها على أنّها متقدّمة و أنا في هذا الموضع متوقّف، و ما ذكره المرتضى من أنّ الحال تقتضي أن تكون البداية بدعوى النحل فصحيح، انتهى.

    أقول: لا يخفى ما في كلام الشارح المعتزلي من الاضطراب و التناقض، فتارة ينتصر لأبي علي جزما ليصحّح الاجماع، و اخرى يحكم بتعارض الأخبار و يتوقّف و ثالثة يصحّح كلام المرتضى في تقدّم دعوى النحل.

    و الأصحّ أنّ مورد دعوى النحل خصوص فدك و لم يرد عليها دعوى الارث أصلا لا قبلها و لا بعدها، و مورد دعوى الارث سائر ما تركه رسول اللّه من سهمه بخيبر و سهمه في الخمس و غير ذلك من متاعه، و قد تصرّف أبو بكر في جميع ذلك و قام مقامه كلّا و لم يمسك عن أموال رسول اللّه يدا إلّا من آلة رسول اللّه و دابّته و حذائه حيث دفعها إلى عليّ عليه السّلام، كما في رواية عوانة بن الحكم.

    و العجب من الشارح المعتزلي حيث انتصر لأبي علي بما يوجب تكاذب فاطمة عليها السّلام لنفسها و سقوط كلامها عن الاعتبار بالتناقض الظاهر، و كيف يصحّ لها عليها السّلام دعوى النحل في فدك بعد الاعتراف بأنّها ميراث لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و قد أصرّ في غير موضع من كلامه على اعتراف فاطمة بصحّة ما رواه أبو بكر من قوله «لا نورث، ما تركناه صدقة» و موافقتها معه في ذلك، و من يتدبّر في كلام فاطمة تجاه أبي بكر و من وافقه يفهم أنّ فاطمة عليها السّلام أنكر حديثه و نسبت المعترف به إلى الكفر و الالحاد و الخروج عن الاسلام و متابعة القرآن، فانظر إلى قولها فيما ذكره الشارح المعتزلي بأسناد عدّة: «ثمّ أنتم الان تزعمون أن لا إرث لي «أ فحكم الجاهليّة يبغون و من أحسن من اللّه حكما لقوم يوقنون» ايها معاشر المسلمين ابتزّ إرث أبي، أبى اللّه أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي، لقد جئت شيئا فريّا، فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللّه، و الزعيم محمّد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون، و لكلّ نبأ مستقرّ و سوف تعلمون، من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم»، و قالت فيما خاطبت و عاتبت به الأنصار: «ما هذه الفترة عن نصرتي، و الونية عن معونتي، و الغمزة في حقّي، و السّنة عن ظلامتي- إلى أن قالت عليها السّلام: ايها بني قيلة، أ أهتضم تراث أبي، و أنتم بمرأى و مسمع، تبلغكم الدعوة، و يشملكم الصوت، و فيكم العدّة و العدد، و لكم الدار و الجنن، و أنتم نخبة اللّه الّتي انتخب، و خيرته الّتي اختار، باديتم العرب، و بادهتم الامور، و كافحتم البهم، حتّى دارت بكم رحى الاسلام، و درّ حلبه، و خبت نيران الفتنة، و سكنت فورة الشرك، و هدأت دعوة الهرج و استوثق نظام الدين، أفتأخّرتم بعد الإقدام، و نكصتم بعد الشدّة، و جبنتم بعد الشجاعة، عن قوم «نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و طعنوا في دينكم فقاتلوا أئمّة الكفر إنّهم لا أيمان لهم لعلّهم ينتهون».

    أقول: من تدبّر هذه الكلمات الّتي خرجت من قلب ملتهب و أسف عميق يفهم بوضوح عدم طريق للموافقة بين بنت الرسول المظلومة الممنوعة عن حقّها مع مخالفيها بوجه من الوجوه، و قد صرّحت فيها بنكث العهد و مخالفة الرسول عن اولئك المخالفين.

    الثالث ممّا يهمّ في المقام، بيان أنّ فدك كانت في تصرّف فاطمة عليها السّلام فانتزعها منها أبو بكر أو كانت في ضمن ما تركه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فمنعها أبو بكر من التصرّف فيها حكى في الشرح المعتزلي عن قاضى القضاة ما يلي «ص 269 ج 16 ط مصر»: و لسنا ننكر صحّة ما روي من ادّعائها فدك، فأمّا أنّها كانت في يدها فغير مسلّم، بل إن كانت في يدها لكان الظاهر أنّها لها، فاذا كانت في جملة التركة فالظاهر أنّها ميراث.

    و نقل عن السيّد المرتضى في ردّ كلامه «ص 275 ج 16 ط مصر»: فأمّا إنكار صاحب الكتاب لكون فدك في يدها فما رأيناه اعتمد في إنكار ذلك على حجّة، بل قال: لو كان ذلك في يدها لكان الظاهر أنّها لها، و الأمر على ما قال، فمن أين أنّه لم يخرج عن يدها على وجه يقتضى الظاهر خلافه، و قد روى من طرق مختلفة غير طريق أبي سعيد الّذي ذكره صاحب الكتاب أنّه لمّا نزل قوله تعالى «و آت ذا القربى حقّه: 38- الروم» دعا النبيّ صلّى اللّه عليه و آله فاطمة عليها السّلام فأعطاها فدك، و إذا كان ذلك مرويّا فلا معنى لدفعه بغير حجّة.

    أقول: لا إشكال في أنّ ظاهر «فأعطاها فدك» الواردة في غير واحد من الأخبار هو إقباض النبيّ صلّى اللّه عليه و آله إيّاها، لا مجرّد إنشاء صيغة الهبة، فانّ العطاء حقيقة في العمل الخارجي، و من هذه الجهة عنون الفقهاء المعاطاة في مقابل العقد و المعاملة الانشائيّة، فالمعاطاة معاملة بالعمل و بالأخذ و الردّ، و أدلّ دليل على كونها في تصرّف فاطمة عليها السّلام عليها السّلام حين موت النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كلام أمير المؤمنين عليه السّلام في هذا الكتاب الموجّه إلى عثمان بن حنيف من كبار الصحابة حيث يقول صلوات اللّه عليه: «بلى كانت في أيدينا فدك» فانّه كاد أن يكون صريحا في كونها تحت تصرّف أهل البيت.

    الرابع: لقضيّة فدك جهتان هامّتان: الاولى النظر إليها عن الوجهة الحقوقيّة و القضائيّة و البحث من حيث إنّ فدك كانت حقّا لفاطمة سلام اللّه عليها بهبة من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله كما هو الظاهر، أو بالارث كما ذكره غير واحد من الأصحاب و جمّ من المخالفين فاخذت منها غصبا و تعمّدا، أو على وجه الشبهة باعتماد الحديث الّذي رواه أبو بكر عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله «لا نورث، ما تركناه صدقة» و البحث في هذا الحديث يقع من وجهين: الأوّل: من جهة السند، و يضعّف من وجوه شتّى، كتفرّد أبي بكر بنقله مع وفور الصحابة و توفّر الداعي ببيانه للناس لإزالة الشبهة، و كعدم اطّلاع أهل البيت عليهم السّلام و أزواج النبيّ صلّى اللّه عليه و آله عنه مع مسيس الحاجة إلى إبلاغهم هذا الحكم من النبيّ ليعرفوا تكليفهم في تركته من حين موته، و يكاد يقطع باستحالة إخفاء النبيّ صلّى اللّه عليه و آله هذا الحكم عنهم مع ولعه بتقوى ذويه و أهل بيته.

    الثاني: من جهة دلالته حيث إنّ للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله جهتان متمايزتان: الاولى جهة شخصيّة و أنّه كسائر أفراد البشر و المسلمين يملك و يتزوّج و يصير أبا و يكون ابنا لأبيه، و له حقوق متساوية مع غيره فيملك و يملّك و يرث و يورّث، الثانية جهة نبوّته و ما يتعلّق به بعنوان نامه 45 نهج البلاغه أنّه نبيّ فيكون والد الامّة و مالك الوجوه العامّة من الغنائم و السبايا، و بيده مفتاح بيت المال يتصرّف فيه على ما يراه صلاحا، فيمكن أن يكون مقصوده من قوله صلّى اللّه عليه و آله «لا نورث» الجهة الثانية و معناه أنّ ما يملكه النبيّ بعنوان نامه 45 نهج البلاغه أنّه نبيّ غير مورث و تترك صدقة عامّة للامّة و لا يشمل ما يملكه باعتبار شخصه من أمواله الخاصّة فانّها متروكة لوارثه كسائر الأفراد.

    و حيث كانت فدك مطرحا لدعوى فاطمة عليها السّلام من جهة النحلة و طلب أبو بكر منها البيّنة فشهد لها عليّ عليه السّلام و امّ أيمن فردّت شهادتهما أو لم يكتف بهما لنقصانهما عن حدّ البيّنة الشرعيّة فانّها تتحقّق بشهادة رجلين أو رجل و امرأتين عرضت القضيّة لبحث قضائي من وجوه شتّى.

    منها، هل يصحّ أو يجب الاكتفاء بمجرّد الدعوى من فاطمة عليها السّلام للحكم لها أم حالها حال سائر الناس و لا بدّ من عرض دعويها على الموازين القضائيّة العامّة و تحقيق البحث فيه يرجع إلى النظر في أمرين: الأول في أنّ البيّنة حجة لاثبات دعوى المدّعي باعتبار صرف الحكاية عن الواقع و من جهة الكاشفيّة فقط، فكلّ كاشف عن الواقع يساويها في البيان أو يقوى عليها يقوم مقامها، أم هي حجّة قضائيّة بخصوصها و لها موضوعيّة لفصل الدعوى و إثبات المدّعى و الظاهر هو الأوّل لأنّ البيّنة كاشفة عن الواقع و حجّة بهذا الاعتبار و لذا يقوم مقامها الشياع، و حينئذ فعصمة فاطمة عليها السّلام و طهارتها عن الكذب بحكم آية التطهير الشامل لها ممّا يوجب العلم بصدق دعويها فيحكم لها لهذا العلم الناشي عن خصوصية المدّعي و إن منعنا عن جواز حكم القاضي في موضوع النزاع بمجرّد علمه الغير المستند إلى طرح الدعوى كالوحى أو الاستظهار بالغيب من الرياضة أو مثل علوم الجفر و الرمل و نحوهما لمن هو أهله.

    ففي الشرح المعتزلي: قال المرتضى: نحن نبتدى ء فندلّ على أنّ فاطمة عليها السّلام ما ادّعت من نحل فدك إلّا ما كانت مصيبة فيه، و أنّ مانعها و مطالبها بالبيّنة متعنّت، عادل عن الصواب، لأنّها لا تحتاج إلى شهادة و بيّنة- إلى أن قال- أمّا الّذي يدلّ على ما ذكرناه فهو أنّها معصومة من الغلط، مأمون منها فعل القبيح و من هذا صفته لا يحتاج فيما يدّعيه إلى شهادة و بيّنة.

    ثمّ استشهد لاثبات عصمتها، باية التطهير و حديث «فاطمة بضعة منّي، من آذاها فقد آذاني و من آذاني فقد آذى اللّه عزّ و جلّ» و هذا يدلّ على عصمتها، لأنّها لو كانت ممّن يقترف الذنوب لم يكن من يؤذيها مؤذيا له على كلّ حال، بل متى فعل المستحقّ من ذمّها، أو إقامة الحدّ عليها، إن كان الفعل يقتضيه سارا له و مطيعا، على أنّنا لا نحتاج في هذا الموضع على الدلالة على عصمتها، بل يكفي في هذا الموضع العلم بصدقها فيما ادّعته، و هذا لا خلاف فيه بين المسلمين لأنّ أحدا لا يشكّ أنّها لم تدّع ما ادّعته كاذبة، و ليس بعد أن لا تكون كاذبة إلّا أن تكون صادقة، و إنّما اختلفوا في أنّه هل يجب بعد العلم بصدقها تسليم ما ادّعته بغير بيّنة أم لا يجب ذلك ثمّ استدلّ على أنّ البيّنة من جهة الكاشفيّة لا من جهة الموضوعيّة بوجوه: 1- اشتراط العدالة في البيّنة للاعتماد بصدقها.

    2- جواز حكم الحاكم بعلمه من غير شهادة.

    3- كون الإقرار أقوى من البيّنة من حيث إنّه أكشف للواقع- إلى أن قال: «و الّذي يدلّ على صحّة ما ذكرناه أيضا أنّه لا خلاف بين أهل النقل في أنّ أعرابيا نازع النبيّ صلّى اللّه عليه و آله في ناقة، فقال عليه السّلام «هذا لي و قد خرجت إليك من ثمنها» فقال الأعرابي: من يشهد لك بذلك فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد بذلك، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه و آله: «من أين علمت، و ما حضرت ذلك» قال: لا و لكن علمت ذلك من حيث علمت أنّك رسول اللّه، فقال: «قد أجزت شهادتك و جعلتها شهادتين» فسمّي ذا الشهادتين، و هذه القضيّة شبيهة لقصّة فاطمة عليها السّلام.

    و منها أنّه حيث كانت فاطمة عليها السّلام مدّعية لفدك باتّفاق أهل الحديث يستفاد أنّها كانت متصرّفة فيها و صاحبة يد عليها، فلا يصحّ مطالبتها بالبيّنة إلّا أن يقال بأنّ دعويها مقرونة بالاستناد إلى ادّعاء الهبة و بهذا الاعتبار تحتاج إلى البيّنة، و قد شهد لها عليّ عليه السّلام و امّ أيمن، و يظهر مما نسب إلى أبي بكر التوقّف في الحكم لها باعتبار نقصان البيّنة، فانّها تتحقّق برجلين أو رجل و امرأتين، فيبحث عن خطأ أبي بكر في ذلك باعتبار أنّ عليّا مشمول لاية التطهير و معصوم، فيقوم شهادته مقام رجلين و امّ أيمن ممّن ثبت كونها من أهل الجنّة فيقطع بصدقها و يقوم شهادتها مقام امرأتين و أكثر، و نسب إلى عمر ردّ شهادتهما باتّهام عليّ عليه السّلام بأنّه يجرّ النار إلى قرصه، و القدح في امّ أيمن بأنّها عجميّة مردودة الشهادة فيا لهما من خطأ و جور.

    الثانية النظر إليها من الوجهة السياسية، و هي أنّ أخذ فدك من فاطمة عليها السّلام و أخذ سائر مواريث النبيّ منها و من سائر الورّاث تابع للاستيلاء على الخلافة و الحكم، فلا يستقرّ بيعة سقيفة على أبي بكر إلّا بهذين الأمرين، لأنّ الرياسة على الامّة من أهمّ مواريث النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و من أوفر ما تركه بعده فتتعلّق بذويه الأقربين من اهل بيته، و لا يكفي مجرّد بيعة الناس مع ابي بكر لسلب هذا الحق عن اهل البيت إلّا بمنع التوريث عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله، و منع الارث يحتاج إلى قضيّة عامّة و هي جملة «لا نورّث، ما تركناه صدقة» الّتى ابتكرها أبو بكر و تفرّد بنقلها و لم يكن لمن بايع معه من المهاجرين و الأنصار إلّا التسليم لها و ترك النكير عليها، فانّهم لو أنكروها و قاموا في وجه أبي بكر لردّها يضطرّون إلى نقض بيعتهم معه بالرئاسة و الخلافة فلا يستقيم قبول وراثة فاطمة و سائر أهل البيت عمّا تركه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله مع بيعتهم لأبي بكر بالخلافة.

    و يدلّ على ذلك ما حكي أنّ هارون العبّاسي قال لموسى بن جعفر عليه السّلام: حدّ لي فدك حتّى أردّه، فقال عليه السّلام: حدّها من سيف البحر إلى دومة الجندل إلى عريش مصر، فقال هارون: حتّى أنظر فيها، فالظاهر أنّ مقصوده عليه السّلام أنّ فدك نموذج ما تركه النبيّ صلّى اللّه عليه و آله لأهل بيته و هو ما استقرّ حكومته عليه في حياته.

    و قال الشارح المعتزلي «ص 284 ج 16 ط مصر»: «و سألت عليّ بن الفارقي مدرّس المدرسة الغربيّة ببغداد، فقلت له: أ كانت فاطمة صادقة قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها ابو بكر فدك و هي عنده صادقة فتبسّم، ثمّ قال كلاما لطيفا مستحسنا مع ناموسه و حرمته و قلّة دعابته، قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرّد دعواها لجائت إليه غدا و ادّعت لزوجها الخلافة، و زحزحته عن مقامه، و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشى ء لأنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيما تدّعي كائنا ما كان من غير حاجة إلى بيّنة و لا شهود، و هذا كلام صحيح، و إن كان قد أخرجه مخرج الدّعابة و الهزل».

    ثمّ إنّ عمق سياسة قضيّة فدك يظهر من التدبّر في خطب ابي بكر و مكالمته مع فاطمة عليها السّلام حيث يستفاد منها أنّ أبا بكر كان داهية دهياء و لا يكون في المسلمين يومئذ أدهى منه و أمكر، و صوّر خطّة سياسته في هذه القضيّة من ثلاث: الاولى رقّته و لينه تجاه فاطمة عليها السّلام بما لا مزيد عليه و تمسّكه بالإطاعة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و ولعه على العمل بسنّته و سيرته حرفا بحرف و قدما على قدم، و تحريش الناس على فاطمة عليها السّلام بأنّها يريد خلاف قول أبيها طلبا لحطام الدنيا فانظر فيما يلي: في الشرح المعتزلي «ص 214 ج 16 ط مصر»: و روى هشام بن محمّد عن أبيه قال: قالت فاطمة لأبي بكر: إنّ أمّ أيمن تشهد لي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أعطاني فدك، فقال لها: يا ابنة رسول اللّه، و اللّه ما خلق اللّه خلقا أحبّ إلىّ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أبيك، و لوددت أنّ السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك، و اللّه لأن تفتقر عايشة أحبّ إليّ من أن تفتقري، أ تراني اعطي الأحمر و الأبيض حقّه و أظلمك حقّك، و أنت بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، إنّ هذا المال لم يكن للنبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و إنّما كان مالا من أموال المسلمين، يحمل النبيّ به الرجال، و ينفقه في سبيل اللّه، فلمّا توفّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وليته كما كان يليه، قالت: و اللّه لا كلّمتك أبدا، قال: و اللّه لا هجرتك أبدا، قالت: و اللّه لأدعونّ اللّه عليك، قال: و اللّه لأدعونّ اللّه لك، فلمّا حضرتها الوفاة أوصت ألّا يصلّي عليها.

    فدفنت ليلا... و في الشرح أيضا «ص 213 ج 16 ط مصر»: عن عوّانة بن الحكم، قال: لمّا كلّمت فاطمة عليها السّلام أبا بكر بما كلّمته به، حمد أبو بكر اللّه و أثنى عليه و صلّى على رسوله ثمّ قال: يا خيرة النساء و ابنة خير الاباء، و اللّه ما عدوت رأي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، و ما عملت إلّا بأمره، و إنّ الرائد لا يكذب أهله، و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت، فغفر اللّه لنا و لك، أمّا بعد، فقد دفعت آلة رسول اللّه، و دابّته و حذاءه إلى عليّ عليه السّلام، فأمّا ما سوى ذلك فانّي سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول: إنّا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضّة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا، و لكنّا نورث الايمان و الحكمة و العلم و السنّة، فقد عملت بما أمرني، و نصحت له، و ما توفيقي إلّا باللّه عليه توكّلت و إليه انيب.

    فقد ترى أبا بكر في هذه المكالمة و هذه الخطبة القصيرة الّتي أجاب بها عن خطبة فاطمة الطويلة القاصعة يظهر الخضوع و التذلّل لفاطمة عليها السّلام و الطوع و الانقياد لأمر أبيها حتّى يصوّر فاطمة عليها السّلام في نظر الناس عاقّة لأبيها و طالبة لحطام الدنيا.

    الثانية استصغار عليّ و أهل بيته و إهانتهم في نظر الناس ليسقط عندهم هيبة أهل البيت و ينتهك حرمتهم الّتي اكتسبوها في ضوء توصيات النبي صلّى اللّه عليه و آله و حرمة مهبط الوحي و الرسالة، و يجترءوا على الصّول عليهم، بما يقتضيه السياسة في مواقفها الاتية.

    فانظر إلى قوله في تلك الخطبة «أمّا بعد، فقد دفعت آلة رسول اللّه و دابّته و حذاءه إلى عليّ» فإنّ فيه من الإهانة بمقام عليّ عليه السّلام ما لا يخفى، فيغصب أبو بكر منبر رسول اللّه و سيفه و يدفع إلى عليّ عليه السّلام حذاءه.

    ثمّ انظر إلى ما أفاده في خطبته الثانية كما في الشرح المعتزلي «ص 214 ج 16 ط مصر»: قال أبو بكر: و حدّثني محمّد بن زكريّا قال: حدّثنا جعفر بن محمّد بن عمارة بالإسناد الأوّل قال: فلمّا سمع أبو بكر خطبتها شقّ عليه مقالتها، فصعد المنبر و قال: أيّها الناس، ما هذه الرعة إلى كلّ قالة، أين كانت هذه الأماني في عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم، ألا من سمع فليقل و من شهد فليتكلم، إنّما هو ثعالة شهيده ذنبه، مربّ لكلّ فتنة هو الّذي يقول: كرّوها جذعة بعد ما هرمت، يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء كامّ طحال أحبّ أهلها إليها البغيّ ألا أنّي لو أشاء أن أقول لقلت، و لو قلت لبحت، إنّي ساكت ما تركت... قال الشارح المعتزلي: قرأت هذا الكلام على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري و قلت له: بمن يعرّض فقال: بل يصرّح، قلت: لو صرّح لم أسألك، فضحك و قال: بعليّ بن أبي طالب عليه السّلام، قلت: هذا الكلام كلّه لعليّ يقوله قال: نعم، إنّه الملك يا بنيّ، و يظهر نهاية استخفافه بعليّ و فاطمة عليها السّلام و استصغاره لشأنهما بما فسّره من غريب ألفاظ الخطبة، قال: فسألته عن غريبه، فقال: أمّا الرعة بالتخفيف، أى الاستماع و الاصغاء، و القالة: القول، و ثعالة: اسم الثعلب علم غير مصروف مثل ذؤالة للذئب، و شهيده ذنبه: أي لا شاهد له على ما يدّعى إلّا بعضه و جزء منه، و أصله مثل، قالوا: إنّ الثعلب أراد أن يغري الأسد بالذئب فقال: إنّه قد أكل الشاة الّتي قد أعددتها لنفسك، و كنت حاضرا، قال: فمن يشهد لك بذلك فرفع ذنبه و عليه دم، و كان الأسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته، و قتل الذئب، و مربّ: ملازم، أرّب بالمكان، و كرّوها جذعة: أعيدوها إلى الحال الاولى، يعني الفتنة و الهرج، و امّ طحال امرأة بغيّ في الجاهليّة، فيضرب بها المثل فيقال: أزنى من امّ طحال، انتهى.

    فقد اتّهم علياّ عليه السّلام في كلامه هذا بأنّه يجرّ النار إلى قرصه و يشهد لجرّ النفع و جلب المنفعة و أنّه يريد إلقاء الفتنة بين المسلمين و ايقاد نيران الحرب و ردّ الاسلام قهقرى، فيستعين بالضعفة و النساء، و كفى و هنا به و بفاطمة قوله: كامّ طحال أحبّ أهلها إليها البغيّ، و هل قصد تشبيه عليّ عليه السّلام بامّ طحال أو فاطمة عليها السّلام أو هما معا، و كفى به توهينا لهما و إظهارا للكفر و الزندقة.

    و يقصد في ضمن ذلك سلب الفوائد عن عليّ عليه السّلام بحيث لا يملك درهما و لا دينارا، فيكون قد اشتغل بتحصيل القوت و يكون آكلا سهمه من بيت المال بنظارته كأحد اجرائه و امرائه لئلا يتوجّه إليه النّاس فيعتزّ بهم و يطلب حقّه من الخلافة.

    قال في الشرح المعتزلي (ص 236 ج 16 ط مصر): و قال لي علويّ من الحلّة، يعرف بعليّ بن مهنّا، ذكيّ ذو فضائل: ما تظنّ قصد أبى بكر و عمر بمنع فاطمة فدك قلت: ما قصدا قال: أرادا أن لا يظهرا لعليّ- و قد اغتصباه الخلافة- رقّة ولينا، و لا يرى عندهما خورا، فاتبعا القرح بالقرح.

    و قلت لمتكلّم من متكلّمى الإماميّة يعرف بعليّ بن تقيّ من بلدة النّيل و هل كانت فدك إلّا نخلا يسيرا و عقارا ليس بذلك الخطير فقال لي: ليس الأمر كذلك، بل كانت جليلة جدّا، و كان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الان من النخل، و ما قصد أبو بكر و عمر بمنع فاطمة عنها إلّا يتقوّى عليّ بحاصلها و غلّتها على المنازعة في الخلافة، و لهذا اتبعا ذلك بمنع فاطمة و عليّ و سائر بني هاشم و بني المطّلب حقّهم في الخمس، فانّ الفقير الّذي لا مال له تضعف همّته و يتصاغر عند نفسه و يكون مشغولا بالاحتراف و الاكتساب عن طلب الملك و الرئاسة، فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء... الثالثة إرعاب الناس و تخويفهم إلى حيث ينقادون لحكمهم و يتهيّأون لكلّ ما يقرّرونه بعد ذلك من مؤامراتهم، فتشديدهم الأمر على أهل بيت النبيّ إلى حيث هدّدوهم بإحراق بيتهم أو أشعلوا النار في باب فاطمة عليها السّلام و في روايات عدّة أنّهم ضربوها بالسياط تقرير لهذه السياسة الحديديّة الناريّة الّتي يرتكبها الطامعون في استقرار حكومتهم و كبح مخالفيهم.

    قال في الشرح المعتزلي «ص 283 ج 16 ط مصر»: فيما نقله عن السيّد المرتضى في جواب قاضى القضاة: فأمّا قوله إنّ حديث الإحراق لم يصحّ، و لو صحّ لساغ لعمر مثل ذلك فقد بيّنّا أنّ خبر الاحراق قد رواه غير الشيعة و قوله أنّه يسوغ مثل ذلك، فكيف يسوغ إحراق بيت عليّ و فاطمة عليها السّلام و هل في ذلك عذر يصغى إليه أو يسمع، و إنّما يكون عليّ و أصحابه خارقين للاجماع و مخالفين للمسلمين لو كان الاجماع قد تقرّر و ثبت، و ليس بمتقرّر و لا ثابت مع خلاف عليّ وحده فضلا عن أن يوافقه على ذلك غيره... و تهديد أبي بكر للناس و خصوص الأنصار الّذين هم العدّة و العدد و صاحبوا الدار و الجنن يظهر من ذيل خطبته السابقة «ص 215 ج 16 ط مصر»: ثمّ التفت إلى الأنصار فقال: قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم، و أحقّ من لزم عهد رسول اللّه أنتم، قد جائكم فاويتم و نصرتم، ألا أنّى لست باسطا يدا و لا لسانا على من لم يستحقّ ذلك منّا، ثمّ نزل، فانصرفت فاطمة عليها السّلام إلى منزلها.

    قال الشارح المعتزلي في ضمن ما سأله عن النقيب أبي يحيى «قلت: فما مقالة الأنصار قال: هتفوا بذكر عليّ فخاف من اضطراب الأمر عليهم، فنهاهم».

    و بهذه السياسة الحديديّة المقرونة بأشدّ الارعاب أخمدوا نار الثورة الفاطميّة الّتي أشعلتها عليهم بخطبتها الرنّانة الفائقة و تمسّكوا بالملك و الخلافة بكلّ قوّة و شدّة، و سيعلم الّذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.

    الترجمة

    از نامه آن حضرت عليه السّلام است كه بعثمان بن حنيف انصارى نگاشته- عثمان ابن حنيف كار گزار آن حضرت بود بر استان بصره، و از وى به آن حضرت گزارش رسيده بود كه براى صرف وليمه جشن جمعى از مردم بصره دعوت شده و اين دعوت را پذيرفته و در آن وليمه شركت كرده، و در ضمن نامه بدو نوشته است: أمّا بعد أى زاده حنيف، بمن خبر رسيده كه مردى از جوانان اهل بصره از تو بر سر خوان مهمانى دعوت كرده و توهم بدان شتافتى، خوراكهاى رنگارنگ برايت آورده اند و قدحهاى چند در برابرت چيده اند (تو حريصانه از آنها خوردى و استخوانهاى گوشت را بدندان پاك كردى).

    من گمان نمى بردم تو پذيراى دعوت مردمى شوى بر سر خوان خوراكشان كه بينوايان آنها گرسنه اند و توانگرانشان دعوت شده اند، بنگر از اين آخر دنيا چه مى جوى، آنچه را يقين ندارى كه حلال است بدور انداز و از آنچه بيقين مى دانى حلال است استفاده كن.

    هلا براستى كه هر مأمومى را امامى است كه از او پيروى كند و از پرتو دانشش روشنى گيرد، هلا براستى امام و پيشواى شما از دنياى خود بدو پاره كرباس و دو قرصه نان جوين قناعت كرده، معلومست كه شما نتوانيد چنين زندگى كنيد و تا اين اندازه قناعت ورزيد، ولى بورع و كوشش خود در كار دين بمن كمك كنيد، و با پارسائى و درستكارى مرا مدد كنيد، بخدا سوگند، من از دنياى شما گنجينه زرى نيندوختم و از دست آوردهاى آن برى برنگرفتم، و ذخيره و پس اندازى نيندوختم، و براى كهن جامه تن خود پارچه كرباسينى آماده نساختم، و از زمين اين دنيا يك وجب بچنگ نياوردم، و از اين دنيا جز قوتى اندك باندازه خوراك ماده الاغى پشت ريش بر نگرفتم، و هر آينه اين دنيا در چشم من سست تر و پست تر است از دانه بلوطى گرف و نامطبوع.

    آرى در زير دست ما تنها يك فدك بود از هر آنچه آسمان بر آن سايه دارد و دلهاى مردمى بر آن دريغ آورد و دلهاى ديگران بر آن بخششگر شد و از دست ما ربوده گرديد، و چه خوب دادگرى است خداوند، مرا چه كار است با فدك يا جز فدك با اين كه منزل فرداى هر كس گور است، گورى كه در تاريكيش آثار و كردار هر كس منقطع مى گردد و اخبارش نهان مى شود گودالى كه اگر در ميدانش بيفزايند و دست حفّارش پهناور سازد سنگ و كلوخش تنگ سازد و خاكهاى انباشته سوراخ و روزنش را مسدود سازد، همانا منم و اين نفس سركشم كه بوسيله تقوى و پرهيزكارى آنرا سوقان مى دهم تا بلكه در روز هراس بزرگتر در آسايش باشد و بر اطراف پرتگاه دوزخ پابرجا و استوار گذر كند.

    بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السّلام

    و لو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يغلبني هواى، و يقودني جشعي إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص، و لا عهد له بالشّبع أو أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى، و أكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل: و حسبك داء [عارا] أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ.

    أ أقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدّهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها تكترش من أعلافها، و تلهو عمّا يراد بها، أو أترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طريق المتاهة.

    اللغة

    (القمح): الحنطة: (الجشع): أشدّ الحرص، (المبطان)، الّذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل، فأمّا المبطن: فالضامر البطن، و أمّا البطين فالعظيم البطن بالخلقة، و أمّا البطن: فهو الّذي لا يهمّه إلّا بطنه، و أمّا المبطون فالعليل البطن، (و البطون الغرثى): الجائعة، (البطنة): الكظّة، و ذلك أن يمتلى الانسان من الطّعام امتلاء شديدا، (القدّ): إناء من جلد يدّخر فيها الغذاء أو بمعنى القديد: اللحم المشوى المقدّد الّذي يجفّ بالشّمس و يدّخره أهل البادية يتغذّون به (التقمّم): أكل الشاة ما بين يديها بمقمتّها أي بشفتها (تكترش من أعلافها): أي تملأ كرشها من العلف، و الكرش للشاة بمنزلة المعدة للإنسان، و يقال (أجررته) رسنه: أى أهملته، (الاعتساف): السلوك في غير طريق (المتاهة): أرض يتاه فيها لعدم وجود الطريق.

    الاعراب

    هيهات اسم فعل بمعنى بعد، بالحجاز جار و مجرور متعلّق بفعل مقدّر و الجملة خبر مقدم لقول لعلّ، و من لا طمع له اسم لها، أو أبيت، عطف على قوله يغلبني و منصوب مثله، حولي، ظرف مستقر خبر لقوله بطون غرثى و الجملة حالية عن الضمير في قوله أبيت، همّها علفها، جملة حالية عن البهيمة، شغلها تقمّمها مبتدأ و خبر و الجملة حال عن المرسلة، أو اترك سدى عطف على قوله يشغلني و كذلك قوله اهمل و اجرّ و اعتسف.

    المعنى

    بيّن عليه السّلام في هذا الفصل من كتابه إلى عثمان بن حنيف أنّ تجنّبه عن الأكل الطيّب الهنى ء و القناعة بقرصين جافين من شعير ليس من الضرورة لعدم القدرة على ما زاد من الماكل الهنيئة، و أشار إلى اقتداره على أطيب الأكل و أهنى العيش من وجوه: 1- من فوائد ما استنبطه من العيون و ما غرسه من النّخيل في ينبع أيام اعتزاله في المدينة و اشتغاله بالحرث و الزراعة في نواحيها، فمن ضياعه العين المعروفة بعين نيزر أحد مواليه المشتغلين بالزراعة من قبله عليه السّلام في ينبع، فقد ورد في الحديث أنه حضر يوما يحفر فيه بئرا فأصاب حجرا فألقى عليه السّلام ردائه و أخذ المعول و ضرب الحجر حتّى كسره فطلع من تحته عين ماء كأنها عنق البعير.

    و في حديث آخر: أنّ مغيرة بن شعبة مرّ عليه عليه السّلام يوما و قد ركب بعيرا و تحته حمل فقال له عليه السّلام: ما تحتك يا عليّ فأجابه: مائة ألف نخلة إن شاء اللّه فكان يحمل نوايا التمر ليغرسه.

    و على الجملة كان له عليه السّلام ضياع و نخيل أنشأها و جعلها صدقة و صرفها على الفقراء.

    2- أنّه عليه السّلام يقدر على الاحتراف و الكسب بوجوه شتّى و يهتدى إلى تهية أطيب العيش من كدّ يده مضافا إلى ما يستحقه من العطايا و الحقوق من بيت المال و هو رئيس المسلمين و أمير المؤمنين، فيقدر على ما يريد من العيش الرّغيد، و لكنّه ترك ذلك و لازم الزّهد و الرياضة ليكون اسوة للزاهدين.

    بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السّلام

    و كأنّي بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران، و منازلة الشّجعان ألا و إنّ الشّجرة البرّيّة أصلب عودا، و الرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، و النّابتات العذية [و النّباتات البدويّة] أقوى وقودا و أبطأ خمودا و أنا من رسول اللّه كالصّنو من الصّنو و الذّراع من العضد، و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالي لما ولّيت عنها، و لو أمكنت الفرص من رقابها لسارعت إليها، و سأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس، و الجسم المركوس حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد.

    اللغة

    (الأقران): جمع قرن و هو الكفو في المبارزة و القتال، (الشجرة البرّيّة): الّتي تنبت في البرّ الّذي لا ماء فيه، (الروائع): جمع رائعة و هي الشجرة النابتة على الماء، (النابتات العذية) بسكون الذال: الزرع لا يسقيه إلّا ماء المطر، (الصنو): إذا خرجت نخلتان أو أكثر من أصل واحد فكلّ واحدة منها هي صنو أو صنو، (ركس) ركسا الشي ء: قلب أوّله على آخره.

    المعنى

    كان المخالفون لعليّ عليه السّلام يعترضون عليه حتّى في زهده و رياضته و يذمّون قلّة أكله باعتبار أنّه مخلّ بما يجب عليه من وظيفة الجهاد و الدفاع عن العدوّ، لأنّه موجب لضعفه و قلّة مقاومته تجاه العدوّ الشجاع اللدود، و كأنّه ارتفع صدى هذا الاعتراض من الكوفة إلى البصرة فتذكّر عليه السّلام في هذا الكتاب وجه الدفاع عنه بقوله: (ألا و إنّ الشجرة البرّية أصلب عودا و الروائع الخضرة أرقّ جلودا).

    و يمكن أن يكون هذا الكلام جوابا عن اعتراض ربما يرد على تحريص أصحابه بالزهد و قلّة الأكل و المواظبة على جشوبة العيش، فدفعه عليه السّلام بأنّ القوّة و الشجاعة ذاتيّة للمؤمن و لا تتوقّف على تقوية الجسم بالأغذية اللذيذة.

    ثمّ أيّد سيرته هذه بمتابعته للنبيّ صلّى اللّه عليه و آله فقال: (أنا من رسول اللّه) كغصنان من أصل واحد فأصلهما عبد المطلب عليه السّلام تفرّع منه عبد اللّه أبو النبيّ و أبو طالب أبو عليّ عليه السّلام أو أنّهما مشتقّان من أصل نوريّ واحد في تسلسل الوجود و انبعاثه عن المصدر الأزلي كما في غير واحد من الأخبار، و عن النبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال: أنا و عليّ من شجرة واحدة و سائر النّاس من شجر شتّى. و هذه الرواية تؤيّد النسخة الّتي روت قوله (كالصّنو من الصّنو) بالصّاد المهملة بعدها نون معجمة.

    و نسخة شرح ابن أبى الحديد «289 ج 16 ط مصر»: «كالضوء من الضوء» بالضّاد المعجمة، و بهذا الاملاء فسّره في شرحه فقال: (ص 290) و ذلك لأنّ الضّوء الأوّل يكون علّة في الضّوء الثاني، ألا ترى أنّ الهواء المقابل للشّمس يصير مضيئا من الشّمس، فهذا الضوء هو الضوء الأوّل.

    ثمّ إنّه يقابل وجه الأرض فيضي ء وجه الأرض منه، فالضوء الّذي على وجه الأرض هو الضوء الثاني، و ما دام الضّوء الأوّل ضعيفا فالضّوء الثاني ضعيف، فإذا ازداد الجوّ إضاءة ازداد وجه الأرض إضاءة لأن المعلول يتبع العلّة، فشبّه عليه السّلام نفسه بالضوء الثاني، و شبّه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالضوء الأوّل، و شبّه منبع الأضواء و الأنوار سبحانه و جلّت أسماؤه بالشّمس الّتي توجب الضوء الأوّل، ثمّ الضوء الأوّل يوجب الضّوء الثاني، و ها هنا نكتة و هي أن الضوء الثاني يكون أيضا علّة لضوء ثالث، و ذلك أنّ الضوء الحاصل على وجه الأرض- و هو الضوء الثاني- إذا أشرق على جدار مقابل ذلك الجدار قريبا منه مكان مظلم، فانّ ذلك المكان يصير مضيئا بعد أن كان مظلما.

    أقول: قد اعتبر الشارح المذكور لفظة من في كلامه نشويّة فيصير المعنى و أنا من رسول اللّه كالضوء الناشي من الضّوء، و استفاد منه تسلسل أنواع العلوم و الافاضات إلى سائر النّاس بوساطته جيلا بعد جيل إلى أن يضعف و يضمحلّ و يعود الإسلام غريبا، و يمكن استفادة تسلسل الإمامة منه نسلا بعد نسل كما هو معتقد الاماميّة و لا يلزم أن يكون الضوء الثاني أضعف من الضوء الأوّل إذا تساوت القابليّات و الانعكاسات المثالية كما لا يخفى.

    ثمّ التفت عليه السّلام إلى شجاعته في ذات اللّه و أنّه لا يخاف تظاهر العرب تجاهه و بيّن أنّهم ارتدّوا عن الإسلام و صاروا كالمشركين يجب قتالهم و تطهير الأرض من وجودهم و أنّ من يجاهد الكفّار يجب عليه أن يغلظ عليهم و يستأصل شافتهم، و أشار إلى معاوية رأس النفاق و الشقاق و وصفه بأنّه شخص معكوس انقلب على وجهه و ارتدّ عن حقيقة إنسانيته، و سقط في مهوى شهواته حتّى أثر باطنه في ظاهره فصار جسمه مركوسا إلى ظلمات الطبيعة و دركات الهوى و البهيميّة، فوجوده بين المسلمين كالمدرة بين حبّ الحصيد يوجب الفساد و يضلّ العباد قالوا: و إلى ذلك وقعت الاشارة بقوله تعالى: «أ فمن يمشي مكبّا على وجهه أهدى أم من يمشى سويّا على صراط مستقيم: 22- الملك».

    بقية من المختار الرابع و الاربعين من كتبه عليه السّلام

    إليك عنّي يا دنيا فحبلك على غاربك، قد انسللت من مخالبك، و أفلتّ من حبائلك، و اجتنبت الذّهاب في مداحضك أين القرون الّذين غررتهم بمداعبك أين الأمم الّذين فتنتهم بزخارفك ها هم رهائن القبور، و مضامين اللّحود، و اللّه لو كنت شخصا مرئيّا، و قالبا حسّيّا، لأقمت عليك حدود اللّه في عباد غررتهم بالأمانيّ، و أمم ألقيتهم في المهاوي، و ملوك أسلمتهم إلى التّلف، و أوردتهم موارد البلاء، إذ لا ورد و لا صدر.

    هيهات من وطي ء دحضك زلق، و من ركب لججك غرق، و من ازورّ عن حبائلك وفّق، و السّالم منك لا يبالي إن ضاق به مناخه، و الدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه. أعز بي عنّي فو اللّه لا أذلّ لك فتستذلّيني، و لا أسلس لك فتقوديني، و أيم اللّه- يمينا أستثني فيها بمشيئة اللّه- لأروضنّ نفسي رياضة تهشّ معها إلى القرص إذا قدرت عليه مطعوما، و تقنع بالملح مأدوما، و لأدعنّ مقلتي كعين ماء نصب معينها مستفرغة دموعها، أ تمتلئ السّائمة من رعيها فتبرك و تشبع الرّبيضة من عشبها فتربض و يأكل عليّ من زاده فيهجع قرّت إذا عينه إذ اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة، و السّائمة المرعيّة طوبى لنفس أدّت إلى ربّها فرضها، و عركت بجنبها بؤسها، و هجرت في اللّيل غمضها، حتّى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها و توسّدت كفّها، في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم، و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم، و همهمت بذكر ربّهم شفاههم، و تقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم «أولئك حزب اللّه، ألا إنّ حزب اللّه هم المفلحون 22- المجادلة». فاتّق اللّه يا ابن حنيف، و لتكفك أقراصك، ليكون من النّار خلاصك.

    اللغة

    (الغارب) جمع غوارب: الكاهل، أو بين الظهر او السنام و العنق، حبلك على غاربك: كناية من كنايات الطلاق، أى اذهبي حيث شئت، لأنّ الناقة إذا القي حبلها على غاربها فقد فسح لها أن ترعى حيث شاءت و تذهب حيث شاءت.

    (المخالب) جمع مخلب و هى للطيور الجوارح، (المداحض): المزالق، (المداعب) جمع مدعبة: الدعابات، (زخارف) جمع زخرف: ما يتزيّن به، (رهائن) جمع رهينة و هى الوثيقة، (مضامين): أى الّذي تضمّنتهم القبور فاستعارها للموتى لشبههم في اللحود بالأجنّة في بطون الامّهات، (المهاوي) جمع مهواة: المهلكة، (الدحض): المكان الزلق، (ازورّ): تنحّى، (مناخ البعير): مبركه، (اعزبي): ابعدي، (اسلس): انقاد، (ايم اللّه): من صيغ الحلف، (تهشّ): تفرح (نضب): غار في الأرض، (ماء معين): جار على وجه الأرض، (فتبرك): أى تنام، (الربيضة): جمع الغنم (فيهجع): فينام، (البهيمة الهاملة): المسترسلة المهملة من الزمام، (السائمة المرعيّة): جمع الغنم مع الراعي، (عركت بجنبها): أى تحمل الشدّة في العبادة ناقلا من جنب إلى جنب.

    المعنى

    كتب علىّ عليه السّلام هذا الكتاب إلى أحد عمّاله في ناحية كبيرة من دار حكومته الواسعة و هو في ابان قدرته و على عرش حكومته الاسلاميّة الّتي حازها بحقّ، فينبغي أن يتوجّه إليها و يطمئنّ بها، و لكن يتوجّه إلى أنّها مظهر من مظاهر الدنيا الغرّارة الفتّانة يكاد يغلب عليه ببهرجها و زينتها و عواملها الخلّاعة الخلّابة من توجّه عموم الناس إلى بابه، و من انقياد الامراء و الحكّام و الضابطين إلى جنابه، و من ورود سيل الخراج و الأموال و الغنائم من شتّى نواحى البلاد الاسلاميّة تحت يده، فمن هو الرجل الّذي لا يغرّ بهذه المظاهر الفتّانة الدنيويّة و يقدر على ضبط نفسه عن التأثّر بها و الافتتان منها، فكان عليه السّلام يلقّن بهذه الجمل النافذة كره الدنيا و كيدها و غرورها و عواقبها على نفسه و على قلوب أعوانه و حكّامه و يطرد الدنيا عن حوله و عن فنائه بقوله عليه السّلام: (إليك عنّي يا دنيا) فأنت مطلّقة عنّي لا سبيل لك إليّ، و يهدّدها أشدّ التهديد بأنّها لو كانت جسما محسوسا كالواحد من البشر يقيم عليها الحدّ و يعرضها للمجازات بما ارتكبته من الخلاف في حقّ ذويها: 1- بجرم التغرير و إرائة ما لا واقع له لطلّابها فكانت مدلّسة يتوجّه إليها مجازات التدليس.

    2- التسبيب إلى الهلاك و التلف لأبنائها و جرّهم إلى موارد البلاء و الدّمار.

    ثمّ بيّن أنّه لا نجاة لمن غرّبها و صار في طلبها فليس لها إلّا مزالق هائلة و لجج مهلكة، فمن سلم عنها فهو على طريق النجاة، و إن ضاق عليه أمر الدنيا، فانّ الدنيا لمحة يسيرة تنصرم عاجلا و يفوز المؤمن السالم فيها عن مكائدها إلى الفوز الأبد و الراحة الطويلة.

    ثمّ يبيّن عليه السّلام سيرته في معيشة الدنيا مقرونا بالحلف باللّه تعالى في التمسّك بالرياضة و تقليل الطعام إلى حيث يفرح نفسه بأكل قرصة من الشعير لسدّ جوعتها و تقنع بالملح للإدام، و مع ذلك يبكى من خشية اللّه و موقف الحساب إلى حيث ينضب عينه من الدموع، و أشار إلى أنّ النفس الانسانيّة أشرف من الاقتداء بالبهائم من الابال و البقر و الغنم في الأكل و طلب الراحة، فلا بدّ من حفظ الامتياز، و هو ملازمة الجوع و الخوف من اللّه و العبادة في جوف الليل، و الهمهمة بذكر اللّه بالشفاه، و غسل الذنوب بالاستغفار في باب اللّه.

    ( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 88-125)

    شرح لاهیجی

    الكتاب 43

    و من كتاب له (- ع- ) الى عثمان بن حنيف الانصارى و هو عامله على البصرة و قد بلغه انّه دعى الى وليمة قوم من اهلها فمضى اليها يعنى و از مكتوب امير المؤمنين عليه السّلام است بسوى عثمان پسر حنيف انصارى و او حاكم بود از جانب امير المؤمنين (- ع- ) بر بصره و رسيده بود بامير المؤمنين (- ع- ) كه او خوانده شود بدعوت وليمه طايفه از اهل بصره پس او رفته است امّا بعد يابن حنيف فقد بلغنى انّ رجلا من فتية اهل البصرة دعاك الى مأدبة فاسرعت اليها يستطاب لك الألوان و تنقل اليك الجفان و ما ظننت انّك تجيب الى طعام قوم عائلهم مجفوّ و غنيّهم مدعوّ فانظر الى ما تقضمه من هذا المقضم فما اشتبه عليك علمه فالفظه و ما ايقنت بطيب وجوهه فنل منه يعنى امّا بعد از حمد خدا و نعت رسول (- ص- ) اى پسر حنيف پس بتحقيق كه خبر رسيد بمن مردى از جوانان اهل بصره دعوت كرده است تو را بخورشى پس شتافتى بسوى ان در حالتى كه پاكيزه ساخته شده بود از براى تو انواع طعامها را و نقل شده بود بسوى تو كاسهاى بزرگ شراب را و گمان نداشتم كه تو اجابت دعوت كنى بسوى طعام جماعتى كه فقير ايشان جفا كرده شده و محروم از دعوت باشند و مالدار ايشان خوانده شده باشند بدعوت پس نگاه كن بسوى چيزى كه ميجائى از اين طعام پس آن چه مشتبه است بر تو دانستن حلال آن از حرام ان پس بينداز از دهن تو و آن چه را كه يقين دارى بپاكى راههاى كسب او پس تناول كن از ان الا و انّ لكلّ مأموم اماما يقتدى به و يستضي ء بنور علمه الا و انّ امامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه و من طعمه بقرصيه الا و انّكم لا تقدرون على ذلك و لكن اعينونى بورع و اجتهاد فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا و لا ادّخرت من غنائمها وفرا و لا اعددت لبالى ثوبىّ طمرا بلى كانت فى ايدينا فدك من كلّ ما اظلّته السّماء فشحّت عليها نفوس قوم و سخت عنها نفوس آخرين و نعم الحكم اللّه آگاه باش و بتحقيق كه از براى هر پيروى كننده پيشوائى هست كه پيروى باو ميكند و روشن مى گردد بنور علم او آگاه باش و بتحقيق كه پيشوا شما اكتفا كرده است از دنياء خود بدو جامه كهنه خود كه پيراهن و ردا باشد و از طعام خود بدو قرص نان از براى چاشت و شام خود آگاه باش و بتحقيق كه شما قدرت نداريد بر اكتفا كردن بر اين دو چيز و لكن يارى كنيد مرا بپرهيزكارى از محرّمات و تلاش كردن در واجبات پس سوگند بخدا كه جمع نكردم از دنياى شما از غير مسكوكى را و ذخيره نكردم از غنيمتهاى دنيا مال بسيارى را و مهيّا نساختم از براى دو جامه پوسيده خودم جامه كهنه ديگر را ارى بود در دستهاى تصرّف ما باغ فدك از چيزهائى كه در زير سايه آسمانست پس بخل ورزيدند بر وا گذاشتن آن نفسهاى جماعتى كه عاصيان باشند و سخاوت و بخشش كردند از گذشتن ان نفوس جماعتى ديگر كه صاحبان حقّ باشند و چه بسيار خوب حكم كننده است خدا يعنى در روز قيامت و ما اصنع بفدك و غير فدك و النّفس مظانّها فى غد جدث ينقطع فى ظلمته اثارها و تغيب اخبارها و حفرة لو زيد فى فسحتها و اوسعت يدا حافرها لاضغطها الحجر و المدر و سدّ فرجها التّراب المتراكم و انّما هى نفسى اروضها بالتّقوى لتأتى امنة يوم الخوف الاكبر و تثبت على جوانب المزلق و لو شئت لا اهتديت الطّريق الى مصفّى هذا العسل و لباب هذا القمح و نسائج هذا القزّ و لكن هيهات ان يغلبني هواى و يقودني جشعى الى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز او باليمامة من لا طمع له فى القرص و لا عهد له بالشّبع يعنى چه كار خواهم كرد با فدك و غير فدك و حال آن كه نفس جايگاه او در فردا قبرى است كه منقطع است در تاريكى آن اثرهاى او و غائب است خبرهاى او و گودالى است كه اگر زياد كرده شود در گشادگى آن و فراخ گرداند انرا دستهاى گود كننده آن هر اينه بر هم گيرد انرا سنگ و كلوخ و سدّ كند رخنه هاى آنرا خاك بر هم ريخته و نيست اين نفس من مگر اين كه رياضت مى دهم او را بپرهيزكارى از براى اين كه بيايد در حالتى كه ايمن باشد در روز ترس بزرگ و ثابت و بر قرار باشد بر كنارهاى جاى لغزيدن و اگر خواسته باشم هر اينه يافته ام راه بسوى تحصيل صاف كرده شده اين عسل دنيا را و مغز اين گندم را و يافته شدهاى اين ابريشم را و لكن چه بسيار دور است اين كه غالب شود بمن خواهش نفس من و بكشد مرا حرص طعام من بسوى برگزيدن طعامها و حال آن كه شايد كه باشد در حجاز و يمامه كسى كه طمعى نباشد از براى او در تحصيل فرض و معهود نباشد از براى او اسير شدنى يعنى در حجاز و يمامه شايد كسى باشد كه قدرت بر تحصيل قرص نان و توانائى بر سير شدن نداشته باشد او ان ابيت مبطانا و حولى بطون غرثى و اكباد حرّى او اكون كما قال القائل و حسبك داء ان تبيت ببطنة و حولك اكباد تحنّ الى القدّء اقنع من نفسى بان يقال امير المؤمنين و لا اشاركهم فى مكاره الدّهر او اكون اسوة لهم فى جشوبة العيش فما خلقت ليشغلنى اكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها او المرسلة شغلها تقمّصها تكترش من اعلاقها و تلهو عمّا يراد بها او اترك سدى او اهمل عابثا او اجرّ حبل الضّلالة او اعتسف طريق المتاهة و كانّى بقائلكم يقول اذا كان هذا قوت ابن ابى طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران و منازلة الشّجعان يعنى يا اين كه داخل شب كردم شكم بزرگ كرده از طعام خوردن و حال آن كه در حوالى من شكمها باشند گرسنه و جگرها باشند تشنه ايا و من باشم چنانچه گفته است گوينده و بس است تو را درد داشتن اين كه داخل شب گردى با شكم پر از طعام و شراب و در اطراف تو جگرها باشند كه مشتاق باشند بسوى قدح چرمى اب خوردن يعنى در حوالى تو كسانى باشند كه از فقر و فاقه قدح چرمى براى اب خوردن نداشته باشند چه جاى طعام و شراب آيا قناعت ميكنم از براى نفس خودم باين كه گفته شود امير مؤمنان و حال آن كه شريك نباشم ايشان را در مكروهات زمانه يا نباشم پيشوا از براى ايشان در بدى و زشتى زندگانى پس مخلوق نشده ام از براى اين كه مشغول گرداند مرا خوردن طعامهاى خوش مانند پايان بسته شده كه همّت و قصد انها علف خوردن ايشانست يا مانند چهار پايان رها شده كه شغل انها چريدن ميان دستهاى ايشانست پر مى گردانند شكنبه خود را از علفهاى خود و غافل باشند از چيزى كه اراده داشته شده است بايشان از ذبح و سوارى و بار كشيدن ايشان يا اين كه وا گذاشته شده باشم بيحاصل يا وا گذاشته باشم باطل يا اين كه بكشم ريسمان گمراهى را يا اين كه بيرون روم از راه در راه گمراهى و گويا مى بينم كه گوينده شما مى گويد كه اگر اينست مقدار قوت پسر ابي طالب پس بتحقيق كه نشانده است او را ضعف و سستى از جنگ كردن با همسران و برابرى كردن با دليران الا و انّ الشّجرة البريّة اصلب عودا و الرّواتع الخضرة ارقّ جلوداً و النّابتات العذبة اقوى وقوداً و أبطأ خموداً و انا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كالصّنو من الصّنور و الذّراع من العضد و اللّه لو تظاهرت العرب على قتالى لما ولّيت عنها و لو امكنت الفرصة من رقابها لسارعت اليها و ساجهد فى ان اطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس و الجسم المركوس حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد يعنى آگاه باش و بتحقيق كه درخت دشتى چون كه آب خورش آن كمست چوب او سخت تر است و درختان سبز بستانى چون كه ابخورش انها بسيار است پوست انها نازكتر است و گياههاى ديمى كه اب خورش انها اندكست افروختن انها قوى تر است و خاموش شدن آنها ديرتر است يعنى پس در انسان نيز هر قدر اكل و شربش كمتر است اعضاء او سخت تر است و در معركه كار زار دل او سخت تر باشد و اتش غضب او قوى تر و اخگر شجاعت او افروخته تر و فرو نشستن مشعله خشم او و بازگشتن از مشعله جنگ او ديرتر باشد و هر قدر خوردن و آشاميدنش بيشتر باشد نازك پوست و سست دل و جبون و ترسناك باشد و حال آن كه اتّصال و يگانگى من با رسول خدا (- ص- ) مانند اتّصال نهالى است با نهالى كه از يك اصل رشته باشند و مانند اتّحاد ساعد كارگر است با بازوى كارفرما آن كه يك عضو باشند و سوگند بخدا كه اگر معين و ياور يكديگر شوند اين طائفه عرب بر مقاتله با من هر اينه رو بر نتابم از ايشان و چنانچه ممكن شود و دست دهد فرصت از زدن گردنهاى ايشان هر اينه بشتابم بسوى ان و زود باشد كه جهد و كوشش كنم در اين كه پاك سازم زمين را از اين شخص سرنگون و كالبد وارونه يعنى معويه معكوس و منكوس شده در شرك و كفر تا اين كه بيرون رود كلوخ كفر از ميانه دانه درو كرده اسلام اليك عنّى يا دنيا فحبلك على غاربك قد انسللت من مخالبك و افّلت من حبائلك و اجتنبت الذّهاب من مداحضك اين القرون الّذين غرّرتهم بمداعبك اين الأمم الّذين فتنتهم بزخارفك ها هم رهائن القبور و مضامين اللّحود و اللّه لو كنت شخصا مرئيّا و قالبا حسّيّا لاقمت عليك حدود اللّه فى عباد غرّرتهم بالأمانىّ و امم القيتهم فى المهاوى و ملوك اسلمتهم الى التّلف و اوردتهم موارد البلاء اذ لا ورد و لا صدر يعنى برگرد بسوى تو از من اى دنيا كه ريسمان مهار تو است بر كوهان تو بتحقيق كه من جستم از چنگالهاى تو و رستم از دامهاى تو و اجتناب كردم از رفتن از لغزشگاه تو كجا باشند آن گروهى كه فريب دادى ايشان را ببازى كردن خود كجا باشند انجماعتى كه مفتون ساختى ايشان را بزيب و زينت خود اينك باشند ايشان گروهاى گورها و فرو گرفته شده لحدها و سوگند بخدا كه اگر بودى تو شخصى ديده شده و كالبدى محسوس شده هر اينه بر پا مى داشتم بر تو حدّهاى خدا را در حقّ بندگانى كه فريب دادى ايشان را به آرزوها و در حقّ امّتانى كه انداختى ايشان را در پرتگاهها و در حقّ پادشاهانى كه سپردى ايشان را در نيست شدن و فرود اوردى ايشان را در ابگاههاى بلا در هنگامى كه نبود هنگام وارد شدنى و نه هنگام بازگشتنى هيهات من وطى ء دحضك زلق و من ركب لججك غرق و من ازورّ عن حبالك وفّق و السّالم منك لا يبالى ان ضاق به مناخه و الدّنيا عنده كيوم حان انسلاخه اعزبى عنّى فو اللّه لا اذلّ لك فيستذلّينى و لا اسلس لك فتقودينى و ايم اللّه يمينا استثنى فيها بمشيّة اللّه لاروضنّ نفسى رياضة تهشّ معها الى القرص اذا قدرت عليه مطعوما و تقنع بالملح مادوما يعنى چه بسيار دور است آن بلاها كسى كه كام زد در جايگاه لغزش تو لغزيد و كسى كه سوار شد در ميان درياى تو غرق گشت و كسى كه منحرف شد از دامهاى تو توفيق يافت و كسى كه سالم گشت از شرّ تو باكى ندارد از اين كه تنگ شود او را خوابگاه او و دنيا در نزد او مانند روزيست كه نزديك باشد وقت در گذشتن او دور شو از من پس سوگند بخدا كه رام نيستم از براى تو تا اين كه خوار سازى مرا و نرم نيستم از براى تو تا بكشى مهار مرا سوگند بخدا سوگندى كه استثناء ميكنم در ان مشيّت خدا را كه هر اينه رياضت مى دهم نفس خودم را رياضت دادنى كه شاد باشد نفس با ان رياضت بسوى قرص نانى اگر قادر شود بر ان از روى خوردنى بودن و قناعت كند بنمك از روى نان خورش بودن و لادعنّ مقلتى كعين ماء نصب معينها مستفرغة دموعها أ تمئلئ السّائمة من رعيها فتبرك و تشبع الرّبيضة من عشبها فتربض و يأكل علىّ من زاده فيهجع قرّت اذاً عينه اذا اقتدى بعد السّنين المتطاولة بالبهيمة الهاملة و السّائمة المرعيّة يعنى و هر اينه وامى گذارم حدقه چشم مرا مانند چشمه ابى كه فرو رفته باشد اب روان او در حالتى كه خالى كرده شده است اشكهاى او ايا پر مى شود شكم حيوان چرنده از چريدن خود تا بخوابد و سير مى گردد گلّه گوسفند از علف خود تا بخوابد و مى خورد علىّ (- ع- ) از توشه خود تا خواب كند روشن باد در اين هنگام چشم او هر گاه پيروى كند بعد از سالهاى بسيار دراز بچارپايان بصحرا واگذاشته شده و حيوانات چرا كننده محفوظ شده طوبى لنفس ادّت الى ربّها فرضها و عركت بجنبها بؤسها و هجرت فى اللّيل غمضها حتّى اذا الكرى عليها افترشت ارضها و توسّدت كفّها فى معشر اسهر عيونهم خوف معادهم و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم و همهمت بذكر ربّهم شفاههم و تقشّعت بطول استغفارهم ذنوبهم اولئك حزب اللّه الا انّ حزب اللّه هم المفلحون فاتّق اللّه يابن حنيف و لتكفك اقراصك ليكون من النّار خلاصك يعنى خوشا بحال نفسى كه اداء كرد بسوى پروردگار خود واجب خود را و بماليد بپهلوى خود شدّت خود را و ترك كرد در شب چشم برهم زدن و خواب خود را تا اين كه در وقتى كه غالب گشت نعاس بر او فراش ساخت زمين خود را و بالين گردانيد كف دست خود را در ميان گروهى كه بيدار دارد چشمهاى ايشان را ترس روز معاد ايشان و دور گشته باشد از خوابگاههاى ايشان پهلوهاى ايشان و همهمه و اواز پنهان كرده باشد در ذكر پروردگار ايشان لبهاى ايشان و زائل شده باشد بسبب درازى زمان استغفار ايشان گناهان ايشان انجماعت گروه خدا باشند آگاه باش كه گروه خدا ايشانند رستگار در روز قيامت پس بترس خدا را اى پسر حنيف و هر اينه بايد كفايت كند تو را قرصهاى نان تو اين كه باشد از اتش خلاص شدن تو

    ( . شرح نهج البلاغه لاهیجی، ص 265-267)

    شرح ابن ابی الحدید

    45 و من كتاب له ع إلى عثمان بن حنيف الأنصاري- و كان عامله على البصرة

    - و قد بلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها- قوله- : أَمَّا بَعْدُ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ- فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلًا مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ- دَعَاكَ إِلَى مَأْدُبَةٍ فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا- تُسْتَطَابُ لَكَ الْأَلْوَانُ وَ تُنْقَلُ إِلَيْكَ الْجِفَانُ- وَ مَا ظَنَنْتُ أَنَّكَ تُجِيبُ إِلَى طَعَامِ قَوْمٍ- عَائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ وَ غَنِيُّهُمْ مَدْعُوٌّ- فَانْظُرْ إِلَى مَا تَقْضَمُهُ مِنْ هَذَا الْمَقْضَمِ- فَمَا اشْتَبَهَ عَلَيْكَ عِلْمُهُ فَالْفِظْهُ- وَ مَا أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وَجْهِهِ فَنَلْ مِنْهُ- أَلَا وَ إِنَّ لِكُلِّ مَأْمُومٍ إِمَاماً يَقْتَدِي بِهِ- وَ يَسْتَضِي ءُ بِنُورِ عِلْمِهِ- أَلَا وَ إِنَّ إِمَامَكُمْ قَدِ اكْتَفَى مِنْ دُنْيَاهُ بِطِمْرَيْهِ- وَ مِنْ طُعْمِهِ بِقُرْصَيْهِ- أَلَا وَ إِنَّكُمْ لَا تَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ- وَ لَكِنْ أَعِينُونِي بِوَرَعٍ وَ اجْتِهَادٍ وَ عِفَّةٍ وَ سَدَادٍ- فَوَاللَّهِ مَا كَنَزْتُ مِنْ دُنْيَاكُمْ تِبْراً- وَ لَا ادَّخَرْتُ مِنْ غَنَائِمِهَا وَفْراً- وَ لَا أَعْدَدْتُ لِبَالِي ثَوْبِي طِمْراً- وَ لَا حُزْتُ مِنْ أَرْضِهَا شِبْراً- وَ لَا أَخَذْتُ مِنْهُ إِلَّا كَقُوتِ أَتَانٍ دَبِرَةٍ- وَ لَهِيَ فِي عَيْنِي أَوْهَى مِنْ عَفْصَةٍ مَقِرَةٍ

    عثمان بن حنيف و نسبه

    هو عثمان بن حنيف بضم الحاء بن واهب بن العكم- بن ثعلبة بن الحارث الأنصاري-

    ثم الأوسي أخو سهل بن حنيف- يكنى أبا عمرو و قيل أبا عبد الله- عمل لعمر ثم لعلي ع- و ولاه عمر مساحة الأرض و جبايتها بالعراق- و ضرب الخراج و الجزية على أهلها- و ولاه علي ع على البصرة- فأخرجه طلحة و الزبير منها حين قدماها- و سكن عثمان الكوفة بعد وفاة علي ع- و مات بها في زمن معاوية.

    قوله من فتية البصرة أي من فتيانها- أي من شبابها أو من أسخيائها- يقال للسخي هذا فتى و الجمع فتية و فتيان و فتو- و يروى أن رجلا من قطان البصرة أي سكانها- . و المأدبة بضم الدال الطعام يدعى إليه القوم- و قد جاءت بفتح الدال أيضا- و يقال أدب فلان القوم يأدبهم بالكسر- أي دعاهم إلى طعامه و الآدب الداعي إليه- قال طرفة-

    • نحن في المشتاة ندعو الجفلىلا ترى الآدب فينا ينتقر

    - . و يقال أيضا آدبهم إلى طعامه يؤدبهم إيدابا- و يروى و كثرت عليك الجفان فكرعت- و أكلت أكل ذئب نهم أو ضبع قرم- . و روي و ما حسبتك تأكل طعام قوم- . ثم ذم أهل البصرة فقال- عائلهم مجفو و غنيهم مدعو- و العائل الفقير و هذا كقول الشاعر-

    • فإن تملق فأنت لنا عدوفإن تثر فأنت لنا صديق

    ثم أمره بأن يترك ما فيه شبهة إلى ما لا شبهة فيه- و سمي ذلك قضما و مقضما- و إن كان مما لا يقضم لاحتقاره له و ازدرائه إياه- و أنه عنده ليس مما يستحق- أن يسمى بأسماء المرغوب فيه المتنافس عليه- و ذلك لأن القضم يطلق على معنيين- أحدهما على أكل الشي ء اليابس- و الثاني على ما يؤكل ببعض الفم- و كلاهما يدلان على أن ذلك المقضم المرغوب عنه لا فيه- . ثم ذكر ع حال نفسه فقال- إن إمامكم قد قنع من الدنيا بطمريه- و الطمر الثوب الخلق البالي- و إنما جعلهما اثنين لأنهما إزار و رداء لا بد منهما- أي للجسد و الرأس- . قال و من طعمه بقرصيه- أي قرصان يفطر عليهما لا ثالث لهما- و روي قد اكتفى من الدنيا بطمريه- و سد فورة جوعه بقرصيه- لا يطعم الفلذة في حوليه إلا في يوم أضحية- . ثم قال إنكم لن تقدروا على ما أقدر عليه- و لكني أسألكم أن تعينوني بالورع و الاجتهاد- . ثم أقسم أنه ما كنز ذهبا و لا ادخر مالا- و لا أعد ثوبا باليا سملا لبالي ثوبيه- فضلا عن أن يعد ثوبا قشيبا- كما يفعله الناس في إعداد ثوب جديد- ليلبسوه عوض الأسمال التي ينزعونها- و لا حاز من أرضها شبرا- و الضمير في أرضها يرجع إلى دنياكم- و لا أخذ منها إلا كقوت أتان دبرة- و هي التي عقر ظهرها فقل أكلها- . ثم قال و لهي في عيني أهون من عفصة مقرة أي مرة- مقر الشي ء بالكسر أي صار مرا- و أمقره بالهمز أيضا- قال لبيد

    • ممقر مر على أعدائهو على الأدنين حلو كالعسل

    : بَلَى كَانَتْ فِي أَيْدِينَا فَدَكٌ مِنْ كُلِّ مَا أَظَلَّتْهُ السَّمَاءُ- فَشَحَّتْ عَلَيْهَا نُفُوسُ قَوْمٍ- وَ سَخَتْ عَنْهَا نُفُوسُ آخَرِينَ- وَ نِعْمَ الْحَكَمُ اللَّهُ- وَ مَا أَصْنَعُ بِفَدَكٍ وَ غَيْرِ فَدَكٍ- وَ النَّفْسُ مَظَانُّهَا فِي غَدٍ جَدَثٌ تَنْقَطِعُ فِي ظُلْمَتِهِ آثَارُهَا- وَ تَغِيبُ أَخْبَارُهَا- وَ حُفْرَةٌ لَوْ زِيدَ فِي فُسْحَتِهَا وَ أَوْسَعَتْ يَدَا حَافِرِهَا- لَأَضْغَطَهَا الْحَجَرُ وَ الْمَدَرُ- وَ سَدَّ فُرَجَهَا التُّرَابُ الْمُتَرَاكِمُ- وَ إِنَّمَا هِيَ نَفْسِي أَرُوضُهَا بِالتَّقْوَى- لِتَأْتِيَ آمِنَةً يَوْمَ الْخَوْفِ الْأَكْبَرِ- وَ تَثْبُتَ عَلَى جَوَانِبِ الْمَزْلَقِ الجدث القبر- و أضغطها الحجر جعلها ضاغطة و الهمزة للتعدية- و يروى و ضغطها- . و قوله مظانها في غد جدث- المظان جمع مظنة و هو موضع الشي ء و مألفه الذي يكون فيه- قال

    • فإن يك عامر قد قال جهلافإن مظنة الجهل الشباب

    يقول لا مال لي و لا اقتنيت فيما مضى مالا- و إنما كانت في أيدينا فدك فشحت عليها نفوس قوم- أي بخلت و سخت عنها نفوس آخرين- سامحت و أغضت- و ليس يعني هاهنا بالسخاء إلا هذا- لا السخاء الحقيقي- لأنه ع و أهله لم يسمحوا بفدك إلا غصبا و قسرا- و قد قال هذه الألفاظ في موضع آخر فيما تقدم- و هو يعني الخلافة بعد وفاة رسول الله ص- .

    ثم قال و نعم الحكم الله الحكم الحاكم- و هذا الكلام كلام شاك متظلم- ثم ذكر مال الإنسان- و أنه لا ينبغي أن يكترث بالقينات و الأموال- فإنه يصير عن قريب إلى دار البلى و منازل الموتى- . ثم ذكر أن الحفرة ضيقة- و أنه لو وسعها الحافر- لألجأها الحجر المتداعي و المدر المتهافت- إلى أن تضغط الميت و تزحمه- و هذا كلام محمول على ظاهره لأنه خطاب للعامة- و إلا فأي فرق بين سعة الحفرة و ضيقها على الميت- اللهم إلا أن يقول قائل إن الميت يحس في قبره- فإذا قيل ذلك فالجاعل له حساسا بعد عدم الحس- هو الذي يوسع الحفرة- و إن كان الحافر قد جعلها ضيقة- فإذن هذا الكلام جيد لخطاب العرب خاصة- و من يحمل الأمور على ظواهرها- . ثم قال و إنما هي نفسي أروضها بالتقوى- يقول تقللي و اقتصاري من المطعم و الملبس- على الجشب و الخشن رياضة لنفسي- لأن ذلك إنما أعمله خوفا من الله أن أنغمس في الدنيا- فالرياضة بذلك هي رياضة في الحقيقة بالتقوى- لا بنفس التقلل و التقشف- لتأتي نفسي آمنة يوم الفزع الأكبر- و تثبت في مداحض الزلق

    ذكر ما ورد من السير و الأخبار في أمر فدك

    و اعلم أنا نتكلم في شرح هذه الكلمات بثلاثة فصول- الفصل الأول فيما ورد في الحديث و السير من أمر فدك- و الفصل الثاني في هل النبي ص يورث أم لا- و الفصل الثالث- في أن فدك هل صح كونها نحلة- من رسول الله ص لفاطمة أم لا- .

    الفصل الأول- فيما ورد من الأخبار و السير- المنقولة من أفواه أهل الحديث و كتبهم- لا من كتب الشيعة و رجالهم

    - لأنا مشترطون على أنفسنا ألا نحفل بذلك- جميع ما نورده في هذا الفصل- من كتاب أبي بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري- في السقيفة و فدك- و ما وقع من الاختلاف و الاضطراب- عقب وفاة النبي ص- و أبو بكر الجوهري هذا عالم محدث كثير الأدب ثقة ورع- أثنى عليه المحدثون و رووا عنه مصنفاته- . قال أبو بكر حدثني أبو زيد عمر بن شبة قال- حدثنا حيان بن بشر قال حدثنا يحيى بن آدم قال- أخبرنا ابن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق- عن الزهري قال بقيت بقية من أهل خيبر تحصنوا- فسألوا رسول الله ص أن يحقن دماءهم و يسيرهم ففعل- فسمع ذلك أهل فدك فنزلوا على مثل ذلك- و كانت للنبي ص خاصة- لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب- . قال أبو بكر و روى محمد بن إسحاق أيضا- أن رسول الله ص لما فرغ من خيبر- قذف الله الرعب في قلوب أهل فدك- فبعثوا إلى رسول الله ص- فصالحوه على النصف من فدك- فقدمت عليه رسلهم بخيبر أو بالطريق- أو بعد ما أقام بالمدينة فقبل ذلك منهم- و كانت فدك لرسول الله ص خالصة له- لأنه لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب- . قال و قد روى أنه صالحهم عليها كلها- الله أعلم أي الأمرين كان- . قال و كان مالك بن أنس- يحدث عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم- أنه صالحهم على النصف فلم يزل الأمر كذلك- حتى أخرجهم عمر بن الخطاب و أجلاهم- بعد أن عوضهم عن النصف- الذي كان لهم عوضا من إبل و غيرها- .

    و قال غير مالك بن أنس- لما أجلاهم عمر بعث إليهم من يقوم الأموال- بعث أبا الهيثم بن التيهان و فروة بن عمرو- و حباب بن صخر و زيد بن ثابت- فقوموا أرض فدك و نخلها فأخذها عمر- و دفع إليهم قيمة النصف الذي لهم- و كان مبلغ ذلك خمسين ألف درهم- أعطاهم إياها من مال أتاه من العراق- و أجلاهم إلى الشام- .

    قال أبو بكر فحدثني محمد بن زكريا قال حدثني جعفر بن محمد بن عمارة الكندي قال- حدثني أبي عن الحسين بن صالح بن حي قال حدثني رجلان من بني هاشم عن زينب بنت علي بن أبي طالب ع قال و قال جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه قال أبو بكر و حدثني عثمان بن عمران العجيفي عن نائل بن نجيح بن عمير بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي ع قال أبو بكر و حدثني أحمد بن محمد بن يزيد عن عبد الله بن محمد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن الحسن قالوا جميعا لما بلغ فاطمة ع- إجماع أبي بكر على منعها فدك- لاثت خمارها- و أقبلت في لمة من حفدتها و نساء قومها- تطأ في ذيولها- ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ص- حتى دخلت على أبي بكر- و قد حشد الناس من المهاجرين و الأنصار- فضرب بينها و بينهم ريطة بيضاء- و قال بعضهم قبطية- و قالوا قبطية بالكسر و الضم- ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء- ثم أمهلت طويلا حتى سكنوا من فورتهم ثم قالت- أبتدئ بحمد من هو أولى بالحمد و الطول و المجد- الحمد لله على ما أنعم و له الشكر بما ألهم- و ذكر خطبة طويلة جيدة قالت في آخرها- فاتقوا الله حق تقاته- و أطيعوه فيما أمركم به- فإنما يخشى الله من عباده العلماء- و احمدوا الله الذي لعظمته و نوره- يبتغي من في السموات و الأرض إليه الوسيلة- و نحن وسيلته في خلقه و نحن خاصته و محل قدسه- و نحن حجته في غيبه و نحن ورثة أنبيائه- ثم قالت أنا فاطمة ابنة محمد- أقول عودا على بدء- و ما أقول ذلك سرفا و لا شططا- فاسمعوا بأسماع واعية و قلوب راعية- ثم قالت لقد جاءكم رسول من أنفسكم- عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم- بالمؤمنين رءوف رحيم- فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم- و أخا ابن عمي دون رجالكم

    - ثم ذكرت كلاما طويلا سنذكره فيما بعد في الفصل الثاني-

    تقول في آخره ثم أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لي- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ- وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ- إيها معاشر المسلمين ابتز إرث أبي- أبى الله أن ترث يا ابن أبي قحافة أباك و لا أرث أبي- لقد جئت شيئا فريا- فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك- فنعم الحكم الله- و الزعيم محمد و الموعد القيامة- و عند الساعة يخسر المبطلون- و لكل نبأ مستقر و سوف تعلمون من يأتيه عذاب- يخزيه و يحل عليه عذاب مقيم- ثم التفتت إلى قبر أبيها- فتمثلت بقول هند بنت أثاثة-

    • قد كان بعدك أنباء و هينمةلو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
    • أبدت رجال لنا نجوى صدورهملما قضيت و حالت دونك الكتب
    • تجهمتنا رجال و استخف بناإذا غبت عنا فنحن اليوم نغتصب

    - قال و لم ير الناس أكثر باك و لا باكية منهم يومئذ- ثم عدلت إلى مسجد الأنصار فقالت- يا معشر البقية و أعضاد الملة و حضنة الإسلام- ما هذه الفترة عن نصرتي و الونية عن معونتي- و الغمزة في حقي و السنة عن ظلامتي- أ ما كان رسول الله ص يقول المرء يحفظ في ولده- سرعان ما أحدثتم و عجلان ما أتيتم أ لأن مات رسول الله ص أمتم دينه- ها إن موته لعمري خطب جليل استوسع وهنه و استبهم فتقه و فقد راتقه- و أظلمت الأرض له و خشعت الجبال و أكدت الآمال- أضيع بعده الحريم- و هتكت الحرمة و أذيلت المصونة- و تلك نازلة أعلن بها كتاب الله قبل موته- و أنبأكم بها قبل وفاته فقال- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ- أَ فَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ- وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً- وَ سَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ- إيها بني قيلة اهتضم تراث أبي- و أنتم بمرأى و مسمع تبلغكم الدعوة- و يشملكم الصوت و فيكم العدة و العدد- و لكم الدار و الجنن- و أنتم نخبة الله التي انتخب- و خيرته التي اختار- باديتم العرب و بادهتم الأمور- و كافحتم البهم حتى دارت بكم رحى الإسلام- و در حلبه و خبت نيران الحرب- و سكنت فورة الشرك و هدأت دعوة الهرج- و استوثق نظام الدين- أ فتأخرتم بعد الإقدام و نكصتم بعد الشدة- و جبنتم بعد الشجاعة- عن قوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم- و طعنوا في دينكم- فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون- ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض- و ركنتم إلى الدعة فجحدتم الذي وعيتم- و سغتم الذي سوغتم- و إن تكفروا أنتم و من في الأرض جميعا- فإن الله لغني حميد- ألا و قد قلت لكم ما قلت على معرفة مني بالخذلة- التي خامرتكم- و خور القناة و ضعف اليقين- فدونكموها فاحتووها مدبرة الظهر- ناقبة الخف باقية العار موسومة الشعار- موصولة بنار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة- فبعين الله ما تعملون- وَ سَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ

    قال و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن الضحاك قال حدثنا هشام بن محمد عن عوانة بن الحكم قال لما كلمت فاطمة ع أبا بكر بما كلمته به- حمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال- يا خيرة النساء و ابنة خير الآباء- و الله ما عدوت رأي رسول الله ص- و ما عملت إلا بأمره و إن الرائد لا يكذب أهله- و قد قلت فأبلغت و أغلظت فأهجرت- فغفر الله لنا و لك- أما بعد فقد دفعت آلة رسول الله و دابته و حذاءه إلى علي ع- و أما ما سوى ذلك فإني سمعت رسول الله ص يقول- إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا و لا فضة- و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا- و لكنا نورث الإيمان و الحكمة و العلم و السنة- فقد عملت بما أمرني و نصحت له- و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب

    - . قال أبو بكر- و روى هشام بن محمد عن أبيه قال- قالت فاطمة لأبي بكر- إن أم أيمن تشهد لي- أن رسول الله ص أعطاني فدك- فقال لها يا ابنة رسول الله- و الله ما خلق الله خلقا أحب إلي من رسول الله ص أبيك- و لوددت أن السماء وقعت على الأرض يوم مات أبوك- و الله لأن تفتقر عائشة أحب إلي من أن تفتقري- أ تراني أعطي الأحمر و الأبيض حقه و أظلمك حقك- و أنت بنت رسول الله ص- إن هذا المال لم يكن للنبي ص- و إنما كان مالا من أموال المسلمين- يحمل النبي به الرجال- و ينفقه في سبيل الله- فلما توفي رسول الله ص وليته كما كان يليه- قالت و الله لا كلمتك أبدا قال و الله لا هجرتك أبدا- قالت و الله لأدعون الله عليك- قال و الله لأدعون الله لك- فلما حضرتها الوفاة أوصت ألا يصلي عليها- فدفنت ليلا و صلى عليها عباس بن عبد المطلب- و كان بين وفاتها و وفاة أبيها اثنتان و سبعون ليلة- .

    قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال حدثنا جعفر بن محمد بن عمارة بالإسناد الأول قال فلما سمع أبو بكر خطبتها شق عليه مقالتها- فصعد المنبر و قال أيها الناس- ما هذه الرعة إلى كل قالة- أين كانت هذه الأماني في عهد رسول الله ص- ألا من سمع فليقل و من شهد فليتكلم- إنما هو ثعالة شهيده ذنبه مرب لكل فتنة- هو الذي يقول كروها جذعة بعد ما هرمت- يستعينون بالضعفة و يستنصرون بالنساء- كأم طحال أحب أهلها إليها البغي- ألا إني لو أشاء أن أقول لقلت و لو قلت لبحت- إني ساكت ما تركت- ثم التفت إلى الأنصار فقال- قد بلغني يا معشر الأنصار مقالة سفهائكم- و أحق من لزم عهد رسول الله ص أنتم- فقد جاءكم فآويتم و نصرتم- ألا إني لست باسطا يدا و لا لسانا- على من لم يستحق ذلك منا

    - . ثم نزل- فانصرفت فاطمة ع إلى منزلها- . قلت قرأت هذا الكلام- على النقيب أبي يحيى جعفر بن يحيى بن أبي زيد البصري- و قلت له بمن يعرض فقال بل يصرح- قلت لو صرح لم أسألك فضحك و قال- بعلي بن أبي طالب ع- قلت هذا الكلام كله لعلي يقوله- قال نعم إنه الملك يا بني- قلت فما مقالة الأنصار- قال هتفوا بذكر علي- فخاف من اضطراب الأمر عليهم فنهاهم- فسألته عن غريبه- فقال أما الرعة بالتخفيف أي الاستماع و الإصغاء- و القالة القول- و ثعالة اسم الثعلب علم غير مصروف- و مثل ذؤالة للذئب- و شهيده ذنبه أي لا شاهد له على ما يدعي- إلا بعضه و جزء منه- و أصله مثل- قالوا إن الثعلب أراد أن يغرى الأسد بالذئب فقال- إنه قد أكل الشاة التي كنت قد أعددتها لنفسك- و كنت حاضرا- قال فمن يشهد لك بذلك- فرفع ذنبه و عليه دم- و كان الأسد قد افتقد الشاة فقبل شهادته و قتل الذئب- و مرب ملازم أرب بالمكان- و كروها جذعة أعيدوها إلى الحال الأولى- يعني الفتنة و الهرج- و أم طحال امرأة بغي في الجاهلية- و يضرب بها المثل فيقال أزنى من أم طحال- .

    قال أبو بكر و حدثني محمد بن زكريا قال- حدثني ابن عائشة قال حدثني أبي عن عمه- قال لما كلمت فاطمة أبا بكر بكى ثم قال- يا ابنة رسول الله و الله ما ورث أبوك دينارا و لا درهما- و إنه قال إن الأنبياء لا يورثون- فقالت إن فدك وهبها لي رسول الله ص- قال فمن يشهد بذلك- فجاء علي بن أبي طالب ع فشهد- و جاءت أم أيمن فشهدت أيضا- فجاء عمر بن الخطاب و عبد الرحمن بن عوف- فشهد أن رسول الله ص كان يقسمها- قال أبو بكر صدقت يا ابنة رسول الله ص- و صدق علي و صدقت أم أيمن- و صدق عمر و صدق عبد الرحمن بن عوف- و ذلك أن مالك لأبيك- كان رسول الله ص يأخذ من فدك قوتكم- و يقسم الباقي و يحمل منه في سبيل الله- فما تصنعين بها قالت أصنع بها كما يصنع بها أبي- قال فلك على الله أن أصنع فيها كما يصنع فيها أبوك- قالت الله لتفعلن قال الله لأفعلن- قالت اللهم اشهد- و كان أبو بكر يأخذ غلتها فيدفع إليهم منها ما يكفيهم- و يقسم الباقي- و كان عمر كذلك ثم كان عثمان كذلك- ثم كان علي كذلك- فلما ولي الأمر معاوية بن أبي سفيان- أقطع مروان بن الحكم ثلثها- و أقطع عمرو بن عثمان بن عفان ثلثها- و أقطع يزيد بن معاوية ثلثها- و ذلك بعد موت الحسن بن علي ع- فلم يزالوا يتداولونها- حتى خلصت كلها لمروان بن الحكم أيام خلافته- فوهبها لعبد العزيز ابنه- فوهبها عبد العزيز لابنه عمر بن عبد العزيز- فلما ولي عمر بن العزيز الخلافة كانت أول ظلامة ردها- دعا حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ع- و قيل بل دعا علي بن الحسين ع فردها عليه- و كانت بيد أولاد فاطمة ع- مدة ولاية عمر بن عبد العزيز- فلما ولي يزيد بن عاتكة قبضها منهم- فصارت في أيدي بني مروان كما كانت يتداولونها- حتى انتقلت الخلافة عنهم- فلما ولي أبو العباس السفاح- ردها على عبد الله بن الحسن بن الحسن- ثم قبضها أبو جعفر لما حدث من بني حسن ما حدث- ثم ردها المهدي ابنه على ولد فاطمة ع- ثم قبضها موسى بن المهدي و هارون أخوه- فلم تزل أيديهم حتى ولي المأمون- فردها على الفاطميين قال أبو بكر حدثني محمد بن زكريا قال- حدثني مهدي بن سابق قال- جلس المأمون للمظالم- فأول رقعة وقعت في يده نظر فيها و بكى- و قال للذي على رأسه- ناد أين وكيل فاطمة- فقام شيخ عليه دراعة و عمامة و خف تعزى- فتقدم فجعل يناظره في فدك- و المأمون يحتج عليه و هو يحتج على المأمون- ثم أمر أن يسجل لهم بها- فكتب السجل و قرئ عليه فأنفذه- فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها-

    أصبح وجه الزمان قد ضحكا برد مأمون هاشم فدكا

    - . فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام المتوكل- فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار- و كان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله ص بيده- فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها- فإذا قدم الحجاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم- فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل- فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر- و وجه رجلا يقال له بشران بن أبي أمية الثقفي- إلى المدينة فصرمه- ثم عاد إلى البصرة ففلج- . قال أبو بكر أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة- قال حدثنا سويد بن سعيد و الحسن بن عثمان- قالا حدثنا الوليد بن محمد عن الزهري- عن عروة عن عائشة- أن فاطمة ع أرسلت إلى أبي بكر- تسأله ميراثها من رسول الله ص- و هي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله ص بالمدينة و فدك- و ما بقي من خمس خيبر- فقال أبو بكر إن رسول الله ص قال لا نورث ما تركناه صدقة- إنما يأكل آل محمد من هذا المال- و إني و الله لا أغير شيئا من صدقات رسول الله ص- عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله ص- و لأعملن فيها بما عمل فيها رسول الله ص- فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئا- فوجدت من ذلك على أبي بكر- و هجرته فلم تكلمه حتى توفيت- و عاشت بعد أبيها ستة أشهر- فلما توفيت دفنها علي ع ليلا- و لم يؤذن بها أبا بكر- . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال- حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا محمد بن أحمد- عن معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة- أن فاطمة و العباس أتيا أبا بكر- يلتمسان ميراثهما من رسول الله ص- و هما حينئذ يطلبان أرضه بفدك و سهمه بخيبر- فقال لهما أبو بكر إني سمعت رسول الله ص يقول- لا نورث ما تركنا صدقة- إنما يأكل آل محمد ص من هذا المال- و إني و الله لا أغير أمرا- رأيت رسول الله ص يصنعه إلا صنعته- قال فهجرته فاطمة فلم تكلمه حتى ماتت- .

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عمر بن عاصم و موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمه عن الكلبي عن أبي صالح عن أم هانئ أن فاطمة قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت- قال ولدي و أهلي- قالت فما لك ترث رسول الله ص دوننا- قال يا ابنة رسول الله- ما ورث أبوك دارا و لا مالا و لا ذهبا و لا فضة- قالت بلى سهم الله الذي جعله لنا- و صار فيئنا الذي بيدك- فقال لها سمعت رسول الله ص يقول- إنما هي طعمة أطعمناها الله- فإذا مت كانت بين المسلمين

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا محمد بن الفضل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال أرسلت فاطمة إلى أبي بكر-

    أنت ورثت رسول الله ص أم أهله قال بل أهله- قالت فما بال سهم رسول الله ص- قال إني سمعت رسول الله ص يقول- إن الله أطعم نبيه طعمة- ثم قبضه و جعله للذي يقوم بعده- فوليت أنا بعده على أن أرده على المسلمين- قالت أنت و ما سمعت من رسول الله ص أعلم

    - . قلت في هذا الحديث عجب لأنها قالت له- أنت ورثت رسول الله ص أم أهله- قال بل أهله- و هذا تصريح بأنه ص موروث يرثه أهله- و هو خلاف قوله لا نورث- و أيضا فإنه يدل- على أن أبا بكر استنبط من قول رسول الله ص- أن الله أطعم نبيا طعمة- أن يجري رسول الله ص عند وفاته مجرى ذلك النبي ص- أو يكون قد فهم أنه عنى بذلك النبي المنكر لفظا نفسه- كما فهم من قوله في خطبته- إن عبدا خيره الله بين الدنيا و ما عند ربه- فاختار ما عند ربه- فقال أبو بكر بل نفديك بأنفسنا- .

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال أخبرنا القعنبي قال حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عمر عن أبي سلمة أن فاطمة طلبت فدك من أبي بكر- فقال إني سمعت رسول الله ص يقول- إن النبي لا يورث- من كان النبي يعوله فأنا أعوله- و من كان النبي ص ينفق عليه فأنا أنفق عليه- فقالت يا أبا بكر أ يرثك بناتك- و لا يرث رسول الله ص بناته- فقال هو ذاك

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير قال حدثنا فضيل بن مرزوق قال حدثنا البحتري بن حسان قال قلت لزيد بن علي ع- و أنا أريد أن أهجن أمر أبي بكر- إن أبا بكر انتزع فدك من فاطمة ع- فقال إن أبا بكر كان رجلا رحيما- و كان يكره أن يغير شيئا فعله رسول الله ص- فأتته فاطمة فقالت- إن رسول الله ص أعطاني فدك- فقال لها هل لك على هذا بينة- فجاءت بعلي ع فشهد لها- ثم جاءت أم أيمن فقالت- أ لستما تشهدان أني من أهل الجنة- قالا بلى قال أبو زيد- يعني أنها قالت لأبي بكر و عمر- قالت فأنا أشهد أن رسول الله ص أعطاها فدك- فقال أبو بكر- فرجل آخر أو امرأة أخرى لتستحقي بها القضية- ثم قال أبو زيد و ايم الله لو رجع الأمر إلي- لقضيت فيها بقضاء أبي بكر

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا يحيى بن المتوكل أبو عقيل عن كثير النوال قال قلت لأبي جعفر محمد بن علي ع- جعلني الله فداك- أ رأيت أبا بكر و عمر هل ظلماكم من حقكم شيئا- أو قال ذهبا من حقكم بشي ء فقال لا- و الذي أنزل القرآن على عبده ليكون للعالمين نذيرا- ما ظلمنا من حقنا مثقال حبة من خردل- قلت جعلت فداك أ فأتولاهما قال نعم ويحك- تولهما في الدنيا و الآخرة- و ما أصابك ففي عنقي- ثم قال فعل الله بالمغيرة و بنان- فإنهما كذبا علينا أهل البيت

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد الله بن نافع و القعنبي عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة أن أزواج النبي ص- أردن لما توفي أن يبعثن عثمان بن عفان إلى أبي بكر- يسألنه ميراثهن- أو قال ثمنهن- قالت فقلت لهن أ ليس قد قال النبي ص لا نورث ما تركنا صدقة

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا عبد الله بن نافع و القعنبي و بشر بن عمر عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي ص قال لا يقسم ورثتي دينارا و لا درهما- ما تركت بعد نفقة نسائي و مئونة عيالي فهو صدقة قلت هذا حديث غريب- لأن المشهور أنه لم يرو حديث انتفاء الإرث إلا أبو بكر وحده- . و

    قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد عن الحزامي عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة يقول سمعت رسول الله ص يقول و الذي نفسي بيده لا يقسم ورثتي شيئا ما تركت صدقة

    - قال و كانت هذه الصدقة بيد علي ع- غلب عليها العباس و كانت فيها خصومتهما- فأبى عمر أن يقسمها بينهما حتى أعرض عنها العباس- و غلب عليها ع- ثم كانت بيد حسن و حسين ابني علي ع- ثم كانت بيد علي بن الحسين ع و الحسن بن الحسن- كلاهما يتداولانها ثم بيد زيد بن علي ع- قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال- حدثنا عثمان بن عمر بن فارس- قال حدثنا يونس عن الزهري- عن مالك بن أوس بن الحدثان- أن عمر بن الخطاب دعاه يوما بعد ما ارتفع النهار- قال فدخلت عليه و هو جالس على سرير رمال- ليس بينه و بين الرمال فراش على وسادة أدم- فقال يا مالك- إنه قد قدم من قومك أهل أبيات حضروا المدينة- و قد أمرت لهم برضخ فاقسمه بينهم- فقلت يا أمير المؤمنين مر بذلك غيري- قال اقسم أيها المرء- قال فبينا نحن على ذلك إذ دخل يرفأ فقال- هل لك في عثمان و سعد و عبد الرحمن و الزبير- يستأذنون عليك قال نعم فأذن لهم- قال ثم لبث قليلا ثم جاء فقال- هل لك في علي و العباس يستأذنان عليك- قال ائذن لهما فلما دخلا قال عباس- يا أمير المؤمنين اقض بيني و بين هذا يعني عليا- و هما يختصمان في الصوافي- التي أفاء الله على رسوله من أموال بني النضير- قال فاستب علي و العباس عند عمر- فقال عبد الرحمن يا أمير المؤمنين- اقض بينهما و أرح أحدهما من الآخر- فقال عمر أنشدكم الله الذي تقوم بإذنه السماوات و الأرض- هل تعلمون أن رسول الله ص قال- لا نورث ما تركناه صدقة يعني نفسه- قالوا قد قال ذلك- فأقبل على العباس و علي فقال- أنشدكما الله هل تعلمان ذلك قالا نعم- قال عمر فإني أحدثكم عن هذا الأمر- أن الله تبارك و تعالى خص رسوله ص- في هذا الفي ء بشي ء لم يعطه غيره- قال تعالى وَ ما أَفاءَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ- فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لا رِكابٍ- وَ لكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ- وَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْ ءٍ قَدِيرٌ- و كانت هذه خاصة لرسول الله ص- فما اختارها دونكم و لا استأثر بها عليكم- لقد أعطاكموها و ثبتها فيكم حتى بقي منها هذا المال- و كان ينفق منه على أهله سنتهم- ثم يأخذ ما بقي فيجعله فيما يجعل مال الله عز و جل- فعل ذلك في حياته ثم توفي- فقال أبو بكر أنا ولي رسول الله ص- فقبضه الله و قد عمل فيها بما عمل به رسول الله ص- و أنتما حينئذ و التفت إلى علي و العباس- تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر- و الله يعلم أنه فيها لصادق بار راشد تابع للحق- ثم توفى الله أبا بكر فقلت- أنا أولى الناس بأبي بكر و برسول الله ص- فقبضتها سنتين أو قال سنين من إمارتي- أعمل فيها مثل ما عمل به رسول الله ص و أبو بكر- ثم قال و أنتما و أقبل على العباس و علي- تزعمان أني فيها ظالم فاجر- و الله يعلم أني فيها بار راشد تابع للحق- ثم جئتماني و كلمتكما واحدة و أمركما جميع- فجئتني يعني العباس تسألني نصيبك من ابن أخيك- و جاءني هذا يعني عليا يسألني نصيب امرأته من أبيها- فقلت لكما أن رسول الله ص قال- لا نورث ما تركناه صدقة- فلما بدا لي أن أدفعها إليكما قلت- أدفعها على أن عليكما عهد الله و ميثاقه- لتعملان فيها بما عمل رسول الله ص و أبو بكر- و بما عملت به فيها و إلا فلا تكلماني- فقلتما ادفعها إلينا بذلك- فدفعتها إليكما بذلك- أ فتلتمسان مني قضاء غير ذلك- و الله الذي تقوم بإذنه السماوات و الأرض- لا أقضي بينكما بقضاء غير ذلك حتى تقوم الساعة- فإن عجزتما عنها فادفعاها إلي فأنا أكفيكماها- .

    قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا إسحاق بن إدريس قال حدثنا عبد الله بن المبارك قال حدثني يونس عن الزهري قال حدثني مالك بن أوس بن الحدثان بنحوه قال فذكرت ذلك لعروة فقال صدق مالك بن أوس أنا سمعت عائشة تقول أرسل أزواج النبي ص عثمان بن عفان- إلى أبي بكر يسأل لهن ميراثهن- من رسول الله ص مما أفاء الله عليه- حتى كنت أردهن عن ذلك فقلت- أ لا تتقين الله أ لم تعلمن أن رسول الله ص كان يقول- لا نورث ما تركناه صدقة- يريد بذلك نفسه- إنما يأكل آل محمد من هذا المال- فانتهى أزواج النبي ص إلى ما أمرتهن به

    قلت هذا مشكل لأن الحديث الأول- يتضمن أن عمر أقسم على جماعة فيهم عثمان- فقال نشدتكم الله- أ لستم تعلمون أن رسول الله ص قال- لا نورث ما تركناه صدقة- يعني نفسه- فقالوا نعم و من جملتهم عثمان- فكيف يعلم بذلك فيكون مترسلا لأزواج النبي ص- يسأله أن يعطيهن الميراث- اللهم إلا أن يكون عثمان و سعد- و عبد الرحمن و الزبير صدقوا عمر- على سبيل التقليد لأبي بكر فيما رواه و حسن الظن- و سموا ذلك علما- لأنه قد يطلق على الظن اسم العلم- .

    فإن قال قائل- فهلا حسن ظن عثمان برواية أبي بكر في مبدإ الأمر- فلم يكن رسولا لزوجات النبي ص في طلب الميراث- قيل له يجوز أن يكون في مبدإ الأمر شاكا- ثم يغلب على ظنه صدقه لأمارات اقتضت تصديقه- و كل الناس يقع لهم مثل ذلك- . و هاهنا إشكال آخر- و هو أن عمر ناشد عليا و العباس- هل تعلمان ذلك فقالا نعم- فإذا كانا يعلمانه- فكيف جاء العباس و فاطمة إلى أبي بكر- يطلبان الميراث على ما ذكره في خبر سابق على هذا الخبر- و قد أوردناه نحن- و هل يجوز أن يقال- كان العباس يعلم ذلك ثم يطلب الإرث الذي لا يستحقه- و هل يجوز أن يقال أن عليا كان يعلم ذلك- و يمكن زوجته أن تطلب ما لا تستحقه- خرجت من دارها إلى المسجد و نازعت أبا بكر- و كلمته بما كلمته إلا بقوله و إذنه و رأيه- و أيضا فإنه إذا كان ص لا يورث- فقد أشكل دفع آلته و دابته و حذائه إلى علي ع- لأنه غير وارث في الأصل- و إن كان أعطاه ذلك لأن زوجته بعرضه أن ترث- لو لا الخبر فهو أيضا غير جائز- لأن الخبر قد منع أن يرث منه شيئا- قليلا كان أو كثيرا- .

    فإن قال قائل- نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا- و لا فضة و لا أرضا و لا عقارا و لا دارا- قيل هذا الكلام يفهم من مضمونه- أنهم لا يورثون شيئا أصلا- لأن عادة العرب جارية بمثل ذلك- و ليس يقصدون نفي ميراث هذه الأجناس- المعدودة دون غيرها- بل يجعلون ذلك- كالتصريح بنفي أن يورثوا شيئا ما على الإطلاق- . و أيضا فإنه جاء في خبر الدابة و الآلة و الحذاء- أنه روي عن النبي ص- لا نورث ما تركناه صدقة- و لم يقل لا نورث كذا و لا كذا- و ذلك يقتضي عموم انتفاء الإرث عن كل شي ء و أما الخبر الثاني- و هو الذي رواه هشام بن محمد الكلبي عن أبيه- ففيه إشكال أيضا- لأنه قال إنها طلبت فدك- و قالت إن أبي أعطانيها و إن أم أيمن تشهد لي بذلك- فقال لها أبو بكر في الجواب- إن هذا المال لم يكن لرسول الله ص- و إنما كان مالا من أموال المسلمين- يحمل به الرجال و ينفقه في سبيل الله- فلقائل أن يقول له- أ يجوز للنبي ص أن يملك ابنته أو غير ابنته- من أفناء الناس ضيعة مخصوصة- أو عقارا مخصوصا من مال المسلمين- لوحي أوحى الله تعالى إليه أو لاجتهاد رأيه- على قول من أجاز له أن يحكم بالاجتهاد- أو لا يجوز للنبي ص ذلك- فإن قال لا يجوز- قال ما لا يوافقه العقل و لا المسلمون عليه- و إن قال يجوز ذلك- قيل فإن المرأة ما اقتصرت على الدعوى- بل قالت أم أيمن تشهد لي- فكان ينبغي أن يقول لها في الجواب- شهادة أم أيمن وحدها غير مقبولة- و لم يتضمن هذا الخبر ذلك- بل قال لها لما ادعت و ذكرت من يشهد لها- هذا مال من مال الله لم يكن لرسول الله ص- و هذا ليس بجواب صحيح- .

    و أما الخبر الذي رواه محمد بن زكريا عن عائشة- ففيه من الإشكال مثل ما في هذا الخبر- لأنه إذا شهد لها علي ع و أم أيمن- أن رسول الله ص وهب لها فدك- لم يصح اجتماع صدقها و صدق عبد الرحمن و عمر- و لا ما تكلفه أبو بكر من تأويل ذلك بمستقيم- لأن كونها هبة من رسول الله ص لها- يمنع من قوله- كان يأخذ منها قوتكم و يقسم الباقي- و يحمل منه في سبيل الله- لأن هذا ينافي كونها هبة لها- لأن معنى كونها لها انتقالها إلى ملكيتها- و أن تتصرف فيها خاصة دون كل أحد من الناس- و ما هذه صفته كيف يقسم و يحمل منه في سبيل الله- .

    فإن قال قائل هو ص أبوها- و حكمه في مالها كحكمه في ماله- و في بيت مال المسلمين- فلعله كان بحكم الأبوة يفعل ذلك- قيل فإذا كان يتصرف فيها تصرف الأب في مال ولده- لا يخرجه ذلك عن كونه مال ولده- فإذا مات الأب لم يجز لأحد أن يتصرف في مال ذلك الولد- لأنه ليس باب له فيتصرف في ماله- تصرف الآباء في أموال أولادهم- على أن الفقهاء أو معظمهم لا يجيزون للأب- أن يتصرف في مال الابن- . و هاهنا إشكال آخر- و هو قول عمر لعلي ع و العباس- و أنتما حينئذ تزعمان أن أبا بكر فيها ظالم فاجر- ثم قال لما ذكر نفسه- و أنتما تزعمان أني فيها ظالم فاجر- فإذا كانا يزعمان ذلك فكيف يزعم هذا الزعم- مع كونهما يعلمان أن رسول الله ص قال لا أورث- إن هذا لمن أعجب العجائب- و لو لا أن هذا الحديث- أعني حديث خصومة العباس و علي عند عمر- مذكور في الصحاح المجمع عليها- لما أطلت العجب من مضمونه- إذ لو كان غير مذكور في الصحاح- لكان بعض ما ذكرناه يطعن في صحته- و إنما الحديث في الصحاح لا ريب في ذلك- .

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال- حدثنا ابن أبي شيبة قال حدثنا ابن علية- عن أيوب عن عكرمة- عن مالك بن أوس بن الحدثان قال- جاء العباس و علي إلى عمر فقال العباس- اقض بيني و بين هذا الكذا و كذا أي يشتمه- فقال الناس افصل بينهما فقال لا أفصل بينهما- قد علما أن رسول الله ص قال- لا نورث ما تركناه صدقة- . قلت و هذا أيضا مشكل- لأنهما حضرا يتنازعان لا في الميراث- بل في ولاية صدقة رسول الله ص- أيهما يتولاها ولاية لا إرثا- و على هذا كانت الخصومة-

    فهل يكون جواب ذلك- قد علما أن رسول الله ص قال لا نورث- . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال- حدثني يحيى بن كثير أبو غسان- قال حدثنا شعبة عن عمر بن مرة- عن أبي البختري قال- جاء العباس و علي إلى عمر و هما يختصمان- فقال عمر لطلحة و الزبير و عبد الرحمن و سعد- أنشدكم الله أ سمعتم رسول الله ص يقول- كل مال نبي فهو صدقة- إلا ما أطعمه أهله إنا لا نورث- فقالوا نعم- قال و كان رسول الله يتصدق به و يقسم فضله- ثم توفي فوليه أبو بكر سنتين يصنع فيه- ما كان يصنع رسول الله ص- و أنتما تقولان أنه كان بذلك خاطئا- و كان بذلك ظالما- و ما كان بذلك إلا راشدا- ثم وليته بعد أبي بكر فقلت لكما- إن شئتما قبلتماه على عمل رسول الله ص و عهده- الذي عهد فيه- فقلتما نعم و جئتماني الآن تختصمان- يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي- و يقول هذا أريد نصيبي من امرأتي- و الله لا أقضي بينكما إلا بذلك- . قلت و هذا أيضا مشكل- لأن أكثر الروايات أنه لم يرو هذا الخبر- إلا أبو بكر وحده- ذكر ذلك أعظم المحدثين- حتى إن الفقهاء في أصول الفقه- أطبقوا على ذلك في احتجاجهم في الخبر- برواية الصحابي الواحد- و قال شيخنا أبو علي- لا تقبل في الرواية إلا رواية اثنين كالشهادة- فخالفه المتكلمون و الفقهاء كلهم- و احتجوا عليه بقبول الصحابة رواية أبي بكر وحده- نحن معاشر الأنبياء لا نورث- حتى إن بعض أصحاب أبي علي تكلف لذلك جوابا- فقال قد روي أن أبا بكر يوم حاج فاطمة ع قال- أنشد الله امرأ سمع من رسول الله ص في هذا شيئا- فروى مالك بن أوس بن الحدثان أنه سمعه من رسول الله ص- و هذا الحديث ينطق بأنه استشهد عمر و طلحة و الزبير- و عبد الرحمن و سعدا- فقالوا سمعناه من رسول الله ص- فأين كانت هذه الروايات أيام أبي بكر- ما نقل أن أحدا من هؤلاء- يوم خصومة فاطمة ع و أبي بكر- روى من هذا شيئا- . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد عمر بن شبة قال- حدثنا محمد بن يحيى عن إبراهيم بن أبي يحيى- عن الزهري عن عروة عن عائشة- أن أزواج النبي ص أرسلن عثمان إلى أبي بكر- فذكر الحديث- قال عروة و كانت فاطمة قد سألت ميراثها من أبي بكر- مما تركه النبي ص فقال لها- بأبي أنت و أمي و بأبي أبوك و أمي و نفسي- إن كنت سمعت من رسول الله ص شيئا- أو أمرك بشي ء لم أتبع غير ما تقولين- و أعطيتك ما تبتغين- و إلا فإني أتبع ما أمرت به- .

    قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد قال حدثنا عمرو بن مرزوق عن شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري قال قال لها أبو بكر لما طلبت فدك- بأبي أنت و أمي أنت عندي الصادقة الأمينة- إن كان رسول الله ص عهد إليك في ذلك عهدا- أو وعدك به وعدا صدقتك و سلمت إليك- فقالت لم يعهد إلي في ذلك بشي ء- و لكن الله تعالى يقول يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ- فقال أشهد لقد سمعت رسول الله ص يقول- إنا معاشر الأنبياء لا نورث

    - . قلت و في هذا من الإشكال ما هو ظاهر- لأنها قد ادعت أنه عهد إليها رسول الله ص في ذلك أعظم العهد- و هو النحلة- فكيف سكتت عن ذكر هذا لما سألها أبو بكر- و هذا أعجب من العجب- .

    قال أبو بكر و حدثنا أبو زيد- قال حدثنا محمد بن يحيى- قال حدثنا عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عبد الله الأنصاري- عن ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان قال- سمعت عمر و هو يقول للعباس و علي- و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و طلحة- أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ص قال- إنا لا نورث معاشر الأنبياء ما تركنا صدقة- قالوا اللهم نعم- قال أنشدكم الله هل تعلمون أن رسول الله ص- يدخل في فيئه أهله السنة من صدقاته- ثم يجعل ما بقي في بيت المال- قالوا اللهم نعم- فلما توفي رسول الله ص قبضها أبو بكر- فجئت يا عباس تطلب ميراثك من ابن أخيك- و جئت يا علي تطلب ميراث زوجتك من أبيها- و زعمتما أن أبا بكر كان فيها خائنا فاجرا- و الله لقد كان امرأ مطيعا تابعا للحق- ثم توفي أبو بكر فقبضتها- فجئتماني تطلبان ميراثكما- أما أنت يا عباس فتطلب ميراثك من ابن أخيك- و أما علي فيطلب ميراث زوجته من أبيها- و زعمتما أني فيها خائن و فاجر- و الله يعلم أني فيها مطيع تابع للحق- فأصلحا أمركما و إلا و الله لم ترجع إليكما- فقاما و تركا الخصومة و أمضيت صدقة- . قال أبو زيد قال أبو غسان- فحدثنا عبد الرزاق الصنعاني عن معمر بن شهاب- عن مالك بنحوه و قال في آخره- فغلب علي عباسا عليها- فكانت بيد علي ثم كانت بيد الحسن- ثم كانت بيد الحسين ثم علي بن الحسين- ثم الحسن بن الحسن ثم زيد بن الحسن- .

    قلت و هذا الحديث يدل صريحا- على أنهما جاءا يطلبان الميراث لا الولاية- و هذا من المشكلات- لأن أبا بكر حسم المادة أولا- و قرر عند العباس و علي و غيرهما- أن النبي ص لا يورث- و كان عمر من المساعدين له على ذلك- فكيف يعود العباس و علي بعد وفاة أبي بكر- يحاولان امرأ قد كان فرغ منه- و يئس من حصوله- اللهم إلا أن يكونا ظنا- أن عمر ينقض قضاء أبي بكر في هذه المسألة- و هذا بعيد لأن عليا و العباس- كانا في هذه المسألة يتهمان عمر- بممالأة أبي بكر على ذلك أ لا تراه يقول- نسبتماني و نسبتما أبا بكر إلى الظلم و الخيانة- فكيف يظنان أنه ينقض قضاء أبي بكر و يورثهما و اعلم أن الناس يظنون- أن نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين- في الميراث و النحلة- و قد وجدت في الحديث أنها نازعت في أمر ثالث- و منعها أبو بكر إياه أيضا- و هو سهم ذوي القربى-

    قال أبو بكر أحمد بن عبد العزيز الجوهري أخبرني أبو زيد عمر بن شبة قال حدثني هارون بن عمير قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثني صدقة أبو معاوية عن محمد بن عبد الله عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك أن فاطمة ع أتت أبا بكر فقالت- لقد علمت الذي ظلمتنا عنه أهل البيت من الصدقات- و ما أفاء الله علينا من الغنائم في القرآن- من سهم ذوي القربى- ثم قرأت عليه قوله تعالى وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْ ءٍ- فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَ لِلرَّسُولِ وَ لِذِي الْقُرْبى الآية- فقال لها أبو بكر بأبي أنت و أمي و والد ولدك- السمع و الطاعة لكتاب الله و لحق رسول الله ص- و حق قرابته- و أنا أقرأ من كتاب الله الذي تقرءين منه- و لم يبلغ علمي منه- أن هذا السهم من الخمس يسلم إليكم كاملا- قالت أ فلك هو و لأقربائك- قال لا بل أنفق عليكم منه- و أصرف الباقي في مصالح المسلمين- قالت ليس هذا حكم الله تعالى- قال هذا حكم الله- فإن كان رسول الله عهد إليك في هذا عهدا- أو أوجبه لكم حقا- صدقتك و سلمته كله إليك و إلى أهلك- قالت إن رسول الله ص لم يعهد إلي في ذلك بشي ء- إلا أني سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية- أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى- قال أبو بكر لم يبلغ علمي من هذه الآية- أن أسلم إليكم هذا السهم كله كاملا- و لكن لكم الغنى الذي يغنيكم و يفضل عنكم- و هذا عمر بن الخطاب و أبو عبيدة بن الجراح- فاسأليهم عن ذلك- و انظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم- فانصرفت إلى عمر فقالت له مثل ما قالت لأبي بكر- فقال لها مثل ما قاله لها أبو بكر- فعجبت فاطمة ع من ذلك- و تظنت أنهما كانا قد تذاكرا ذلك و اجتمعا عليه

    - . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال- حدثنا هارون بن عمير قال حدثنا الوليد- عن ابن أبي لهيعة عن أبي الأسود- عن عروة قال- أرادت فاطمة أبا بكر على فدك و سهم ذوي القربى- فأبى عليها و جعلهما في مال الله تعالى- . قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد- قال حدثنا أحمد بن معاوية عن هيثم- عن جويبر عن أبي الضحاك- عن الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب ع- أن أبا بكر منع فاطمة و بني هاشم سهم ذوي القربى- و جعله في سبيل الله في السلاح و الكراع- .

    قال أبو بكر و أخبرنا أبو زيد قال حدثنا حيان بن هلال عن محمد بن يزيد بن ذريع عن محمد بن إسحاق قال سألت أبا جعفر محمد بن علي ع قلت- أ رأيت عليا حين ولي العراق- و ما ولي من أمر الناس كيف صنع في سهم ذوي القربى- قال سلك بهم طريق أبي بكر و عمر- قلت و كيف و لم و أنتم تقولون ما تقولون- قال أما و الله ما كان أهله يصدرون إلا عن رأيه- فقلت فما منعه- قال كان يكره أن يدعى عليه مخالفة أبي بكر و عمر

    قال أبو بكر و حدثني المؤمل بن جعفر قال- حدثني محمد بن ميمون عن داود بن المبارك قال- أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسن- و نحن راجعون من الحج في جماعة- فسألناه عن مسائل و كنت أحد من سأله- فسألته عن أبي بكر و عمر فقال- سئل جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة- فقال كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل- فماتت و هي غضبى على إنسان- فنحن غضاب لغضبها و إذا رضيت رضينا- . قال أبو بكر و حدثني أبو جعفر محمد بن القاسم- قال حدثني علي بن الصباح- قال أنشدنا أبو الحسن رواية المفضل للكميت-

    • أهوى عليا أمير المؤمنين و لاأرضى بشتم أبي بكر و لا عمرا
    • و لا أقول و إن لم يعطيا فدكابنت النبي و لا ميراثها كفرا
    • الله يعلم ما ذا يحضران بهيوم القيامة من عذر إذا اعتذرا

    - . قال ابن الصباح فقال لي أبو الحسن- أ تقول إنه قد أكفرهما في هذا الشعر قلت نعم- قال كذاك هو- .

    قال أبو بكر حدثنا أبو زيد عن هارون بن عمير عن الوليد بن مسلم عن إسماعيل بن عباس عن محمد بن السائب عن أبي صالح عن مولى أم هانئ قال دخلت فاطمة على أبي بكر بعد ما استخلف- فسألته ميراثها من أبيها فمنعها- فقالت له لئن مت اليوم من كان يرثك- قال ولدي و أهلي- قالت فلم ورثت أنت رسول الله ص- دون ولده و أهله- قال فما فعلت يا بنت رسول الله ص- قالت بلى إنك عمدت إلى فدك- و كانت صافية لرسول الله ص فأخذتها- و عمدت إلى ما أنزل الله من السماء فرفعته عنا- فقال يا بنت رسول الله ص لم أفعل- حدثني رسول الله ص- أن الله تعالى يطعم النبي ص الطعمة ما كان حيا- فإذا قبضه الله إليه رفعت- فقالت أنت و رسول الله أعلم- ما أنا بسائلتك بعد مجلسي ثم انصرفت

    قال أبو بكر و حدثنا محمد بن زكريا قال حدثنا محمد بن عبد الرحمن المهلبي عن عبد الله بن حماد بن سليمان عن أبيه عن عبد الله بن حسن بن حسن عن أمه فاطمة بنت الحسين ع قالت لما اشتد بفاطمة بنت رسول الله ص الوجع- و ثقلت في علتها- اجتمع عندها نساء من نساء المهاجرين و الأنصار- فقلن لها كيف أصبحت يا ابنة رسول الله ص- قالت و الله أصبحت عائفة لدنياكم قالية لرجالكم- لفظتهم بعد أن عجمتهم- و شنئتهم بعد أن سبرتهم- فقبحا لفلول الحد و خور القناة و خطل الرأي- و بئسما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم- و في العذاب هم خالدون لا جرم- قد قلدتهم ربقتها و شنت عليهم غارتها- فجدعا و عقرا و سحقا للقوم الظالمين- ويحهم أين زحزحوها عن رواسي الرسالة - و قواعد النبوة و مهبط الروح الأمين- و الطيبين بأمر الدنيا و الدين- ألا ذلك هو الخسران المبين- و ما الذي نقموا من أبي حسن- نقموا و الله نكير سيفه- و شدة وطأته و نكال وقعته- و تنمره في ذات الله- و تالله لو تكافوا عن زمام- نبذه إليه رسول الله ص لاعتلقه- و لسار إليهم سيرا سجحا- لا تكلم حشاشته و لا يتعتع راكبه- و لأوردهم منهلا نميرا فضفاضا يطفح ضفتاه- و لأصدرهم بطانا قد تحير بهم الرأي غير متحل بطائل- إلا بغمر الناهل و ردعه سورة الساغب- و لفتحت عليهم بركات من السماء و الأرض- و سيأخذهم الله بما كانوا يكسبون- ألا هلم فاستمع و ما عشت أراك الدهر عجبه- و إن تعجب فقد أعجبك الحادث- إلى أي لجإ استندوا و بأي عروة تمسكوا- لبئس المولى و لبئس العشير- و لبئس للظالمين بدلا- استبدلوا و الله الذنابى بالقوادم و العجز بالكاهل- فرغما لمعاطس قوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا- ألا إنهم هم المفسدون و لكن لا يشعرون- ويحهم أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع- أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون- أما لعمر الله لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج- ثم احتلبوها طلاع العقب دما عبيطا و ذعاقا ممقرا- هنالك يخسر المبطلون- و يعرف التالون غب ما أسس الأولون- ثم طيبوا عن أنفسكم نفسا و اطمئنوا للفتنة جأشا- و أبشروا بسيف صارم و هرج شامل- و استبداد من الظالمين- يدع فيئكم زهيدا و جمعكم حصيدا- فيا حسرة عليكم- و أنى لكم و قد عميت عليكم أ نلزمكموها- و أنتم لها كارهون- و الحمد لله رب العالمين- و صلاته على محمد خاتم النبيين و سيد المرسلين

    - . قلت هذا الكلام و إن لم يكن فيه ذكر فدك و الميراث- إلا أنه من تتمة ذلك- و فيه إيضاح لما كان عندها- و بيان لشدة غيظها و غضبها- فإنه سيأتي فيما بعد- ذكر ما يناقض به قاضي القضاة و المرتضى- في أنها هل كانت غضبى أم لا- و نحن لا ننصر مذهبا بعينه- و إنما نذكر ما قيل- و إذا جرى بحث نظري قلنا ما يقوى في أنفسنا منه- . و اعلم أنا إنما نذكر في هذا الفصل- ما رواه رجال الحديث و ثقاتهم- و ما أودعه أحمد بن عبد العزيز الجوهري في كتابه- و هو من الثقات الأمناء عند أصحاب الحديث- و أما ما يرويه رجال الشيعة و الأخباريون منهم في كتبهم- من قولهم إنهما أهاناها و أسمعاها كلاما غليظا- و إن أبا بكر رق لها حيث لم يكن عمر حاضرا- فكتب لها بفدك كتابا- فلما خرجت به وجدها عمر- فمد يده إليه ليأخذه مغالبة فمنعته- فدفع بيده في صدرها و أخذ الصحيفة- فخرقها بعد أن تفل فيها فمحاها- و إنها دعت عليه فقالت- بقر الله بطنك كما بقرت صحيفتي- فشي ء لا يرويه أصحاب الحديث و لا ينقلونه- و قدر الصحابة يجل عنه- و كان عمر أتقى لله و أعرف لحقوق الله من ذلك- و قد نظمت الشيعة بعض هذه الواقعة- التي يذكرونها شعرا- أوله أبيات لمهيار بن مرزويه الشاعر من قصيدته التي أولها-

    يا ابنة القوم تراك بالغ قتلي رضاك

    - . و قد ذيل عليها بعض الشيعة و أتمها و الأبيات-

    • يا ابنة الطاهر كم تقرعبالظلم عصاك
    • غضب الله لخطبليلة الطف عراك
    • و رعى النار غدا قطرعى أمس حماك
    • مر لم يعطفه شكوىو لا استحيا بكاك
    • و اقتدى الناس به بعدفأردى ولداك
    • يا ابنة الراقي إلى السدرةفي لوح السكاك
    • لهف نفسي و على مثلكفلتبك البواكي
    • كيف لم تقطع يد مدإليك ابن صحاك
    • فرحوا يوم أهانوكبما ساء أباك
    • و لقد أخبرهم أنرضاه في رضاك
    • دفعا النص على إرثكلما دفعاك
    • و تعرضت لقدرتافه و انتهراك
    • و ادعيت النحلة المشهودفيها بالصكاك
    • فاستشاطا ثم ما إنكذبا إن كذباك
    • فزوى الله عن الرحمةزنديقا ذواك
    • و نفى عن بابه الواسعشيطانا نفاك

    - . فانظر إلى هذه البلية التي صبت من هؤلاء- على سادات المسلمين و أعلام المهاجرين- و ليس ذلك بقادح في علو شأنهم و جلالة مكانهم- كما أن مبغضي الأنبياء و حسدتهم- و مصنفي الكتب- في إلحاق العيب و التهجين لشرائعهم- لم تزدد لأنبيائهم إلا رفعة- و لا زادت شرائعهم إلا انتشارا في الأرض- و قبولا في النفس- و بهجة و نورا عند ذوي الألباب و العقول- . و قال لي علوي في الحلة- يعرف بعلي بن مهنإ ذكي ذو فضائل- ما تظن قصد أبي بكر و عمر بمنع فاطمة فدك- قلت ما قصدا- قال أرادا ألا يظهرا لعلي و قد اغتصباه الخلافة- رقة ولينا و خذلانا- و لا يرى عندهما خورا فأتبعا القرح بالقرح- . و قلت لمتكلم من متكلمي الإمامية- يعرف بعلي بن تقي من بلدة النيل- و هل كانت فدك إلا نخلا يسيرا و عقارا- ليس بذلك الخطير- فقال لي ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدا- و كان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل- و ما قصد أبو بكر و عمر بمنع فاطمة عنها- إلا ألا يتقوى علي بحاصلها و غلتها- على المنازعة في الخلافة- و لهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة و علي- و سائر بني هاشم و بني المطلب حقهم في الخمس- فإن الفقير الذي لا مال له- تضعف همته و يتصاغر عند نفسه- و يكون مشغولا بالاحتراف و الاكتساب- عن طلب الملك و الرئاسة- فانظر إلى ما قد وقر في صدور هؤلاء- و هو داء لا دواء له- و ما أكثر ما تزول الأخلاق و الشيم- فأما العقائد الراسخة فلا سبيل إلى زوالها

    الفصل الثاني في النظر في أن النبي ص هل يورث أم لا

    نذكر في هذا الموضع- ما حكاه المرتضى رحمه الله في الشافي- عن قاضي القضاة في هذا المعنى- و ما اعترضه به- و إن استضعفنا شيئا من ذلك قلنا ما عندنا- و إلا تركناه على حاله- . قال المرتضى أول ما ابتدأ به قاضي القضاة حكايته عنا- استدلالنا على أنه ص مورث بقوله تعالى- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ- و هذا الخطاب عام يدخل فيه النبي و غيره- . ثم أجاب يعني قاضي القضاة عن ذلك- فقال إن الخبر الذي احتج به أبو بكر- يعني

    قوله نحن معاشر الأنبياء لا نورث

    - لم يقتصر على روايته هو وحده- حتى استشهد عليه عمر و عثمان و طلحة- و الزبير و سعدا و عبد الرحمن فشهدوا به- فكان لا يحل لأبي بكر و قد صار الأمر إليه- أن يقسم التركة ميراثا- و قد خبر رسول الله ص بأنها صدقة و ليست بميراث- و أقل ما في هذا الباب أن يكون الخبر من أخبار الآحاد-

    فلو أن شاهدين شهدا في التركة أن فيها حقا- أ ليس كان يجب أن يصرف ذلك عن الإرث- فعلمه بما قال رسول الله ص مع شهادة غيره أقوى- و لسنا نجعله مدعيا لأنه لم يدع ذلك لنفسه- و إنما بين أنه ليس بميراث و أنه صدقة- و لا يمتنع تخصيص القرآن بذلك- كما يخص في العبد و القاتل و غيرهما- و ليس ذلك بنقص في الأنبياء بل هو إجلال لهم- يرفع الله به قدرهم عن أن يورثوا المال- و صار ذلك من أوكد الدواعي ألا يتشاغلوا بجمعه لأن أحد الدواعي القوية إلى ذلك- تركه على الأولاد و الأهلين- و لما سمعت فاطمة ع ذلك من أبي بكر- كفت عن الطلب فيما ثبت من الأخبار الصحيحة- فلا يمتنع أن تكون غير عارفة بذلك فطلبت الإرث- فلما روى لها ما روى كفت- فأصابت أولا و أصابت ثانيا- . و ليس لأحد أن يقول- كيف يجوز أن يبين النبي ص ذلك للقوم- و لا حق لهم في الإرث- و يدع أن يبين ذلك لمن له حق في الإرث- مع أن التكليف يتصل به- و ذلك لأن التكليف في ذلك يتعلق بالإمام- فإذا بين له جاز ألا يبين لغيره- و يصير البيان له بيانا لغيره- و إن لم يسمعه من الرسول- لأن هذا الجنس من البيان- يجب أن يكون بحسب المصلحة- .

    قال ثم حكى عن أبي علي أنه قال- أ تعلمون كذب أبي بكر في هذه الرواية- أم تجوزون أن يكون صادقا- قال و قد علم أنه لا شي ء يقطع به على كذبه- فلا بد من تجويز كونه صادقا- و إذا صح ذلك قيل لهم- فهل كان يحل له مخالفة الرسول- فإن قالوا لو كان صدقا لظهر و اشتهر- قيل لهم إن ذلك من باب العمل- و لا يمتنع أن ينفرد بروايته جماعة يسيرة- بل الواحد و الاثنان مثل سائر الأحكام و مثل الشهادات- فإن قالوا نعلم أنه لا يصح لقوله تعالى في كتابه- وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ- قيل لهم و من أين أنه ورثه الأموال- مع تجويز أن يكون ورثه العلم و الحكمة- فإن قالوا إطلاق الميراث لا يكون إلا في الأموال- قيل لهم إن كتاب الله يبطل قولكم- لأنه قال ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا- و الكتاب ليس بمال- و يقال في اللغة- ما ورثت الأبناء عن الآباء شيئا أفضل من أدب حسن- و قالوا العلماء ورثة الأنبياء- و إنما ورثوا منهم العلم دون المال- على أن في آخر الآية ما يدل على ما قلناه- و هو قوله تعالى حاكيا عنه- وَ قالَ يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ- وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ- فنبه على أن الذي ورث هو هذا العلم و هذا الفضل- و إلا لم يكن لهذا القول تعلق بالأول- فإن قالوا فقد قال تعالى- فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ- و ذلك يبطل الخبر- قيل لهم ليس في ذلك بيان المال أيضا- و في الآية ما يدل على أن المراد النبوة و العلم- لأن زكريا خاف على العلم أن يندرس- و قوله وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي يدل على ذلك- لأن الأنبياء لا تحرص على الأموال- حرصا يتعلق خوفها بها- و إنما أراد خوفه على العلم أن يضيع- فسأل الله تعالى وليا يقوم بالدين مقامه- و قوله وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ- يدل على أن المراد العلم و الحكمة- لأنه لا يرث أموال يعقوب في الحقيقة- و إنما يرث ذلك غيره- قال فأما من يقول- إن المراد أنا معاشر الأنبياء لا نورث- ما تركناه صدقة- أي ما جعلناه صدقة في حال حياتنا لا نورثه- فركيك من القول- لأن إجماع الصحابة يخالفه- لأن أحدا لم يتأوله على هذا الوجه- لأنه لا يكون في ذلك تخصيص الأنبياء- و لا مزية لهم و لأن قوله ما تركناه صدقة- جملة من الكلام مستقلة بنفسها- كأنه ع مع بيانه أنهم لا يورثون المال- يبين أنه صدقة- لأنه كان يجوز ألا يكون ميراثا- و يصرف إلى وجه آخر غير الصدقة- . قال فأما خبر السيف و البغلة و العمامة و غير ذلك- فقد قال أبو علي إنه لم يثبت أن أبا بكر دفع ذلك- إلى أمير المؤمنين ع على جهة الإرث- كيف يجوز ذلك مع الخبر الذي رواه- و كيف يجوز لو كان وارثا أن يخصه بذلك- و لا إرث له مع العم لأنه عصبة- فإن كان وصل إلى فاطمة ع- فقد كان ينبغي أن يكون العباس شريكا في ذلك- و أزواج رسول الله ص- و لوجب أن يكون ذلك ظاهرا مشهورا- ليعرف أنهم أخذوا نصيبهم من ذلك أو بدله- و لا يجب إذا لم يدفع أبو بكر ذلك إليه على جهة الإرث- ألا يحصل ذلك في يده- لأنه قد يجوز أن يكون النبي ص نحله ذلك- و يجوز أيضا أن يكون أبو بكر رأى الصلاح في ذلك- أن يكون بيده لما فيه من تقوية الدين- و تصدق ببدله بعد التقويم- لأن الإمام له أن يفعل ذلك- . قال و حكى عن أبي علي في البرد و القضيب- أنه لم يمتنع أن يكون جعله عدة في سبيل الله- و تقوية على المشركين- فتداولته الأئمة لما فيه من التقوية- و رأى أن ذلك أولى من أن يتصدق به- إن ثبت أنه ع لم يكن قد نحله غيره في حياته- ثم عارض نفسه بطلب أزواج النبي ص الميراث- و تنازع أمير المؤمنين ع و العباس بعد موت فاطمة ع- و أجاب عن ذلك بأن قال- يجوز أن يكونوا لم يعرفوا رواية أبي بكر و غيره للخبر- .

    و قد روي أن عائشة لما عرفتهن الخبر أمسكن- و قد بينا أنه لا يمتنع في مثل ذلك- أن يخفى على من يستحق الإرث- و يعرفه من يتقلد الأمر- كما يعرف العلماء و الحكام من أحكام المواريث- ما لا يعلمه أرباب الإرث- و قد بينا أن رواية أبي بكر مع الجماعة- أقوى من شاهدين لو شهد أن بعض تركته ع دين- و هو أقوى من رواية سلمان و ابن مسعود لو رويا ذلك- . قال و متى تعلقوا بعموم القرآن- أريناهم جواز التخصيص بهذا الخبر- كما أن عموم القرآن يقتضي كون الصدقات للفقراء- و قد ثبت أن آل محمد لا تحل لهم الصدقة- . هذا آخر ما حكاه المرتضى من كلام قاضي القضاة- . ثم قال نحن نبين أولا ما يدل على أنه ص يورث المال- و نرتب الكلام في ذلك الترتيب الصحيح- ثم نعطف على ما أورده و نتكلم عليه- . قال رضي الله عنه و الذي يدل على ما ذكرنا قوله تعالى- مخبرا عن زكريا ع- وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي- وَ كانَتِ امْرَأَتِي عاقِراً- فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا- يَرِثُنِي وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا- فخبر أنه خاف من بني عمه- لأن الموالي هاهنا هم بنو العم بلا شبهة- و إنما خافهم أن يرثوا ماله فينفقوه في الفساد- لأنه كان يعرف ذلك من خلائقهم و طرائقهم- فسأل ربه ولدا يكون أحق بميراثه منهم- و الذي يدل على أن المراد بالميراث المذكور ميراث المال- دون العلم و النبوة- على ما يقولون إن لفظة الميراث في اللغة و الشريعة- لا يفيد إطلاقها إلا على ما يجوز أن ينتقل على الحقيقة- من الموروث إلى الوارث- كالأموال و ما في معناها- و لا يستعمل في غير المال إلا تجوزا و اتساعا- و لهذا لا يفهم من قول القائل- لا وارث لفلان إلا فلان- و فلان يرث مع فلان بالظاهر و الإطلاق- إلا ميراث الأموال و الأعراض دون العلوم و غيرها- و ليس لنا أن نعدل عن ظاهر الكلام و حقيقته- إلى مجازه بغير دلالة- و أيضا فإنه تعالى خبر عن نبيه- أنه اشترط في وارثه أن يكون رضيا- و متى لم يحمل الميراث في الآية على المال- دون العلم و النبوة- لم يكن للاشتراط معنى و كان لغوا و عبثا- لأنه إذا كان إنما سأل من يقوم مقامه و يرث مكانه- فقد دخل الرضا- و ما هو أعظم من الرضا في جملة كلامه و سؤاله- فلا مقتضي لاشتراطه- أ لا ترى أنه لا يحسن أن يقول- اللهم ابعث إلينا نبيا و اجعله عاقلا و مكلفا- فإذا ثبتت هذه الجملة- صح أن زكريا موروث ماله- و صح أيضا لصحتها أن نبينا ص ممن يورث المال- لأن الإجماع واقع على أن حال نبينا ع- لا يخالف حال الأنبياء المتقدمين في ميراث المال- فمن مثبت للأمرين و ناف للأمرين- . قلت إن شيخنا أبا الحسين قال في كتاب الغرر- صورة الخبر الوارد في هذا الباب- و هو الذي رواه أبو بكر لا نورث- و لم يقل نحن معاشر الأنبياء لا نورث- فلا يلزم من كون زكريا يورث الطعن في الخبر- و تصفحت أنا كتب الصحاح في الحديث- فوجدت صيغة الخبر كما قاله أبو الحسين- و إن كان رسول الله ص عنى نفسه خاصة بذلك- فقد سقط احتجاج الشيعة بقصة زكريا و غيره من الأنبياء- إلا أنه يبعد عندي أن يكون أراد نفسه خاصة- لأنه لم تجر عادته أن يخبر عن نفسه في شي ء بالنون- . فإن قلت- أ يصح من المرتضى أن يوافق على أن صورة الخبر هكذا- ثم يحتج بقصة زكريا بأن يقول- إذا ثبت أن زكريا موروث- ثبت أن رسول الله ص يجوز أن يكون موروثا- لإجماع الأمة على أن لا فرق بين الأنبياء كلهم- في هذا الحكم- . قلت و إن ثبت له هذا الإجماع صح احتجاجه- و لكن ثبوته يبعد- لأن من نفى كون زكريا ع موروثا من الأمة- إنما نفاه لاعتقاده أن رسول الله ص قال- نحن معاشر الأنبياء- فإذا كان لم يقل هكذا- لم يقل إن زكريا ع غير موروث

    قال المرتضى و مما يقوي ما قدمناه- أن زكريا ع خاف بني عمه- فطلب وارثا لأجل خوفه- و لا يليق خوفه منهم إلا بالمال دون العلم و النبوة- لأنه ع كان أعلم بالله تعالى- من أن يخاف أن يبعث نبيا ليس بأهل للنبوة- و أن يورث علمه و حكمه من ليس أهلا لهما- و لأنه إنما بعث لإذاعة العلم و نشره في الناس- فلا يجوز أن يخاف من الأمر الذي هو الغرض في البعثة- فإن قيل هذا يرجع عليكم في الخوف عن إرث المال- لأن ذلك غاية الضن و البخل- قلنا معاذ الله أن يستوي الحال- لأن المال قد يصح أن يرزقه الله تعالى المؤمن و الكافر- و العدو و الولي- و لا يصح ذلك في النبوة و علومها- و ليس من الضن أن يأسى على بني عمه- و هم من أهل الفساد- أن يظفروا بماله فينفقوه على المعاصي- و يصرفوه في غير وجوهه المحبوبة- بل ذلك غاية الحكمة و حسن التدبير في الدين- لأن الدين يحظر تقوية الفساق و إمدادهم- بما يعينهم على طرائقهم المذمومة- و ما يعد ذلك شحا و لا بخلا إلا من لا تأمل له- . فإن قيل أ فلا جاز أن يكون خاف من بني عمه- أن يرثوا علمه- و هم من أهل الفساد على ما ادعيتم- فيستفسدوا به الناس و يموهوا به عليهم- قلنا لا يخلو هذا العلم الذي أشرتم إليه- من أن يكون هو كتب علمه و صحف حكمته- لأن ذلك قد يسمى علما على طريق المجاز- أو يكون هو العلم الذي يحل القلب- فإن كان الأول فهو يرجع إلى معنى المال- و يصحح أن الأنبياء يورثون أموالهم و ما في معناها- و إن كان الثاني لم يخل هذا- من أن يكون هو العلم الذي بعث النبي لنشره و أدائه- أو أن يكون علما مخصوصا لا يتعلق بالشريعة- و لا يجب إطلاع جميع الأمة عليه- كعلم العواقب و ما يجري في مستقبل الأوقات- و ما جرى مجرى ذلك- و القسم الأول لا يجوز على النبي- أن يخاف من وصوله إلى بني عمه- و هم من جملة أمته الذين بعث لإطلاعهم على ذلك- و تأديته إليهم- و كأنه على هذا الوجه يخاف مما هو الغرض من بعثته- و القسم الثاني فاسد أيضا- لأن هذا العلم المخصوص إنما يستفاد من جهته- و يوقف عليه بإطلاعه و إعلامه- و ليس هو مما يجب نشره في جميع الناس- فقد كان يجب إذا خاف من إلقائه- إلى بعض الناس فسادا- ألا يلقيه إليه- فإن ذلك في يده و لا يحتاج إلى أكثر من ذلك- . قلت لعاكس أن يعكس هذا على المرتضى رحمه الله حينئذ- و يقول له و قد كان يجب- إذا خاف من أن يرث بنو عمه أمواله- فينفقوها في الفساد- أن يتصدق بها على الفقراء و المساكين- فإن ذلك في يده فيحصل له ثواب الصدقة- و يحصل له غرضه من حرمان أولئك المفسدين ميراثه- . قال المرتضى رضي الله عنه- و مما يدل على أن الأنبياء يورثون قوله تعالى- وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ- و الظاهر من إطلاق لفظة الميراث- يقتضي الأموال و ما في معناها على ما دللنا به من قبل- . قال و يدل على ذلك أيضا قوله تعالى- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ الآية- و قد أجمعت الأمة على عموم هذه اللفظة- إلا من أخرجه الدليل- فيجب أن يتمسك بعمومها لمكان هذه الدلالة- و لا يخرج عن حكمها إلا من أخرجه دليل قاطع- . قلت أما قوله تعالى وَ وَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ- فظاهرها يقتضي وراثة النبوة أو الملك أو العلم- الذي قال في أول الآية- وَ لَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَ سُلَيْمانَ عِلْماً- لأنه لا معنى لذكر ميراث سليمان المال- فإن غيره من أولاد داود قد ورث أيضا أباه داود- و في كتب اليهود و النصارى- أن بني داود كانوا تسعة عشر- و قد قال بعض المسلمين أيضا ذلك- فأي معنى في تخصيص سليمان بالذكر إذا كان إرث المال- و أما يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ- فالبحث في تخصيص ذلك بالخبر- فرع من فروع مسألة خبر الواحد- هل هو حجة في الشرعيات أم لا- فإن ثبت مذهب المرتضى في كونه ليس بحجة- فكلامه هنا جيد- و إن لم يثبت فلا مانع من تخصيص العموم بالخبر- فإن الصحابة قد خصصت عمومات الكتاب- بالأخبار في مواضع كثيرة- . قال المرتضى و أما تعلق صاحب الكتاب- بالخبر الذي رواه أبو بكر- و ادعاؤه أنه استشهد عمر و عثمان و فلانا و فلانا- فأول ما فيه أن الذي ادعاه من الاستشهاد غير معروف- و الذي روي أن عمر استشهد هؤلاء النفر- لما تنازع أمير المؤمنين ع- و العباس رضي الله عنه في الميراث- فشهدوا بالخبر المتضمن لنفي الميراث- و إنما مقول مخالفينا في صحة الخبر- الذي رواه أبو بكر عند مطالبة فاطمة ع بالإرث- على إمساك الأمة عن النكير عليه و الرد لقضيته- . قلت صدق المرتضى رحمه الله فيما قال- أما عقيب وفاة النبي ص- و مطالبة فاطمة ع بالإرث- فلم يرو الخبر إلا أبو بكر وحده- و قيل إنه رواه معه مالك بن أوس بن الحدثان- و أما المهاجرون الذين ذكرهم قاضي القضاة- فإنما شهدوا بالخبر في خلافة عمر- و قد تقدم ذكر ذلك- . قال المرتضى- ثم لو سلمنا استشهاد من ذكر على الخبر لم يكن فيه حجة- لأن الخبر على كل حال لا يخرج من أن يكون غير موجب للعلم- و هو في حكم أخبار الآحاد- و ليس يجوز أن يرجع عن ظاهر القرآن- بما يجرى هذا المجرى- لأن المعلوم لا يخص إلا بمعلوم- و إذا كانت دلالة الظاهر معلومة- لم يجز أن يخرج عنها بأمر مظنون- . قال و هذا الكلام مبني- على أن التخصيص للكتاب و السنة المقطوع بها- لا يقع بأخبار الآحاد- و هو المذهب الصحيح- و قد أشرنا إلى ما يمكن أن يعتمد في الدلالة عليه- من أن الظن لا يقابل العلم- و لا يرجع عن المعلوم بالمظنون- قال و ليس لهم أن يقولوا- إن التخصيص بأخبار الآحاد يستند أيضا إلى علم- و إن كان الطريق مظنونا- و يشيروا إلى ما يدعونه- من الدلالة على وجوب العمل بخبر الواحد في الشريعة- و أنه حجة لأن ذلك مبني من قولهم على ما لا نسلمه- و قد دل الدليل على فساده- أعني قولهم خبر الواحد حجة في الشرع- على أنهم لو سلم لهم ذلك لاحتاجوا إلى دليل مستأنف- على أنه يقبل في تخصيص القرآن- لأن ما دل على العمل به في الجملة لا يتناول هذا الموضع- كما لا يتناول جواز النسخ به- .

    قلت أما قول المرتضى- لو سلمنا أن هؤلاء المهاجرين الستة رووه- لما خرج عن كونه خبرا واحدا- و لما جاز أن يرجع عن عموم الكتاب به- لأنه معلوم و الخبر مظنون- . و لقائل أن يقول- ليته حصل في كل واحد من آيات القرآن رواية- مثل هذه الستة- حيث جمع القرآن على عهد عثمان و من قبله من الخلفاء- فإنهم بدون هذا العدد- كانوا يعملون في إثبات الآية في المصحف- بل كانوا يحلفون من أتاهم بالآية- و من نظر في كتب التواريخ عرف ذلك- فإن كان هذا العدد إنما يفيد الظن- فالقول في آيات الكتاب كذلك- و إن كانت آيات الكتاب أثبتت عن علم مستفاد- من رواية هذا العدد و نحوه- فالخبر مثل ذلك- . فأما مذهب المرتضى في خبر الواحد فإنه- قول انفرد به عن سائر الشيعة- لأن من قبله من فقهائهم ما عولوا في الفقه- إلا على أخبار الآحاد كزرارة و يونس و أبي بصير- و ابني بابويه و الحلبي و أبي جعفر القمي و غيرهم- ثم من كان في عصر المرتضى منهم كأبي جعفر الطوسي و غيره- و قد تكلمت في اعتبار الذريعة- على ما أعتمد عليه في هذه المسألة- و أما تخصيص الكتاب بخبر الواحد- فالظاهر أنه إذا صح كون خبر الواحد حجة في الشرع- جاز تخصيص الكتاب به- و هذا من فن أصول الفقه فلا معنى لذكره هنا- . قال المرتضى رضي الله عنه- و هذا يسقط قول صاحب الكتاب- إن الشاهدين لو شهدا أن في التركة حقا- لكان يجب أن ينصرف عن الإرث- و ذلك لأن الشهادة و إن كانت مظنونة- فالعمل بها يستند إلى علم- لأن الشريعة قد قررت العمل بالشهادة- و لم تقرر العمل بخبر الواحد- و ليس له أن يقيس خبر الواحد على الشهادة- من حيث اجتمعا في غلبة الظن- لأنا لا نعمل على الشهادة من حيث غلبة الظن- دون ما ذكرناه من تقرير الشريعة العمل بها- أ لا ترى أنا قد نظن بصدق الفاسق و المرأة و الصبي- و كثير ممن لا يجوز العمل بقوله- فبان أن المعول في هذا على المصلحة- التي نستفيدها على طريق الجملة من دليل الشرع- .

    قال و أبو بكر في حكم المدعي لنفسه و الجار إليها- بخلاف ما ظنه صاحب الكتاب- و كذلك من شهد له إن كانت هناك شهادة- و ذلك أن أبا بكر و سائر المسلمين- سوى أهل بيت الرسول ص يحل لهم الصدقة- و يجوز أن يصيبوا فيها- و هذه تهمة في الحكم و الشهادة- . قال و ليس له أن يقول- فهذا يقتضي ألا يقبل شهادة شاهدين في تركة- فيها صدقة لمثل ما ذكرتم- .

    قال و ذلك لأن الشاهدين إذا شهدا في الصدقة- فحظهما منها كحظ صاحب الميراث بل سائر المسلمين- و ليس كذلك حال تركة الرسول- لأن كونها صدقة يحرمها على ورثته- و يبيحها لسائر المسلمين- . قلت هذا فرق غير مؤثر- اللهم إلا أن يعني به تهمة أبي بكر و الشهود الستة- في جر النفع إلى أنفسهم يكون أكثر من تهمتهم- لو شهدوا على أبي هريرة مثلا أن ما تركه صدقة- لأن أهل أبي هريرة يشاركون في القسمة- و أهل النبي ص لا يشاركون الشهود فيما يصيبهم- إذ هم لا تحل لهم الصدقة- فتكون حصة أبي بكر و الشهود مما تركه رسول الله- أكثر من حصتهم مما يتركه أبو هريرة- فيكون تطرق التهمة إلى أبي بكر و الشهود- أكثر حسب زيادة حصتهم- و ما وقفت للمرتضى على شي ء أطرف من هذا- لأن رسول الله ص مات- و المسلمون أكثر من خمسين ألف إنسان- لأنه قاد في غزاة تبوك عشرين ألفا- ثم وفدت إليه الوفود كلها بعد ذلك- فليت شعري كم مقدار ما يتوفر على أبي بكر و ستة نفر معه- و هم من جملة خمسين ألفا- بين ما إذا كان بنو هاشم و بنو المطلب- و هم حينئذ عشرة نفر- لا يأخذون حصة- و بين ما إذا كانوا يأخذون- أ ترى أ يكون المتوفر على أبي بكر و شهوده- من التركة عشر عشر درهم- ما أظن أنه يبلغ ذلك- و كم مقدار ما يقلل حصص الشهود على أبي هريرة- إذا شركهم أهله في التركة- لتكون هذه القلة موجبة رفع التهمة- و تلك الزيادة و الكثرة موجبة حصول التهمة- و هذا الكلام لا أرتضيه للمرتضى- . قال المرتضى رضي الله عنه- و أما قوله يخص القرآن بالخبر- كما خصصناه في العبد و القاتل- فليس بشي ء- لأنا إنما خصصنا من ذكر بدليل مقطوع عليه معلوم- و ليس هذا موجودا في الخبر الذي ادعاه- فأما قوله و ليس ذلك ينقص الأنبياء- بل هو إجلال لهم- فمن الذي قال له إن فيه نقصا- و كما أنه لا نقص فيه فلا إجلال فيه و لا فضيلة- لأن الداعي و إن كان قد يقوى على جمع المال- ليخلف على الورثة- فقد يقويه أيضا إرادة صرفه في وجوه الخير و البر- و كلا الأمرين يكون داعيا إلى تحصيل المال- بل الداعي الذي ذكرناه أقوى فيما يتعلق بالدين- . قال و أما قوله- إن فاطمة لما سمعت ذلك كفت عن الطلب- فأصابت أولا و أصابت ثانيا- فلعمري إنها كفت عن المنازعة و المشاحة- لكنها انصرفت مغضبة متظلمة متألمة- و الأمر في غضبها و سخطها- أظهر من أن يخفى على منصف- فقد روى أكثر الرواة- الذين لا يتهمون بتشيع و لا عصبية فيه- من كلامها في تلك الحال- و بعد انصرافها عن مقام المنازعة و المطالبة- ما يدل على ما ذكرناه من سخطها و غضبها- .

    أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال حدثني محمد بن أحمد الكاتب قال حدثنا أحمد بن عبيد بن ناصح النحوي قال حدثني الزيادي قال حدثنا الشرقي بن القطامي عن محمد بن إسحاق قال حدثنا صالح بن كيسان عن عروة عن عائشة قالت لما بلغ فاطمة إجماع أبي بكر على منعها فدك- لاثت خمارها على رأسها و اشتملت بجلبابها- و أقبلت في لمة من حفدتها...

    قال المرتضى و أخبرنا المرزباني قال حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد المكي قال حدثنا أبو العيناء بن القاسم اليماني قال حدثنا ابن عائشة قال لما قبض رسول الله ص- أقبلت فاطمة إلى أبي بكر في لمة من حفدتها- ثم اجتمعت الروايتان من هاهنا...- و نساء قومها تطأ ذيولها- ما تخرم مشيتها مشية رسول الله ص- حتى دخلت على أبي بكر- و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم- فنيطت دونها ملاءة- ثم أنت أنة أجهش لها القوم بالبكاء- و ارتج المجلس- ثم أمهلت هنيهة حتى إذا سكن نشيج القوم- و هدأت فورتهم- افتتحت كلامها بالحمد لله عز و جل و الثناء عليه- و الصلاة على رسول الله ص- ثم قالت لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ- عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ- بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ- فإن تعزوه تجدوه أبي دون آبائكم- و أخا ابن عمي دون رجالكم- فبلغ الرسالة صادعا بالنذارة- مائلا عن سنن المشركين ضاربا ثبجهم- يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة و الموعظة الحسنة- آخذا بأكظام المشركين- يهشم الأصنام و يفلق الهام- حتى انهزم الجمع و ولوا الدبر- و حتى تفرى الليل عن صبحه- و أسفر الحق عن محضه و نطق زعيم الدين- و خرست شقائق الشياطين و تمت كلمة الإخلاص- و كنتم على شفا حفرة من النار نهزة الطامع- و مذقة الشارب و قبسة العجلان- و موطإ الأقدام تشربون الطرق- و تقتاتون القد أذلة خاسئين- يختطفكم الناس من حولكم- حتى أنقذكم الله برسوله ص بعد اللتيا و التي- و بعد أن مني بهم الرجال- و ذؤبان العرب و مردة أهل الكتاب- و كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله- أو نجم قرن الشيطان أو فغرت فاغرة- قذف أخاه في لهواتها- و لا ينكفئ حتى يطأ صماخها بأخمصه- و يطفئ عادية لهبها بسيفه- أو قالت يخمد لهبها بحده- مكدودا في ذات الله- و أنتم في رفاهية فكهون آمنون وادعون إلى هنا انتهى خبر أبي العيناء عن ابن عائشة- و أما

    عروة عن عائشة فزاد بعد هذا حتى إذا اختار الله لنبيه دار أنبيائه- ظهرت حسيكة النفاق و شمل جلباب الدين- و نطق كاظم الغاوين و نبغ خامل الآفكين- و هدر فنيق المبطلين فخطر في عرصاتكم- و أطلع الشيطان رأسه صارخا بكم- فدعاكم فألفاكم لدعوته مستجيبين و لقربه متلاحظين- ثم استنهضكم فوجدكم خفافا- و أحمشكم فألفاكم غضابا- فوسمتم غير إبلكم و وردتم غير شربكم- هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لما يندمل- إنما زعمتم ذلك خوف الفتنة- ألا في الفتنة سقطوا و إن جهنم لمحيطة بالكافرين- فهيهات و أنى بكم و أنى تؤفكون- و كتاب الله بين أظهركم زواجره بينة- و شواهده لائحة و أوامره واضحة- أ رغبة عنه تريدون أم لغيره تحكمون- بئس للظالمين بدلا- و من يتبع غير الإسلام دينا فلن يقبل منه- و هو في الآخرة من الخاسرين- ثم لم تلبثوا إلا ريث أن تسكن نفرتها- تسرون حسوا في ارتغاء- و نحن نصبر منكم على مثل حز المدى- و أنتم الآن تزعمون أن لا إرث لنا- أ فحكم الجاهلية يبغون- و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون- يا ابن أبي قحافة أ ترث أباك و لا أرث أبي- لقد جئت شيئا فريا- فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك- فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة- و عند الساعة يخسر المبطلون- ثم انكفأت إلى قبر أبيها ع فقالت-

    • قد كان بعدك أنباء و هنبثةلو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
    • إذا فقدناك فقد الأرض وابلهاو اختل قومك فاشهدهم و لا تغب

    - . و روى حرمي بن أبي العلاء مع هذين البيتين بيتا ثالثا-

    • فليت بعدك كان الموت صادفنالما قضيت و حالت دونك الكتب

    قال- فحمد أبو بكر الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ص- و قال يا خير النساء و ابنة خير الآباء- و الله ما عدوت رأي رسول الله ص و لا عملت إلا بإذنه- و إن الرائد لا يكذب أهله- و إني أشهد الله و كفى بالله شهيدا-

    أني سمعت رسول الله يقول إنا معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا- و لا فضة و لا دارا و لا عقارا- و إنما نورث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوة

    قال فلما وصل الأمر إلى علي بن أبي طالب ع- كلم في رد فدك فقال إني لأستحيي من الله- أن أرد شيئا منع منه أبو بكر و أمضاه عمر

    قال المرتضى و أخبرنا أبو عبد الله المرزباني قال حدثني علي بن هارون قال أخبرني عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر عن أبيه قال ذكرت لأبي الحسين زيد بن علي بن الحسين- بن علي بن أبي طالب ع- كلام فاطمة ع عند منع أبي بكر إياها فدك- و قلت له إن هؤلاء يزعمون أنه مصنوع- و أنه من كلام أبي العيناء لأن الكلام منسوق البلاغة- فقال لي رأيت مشايخ آل أبي طالب يروونه عن آبائهم- و يعلمونه أولادهم- و قد حدثني به أبي عن جدي- يبلغ به فاطمة ع على هذه الحكاية

    - و قد رواه مشايخ الشيعة و تدارسوه- قبل أن يوجد جد أبي العيناء- و قد حدث الحسين بن علوان عن عطية العوفي- أنه سمع عبد الله بن الحسن بن الحسن- يذكر عن أبيه هذا الكلام- . ثم قال أبو الحسن زيد- و كيف تنكرون هذا من كلام فاطمة ع- و هم يروون من كلام عائشة عند موت أبيها- ما هو أعجب من كلام فاطمة ع- و يحققونه لو لا عداوتهم لنا أهل البيت- ثم ذكر الحديث بطوله على نسقه- و زاد في الأبيات بعد البيتين الأولين-

    • ضاقت علي بلادي بعد ما رحبتوسم سبطاك خسفا فيه لي نصب
    • فليت قبلك كان الموت صادفناقوم تمنوا فأعطوا كل ما طلبوا
    • تجهمتنا رجال و استخف بنامذ غبت عنا و كل الإرث قد غصبوا

    - . قال فما رأينا يوما أكثر باكيا أو باكية- من ذلك اليوم- . قال المرتضى و قد روى هذا الكلام على هذا الوجه- من طرق مختلفة و وجوه كثيرة- فمن أرادها أخذها من مواضعها- فكيف يدعي أنها ع كفت راضية- و أمسكت قانعة لو لا البهت و قلة الحياء- . قلت ليس في هذا الخبر ما يدل على فساد- ما ادعاه قاضي القضاة- لأنه ادعى أنها نازعت و خاصمت- ثم كفت لما سمعت الرواية و انصرفت- تاركة للنزاع راضية بموجب الخبر المروي- و ما ذكره المرتضى من هذا الكلام- لا يدل إلا على سخطها حال حضورها- و لا يدل على أنها بعد رواية الخبر- و بعد أن أقسم لها أبو بكر بالله تعالى- أنه ما روى عن رسول الله ص إلا ما سمعه منه- انصرفت ساخطة- و لا في الحديث المذكور و الكلام المروي ما يدل على ذلك- و لست أعتقد أنها انصرفت راضية- كما قال قاضي القضاة- بل أعلم أنها انصرفت ساخطة- و ماتت و هي على أبي بكر واجدة- و لكن لا من هذا الخبر بل من أخبار أخر- كان الأولى بالمرتضى أن يحتج بها- على ما يرويه في انصرافها ساخطة- و موتها على ذلك السخط- و أما هذا الخبر و هذا الكلام فلا يدل على هذا المطلوب- . قال المرتضى رحمه الله- فأما قوله إنه يجوز أن يبين ع- أنه لا حق لميراثه في ورثته لغير الورثة- و لا يمتنع أن يرد من جهة الآحاد لأنه من باب العمل- و كل هذا بناء منه على أصوله الفاسدة- في أن خبر الواحد حجة في الشرع و أن العمل به واجب- و دون صحة ذلك خرط القتاد- و إنما يجوز أن يبين من جهة أخرى- إذا تساويا في الحجة و وقوع العمل- فأما مع تباينهما فلا يجوز التخيير فيهما- و إذا كان ورثة النبي ص متعبدين بألا يرثوه- فلا بد من إزاحة علتهم في هذه العبادة- بأن يوقفهم على الحكم و يشافههم به- و يلقيه إلى من يقيم الحجة عليهم بنقله- و كل ذلك لم يكن- .

    فأما قوله- أ تجوزون صدقه في الرواية أم لا تجوزون ذلك- فالجواب إنا لا نجوزه- لأن كتاب الله أصدق منه و هو يدفع روايته و يبطلها- فأما اعتراضه على قولنا- إن إطلاق الميراث لا يكون إلا في الأموال بقوله تعالى- ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا- و قولهم ما ورثت الأبناء من الآباء شيئا- أفضل من أدب حسن- و قولهم العلماء ورثة الأنبياء- فعجيب لأن كل ما ذكر مقيد غير مطلق- و إنما قلنا إن مطلق لفظ الميراث من غير قرينة- و لا تقييد يفيد بظاهره ميراث الأموال- فبعد ما ذكره و عارض به لا يخفى على متأمل- . فأما استدلاله على أن سليمان ورث داود علمه دون ماله- بقوله يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ- إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ- و أن المراد أنه ورث العلم و الفضل- و إلا لم يكن لهذا القول تعلق بالأول- فليس بشي ء يعول عليه- لأنه لا يمتنع أن يريد به أنه ورث المال بالظاهر- و العلم بهذا المعنى من الاستدلال- فليس يجب إذا دلت الدلالة في بعض الألفاظ- على معنى المجاز أن يقتصر بها عليه- بل يجب أن يحملها على الحقيقة- التي هي الأصل إذا لم يمنع من ذلك مانع- على أنه لا يمتنع أن يريد ميراث المال خاصة- ثم يقول مع ذلك إنا عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ- و يشير الْفَضْلُ الْمُبِينُ إلى العلم و المال جميعا- فله بالأمرين جميعا فضل على من لم يكن عليهما- و قوله وَ أُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْ ءٍ- يحتمل المال كما يحتمل العلم- فليس بخالص ما ظنه- . فأما قوله في قصة زكريا- إنه خاف على العلم أن يندرس- لأن الأنبياء و إن كانوا لا يحرصون على الأموال- و إنما خاف أن يضيع العلم- فسأل الله تعالى وليا يقوم بالدين مقامه- فقد بينا أن الأنبياء و إن كانوا لا يحرصون على الأموال- و لا يبخلون بها- فإنهم يجتهدون في منع المفسدين- من الانتفاع بها على الفساد- و لا يعد ذلك بخلا و لا حرصا بل فضلا و دينا- و ليس يجوز من زكريا- أن يخاف على العلم الاندراس و الضياع- لأنه يعلم أن حكمة الله تعالى تقتضي حفظ العلم- الذي هو الحجة على العباد- و به تنزاح عللهم في مصالحهم- فكيف يخاف ما لا يخاف من مثله- .

    فإن قيل فهبوا أن الأمر كما ذكرتم- من أن زكريا كان يأمن على العلم أن يندرس- أ ليس لا بد أن يكون مجوزا- أن يحفظه الله تعالى بمن هو من أهله و أقاربه- كما يجوز حفظه بغريب أجنبي- فما أنكرتم أن يكون خوفه إنما كان من بني عمه- ألا يتعلموا العلم و لا يقوموا فيه مقامه- فسأل الله ولدا يجمع فيه هذه العلوم- حتى لا يخرج العلم عن بيته و يتعدى إلى غير قومه- فيلحقه بذلك وصمة- .

    قلنا أما إذا رتب السؤال هذا الترتيب- فالجواب عنه ما أجبنا به صاحب الكتاب- و هو أن الخوف الذي أشاروا إليه- ليس من ضرر ديني- و إنما هو من ضرر دنياوي- و الأنبياء إنما بعثوا لتحمل المضار الدنياوية- و منازلهم في الثواب- إنما زادت على كل المنازل لهذا الوجه- و من كانت حاله هذه الحال- فالظاهر من خوفه إذا لم يعلم وجهه بعينه- أن يكون محمولا على مضار الدين- لأنها هي جهة خوفهم- و الغرض في بعثهم تحمل ما سواها من المضار- فإذا قال النبي ص أنا خائف- فلم يعلم جهة خوفه على التفصيل- يجب أن يصرف خوفه بالظاهر- إلى مضار الدين دون الدنيا- لأن أحوالهم و بعثهم يقتضي ذلك- فإذا كنا لو اعتدنا من بعضنا الزهد في الدنيا- و أسبابها و التعفف عن منافعها- و الرغبة في الآخرة و التفرد بالعمل لها- لكنا نحمل على ما يظهر لنا- من خوفه الذي لا يعلم وجهه بعينه- على ما هو أشبه و أليق بحاله- و نضيفه إلى الآخرة دون الدنيا- و إذا كان هذا واجبا فيمن ذكرناه- فهو في الأنبياء ع أوجب- . قلت ينبغي ألا يقول المعترض- فيلحقه بذلك وصمة- فيجعل الخوف من هذه الوصمة- بل يقول إنه خاف ألا يفلح بنو عمه و لا يتعلموا العلم- لما رأى من الأمارات الدالة على ذلك- فالخوف على هذا الترتيب يتعلق بأمر ديني لا دنيوي- فسأل الله تعالى أن يرزقه ولدا يرث عنه علمه- أي يكون عالما بالدينيات كما أنا عالم بها- و هذا السؤال متعلق بأمر ديني لا دنيوي- و على هذا يندفع ما ذكره المرتضى- على أنه لا يجوز إطلاق القول- بأن الأنبياء بعثوا لتحمل المضار الدنياوية- و لا القول الغرض في بعثتهم- تحمل ما سوى المضار الدينية من المضار- فإنهم ما بعثوا لذلك و لا الغرض في بعثتهم ذلك- و إنما بعثوا لأمر آخر- و قد تحصل المضار في أداء الشرع ضمنا و تبعا- لا على أنها الغرض و لا داخلة في الغرض و على أن قول المرتضى لا يجوز أن يخاف زكريا- من تبديل الدين و تغييره- لأنه محفوظ من الله- فكيف يخاف ما لا يخاف من مثله غير مستمر على أصوله- لأن المكلفين الآن قد حرموا بغيبة الإمام- عنده ألطافا كثيرة الوصلة بالشرعيات- كالحدود و صلاة الجمعة و الأعياد- و هو و أصحابه يقولون في ذلك أن اللوم على المكلفين- لأنهم قد حرموا أنفسهم اللطف- فهلا جاز أن يخاف زكريا من تبديل الدين و تغييره- و إفساد الأحكام الشرعية- لأنه إنما يجب على الله تعالى- التبليغ بالرسول إلى المكلفين- فإذا أفسدوا هم الأديان و بدلوها- لم يجب عليه أن يحفظها عليهم- لأنهم هم الذين حرموا أنفسهم اللطف- . و اعلم أنه قد قرئ وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي- و قيل إنها قراءة زين العابدين- و ابنه محمد بن علي الباقر ع- و عثمان بن عفان- و فسروه على وجهين- أحدهما أن يكون ورائي بمعنى خلفي و بعدي- أي قلت الموالي و عجزوا عن إقامة الدين- تقول قد خف بنو فلان أي قل عددهم- فسأل زكريا ربه تقويتهم و مظاهرتهم بولي يرزقه- . و ثانيهما أن يكون ورائي بمعنى قدامي- أي خف الموالي و أنا حي و درجوا و انقرضوا- و لم يبق منهم من به اعتضاد- و على هذه القراءة لا يبقى متعلق بلفظة الخوف- . و قد فسر قوم قوله وَ إِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ- أي خفت الذين يلون الأمر من بعدي- لأن الموالي يستعمل في الوالي و جمعه موال- أي خفت أن يلي بعد موتي أمراء و رؤساء- يفسدون شيئا من الدين- فارزقني ولدا تنعم عليه بالنبوة و العلم- كما أنعمت علي- و اجعل الدين محفوظا به- و هذا التأويل غير منكر- و فيه أيضا دفع لكلام المرتضى- . قال المرتضى و أما تعلق صاحب الكتاب- في أن الميراث محمول على العلم بقوله- وَ يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ- لأنه لا يرث أموال آل يعقوب في الحقيقة- و إنما يرث ذلك غيره- فبعيد من الصواب- لأن ولد زكريا يرث بالقرابة من آل يعقوب أموالهم- على أنه لم يقل يرث آل يعقوب- بل قال يَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ- تنبيها بذلك- على أنه يرث من كان أحق بميراثه في القرابة- . فأما طعنه على من تأول الخبر بأنه ع لا يورث- ما تركه للصدقة بقوله- إن أحدا من الصحابة لم يتأوله على هذا الوجه- فهذا التأويل الذي ذكرناه أحد- ما قاله أصحابنا في هذا الخبر- فمن أين له إجماع الصحابة على خلافه- و إن أحدا لم يتأوله على هذا الوجه- . فإن قال لو كان ذلك لظهر و اشتهر- و لوقف أبو بكر عليه- فقد مضى من الكلام فيما يمنع من الموافقة- على هذا المعنى ما فيه كفاية- . قلت لم يكن ذلك اليوم أعني يوم حضور فاطمة ع- و قولها لأبي بكر ما قالت يوم تقية و خوف- و كيف يكون يوم تقية و هي تقول له و هو الخليفة- يا ابن أبي قحافة أ ترث أباك و لا أرث أبي- و تقول له أيضا لقد جئت شيئا فريا- فكان ينبغي إذا لم يؤثر أمير المؤمنين ع- أن يفسر لأبي بكر معنى الخبر أن يعلم فاطمة ع تفسيره- فتقول لأبي بكر أنت غالط فيما ظننت- إنما قال أبي ما تركناه صدقة فإنه لا يورث- . و اعلم أن هذا التأويل كاد يكون مدفوعا بالضرورة- لأن من نظر في الأحاديث التي ذكرناها- و ما جرت عليه الحال يعلم بطلانه علما قطعيا- .

    قال المرتضى و قوله إنه لا يكون- إذ ذلك تخصيص للأنبياء و لا مزية- ليس بصحيح- و قد قيل في الجواب عن هذا- إن النبي ص يجوز أن يريد أن ما ننوي فيه الصدقة- و نفرده لها من غير أن نخرجه عن أيدينا لا تناله ورثتنا- و هذا تخصيص للأنبياء و مزية ظاهرة- . قلت هذه مخالفة لظاهر الكلام- و إحالة اللفظ عن وضعه- و بين قوله ما ننوي فيه الصدقة- و هو بعد في ملكنا ليس بموروث- و قوله ما نخلفه صدقة ليس بموروث فرق عظيم- فلا يجوز أن يراد أحد المعنيين- باللفظ المفيد للمعنى الآخر- لأنه إلباس و تعمية- و أيضا فإن العلماء ذكروا خصائص الرسول- في الشرعيات عن أمته و عددوها- نحو حل الزيادة في النكاح على أربع- و نحو النكاح بلفظ الهبة على قول فرقة من المسلمين- و نحو تحريم أكل البصل و الثوم عليه و إباحة شرب دمه- و غير ذلك- و لم يذكروا في خصائصه أنه إذا كان قد نوى أن يتصدق بشي ء- فإنه لا يناله ورثته لو قدرنا أنه يورث الأموال- و لا الشيعة قبل المرتضى ذكرت ذلك- و لا رأينا في كتاب من كتبهم- و هو مسبوق بإجماع طائفته عليه و إجماعهم عندهم حجة- . قال المرتضى فأما قوله إن قوله ع ما تركناه صدقة- جملة من الكلام مستقلة بنفسها- فصحيح إذا كانت لفظة ما مرفوعة على الابتداء- و لم تكن منصوبة بوقوع الفعل عليها- و كانت لفظة صدقة أيضا مرفوعة غير منصوبة- و في هذا وقع النزاع- فكيف يدعى أنها جملة مستقلة بنفسها- و أقوى ما يمكن أن نذكره أن نقول- الرواية جاءت بلفظ صدقة بالرفع- و على ما تأولتموه لا تكون إلا منصوبة- و الجواب عن ذلك إنا لا نسلم الرواية بالرفع- و لم تجر عادة الرواة- بضبط ما جرى هذا المجرى من الإعراب- و الاشتباه يقع في مثله- فمن حقق منهم و صرح بالرواية بالرفع- يجوز أن يكون اشتبه عليه فظنها مرفوعة و هي منصوبة- قلت و هذا أيضا خلاف الظاهر- و فتح الباب فيه يؤدي إلى إفساد الاحتجاج- بكثير من الأخبار-.

    قال و أما حكايته عن أبي علي- أن أبا بكر لم يدفع إلى أمير المؤمنين ع- السيف و البغلة و العمامة على جهة الإرث- و قوله كيف يجوز ذلك مع الخبر الذي رواه- و كيف خصصه بذلك دون العم الذي هو العصبة- فما نراه زاد على التعجب- و مما عجب منه عجبنا- و لم يثبت عصمة أبي بكر فينتفي عن أفعاله التناقض- . قلت لا يشك أحد في أن أبا بكر كان عاقلا- و إن شك قوم في ذلك- فالعاقل في يوم واحد- لا يدفع فاطمة ع عن الإرث و يقول- إن أباك قال لي إنني لا أورث- ثم يورث في ذلك اليوم شخصا آخر من مال ذلك المتوفى- الذي حكى عنه أنه لا يورث- و ليس انتفاء هذا التناقض عن أفعاله- موقوفا على العصمة بل على العقل- .

    قال المرتضى و قوله يجوز أن يكون النبي ص نحله إياه- و تركه أبو بكر في يده لما في ذلك من تقوية الدين- و تصدق ببدله- و كل ما ذكره جائز- إلا أنه قد كان يجب أن يظهر أسباب النحلة- و الشهادة بها و الحجة عليها- و لم يظهر من ذلك شي ء فنعرفه- و من العجائب أن تدعي فاطمة فدك نحلة- و تستشهد على قولها أمير المؤمنين ع و غيره- فلا يصغى إلى قولها- و يترك السيف و البغلة و العمامة في يد أمير المؤمنين- على سبيل النحلة بغير بينة ظهرت- و لا شهادة قامت- . قلت لعل أبا بكر سمع الرسول ص- و هو ينحل ذلك عليا ع- فلذلك لم يحتج إلى البينة و الشهادة- فقد روى أنه أعطاه خاتمه و سيفه في مرضه- و أبو بكر حاضر- و أما البغلة فقد كان نحله إياها- في حجة الوداع على ما وردت به الرواية- و أما العمامة فسلب الميت- و كذلك القميص و الحجزة و الحذاء- فالعادة أن يأخذ ذلك ولد الميت- و لا ينازع فيه لأنه خارج أو كالخارج عن التركة- فلما غسل ع أخذت ابنته ثيابه التي مات فيها- و هذه عادة الناس- على أنا قد ذكرنا في الفصل الأول- كيف دفع إليه آلة النبي ص و حذاءه و دابته- و الظاهر أنه فعل ذلك اجتهادا لمصلحة رآها- و للإمام أن يفعل ذلك- .

    قال المرتضى- على أنه كان يجب على أبي بكر أن يبين ذلك- و يذكر وجهه بعينه- لما نازع العباس فيه- فلا وقت لذكر الوجه في ذلك أولى من هذا الوقت- . قلت لم ينازع العباس في أيام أبي بكر- لا في البغلة و العمامة و نحوها و لا في غير ذلك- و إنما نازع عليا في أيام عمر- و قد ذكرنا كيفية المنازعة و فيما ذا كانت- . قال المرتضى رضي الله عنه في البردة و القضيب- إن كان نحلة أو على الوجه الآخر- يجري مجرى ما ذكرناه- في وجوب الظهور و الاستشهاد- و لسنا نرى أصحابنا يعني المعتزلة- يطالبون أنفسهم في هذه المواضع بما يطالبوننا بمثله- إذا ادعينا وجوها و أسبابا و عللا مجوزة- لأنهم لا يقنعون منا بما يجوز و يمكن- بل يوجبون فيما ندعيه الظهور و الاستشهاد- و إذا كان هذا عليهم نسوه أو تناسوه- . قلت أما القضيب- فهو السيف الذي نحله رسول الله ص عليا ع في مرضه- و ليس بذي الفقار بل هو سيف آخر- و أما البردة فإنه وهبها كعب بن زهير- ثم صار هذا السيف و هذه البردة إلى الخلفاء- بعد تنقلات كثيرة مذكورة في كتب التواريخ- . قال المرتضى فأما قوله- فإن أزواج النبي ص إنما طلبن الميراث- لأنهن لم يعرفن رواية أبي بكر للخبر- و كذلك إنما نازع علي ع- بعد موت فاطمة ع في الميراث لهذا الوجه- فمن أقبح ما يقال في هذا الباب و أبعده عن الصواب- و كيف لا يعرف أمير المؤمنين ع رواية أبي بكر- و بها دفعت زوجته عن الميراث- و هل مثل ذلك المقام الذي قامته- و ما رواه أبو بكر في دفعها- يخفى على من هو في أقاصي البلاد- فضلا عمن هو في المدينة حاضر شاهد يراعي الأخبار- و يعني بها- إن هذا لخروج في المكابرة عن الحد- و كيف يخفى على الأزواج ذلك- حتى يطلبنه مرة بعد أخرى- و يكون عثمان الرسول لهن و المطالب عنهن- و عثمان على زعمهم أحد من شهد- أن النبي ص لا يورث- و قد سمعن على كل حال أن بنت النبي ص لم تورث ماله- و لا بد أن يكن قد سألن عن السبب في دفعها- فذكر لهن الخبر- فكيف يقال إنهن لم يعرفنه- . قلت الصحيح أن أمير المؤمنين ع- لم ينازع بعد موت فاطمة في الميراث- و إنما نازع في الولاية لفدك و غيرها- من صدقات رسول الله ص- و جرى بينه و بين العباس في ذلك ما هو مشهور- و أما أزواج النبي ص فما ثبت أنهن نازعن في ميراثه- و لا أن عثمان كان المرسل لهن و المطالب عنهن- إلا في رواية شاذة- و الأزواج لما عرفن أن فاطمة ع- قد دفعت عن الميراث أمسكن- و لم يكن قد نازعن و إنما اكتفين بغيرهن- و حديث فدك و حضور فاطمة عند أبي بكر- كان بعد عشرة أيام من وفاة رسول الله ص- و الصحيح أنه لم ينطق أحد بعد ذلك من الناس- من ذكر أو أنثى بعد عود فاطمة ع من ذلك المجلس- بكلمة واحدة في الميراث- . قال المرتضى فإن قيل- فإذا كان أبو بكر قد حكم بالخطإ- في دفع فاطمة ع عن الميراث- و احتج بخبر لا حجة فيه- فما بال الأمة أقرته على هذا الحكم و لم تنكر عليه- و في رضاها و إمساكها دليل على صوابه- . قلت قد مضى أن ترك النكير لا يكون دليل الرضا- إلا في هذا الموضع الذي لا يكون له وجه سوى الرضا- و ذكرنا في ذلك قولا شافيا- و قد أجاب أبو عثمان الجاحظ في كتاب العباسية- عن هذا السؤال جوابا حسن المعنى و اللفظ- نحن نذكره على وجهه- ليقابل بينه و بين كلامه في العثمانية و غيرها- . قلت ما كناه المرتضى رحمه الله في غير هذا الموضع أصلا- بل كان ساخطا عليه- و كناه في هذا الموضع و استجاد قوله- لأنه موافق غرضه- فسبحان الله ما أشد حب الناس لعقائدهم- . قال قال أبو عثمان و قد زعم أناس- أن الدليل على صدق خبرهما يعني أبا بكر و عمر- في منع الميراث و براءة ساحتهما- ترك أصحاب رسول الله ص النكير عليهما- ثم قال قد يقال لهم- لئن كان ترك النكير دليلا على صدقهما- ليكونن ترك النكير على المتظلمين- و المحتجين عليهما و المطالبين لهما- دليلا على صدق دعواهم أو استحسان مقالتهم- و لا سيما و قد طالت المناجاة- و كثرت المراجعة و الملاحاة- و ظهرت الشكية و اشتدت الموجدة- و قد بلغ ذلك من فاطمة ع- حتى إنها أوصت ألا يصلي عليها أبو بكر- و لقد كانت قالت له حين أتته طالبة بحقها- و محتجة لرهطها- من يرثك يا أبا بكر إذا مت- قال أهلي و ولدي- قالت فما بالنا لا نرث النبي ص- فلما منعها ميراثها و بخسها حقها- و اعتل عليها و جلح في أمرها- و عاينت التهضم و أيست من التورع- و وجدت نشوة الضعف و قلة الناصر- قالت و الله لأدعون الله عليك- قال و الله لأدعون الله لك- قالت و الله لا أكلمك أبدا قال و الله لا أهجرك أبدا- فإن يكن ترك النكير على أبي بكر دليلا على صواب منعها- إن في ترك النكير على فاطمة ع- دليلا على صواب طلبها- و أدنى ما كان يجب عليهم في ذلك تعريفها ما جهلت- و تذكيرها ما نسيت- و صرفها عن الخطإ و رفع قدرها عن البذاء- و أن تقول هجرا- أو تجور عادلا أو تقطع واصلا- فإذا لم تجدهم أنكروا على الخصمين جميعا- فقد تكافأت الأمور و استوت الأسباب- و الرجوع إلى أصل حكم الله من المواريث أولى بنا و بكم- و أوجب علينا و عليكم- . قال فإن قالوا كيف تظن به ظلمها و التعدي عليها- و كلما ازدادت عليه غلظة ازداد لها لينا و رقة- حيث تقول له و الله لا أكلمك أبدا- فيقول و الله لا أهجرك أبدا- ثم تقول و الله لأدعون الله عليك- فيقول و الله لأدعون الله لك- ثم يحتمل منها هذا الكلام الغليظ- و القول الشديد في دار الخلافة- و بحضرة قريش و الصحابة- مع حاجة الخلافة إلى البهاء و التنزيه- و ما يجب لها من الرفعة و الهيبة- ثم لم يمنعه ذلك أن قال معتذرا متقربا- كلام المعظم لحقها المكبر لمقامها- و الصائن لوجهها المتحنن عليها- ما أحد أعز علي منك فقرا- و لا أحب إلي منك غنى- و لكني سمعت رسول الله ص يقول- إنا معاشر الأنبياء لا نورث- ما تركناه فهو صدقة- قيل لهم ليس ذلك بدليل على البراءة من الظلم- و السلامة من الجور- و قد يبلغ من مكر الظالم و دهاء الماكر إذا كان أريبا- و للخصومة معتادا- أن يظهر كلام المظلوم و ذلة المنتصف- و حدب الوامق و مقة المحق- و كيف جعلتم ترك النكير حجة قاطعة- و دلالة واضحة- و قد زعمتم أن عمر قال على منبره- متعتان كانتا على عهد رسول الله ص- متعة النساء و متعة الحج- أنا أنهى عنهما و أعاقب عليهما- فما وجدتم أحدا أنكر قوله- و لا استشنع مخرج نهيه و لا خطأه في معناه- و لا تعجب منه و لا استفهمه- و كيف تقضون بترك النكير و قد شهد عمر يوم السقيفة- و بعد ذلك

    أن النبي ص قال الأئمة من قريش

    - ثم قال في شكاته- لو كان سالم حيا ما تخالجني فيه شك- حين أظهر الشك في استحقاق كل واحد من الستة- الذين جعلهم شورى- و سالم عبد لامرأة من الأنصار- و هي أعتقته و حازت ميراثه- ثم لم ينكر ذلك من قوله منكر- و لا قابل إنسان بين قوله و لا تعجب منه- و إنما يكون ترك النكير على من لا رغبة و لا رهبة عنده- دليلا على صدق قوله و صواب عمله- فأما ترك النكير على من يملك الضعة و الرفعة- و الأمر و النهي و القتل و الاستحياء و الحبس و الإطلاق- فليس بحجة تشفي و لا دلالة تضي ء- . قال و قال آخرون- بل الدليل على صدق قولهما و صواب عملهما- إمساك الصحابة عن خلعهما و الخروج عليهما- و هم الذين وثبوا على عثمان في أيسر من جحد التنزيل- و رد النصوص و لو كان كما تقولون و ما تصفون- ما كان سبيل الأمة فيهما إلا كسبيلهم فيه- و عثمان كان أعز نفرا و أشرف رهطا- و أكثر عددا و ثروة و أقوى عدة- . قلنا إنهما لم يجحدا التنزيل و لم ينكرا النصوص- و لكنهما بعد إقرارهما بحكم الميراث- و ما عليه الظاهر من الشريعة ادعيا رواية- و تحدثا بحديث لم يكن محالا كونه- و لا ممتنعا في حجج العقول مجيئه- و شهد لهما عليه من علته مثل علتهما فيه- و لعل بعضهم كان يرى تصديق الرجل- إذا كان عدلا في رهطه مأمونا في ظاهره- و لم يكن قبل ذلك عرفه بفجرة و لا جرت عليه غدرة- فيكون تصديقه له على جهة حسن الظن- و تعديل الشاهد- و لأنه لم يكن كثير منهم يعرف حقائق الحجج- و الذي يقطع بشهادته على الغيب- و كان ذلك شبهة على أكثرهم- فلذلك قل النكير و تواكل الناس فاشتبه الأمر- فصار لا يتخلص إلى معرفة حق ذلك من باطله إلا العالم المتقدم أو المؤيد المرشد- و لأنه لم يكن لعثمان في صدور العوام- و قلوب السفلة و الطغام- ما كان لهما من المحبة و الهيبة- و لأنهما كانا أقل استئثارا بالفي ء و تفضلا بمال الله منه- و من شأن الناس إهمال السلطان ما وفر عليهم أموالهم- و لم يستأثر بخراجهم و لم يعطل ثغورهم- و لأن الذي صنع أبو بكر من منع العترة حقها- و العمومة ميراثها- قد كان موافقا لجلة قريش و كبراء العرب- و لأن عثمان أيضا كان مضعوفا في نفسه- مستخفا بقدره- لا يمنع ضيما و لا يقمع عدوا- و لقد وثب ناس على عثمان- بالشتم و القذف و التشنيع و النكير- لأمور لو أتى أضعافها و بلغ أقصاها- لما اجترءوا على اغتيابه- فضلا على مبادأته و الإغراء به و مواجهته- كما أغلظ عيينة بن حصن له فقال له- أما إنه لو كان عمر لقمعك و منعك- فقال عيينة إن عمر كان خيرا لي منك- أرهبني فاتقاني- . ثم قال و العجب أنا وجدنا جميع من خالفنا في الميراث- على اختلافهم في التشبيه و القدر و الوعيد- يرد كل صنف منهم من أحاديث مخالفيه و خصومه- ما هو أقرب إسنادا و أصح رجالا و أحسن اتصالا- حتى إذا صاروا إلى القول في ميراث النبي ص- نسخوا الكتاب- و خصوا الخبر العام بما لا يداني بعض ما ردوه- و أكذبوا قائليه- و ذلك أن كل إنسان منهم إنما يجري إلى هواه- و يصدق ما وافق رضاه- . هذا آخر كلام الجاحظ ثم قال المرتضى رضي الله عنه فإن قيل- ليس ما عارض به الجاحظ من الاستدلال بترك النكير- و قوله كما لم ينكروا على أبي بكر- فلم ينكروا أيضا على فاطمة ع- و لا على غيرها من الطالبين بالإرث- كالأزواج و غيرهن معارضة صحيحة- و ذلك أن نكير أبي بكر لذلك- و دفعها و الاحتجاج عليها- و يكفيهم و يغنيهم عن تكلف نكير آخر- و لم ينكر على أبي بكر ما رواه منكر فيستغنوا بإنكاره- . قلنا أول ما يبطل هذا السؤال- أن أبا بكر لم ينكر عليها ما أقامت عليه- بعد احتجاجها من التظلم و التألم- و التعنيف و التبكيت- و قولها على ما روي و الله لأدعون الله عليك- و لا أكلمك أبدا و ما جرى هذا المجرى- فقد كان يجب أن ينكره غيره- و من المنكر الغضب على المنصف- و بعد فإن كان إنكار أبي بكر مقنعا و مغنيا- عن إنكار غيره من المسلمين- فإنكار فاطمة حكمه و مقامها على التظلم منه- مغن عن نكير غيرها- و هذا واضح

    الفصل الثالث في أن فدك هل صح كونها نحلة رسول الله ص لفاطمة ع أم لا

    نذكر في هذا الفصل ما حكاه المرتضى- عن قاضي القضاة في المغني و ما اعترض به عليه- ثم نذكر ما عندنا في ذلك- . قال المرتضى حاكيا عن قاضي القضاة- و مما عظمت الشيعة القول في أمر فدك- قالوا و قد روى أبو سعيد الخدري أنه لما أنزلت- وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ- أعطى رسول الله ص فاطمة ع فدك- ثم فعل عمر بن عبد العزيز مثل ذلك فردها على ولدها- قالوا و لا شك أن أبا بكر أغضبها- إن لم يصح كل الذي روي في هذا الباب- و قد كان الأجمل أن يمنعهم التكرم مما ارتكبوا منها- فضلا عن الدين- ثم ذكروا أنها استشهدت أمير المؤمنين ع و أم أيمن- فلم يقبل شهادتهما- هذا مع تركه أزواج النبي ص في حجرهن- و لم يجعلها صدقة- و صدقهن في ذلك أن ذلك لهن و لم يصدقها- .

    قال و الجواب عن ذلك- أن أكثر ما يروون في هذا الباب غير صحيح- و لسنا ننكر صحة ما روي من ادعائها فدك- فأما أنها كانت في يدها فغير مسلم- بل إن كانت في يدها لكان الظاهر أنها لها- فإذا كانت في جملة التركة فالظاهر أنها ميراث- و إذا كان كذلك فغير جائز لأبي بكر قبول دعواها- لأنه لا خلاف في أن العمل على الدعوى لا يجوز- و إنما يعمل على مثل ذلك إذا علمت صحته بمشاهدة- أو ما جرى مجراها أو حصلت بينة أو إقرار- ثم إن البينة لا بد منها- و إن أمير المؤمنين ع لما خاصمه اليهودي حاكمه- و أن أم سلمة التي يطبق على فضلها- لو ادعت نحلا ما قبلت دعواها- .

    ثم قال و لو كان أمير المؤمنين ع هو الوالي- و لم يعلم صحة هذه الدعوى- ما الذي كان يجب أن يعمل- فإن قلتم يقبل الدعوى فالشرع بخلاف ذلك- و إن قلتم يلتمس البينة- فهو الذي فعله أبو بكر- . ثم قال و أما قول أبي بكر- رجل مع الرجل و امرأة مع المرأة- فهو الذي يوجبه الدين- و لم يثبت أن الشاهد في ذلك كان أمير المؤمنين ع- بل الرواية المنقولة أنه شهد لها- مولى لرسول الله ص مع أم أيمن- . قال و ليس لأحد أن يقول- فلما ذا ادعت و لا بينة معها- لأنه لا يمتنع أن تجوز- أن يحكم أبو بكر بالشاهد و اليمين- أو تجوز عند شهادة من شهد لها أن تذكر غيره فيشهد- لا و هذا هو الموجب على ملتمس الحق- و لا عيب عليها في ذلك- و لا على أبي بكر في التماس البينة- و إن لم يحكم لها لما لم يتم و لم يكن لها خصم- لأن التركة صدقة على ما ذكرنا- و كان لا يمكن أن يعول في ذلك على يمين أو نكول- و لم يكن في الأمر إلا ما فعله- قال و قد أنكر أبو علي ما قاله السائل- من أنها لما ردت في دعوى النحلة ادعته إرثا- و قال بل كان طلبت الإرث قبل ذلك- فلما سمعت منه الخبر كفت و ادعت النحلة- .

    قال فأما فعل عمر بن عبد العزيز- فلم يثبت أنه رده على سبيل النحلة- بل عمل في ذلك ما عمله عمر بن الخطاب- بأن أقره في يد أمير المؤمنين ع- ليصرف غلاتها في المواضع- التي كان يجعلها رسول الله ص فيه- فقام بذلك مدة ثم ردها إلى عمر في آخر سنته- و كذلك فعل عمر بن عبد العزيز- و لو ثبت أنه فعل بخلاف ما فعل السلف- لكان هو المحجوج بفعلهم و قولهم- و أحد ما يقوي ما ذكرناه- أن الأمر لما انتهى إلى أمير المؤمنين ع- ترك فدك على ما كان و لم يجعله ميراثا لولد فاطمة- و هذا يبين أن الشاهد كان غيره- لأنه لو كان هو الشاهد لكان الأقرب أن يحكم بعلمه- على أن الناس اختلفوا في الهبة إذا لم تقبض- فعند بعضهم تستحق بالعقد- و عند بعضهم أنها إذا لم تقبض يصير وجودها كعدمها- فلا يمتنع من هذا الوجه- أن يمتنع أمير المؤمنين ع من ردها- و إن صح عنده عقد الهبة- و هذا هو الظاهر- لأن التسليم لو كان وقع لظهر أنه كان في يدها- و لكان ذلك كافيا في الاستحقاق- فأما حجر أزواج النبي ص- فإنما تركت في أيديهن لأنها كانت لهن- و نص الكتاب يشهد بذلك- و قوله وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ- و روي في الأخبار أن النبي ص- قسم ما كان له من الحجر على نسائه و بناته- و يبين صحة ذلك أنه لو كان ميراثا أو صدقة- لكان أمير المؤمنين ع لما أفضى الأمر إليه يغيره- .

    قال و ليس لأحد أن يقول- إنما لم يغير ذلك لأن الملك قد صار له فتبرع به- و ذلك أن الذي يحصل له ليس- إلا ربع ميراث فاطمة ع- و هو الثمن من ميراث رسول الله ص- فقد كان يجب أن ينتصف لأولاد العباس- و أولاد فاطمة منهن في باب الحجر- و يأخذ هذا الحق منهن- فتركه ذلك يدل على صحة ما قلناه- و ليس يمكنهم بعد ذلك إلا التعلق بالتقية- و قد سبق الكلام فيها- .

    قال و مما يذكرونه أن فاطمة ع- لغضبها على أبي بكر و عمر أوصت ألا يصليا عليها- و أن تدفن سرا منهما فدفنت ليلا- و هذا كما ادعوا رواية رووها عن جعفر بن محمد ع و غيره- أن عمر ضرب فاطمة ع بالسوط- و ضرب الزبير بالسيف- و أن عمر قصد منزلها و فيه علي ع- و الزبير و المقداد و جماعة ممن تخلف عن أبي بكر- و هم مجتمعون هناك- فقال لها ما أحد بعد أبيك أحب إلينا منك- و ايم الله لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك- لنحرقن عليهم- فمنعت القوم من الاجتماع- . قال و نحن لا نصدق هذه الروايات و لا نجوزها- و أما أمر الصلاة فقد روي أن أبا بكر- هو الذي صلى على فاطمة ع و كبر عليها أربعا- و هذا أحد ما استدل به كثير من الفقهاء- في التكبير على الميت- و لا يصح أيضا أنها دفنت ليلا- و إن صح ذلك فقد دفن رسول الله ص ليلا- و دفن عمر ابنه ليلا- و قد كان أصحاب رسول الله ص- يدفنون بالنهار و يدفنون بالليل- فما في هذا مما يطعن به- بل الأقرب في النساء- أن دفنهن ليلا أستر و أولى بالسنة- . ثم حكى عن أبي علي تكذيب ما روي من الضرب بالسوط- قال و المروي عن جعفر بن محمد ع أنه كان يتولاهما- و يأتي القبر فيسلم عليهما- مع تسليمه على رسول الله ص- روى ذلك عباد بن صهيب و شعبة بن الحجاج- و مهدي بن هلال و الدراوردي و غيرهم- و قد روى عن أبيه محمد بن علي ع- و عن علي بن الحسين مثل ذلك- فكيف يصح ما ادعوه- و هل هذه الرواية إلا كروايتهم- على أن علي بن أبي طالب ع هو إسرافيل- و الحسن ميكائيل و الحسين جبرائيل- و فاطمة ملك الموت- و آمنة أم النبي ص ليلة القدر- فإن صدقوا ذلك أيضا قيل لهم- فعمر بن الخطاب كيف يقدر على ضرب ملك الموت- و إن قالوا لا نصدق ذلك- فقد جوزوا رد هذه الروايات- و صح أنه لا يجوز التعويل على هذا الخبر- و إنما يتعلق بذلك من غرضه الإلحاد كالوراق- و ابن الراوندي- لأن غرضهم القدح في الإسلام- . و حكى عن أبي علي أنه قال و لم صار غضبها- إن ثبت كأنه غضب رسول الله ص من حيث

    قال فمن أغضبها فقد أغضبني

    - أولى من أن يقال- فمن أغضب أبا بكر و عمر فقد نافق و فارق الدين- لأنه روي عنه ع

    قال حب أبي بكر و عمر إيمان و بغضهما نفاق

    - و من يورد مثل هذا فقصده الطعن في الإسلام- و أن يتوهم الناس أن أصحاب النبي ص نافقوا- مع مشاهدة الأعلام- ليضعفوا دلالة العلم في النفوس- . قال و أما حديث الإحراق فلو صح لم يكن طعنا على عمر- لأن له أن يهدد من امتنع من المبايعة- إرادة للخلاف على المسلمين لكنه غير ثابت- انتهى كلام قاضي القضاة- . قال المرتضى نحن نبتدئ فندل على أن فاطمة ع- ما ادعت من نحل فدك إلا ما كانت مصيبة فيه- و إن مانعها و مطالبها بالبينة متعنت- عادل عن الصواب- لأنها لا تحتاج إلى شهادة و بينة- ثم نعطف على ما ذكره على التفصيل فنتكلم عليه- . أما الذي يدل على ما ذكرناه- فهو أنها كانت معصومة من الغلط- مأمونا منها فعل القبيح- و من هذه صفته لا يحتاج فيما يدعيه إلى شهادة و بينة فإن قيل دللوا على الأمرين قلنا بيان الأول قوله تعالى- إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ- وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً- و الآية تتناول جماعة منهم فاطمة ع- بما تواترت الأخبار في ذلك- و الإرادة هاهنا دلالة على وقوع الفعل للمراد- و أيضا فيدل على ذلك

    قوله ع فاطمة بضعة مني من آذاها فقد آذاني- و من آذاني فقد آذى الله عز و جل

    - و هذا يدل على عصمتها- لأنها لو كانت ممن تقارف الذنوب- لم يكن من يؤذيها مؤذيا له على كل حال- بل كان متى فعل المستحق من ذمها أو إقامة الحد عليها- إن كان الفعل يقتضيه سارا له و مطيعا- على أنا لا نحتاج أن ننبه هذا الموضع- على الدلالة على عصمتها- بل يكفي في هذا الموضع العلم بصدقها فيما ادعته- و هذا لا خلاف فيه بين المسلمين- لأن أحدا لا يشك أنها لم تدع ما ادعته كاذبة- و ليس بعد ألا تكون كاذبة إلا أن تكون صادقة- و إنما اختلفوا في هل يجب مع العلم بصدقها- تسلم ما ادعته بغير بينة أم لا يجب ذلك- قال الذي يدل على الفصل الثاني- أن البينة إنما تراد ليغلب في الظن صدق المدعي- أ لا ترى أن العدالة معتبرة في الشهادات- لما كانت مؤثرة في غلبة الظن لما ذكرناه- و لهذا جاز أن يحكم الحاكم بعلمه من غير شهادة- لأن علمه أقوى من الشهادة- و لهذا كان الإقرار أقوى من البينة- من حيث كان أغلب في تأثير غلبة الظن- و إذا قدم الإقرار على الشهادة لقوة الظن عنده- فأولى أن يقدم العلم على الجميع- و إذا لم يحتج مع الإقرار إلى شهادة- لسقوط حكم الضعيف مع القوي- لا يحتاج أيضا مع العلم إلى ما يؤثر الظن- من البينات و الشهادات- . و الذي يدل على صحة ما ذكرناه أيضا- أنه لا خلاف بين أهل النقل- في أن أعرابيا نازع النبي ص في ناقة- فقال ع هذه لي و قد خرجت إليك من ثمنها- فقال الأعرابي من يشهد لك بذلك- فقال خزيمة بن ثابت أنا أشهد بذلك- فقال النبي ص من أين علمت و ما حضرت ذلك- قال لا و لكن علمت ذلك- من حيث علمت أنك رسول الله- فقال قد أجزت شهادتك و جعلتها شهادتين- فسمي ذا الشهادتين- .

    و هذه القصة شبيهة لقصة فاطمة ع- لأن خزيمة اكتفى في العلم بأن الناقة له ص- و شهد بذلك من حيث علم لأنه رسول الله ص- و لا يقول إلا حقا و أمضى النبي ص ذلك له- من حيث لم يحضر الابتياع و تسليم الثمن- فقد كان يجب على من علم- أن فاطمة ع لا تقول إلا حقا- ألا يستظهر عليها بطلب شهادة أو بينة- هذا و قد روي أن أبا بكر لما شهد أمير المؤمنين ع- كتب بتسليم فدك إليها- فاعترض عمر قضيته و خرق ما كتبه- .

    روى إبراهيم بن السعيد الثقفي عن إبراهيم بن ميمون قال حدثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب ع عن أبيه عن جده عن علي ع قال جاءت فاطمة ع إلى أبي بكر و قالت- إن أبي أعطاني فدك و علي و أم أيمن يشهدان- فقال ما كنت لتقولي على أبيك إلا الحق قد أعطيتكها- و دعا بصحيفة من أدم فكتب لها فيها- فخرجت فلقيت عمر- فقال من أين جئت يا فاطمة- قالت جئت من عند أبي بكر- أخبرته أن رسول الله ص أعطاني فدك- و أن عليا و أم أيمن يشهدان لي بذلك- فأعطانيها و كتب لي بها- فأخذ عمر منها الكتاب- ثم رجع إلى أبي بكر فقال- أعطيت فاطمة فدك و كتبت بها لها قال نعم- فقال إن عليا يجر إلى نفسه- و أم أيمن امرأة- و بصق في الكتاب فمحاه و خرقه

    - . و قد روي هذا المعنى من طرق مختلفة على وجوه مختلفة- فمن أراد الوقوف عليها و استقصاءها- أخذها من مواضعها- . و ليس لهم أن يقولوا إنها أخبار آحاد- لأنها و إن كانت كذلك- فأقل أحوالها أن توجب الظن- و تمنع من القطع على خلاف معناها- و ليس لهم أن يقولوا كيف يسلم إليها فدك- و هو يروي عن الرسول أن ما خلفه صدقة- و ذلك لأنه لا تنافي بين الأمرين- لأنه إنما سلمها على ما وردت به الرواية- على سبيل النحل- فلما وقعت المطالبة بالميراث روى الخبر في معنى الميراث- فلا اختلاف بين الأمرين- . فأما إنكار صاحب الكتاب لكون فدك في يدها- فما رأيناه اعتمد في إنكار ذلك على حجة- بل قال لو كان ذلك في يدها لكان الظاهر أنها لها- و الأمر على ما قال- فمن أين أنه لم يخرج عن يدها- على وجه يقتضي الظاهر خلافه- و قد روي من طرق مختلفة- غير طريق أبي سعيد الذي ذكره صاحب الكتاب- أنه لما نزل قوله تعالى- وَ آتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ- دعا النبي ص فاطمة ع فأعطاها فدك- و إذا كان ذلك مرويا فلا معنى لدفعه بغير حجة- . و قوله لا خلاف أن العمل على الدعوى لا يجوز صحيح- و قد بينا أن قولها كان معلوما صحته- و إنما قوله إنما يعمل على ذلك متى علم صحته بشهادة- أو ما يجري مجراها- أو حصلت بينة أو إقرار- فيقال له إما علمت بمشاهدة فلم يكن هناك- و إما بينة فقد كانت على الحقيقة- لأن شهادة أمير المؤمنين ع- من أكبر البينات و أعدلها- و لكن على مذهبك أنه لم تكن هناك بينة- فمن أين زعمت أنه لم يكن هناك علم- و إن لم يكن عن مشاهدة- فقد أدخلت ذلك في جملة الأقسام- .

    فإن قال لأن قولها بمجرده لا يكون جهة للعلم- قيل له لم قلت ذلك أو ليس قد دللنا على أنها معصومة- و أن الخطأ مأمون عليها ثم لو لم يكن كذلك- لكان قولها في تلك القضية معلوما صحته على كل حال- لأنها لو لم تكن مصيبة لكانت مبطلة عاصية فيما ادعته- إذ الشبهة لا تدخل في مثله- و قد أجمعت الأمة- على أنها لم يظهر منها بعد رسول الله ص معصية- بلا شك و ارتياب- بل أجمعوا على أنها لم تدع إلا الصحيح- و إن اختلفوا فمن قائل يقول مانعها مخطئ- و آخر يقول هو أيضا مصيب- لفقد البينة و إن علم صدقها- . و أما قوله إنه لو حاكم غيره لطولب بالبينة- فقد تقدم في هذا المعنى ما يكفي- و قصة خزيمة بن ثابت- و قبول شهادته تبطل هذا الكلام- . و أما قوله إن أمير المؤمنين ع حاكم يهوديا- على الوجه الواجب في سائر الناس- فقد روي ذلك إلا أن أمير المؤمنين لم يفعل من ذلك- ما كان يجب عليه أن يفعله- و إنما تبرع به و استظهر بإقامة الحجة فيه- و قد أخطأ من طالبه ببينة كائنا من كان- فأما اعتراضه بأم سلمة- فلم يثبت من عصمتها ما ثبت من عصمة فاطمة ع- فلذلك احتاجت في دعواها إلى بينة- فأما إنكاره و ادعاؤه أنه لم يثبت- أن الشاهد في ذلك كان أمير المؤمنين- فلم يزد في ذلك إلا مجرد الدعوى و الإنكار- و الأخبار مستفيضة بأنه ع شهد لها- فدفع ذلك بالزيغ لا يغني شيئا- و قوله إن الشاهد لها مولى لرسول الله ص- هو المنكر الذي ليس بمعروف- .

    و أما قوله- إنها جوزت أن يحكم أبو بكر بالشاهد و اليمين فطريف- مع قوله فيما بعد إن التركة صدقة و لا خصم فيها- فتدخل اليمين في مثلها- أ فترى أن فاطمة لم تكن تعلم من الشريعة هذا المقدار- الذي نبه صاحب الكتاب عليه- و لو لم تعلمه ما كان أمير المؤمنين ع- و هو أعلم الناس بالشريعة يوافقها عليه- . و قوله إنها جوزت عند شهادة من شهد لها- أن يتذكر غيرهم فيشهد باطل- لأن مثلها لا يتعرض للظنة و التهمة- و يعرض قوله للرد- و قد كان يجب أن تعلم من يشهد لها ممن لا يشهد- حتى تكون دعواها على الوجه- الذي يجب معه القبول و الإمضاء- و من هو دونها في الرتبة و الجلالة- و الصيانة من أفناء الناس- لا يتعرض لمثل هذه الخطة و يتورطها- للتجويز الذي لا أصل له و لا أمارة عليه- . فأما إنكار أبي علي- لأن يكون النحل قبل ادعاء الميراث- و عكسه الأمر فيه- فأول ما فيه أنا لا نعرف له غرضا صحيحا في إنكار ذلك- لأن كون أحد الأمرين قبل الآخر- لا يصحح له مذهبا- فلا يفسد على مخالفه مذهبا- . ثم إن الأمر في أن الكلام في النحل كان المتقدم ظاهرا- و الروايات كلها به واردة- و كيف يجوز أن تبتدئ بطلب الميراث- فيما تدعيه بعينه نحلا- أ و ليس هذا يوجب أن تكون قد طالبت بحقها- من وجه لا تستحقه منه مع الاختيار- و كيف يجوز ذلك و الميراث يشركها فيه غيرها- و النحل تنفرد به- و لا ينقلب مثل ذلك علينا- من حيث طالبت بالميراث بعد النحل- لأنها في الابتداء طالبت بالنحل- و هو الوجه الذي تستحق فدك منه- فلما دفعت عنه طالبت ضرورة بالميراث- لأن للمدفوع عن حقه- أن يتوصل إلى تناوله بكل وجه و سبب- و هذا بخلاف قول أبي علي- لأنه أضاف إليها ادعاء الحق من وجه لا تستحقه منه و هي مختارة- .

    و أما إنكاره أن يكون عمر بن عبد العزيز- رد فدك على وجه النحل- و ادعاؤه أنه فعل في ذلك ما فعله عمر بن الخطاب- من إقرارها في يد أمير المؤمنين ع- ليصرف غلاتها في وجوهها- فأول ما فيه أنا لا نحتج عليه بفعل عمر بن عبد العزيز- على أي وجه وقع- لأن فعله ليس بحجة- و لو أردنا الاحتجاج بهذا الجنس من الحجج- لذكرنا فعل المأمون- فإنه رد فدك بعد أن جلس مجلسا مشهورا- حكم فيه بين خصمين نصبهما- أحدهما لفاطمة و الآخر لأبي بكر- و ردها بعد قيام الحجة و وضوح الأمر و مع ذلك فإنه قد أنكر من فعل عمر بن عبد العزيز- ما هو معروف مشهور بلا خلاف بين أهل النقل فيه- و قد روى محمد بن زكريا الغلابي عن شيوخه- عن أبي المقدام هشام بن زياد مولى آل عثمان- قال لما ولي عمر بن عبد العزيز رد فدك على ولد فاطمة- و كتب إلى واليه على المدينة- أبي بكر بن عمرو بن حزم يأمره بذلك- فكتب إليه إن فاطمة قد ولدت في آل عثمان- و آل فلان و فلان فعلى من أرد منهم- فكتب إليه أما- بعد فإني لو كتبت إليك- آمرك أن تذبح شاة لكتبت إلي أ جماء أم قرناء- أو كتبت إليك أن تذبح بقرة لسألتني ما لونها- فإذا ورد عليك كتابي هذا فاقسمها في ولد فاطمة ع- من علي ع و السلام- . قال أبو المقدام فنقمت بنو أمية ذلك- على عمر بن عبد العزيز و عاتبوه فيه- و قالوا له هجنت فعل الشيخين- و خرج إليه عمر بن قيس في جماعة من أهل الكوفة- فلما عاتبوه على فعله قال- إنكم جهلتم و علمت و نسيتم و ذكرت- إن أبا بكر محمد بن عمرو بن حزم حدثني عن أبيه عن جده-

    أن رسول الله ص قال فاطمة بضعة مني يسخطها ما يسخطني- و يرضيني ما أرضاها

    - و إن فدك كان صافية على عهد أبي بكر و عمر- ثم صار أمرها إلى مروان- فوهبها لعبد العزيز أبي- فورثتها أنا و إخوتي عنه- فسألتهم أن يبيعوني حصتهم منها- فمن بائع و واهب حتى استجمعت لي- فرأيت أن أردها على ولد فاطمة- قالوا فإن أبيت إلا هذا فأمسك الأصل- و اقسم الغلة ففعل- . و أما ما ذكره من ترك أمير المؤمنين ع فدك- لما أفضى الأمر إليه- و استدلاله بذلك على أنه لم يكن الشاهد فيها- فالوجه في تركه ع رد فدك- هو الوجه في إقراره أحكام القوم- و كفه عن نقضها و تغييرها و قد بينا ذلك فيما سبق- و ذكرنا أنه كان في انتهاء الأمر إليه- في بقية من التقية قوية- . فأما استدلاله على أن حجر أزواج النبي ص- كانت لهن بقوله تعالى- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ- فمن عجيب الاستدلال- لأن هذه الإضافة لا تقتضي الملك- بل العادة جارية فيها أن تستعمل من جهة السكنى- و لهذا يقال هذا بيت فلان و مسكنه- و لا يراد بذلك الملك و قد قال تعالى- لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ- إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ- و لا شبهة في أنه تعالى- أراد منازل الرجال التي يسكنون فيها زوجاتهم- و لم يرد بهذه الإضافة الملك- . فأما ما رواه من أن رسول الله ص- قسم حجره على نسائه و بناته- فمن أين له إذا كان الخبر صحيحا- أن هذه القسمة على وجه التمليك- دون الإسكان و الإنزال- و لو كان قد ملكهن ذلك- لوجب أن يكون ظاهرا مشهورا- . فأما الوجه في ترك أمير المؤمنين لما صار الأمر إليه في يده- منازعة الأزواج في هذه الحجر فهو ما تقدم و تكرر- .

    و أما قوله إن أبا بكر هو الذي صلى على فاطمة و كبر أربعا- و إن كثيرا من الفقهاء- يستدلون به في التكبير على الميت- و هو شي ء ما سمع إلا منه- و إن كان تلقاه عن غيره فممن يجري مجراه في العصبية- و إلا فالروايات المشهورة و كتب الآثار و السير- خالية من ذلك- و لم يختلف أهل النقل- في أن عليا ع هو الذي صلى على فاطمة- إلا رواية نادرة شاذة- وردت بأن العباس رحمه الله صلى عليها- . و روى الواقدي بإسناده في تاريخه عن الزهري- قال سألت ابن عباس- متى دفنتم فاطمة ع- قال دفناها بليل بعد هدأة- قال قلت فمن صلى عليها قال علي- . و روى الطبري عن الحارث بن أبي أسامة- عن المدائني عن أبي زكريا العجلاني- أن فاطمة ع عمل لها نعش قبل وفاتها- فنظرت إليه فقالت سترتموني ستركما الله- . قال أبو جعفر محمد بن جرير- و الثبت في ذلك أنها زينب لأن فاطمة دفنت ليلا- و لم يحضرها إلا علي و العباس و المقداد و الزبير- . و روى القاضي أبو بكر أحمد بن كامل- بإسناده في تاريخه عن الزهري- قال حدثني عروة بن الزبير أن عائشة أخبرته- أن فاطمة عاشت بعد رسول الله ص ستة أشهر- فلما توفيت دفنها علي ليلا و صلى عليها- و ذكر في كتابه هذا- أن عليا و الحسن و الحسين ع دفنوها ليلا- و غيبوا قبرها- . و روى سفيان بن عيينة- عن عمرو بن عبيد عن الحسن بن محمد بن الحنفية- أن فاطمة دفنت ليلا- . و روى عبد الله بن أبي شيبة عن يحيى بن سعيد القطان- عن معمر عن الزهري مثل ذلك- .

    و قال البلاذري في تاريخه- إن فاطمة ع لم تر متبسمة بعد وفاة النبي ص- و لم يعلم أبو بكر و عمر بموتها- . و الأمر في هذا أوضح و أشهر- من أن نطنب في الاستشهاد عليه- و نذكر الروايات فيه- فأما قوله و لا يصح أنها دفنت ليلا و إن صح- فقد دفن فلان و فلان ليلا- فقد بينا أن دفنها ليلا في الصحة أظهر من الشمس- و أن منكر ذلك كالدافع للمشاهدات- و لم يجعل دفنها ليلا بمجرده هو الحجة- ليقال لقد دفن فلان و فلان ليلا- بل يقع الاحتجاج بذلك- على ما وردت به الروايات المستفيضة الظاهرة التي هي كالتواتر- أنها أوصت بأن تدفن ليلا- حتى لا يصلي الرجلان عليها- و صرحت بذلك و عهدت فيه عهدا- بعد أن كانا استأذنا عليها في مرضها ليعوداها- فأبت أن تأذن لهما- فلما طالت عليهما المدافعة- رغبا إلى أمير المؤمنين ع في أن يستأذن لهما- و جعلاها حاجة إليه- و كلمها ع في ذلك و ألح عليها- فأذنت لهما في الدخول- ثم أعرضت عنهما عند دخولهما و لم تكلمهما- فلما خرجا قالت لأمير المؤمنين ع- هل صنعت ما أردت قال نعم- قالت فهل أنت صانع ما آمرك به قال نعم- قالت فإني أنشدك الله- ألا يصليا على جنازتي و لا يقوما على قبري- . و روى أنه عفى قبرها و علم عليه- و رش أربعين قبرا في البقيع- و لم يرش قبرها حتى لا يهتدى إليه- و أنهما عاتباه على ترك إعلامهما بشأنها- و إحضارهما الصلاة عليها- فمن هاهنا احتججنا بالدفن ليلا- و لو كان ليس غير الدفن بالليل- من غير ما تقدم عليه و ما تأخر عنه- لم يكن فيه حجة- .

    و أما حكايته عن أبي علي إنكار ضرب الرجل لها- و قوله إن جعفر بن محمد و أباه و جده كانوا يتولونهما- فكيف لا ينكر أبو علي ذلك- و اعتقاده فيهما اعتقاده- و قد كنا نظن أن مخالفينا يقتنعون- أن ينسبوا إلى أئمتنا الكف عن القوم و الإمساك- و ما ظننا أنهم يحملون أنفسهم- على أن ينسبوا إليهم الثناء و الولاء-

    و قد علم كل أحد أن أصحاب هؤلاء السادة المختصين بهم- قد رووا عنهم ضد ما روى شعبة بن الحجاج و فلان و فلان- و قولهم هما أول من ظلمنا حقنا و حمل الناس على رقابنا- و قولهم أنهما أصفيا بإنائنا و اضطجعا بسبلنا- و جلسا مجلسا نحن أحق به منهما- إلى غير ذلك من فنون التظلم و الشكاية- و هو طويل متسع- و من أراد استقصاء ذلك فلينظر في كتاب المعرفة- لأبي إسحاق إبراهيم بن سعيد الثقفي- فإنه قد ذكر عن رجل من أهل البيت- بالأسانيد النيرة ما لا زيادة عليه- ثم لو صح ما ذكره شعبة لجاز أن يحمل على التقية- . و أما ذكره إسرافيل و ميكائيل- فما كنا نظن أن مثله يذكر ذلك- و هذا من أقوال الغلاة- الذين ضلوا في أمير المؤمنين ع و أهل البيت- و ليسوا من الشيعة و لا من المسلمين- فأي عيب علينا فيما يقولونه- ثم إن جماعة من مخالفينا قد غلوا في أبي بكر و عمر- و رووا روايات مختلفة فيهما- تجري مجرى ما ذكره في الشناعة- و لا يلزم العقلاء و ذوي الألباب من المخالفين عيب من ذلك- . و أما معارضة ما روي في فاطمة ع- بما روي في أن حبهما إيمان و بغضهما نفاق- فالخبر الذي رويناه مجمع عليه- و الخبر الآخر مطعون فيه- فكيف يعارض ذلك بهذا- .

    و أما قوله إنما قصد من يورد هذه الأخبار- تضعيف دلالة الأعلام في النفوس- من حيث أضاف النفاق إلى من شاهدها- فتشنيع في غير موضعه- و استناد إلى ما لا يجدي نفعا- لأن من شاهد الأعلام لا يضعفها و لا يوهن دليلها- و لا يقدح في كونها حجة- لأن الأعلام ليست ملجئة إلى العلم- و لا موجبة لحصوله على كل حال- و إنما تثمر العلم لمن أمعن النظر فيها- من الوجه الذي تدل منه- فمن عدل عن ذلك لسوء اختياره- لا يكون عدوله مؤثرا في دلالتها- فكم قد عدل من العقلاء و ذوي الأحلام الراجحة- و الألباب الصحيحة عن تأمل هذه الأعلام و إصابة الحق منها- و لم يكن ذلك عندنا و عند صاحب الكتاب- قادحا في دلالة الأعلام- على أن هذا القول يوجب أن ينفي الشك و النفاق- عن كل من صحب النبي ص- و عاصره و شاهد أعلامه كأبي سفيان و ابنه- و عمرو بن العاص و فلان و فلان- ممن قد اشتهر نفاقهم و ظهر شكهم في الدين- و ارتيابهم باتفاق بيننا و بينه- و إن كانت إضافة النفاق إلى هؤلاء- لا تقدح في دلالة الأعلام فكذلك القول في غيرهم- . فأما قوله إن حديث الإحراق لم يصح- و لو صح لساغ لعمر مثل ذلك- فقد بينا أن خبر الإحراق قد رواه غير الشيعة- . و قوله إنه يسوغ مثل ذلك- فكيف يسوغ إحراق بيت علي و فاطمة ع- و هل في ذلك عذر يصغى إليه أو يسمع- و إنما يكون علي و أصحابه خارقين للإجماع- و مخالفين للمسلمين- لو كان الإجماع قد تقرر و ثبت- و ليس بمتقرر و لا ثابت مع خلاف علي وحده- فضلا عن أن يوافقه على ذلك غيره- و بعد فلا فرق بين أن يهدد بالإحراق لهذه العلة- و بين أن يضرب فاطمة ع لمثلها- فإن إحراق المنازل أعظم من ضرب سوط أو سوطين- فلا وجه لامتعاض المخالف من حديث الضرب- إذا كان عنده مثل هذا الاعتذار قلت أما الكلام في عصمة فاطمة ع- فهو بفن الكلام أشبه- و للقول فيه موضع غير هذا- .

    و أما قول المرتضى- إذا كانت صادقة لم يبق حاجة إلى من يشهد لها- فلقائل أن يقول لم قلت ذلك- و لم زعمت أن الحاجة إلى البينة- إنما كانت لزيادة غلبة الظن- و لم لا يجوز أن يكون الله تعالى يعبد بالبينة- لمصلحة يعلمها- و إن كان المدعي لا يكذب- أ ليس قد تعبد الله تعالى بالعدة في العجوز- التي قد أيست من الحمل- و إن كان أصل وضعها لاستبراء الرحم- . و أما قصة خزيمة بن ثابت- فيجوز أن يكون الله تعالى قد علم- أن مصلحة المكلفين في تلك الصورة- أن يكتفى بدعوى النبي ص وحدها- و يستغنى فيها عن الشهادة- . و لا يمتنع أن يكون غير تلك الصورة مخالفا لها- و إن كان المدعي لا يكذب- و يبين ذلك أن مذهب المرتضى- جواز ظهور خوارق العادات على أيدي الأئمة و الصالحين- و لو قدرنا أن واحدا من أهل الصلاح و الخير ادعى دعوى- و قال بحضرة جماعة من الناس من جملتهم القاضي- اللهم إن كنت صادقا فأظهر علي معجزة خارقة للعادة- فظهرت عليه لعلمنا أنه صادق- و مع ذلك لا تقبل دعواه إلا ببينة- . و سألت علي بن الفارقي مدرس المدرسة الغربية ببغداد- فقلت له أ كانت فاطمة صادقة قال نعم- قلت فلم لم يدفع إليها أبو بكر فدك و هي عنده صادقة- فتبسم ثم قال كلاما لطيفا مستحسنا- مع ناموسه و حرمته و قلة دعابته- قال لو أعطاها اليوم فدك بمجرد دعواها- لجاءت إليه غدا و ادعت لزوجها الخلافة- و زحزحته عن مقامه- و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشي ء- لأنه يكون قد أسجل على نفسه أنها صادقة فيها تدعي- كائنا ما كان من غير حاجة إلى بينة و لا شهود- و هذا كلام صحيح- و إن كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل- . فأما قول قاضي القضاة- لو كان في يدها لكان الظاهر أنها لها- و اعتراض المرتضى عليه بقوله- إنه لم يعتمد في إنكار ذلك على حجة- بل قال لو كانت في يدها لكان الظاهر إنها لها- و الأمر على ما قال- فمن أين أنها لم تخرج عن يدها على وجه- كما أن الظاهر يقتضي خلافه- فإنه لم يجب عما ذكره قاضي القضاة- لأن معنى قوله إنها لو كانت في يدها أي متصرفة فيها- لكانت اليد حجة في الملكية- لأن اليد و التصرف حجة لا محالة- فلو كانت في يدها تتصرف فيها و في ارتفاقها- كما يتصرف الناس في ضياعهم و أملاكهم- لما احتاجت إلى الاحتجاج بآية الميراث- و لا بدعوى النحل لأن اليد حجة- فهلا قالت لأبي بكر هذه الأرض في يدي- و لا يجوز انتزاعها مني إلا بحجة- و حينئذ كان يسقط احتجاج أبي بكر بقوله- نحن معاشر الأنبياء لا نورث- لأنها ما تكون قد ادعتها ميراثا ليحتج عليها بالخبر- و خبر أبي سعيد في قوله فأعطاها فدك- يدل على الهبة لا على القبض و التصرف- و لأنه يقال أعطاني فلان كذا فلم أقبضه- و لو كان الإعطاء هو القبض و التصرف- لكان هذا الكلام متناقضا- . فأما تعجب المرتضى من قول أبي علي- إن دعوى الإرث كانت متقدمة على دعوى النحل- و قوله إنا لا نعرف له غرضا في ذلك- فإنه لا يصح له بذلك مذهب- و لا يبطل على مخالفيه مذهب- فإن المرتضى لم يقف على مراد الشيخ أبي علي في ذلك- و هذا شي ء يرجع إلى أصول الفقه- فإن أصحابنا استدلوا- على جواز تخصيص الكتاب بخبر الواحد بإجماع الصحابة- لأنهم أجمعوا على تخصيص قوله تعالى- يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ

    برواية أبي بكر عن النبي ص لا نورث ما تركناه صدقة

    - قالوا و الصحيح في الخبر أن فاطمة ع- طالبت بعد ذلك بالنحل لا بالميراث- فلهذا قال الشيخ أبو علي- إن دعوى الميراث تقدمت على دعوى النحل- و ذلك لأنه ثبت أن فاطمة- انصرفت عن ذلك المجلس غير راضية و لا موافقة لأبي بكر- فلو كانت دعوى الإرث متأخرة- و انصرفت عن سخط- لم يثبت الإجماع على تخصيص الكتاب بخبر الواحد- أما إذا كانت دعوى الإرث متقدمة فلما روى لها الخبر- أمسكت و انتقلت إلى النزاع من جهة أخرى- فإنه يصح حينئذ الاستدلال بالإجماع- على تخصيص الكتاب بخبر الواحد- .

    فأما أنا فإن الأخبار عندي متعارضة- يدل بعضها على أن دعوى الإرث متأخرة- و يدل بعضها على أنها متقدمة- و أنا في هذا الموضع متوقف- . و ما ذكره المرتضى من أن الحال تقتضي- أن تكون البداية بدعوى النحل فصحيح- و أما إخفاء القبر و كتمان الموت و عدم الصلاة- و كل ما ذكره المرتضى فيه فهو الذي يظهر و يقوى عندي- لأن الروايات به أكثر و أصح من غيرها- و كذلك القول في موجدتها و غضبها- فأما المنقول عن رجال أهل البيت فإنه يختلف- فتارة و تارة و على كل حال- فميل أهل البيت إلى ما فيه نصرة أبيهم و بيتهم- . و قد أخل قاضي القضاة بلفظة حكاها عن الشيعة- فلم يتكلم عليها و هي لفظة جيدة- قال قد كان الأجمل أن يمنعهم التكرم- مما ارتكبا منها فضلا عن الدين- و هذا الكلام لا جواب عنه- و لقد كان التكرم و رعاية حق رسول الله ص- و حفظ عهده يقتضي أن تعوض ابنته بشي ء يرضيها- إن لم يستنزل المسلمون عن فدك- و تسلم إليها تطييبا لقلبها- و قد يسوغ للإمام أن يفعل ذلك- من غير مشاورة المسلمين إذا رأى المصلحة فيه- و قد بعد العهد الآن بيننا و بينهم- و لا نعلم حقيقة ما كان و إلى الله نرجع الأمور

    وَ لَوْ شِئْتُ لَاهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ إِلَى مُصَفَّى هَذَا الْعَسَلِ- وَ لُبَابِ هَذَا الْقَمْحِ وَ نَسَائِجِ هَذَا الْقَزِّ- وَ لَكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ- وَ يَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الْأَطْعِمَةِ- وَ لَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوْ بِالْيَمَامَةِ مَنْ لَا طَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ- وَ لَا عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ- أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَ حَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى- وَ أَكْبَادٌ حَرَّى أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ-

    • وَ حَسْبُكَ عَاراً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَةٍوَ حَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

    أَ أَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ- هَذَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ- وَ لَا أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ- أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ- فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ- كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا- أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا- تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلَافِهَا وَ تَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا- أَوْ أُتْرَكَ سُدًى أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً- أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلَالَةِ أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ قد روي و لو شئت لاهتديت إلى هذا العسل المصفى- و لباب هذا البر المنقى فضربت هذا بذاك- حتى ينضج وقودا و يستحكم معقودا- . و

    روي و لعل بالمدينة يتيما تربا يتضور سغبا- أ أبيت مبطانا و حولي بطون غرثى- إذن يحضرني يوم القيامة و هم من ذكر و أنثى

    - . و روي بطون غرثى- بإضافة بطون إلى غرثى- . و القمح الحنطة- . و الجشع أشد الحرص- . و المبطان الذي لا يزال عظيم البطن من كثرة الأكل- فأما المبطن فالضامر البطن- و أما البطين فالعظيم البطن لا من الأكل- و أما البطن فهو الذي لا يهمه إلا بطنه- و أما المبطون فالعليل البطن- و بطون غرثى جائعة و البطنة الكظة- و ذلك أن يمتلئ الإنسان من الطعام امتلاء شديدا- و كان يقال ينبغي للإنسان أن يجعل وعاء بطنه أثلاثا- فثلث للطعام و ثلث للشراب و ثلث للنفس- .

    و التقمم أكل الشاة ما بين يديها بمقمتها أي بشفتها- و كل ذي ظلف كالثور و غيره فهو ذو مقمة- . و تكترش من أعلافها تملأ كرشها من العلف- . قوله أو أجر حبل الضلالة- منصوب بالعطف على يشغلني- و كذلك أترك و يقال أجررته رسنه إذا أهملته- . و الاعتساف السلوك في غير طريق واضح- . و المتاهة الأرض يتاه فيها أي يتحير- . و في قوله لو شئت لاهتديت- شبه من قول عمر- لو نشاء لملأنا هذا الرحاب من صلائق و صناب- و قد ذكرناه فيما تقدم- . و هذا البيت من أبيات منسوبة- إلى حاتم بن عبد الله الطائي الجواد و أولها-

    • أيا ابنة عبد الله و ابنة مالكو يا ابنة ذي الجدين و الفرس الورد
    • إذا ما صنعت الزاد فالتمسي لهأكيلا فإني لست آكله وحدي
    • قصيا بعيدا أو قريبا فإننيأخاف مذمات الأحاديث من بعدي
    • كفى بك عارا أن تبيت ببطنةو حولك أكباد تحن إلى القد
    • و إني لعبد الضيف ما دام نازلاو ما من خلالي غيرها شيمة العبد

    : وَ كَأَنِّي بِقَائِلِكُمْ يَقُولُ- إِذَا كَانَ هَذَا قُوتَ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ- فَقَدْ قَعَدَ بِهِ الضَّعْفُ عَنْ قِتَالِ الْأَقْرَانِ- وَ مُنَازَلَةِ الشُّجْعَانِ- أَلَا وَ إِنَّ الشَّجَرَةَ الْبَرِّيَّةَ أَصْلَبُ عُوداً- وَ الرَّوَاتِعَ الْخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلُوداً- وَ النَّابِتَاتِ الْعِذْيَةَ أَقْوَى وَقُوداً وَ أَبْطَأُ خُمُوداً- . وَ أَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَالضَّوْءِ مِنَ الضَّوْءِ- وَ الذِّرَاعِ مِنَ الْعَضُدِ- وَ اللَّهِ لَوْ تَظَاهَرَتِ الْعَرَبُ عَلَى قِتَالِي لَمَا وَلَّيْتُ عَنْهَا- وَ لَوْ أَمْكَنَتِ الْفُرَصُ مِنْ رِقَابِهَا لَسَارَعْتُ إِلَيْهَا- وَ سَأَجْهَدُ فِي أَنْ أُطَهِّرَ الْأَرْضَ مِنْ هَذَا الشَّخْصِ الْمَعْكُوسِ- وَ الْجِسْمِ الْمَرْكُوسِ- حَتَّى تَخْرُجَ الْمَدَرَةُ مِنْ بَيْنِ حَبِّ الْحَصِيدِ الشجرة البرية التي تنبت في البر الذي لا ماء فيه- فهي أصلب عودا من الشجرة التي تنبت في الأرض الندية- و إليه وقعت الإشارة بقوله- و الرواتع الخضرة أرق جلودا- . ثم قال و النابتات العذية التي تنبت عذيا- و العذي بسكون الذال الزرع لا يسقيه إلا ماء المطر- و هو يكون أقل أخذا من الماء من النبت سقيا- قال ع إنها تكون أقوى وقودا- مما يشرب الماء السائح أو ماء الناضح- و أبطأ خمودا و ذلك لصلابة جرمها- . ثم قال و أنا من رسول الله ص- كالضوء من الضوء و الذراع من العضد- و ذلك لأن الضوء الأول يكون علة في الضوء الثاني- أ لا ترى أن الهواء المقابل للشمس- يصير مضيئا من الشمس- فهذا الضوء هو الضوء الأول ثم إنه يقابل وجه الأرض فيضي ء وجه الأرض منه- فالضوء الذي على وجه الأرض هو الضوء الثاني- و ما دام الضوء الأول ضعيفا فالضوء الثاني ضعيف- فإذا ازداد الجو إضاءة- ازداد وجه الأرض إضاءة- لأن المعلول يتبع العلة- فشبه ع نفسه بالضوء الثاني- و شبه رسول الله ص بالضوء الأول- و شبه منبع الأضواء و الأنوار سبحانه- و جلت أسماؤه بالشمس التي توجب الضوء الأول- ثم الضوء الأول يوجب الضوء الثاني- و هاهنا نكتة- و هي أن الضوء الثاني يكون أيضا علة لضوء ثالث- و ذلك أن الضوء الحاصل على وجه الأرض- و هو الضوء الثاني- إذا أشرق على جدار مقابل ذلك الجدار- قريبا منه مكان مظلم- فإن ذلك المكان يصير مضيئا بعد أن كان مظلما- و إن كان لذلك المكان المظلم باب- و كان داخل البيت مقابل ذلك الباب جدار- كان ذلك الجدار أشد إضاءة من باقي البيت- ثم ذلك الجدار إن كان فيه ثقب إلى موضع آخر- كان ما يحاذي ذلك البيت- أشد إضاءة مما حواليه- و هكذا لا تزال الأضواء- يوجب بعضها بعضا على وجه الانعكاس بطريق العلية- و بشرط المقابلة و لا تزال تضعف درجة درجة- إلى أن تضمحل و يعود الأمر إلى الظلمة- و هكذا عالم العلوم- و الحكم المأخوذة من أمير المؤمنين ع- لا تزال تضعف كما انتقلت من قوم إلى قوم- إلى أن يعود الإسلام غريبا كما بدأ- بموجب الخبر النبوي الوارد في الصحاح- . و أما قوله و الذراع من العضد- فلأن الذراع فرع على العضد و العضد أصل- أ لا ترى أنه لا يمكن أن يكون ذراع إلا إذا كان عضد- و يمكن أن يكون عضد لا ذراع له- و لهذا قال الراجز لولده-

    • يا بكر بكرين و يا خلب الكبدأصبحت مني كذراع من عضد

    فشبه ع بالنسبة إلى رسول الله ص بالذراع- الذي العضد أصله و أسه- و المراد من هذا التشبيه- الإبابة عن شدة الامتزاج و الاتحاد و القرب بينهما- فإن الضوء الثاني شبيه بالضوء الأول- و الذراع متصل بالعضد اتصالا بينا- و هذه المنزلة قد أعطاه إياها رسول الله ص- في مقامات كثيرة نحو

    قوله في قصة براءة قد أمرت أن لا يؤدي عني إلا أنا أو رجل مني

    و قوله

    لتنتهن يا بني وليعة- أو لأبعثن إليكم رجلا مني- أو قال عديل نفسي

    - و قد سماه الكتاب العزيز نفسه- فقال وَ نِساءَنا وَ نِساءَكُمْ وَ أَنْفُسَنا وَ أَنْفُسَكُمْ و

    قد قال له لحمك مختلط بلحمي- و دمك مسوط بدمي و شبرك و شبري واحد

    - . فإن قلت أما قوله- لو تظاهرت العرب علي لما وليت عنها فمعلوم- فما الفائدة في قوله- و لو أمكنت الفرصة من رقابها لسارعت إليها- و هل هذا مما يفخر به الرؤساء و يعدونه منقبة- و إنما المنقبة أن لو أمكنته الفرصة تجاوز و عفا- . قلت غرضه أن يقرر في نفوس أصحابه- و غيرهم من العرب أنه يحارب على حق- و أن حربه لأهل الشام كالجهاد أيام رسول الله ص- و أن من يجاهد الكفار يجب عليه أن يغلظ عليهم- و يستأصل شأفتهم- أ لا ترى أن رسول الله ص لما جاهد بني قريظة- و ظفر لم يبق و لم يعف- و حصد في يوم واحد رقاب ألف إنسان صبرا في مقام واحد- لما علم في ذلك من إعزاز الدين و إذلال المشركين- فالعفو له مقام و الانتقام له مقام- . قوله و سأجهد في أن أطهر الأرض- الإشارة في هذا إلى معاوية- سماه شخصا معكوسا و جسما مركوسا- و المراد انعكاس عقيدته و أنها ليست عقيدة هدى- بل هي معاكسة للحق و الصواب- و سماه مركوسا من قولهم ارتكس في الضلال- و الركس رد الشي ء مقلوبا قال تعالى- وَ اللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أي قلبهم- و ردهم إلى كفرهم- فلما كان تاركا للفطرة التي كل مولود يولد عليها- كان مرتكسا في ضلالة- و أصحاب التناسخ يفسرون هذا بتفسير آخر- قالوا الحيوان على ضربين منتصب و منحن- فالمنتصب الإنسان- و المنحني ما كان رأسه منكوسا إلى جهة الأرض- كالبهائم و السباع- . قالوا و إلى ذلك وقعت الإشارة بقوله- أَ فَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى - أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ- . قالوا فأصحاب الشقاوة- تنتقل أنفسهم عند الموت إلى الحيوان المكبوب- و أصحاب السعادة تنتقل أنفسهم إلى الحيوان المنتصب- و لما كان معاوية عنده ع من أهل الشقاوة- سماه معكوسا و مركوسا رمزا إلى هذا المعنى- . قوله حتى تخرج المدرة من بين حب الحصيد- أي حتى يتطهر الدين و أهله منه- و ذلك لأن الزراع يجتهدون في إخراج المدر- و الحجر و الشوك و العوسج و نحو ذلك- من بين الزرع كي تفسد منابته- فيفسد الحب الذي يخرج منه- فشبه معاوية بالمدر و نحوه من مفسدات الحب- و شبه الدين بالحب الذي هو ثمرة الزرع: وَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ وَ هُوَ آخِرُهُ- إِلَيْكِ عَنِّي يَا دُنْيَا فَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ- قَدِ انْسَلَلْتُ مِنْ مَخَالِبِكِ- وَ أَفْلَتُّ مِنْ حَبَائِلِكِ- وَ اجْتَنَبْتُ الذَّهَابَ فِي مَدَاحِضِكِ- أَيْنَ الْقُرُونُ الَّذِينَ غَرَرْتِهِمْ بِمَدَاعِبِكِ- أَيْنَ الْأُمَمُ الَّذِينَ فَتَنْتِهِمْ بِزَخَارِفِكِ- فَهَا هُمْ رَهَائِنُ الْقُبُورِ وَ مَضَامِينُ اللُّحُودِ- وَ اللَّهِ لَوْ كُنْتِ شَخْصاً مَرْئِيّاً وَ قَالَباً حِسِّيّاً- لَأَقَمْتُ عَلَيْكِ حُدُودَ اللَّهِ فِي عِبَادٍ غَرَرْتِهِمْ بِالْأَمَانِيِّ- وَ أُمَمٍ أَلْقَيْتِهِمْ فِي الْمَهَاوِي- وَ مُلُوكٍ أَسْلَمْتِهِمْ إِلَى التَّلَفِ- وَ أَوْرَدْتِهِمْ مَوَارِدَ الْبَلَاءِ إِذْ لَا وِرْدَ وَ لَا صَدَرَ- هَيْهَاتَ مَنْ وَطِئَ دَحْضَكِ زَلِقَ- وَ مَنْ رَكِبَ لُجَجَكِ غَرِقَ- وَ مَنِ ازْوَرَّ عَنْ حَبَائِلِكِ وُفِّقَ- وَ السَّالِمُ مِنْكِ لَا يُبَالِي إِنْ ضَاقَ بِهِ مُنَاخُهُ- وَ الدُّنْيَا عِنْدَهُ كَيَوْمَ حَانَ انْسِلَاخُهُ إليك عني أي ابعدي- و حبلك على غاربك كناية من كنايات الطلاق- أي اذهبي حيث شئت- لأن الناقة إذا ألقي حبلها على غاربها- فقد فسح لها أن ترعى حيث شاءت- و تذهب أين شاءت لأنه إنما يردها زمامها- فإذا ألقي حبلها على غاربها فقد أهملت- . و الغارب ما بين السنام و العنق- و المداحض المزالق- . و قيل إن في النسخة التي بخط الرضي رضي الله عنه- غررتيهم بالياء- و كذلك فتنتيهم و ألقيتيهم- و أسلمتيهم و أوردتيهم- و الأحسن حذف الياء- و إذا كانت الرواية وردت بها- فهي من إشباع الكسرة كقوله-

    أ لم يأتيك و الأنباء تنمي بما فعلت لبون بني زياد

    و مضامين اللحود أي الذين تضمنتهم- و في الحديث نهى عن بيع المضامين و الملاقيح- و هي ما في أصلاب الفحول و بطون الإناث- .

    ثم قال لو كنت أيتها الدنيا إنسانا محسوسا- كالواحد من البشر لأقمت عليك الحد كما فعلت بالناس- . ثم شرح أفعالها فقال- منهم من غررت- و منهم من ألقيت في مهاوي الضلال و الكفر- و منهم من أتلفت و أهلكت- . ثم قال و من وطئ دحضك زلق- مكان دحض أي مزلة- . ثم قال لا يبالي من سلم منك إن ضاق مناخه- لا يبالي بالفقر و لا بالمرض- و لا بالحبوس و السجون و غير ذلك من أنواع المحن- لأن هذا كله حقير لا اعتداد به- في جنب السلامة من فتنة الدنيا- . قال و الدنيا عند من قد سلم منها- كيوم قرب انقضاؤه و فناؤه: اعْزُبِي عَنِّي فَوَاللَّهِ لَا أَذِلُّ لَكِ فَتَسْتَذِلِّينِي- وَ لَا أَسْلَسُ لَكِ فَتَقُودِينِي- وَ ايْمُ اللَّهِ يَمِيناً أَسْتَثْنِي فِيهَا بِمَشِيئَةِ اللَّهِ- لَأَرُوضَنَّ نَفْسِي رِيَاضَةً تَهِشُّ مَعَهَا إِلَى الْقُرْصِ- إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهِ مَطْعُوماً- وَ تَقْنَعُ بِالْمِلْحِ مَأْدُوماً- وَ لَأَدَعَنَّ مُقْلَتِي كَعَيْنِ مَاءٍ نَضَبَ مَعِينُهَا- مُسْتَفْرِغَةً دُمُوعَهَا- أَ تَمْتَلِئُ السَّائِمَةُ مِنْ رِعْيِهَا فَتَبْرُكَ- وَ تَشْبَعُ الرَّبِيضَةُ مِنْ عُشْبِهَا فَتَرْبِضَ- وَ يَأْكُلُ عَلِيٌّ مِنْ زَادِهِ فَيَهْجَعَ- قَرَّتْ إِذاً عَيْنُهُ إِذَا اقْتَدَى بَعْدَ السِّنِينَ الْمُتَطَاوِلَةِ- بِالْبَهِيمَةِ الْهَامِلَةِ وَ السَّائِمَةِ الْمَرْعِيَّةِ- طُوبَى لِنَفْسٍ أَدَّتْ إِلَى رَبِّهَا فَرْضَهَا- وَ عَرَكَتْ بِجَنْبِهَا بُؤْسَهَا وَ هَجَرَتْ فِي اللَّيْلِ غُمْضَهَا- حَتَّى إِذَا غَلَبَ الْكَرَى عَلَيْهَا افْتَرَشَتْ أَرْضَهَا- وَ تَوَسَّدَتْ كَفَّهَا- فِي مَعْشَرٍ أَسْهَرَ عُيُونَهُمْ خَوْفُ مَعَادِهِمْ- وَ تَجَافَتْ عَنْ مَضَاجِعِهِمْ جُنُوبُهُمْ- وَ هَمْهَمَتْ بِذِكْرِ رَبِّهِمْ شِفَاهُهُمْ- وَ تَقَشَّعَتْ بِطُولِ اسْتِغْفَارِهِمْ ذُنُوبُهُمْ- أُولئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ- فَاتَّقِ اللَّهَ يَا ابْنَ حُنَيْفٍ وَ لْتَكْفُفْ أَقْرَاصُكَ- لِيَكُونَ مِنَ النَّارِ خَلَاصُكَ اعزبي ابعدي يقال عزب الرجل بالفتح أي بعد- و لا أسلس لك بفتح اللام أي لا أنقاد لك- سلس الرجل بالكسر يسلس فهو بين السلس- أي سهل قياده- .

    ثم حلف و استثنى بالمشيئة أدبا- كما أدب الله تعالى رسوله ص- ليروضن نفسه أي يدربها بالجوع- و الجوع هو أصل الرياضة عند الحكماء و أرباب الطريقة- . قال حتى أهش إلى القرص- أي إلى الرغيف و أقنع من الإدام بالملح- . و نضب معينها فني ماؤها- . ثم أنكر على نفسه فقال- أ تشبع السائمة من رعيها بكسر الراء- و هو الكلأ و الربيضة- جماعة من الغنم أو البقر تربض في أماكنها- و أنا أيضا مثلها أشبع و أنام- . لقد قرت عيني إذا حيث أشابه البهائم- بعد الجهاد و السبق و العبادة و العم و الجد في السنين المتطاولة- . قوله و عركت بجنبها بؤسها- أي صبرت على بؤسها و المشقة التي تنالها- يقال قد عرك فلان بجنبه الأذى- أي أغضى عنه و صبر عليه- .

    قوله افترشت أرضها- أي لم يكن لها فراش إلا الأرض- . و توسدت كفها لم يكن لها وسادة إلا الكف- . و تجافت عن مضاجعهم جنوبهم- لفظ الكتاب العزيز- تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ- . و همهمت تكلمت كلاما خفيا- . و تقشعت ذنوبهم- زالت و ذهبت كما يتقشع السحاب- . قوله و لتكفف أقراصك- إنما هو نهي لابن حنيف أن يكف عن الأقراص- و إن كان اللفظ يقتضي أن تكف الأقراص عن ابن حنيف- و قد رواها قوم بالنصب- قالوا فاتق الله يا ابن حنيف و لتكفف أقراصك- لترجو بها من النار خلاصك- و التاء هاهنا للأمر عوض الياء- و هي لغة لا بأس بها- و قد قيل إن رسول الله ص قرأ- فبذلك فلتفرحوا بالتاء

    ( . شرح نهج البلاغه ابن ابی الحدید، ج16، ص 205-296)

    شرح نهج البلاغه منظوم

    (45) و من كتاب لّه عليه السّلام الى عثمان ابن حنيف الأنصارىّ و هو عامله على البصرة و قد بلغه أنّه دعى إلى وليمة قوم من أهلها فمضى إليها:

    القسم الأول

    أمّا بعد، يا ابن حنيف فقد بلغنى أنّ رجلا مّن فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، و تنقل إليك الجفان، و ما ظننت أنّك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مّجفوّ، و غنيّهم مّدعوّ، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه عليك علمه فالفظه، و ما أيقنت بطيب وجهه فنل منه.

    ألا و إنّ لكلّ مأموم إماما يّقتدى به، و يستضي ء بنور علمه، ألا و إنّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، و من طعمه بقرصيه، ألا و إنّكم لا تقدرون على ذلك، و لكن أعينونى بورع وّ اجتهاد، وّ عفّة وّ سداد، فو اللّه ما كنزت من دنياكم تبرا، وّ لا ادّخرت من غنائمها وفرا، وّ لا أعددت لبالى ثوبى طمرا.

    ترجمه

    از نامه هاى آن حضرت عليه السّلام است بعثمان ابن حنيف انصارى بهنگامى كه او فرماندار بصره بود و خبر بحضرت رسيد كه او بمهمانى گروهى از بصريان كه بمهمانيش فرا خوانده رفته است.

    (عثمان ابن حنيف و برادرش سهل ابن حنيف از اصحاب رسول خدا (ص ع) و ياران و دوستان خالص حضرت امير المؤمنين عليه السّلام و عثمان يكى از دوازده نفرى است كه در مسجد بر له حضرت امير عليه السّلام سخنرانى كردند رجاليّون احاديث اين دو برادر را مورد اطمينان و عمل قرار داده اند. بهنگامى كه طلحه و زبير بر بصره راه يافتند خزانه داران را بكشتند و جناب عثمان را موى سر و ريش و مژه و ابرو كنده و از شهر بيرونش كردند، وقتى كه در بين راه بحضرت أمير المؤمنين عليه السّلام رسيد حضرت بر حالش گريان شده فرمودند از نزد ما پير رفته و جوان بازگشته، بارى حضرت بوى نوشتند، اى فرماندار بصره) اى پسر حنيف مرا رسيده است كه جوانى بصرى (شايد براى رسيدن بمقامى خوانى رنگين گسترده، و طعامهاى چرب و شيرين چيده و بدان طعام) تو را خوانده، و تو هم شتابان رفته، در آن مهمانى خورشهاى الوان و قدحهاى سرشار براى تو خواسته و بسويت آورده مى شده است، در صورتى كه من اين گمان را نداشتم كه تو بمهمانى مردمى (بى فكر و رحم و عاطفه) بروى كه در مهمانيها عيالمند تهى دست را به ستم برانند، و توانگرشان را بخوانند، (مگر نمى دانى طعام چنين مردمى بحلال و حرام آميخته خوردنى، و دعوتشان پذيرفتنى نيست، اينان را بگذار همچون بهائم سر در آخور خويش باشند، و در آخرت بسزاى خود برسند اى عثمان) در آنچه از اين گونه خوراكيها كه دندان مى نهى نيك بنگر، هر آنچه دانشش بر تو پوشيده (و حلّ و حرمتش نزدت مجهول) است بفوريّتش از دست بنه، و آنچه مى دانى از راه پاكيزه، و حلال بدست آمده (باندازه كفايت) تناول كن، هان اى عثمان مگر نمى دانى براى هر پيروى پيشوائى است كه بايستى از او پيروى كرده، و بنور دانش وى روشنى جويد، مگر نمى دانى پيشواى شما از دنيايش (در پوشاك) بدو جامه كهين، و از خوراك بدو قرص جوين پسنده كرده است (اگر شما مدّعى پيروى از على هستيد، با وجود بودن اين همه برهنگان و گرسنگان اين نرم و نازك پوشيدن، و اين چرب و شيرين خوردن و نوشيدن از چه و به پيروى از كيست) درست است كه شما توانائى اين گونه زندگى كردن را نداريد و لكن (اين مى توانيد كه) مرا بزهد و پاكدامنى و كوشش (در راه حق) يارى دهيد، پس (تا اين اندازه كوتاهى نكنيد) سوگند با خداى من از دنياى شما طلائى نيندوخته، و از غنائم آن مالى فراوان گرد نگرده، و بجز اين كهن جامه كه در بر دارم، جامه ديگرى تهيّه نديده ام.

    نظم

    • چو عثمان بن حنيف از جانب شهبشد والىّ و فرماندار بصره
    • يكى از بصريان گستردخوانىبخواند او را براى ميهمانى
    • ز خوى نيك آن دعوت اجابتنمود عثمان و شد در آن ضيافت
    • بريدى اين خبر اندر نهان گفتمگر با شاه و سخت آن شه برآشفت
    • ز نوك خامه آتش پاره باريدچنين اين نامه بر عثمان نگاريد
    • شنيدستم يكى از راد مردانتو را كرده است اندر بصره مهمان
    • مهيّا كرده انواع خورشهالذيذ و چرب و شيرين و ترشها
    • ز شربتها كه كمتر ديده ديدهمرتّب پيشت اندر سفره چيده
    • كشيدى تو قدح لبريز و سرشارتعارف بود و نوشانوش در كار
    • بحرص از آن غذاها سير خوردىفقير و گرسنه از ياد بردى
    • مرا در باره ات نيكو گمانىاز اين بد نيك تر در زندگانى
    • ندانستم شوى مهمان بر آنانكه ره نبود فقيران را بنانشان
    • پذيرائى نمايند از توانگرو ليكن ناتوان رانند از در
    • رخ نادارشان چون زعفران استز دارا رخ برنگ ارغوان است
    • چنين دعوت بدان پذيرفتنى نيستطعام اين چنين كس خوردنى نيست
    • بدين جاهات از اين پس گر كه خواندندبصدر مجلست اندر نشاندند
    • بسوى هر طعامى دست بردىبر آن با اشتها دندان فشردى
    • نكو بنگر گر از مال حلال استخوراكش خالى از رنج و ملال است
    • بخور ورنه در آن گر شبهه دارىببايد زود از دستش گذارى
    • بگيتى هر كسى را پيشوائى استكه پيرو را بجاى پاش پائى است
    • بهر راهى پى او راه پويدز نور دانش وى نور جويد
    • هلا منكه شماها را اميرمز پوشاك و خوراك دهر سيرم
    • طعامم اكل قرصين جوين استبدن پوشم دو كرباس كهين است
    • از آن نگرفته ام مالى فراواننگردم گرد زر از زيور آن
    • جز اين جامه كه پوشاندم به پيكربحقّ حق ندارم جامه ديگر
    • به جسم اين جامه چون گرديده پارهبپوشم ثوب كرباسين دوباره
    • شماها گر مرا از شيعيانيدبراهى غير راهم چون روانيد
    • به پيكرتان بود لبس حريرينبخوانتان خوردنيها چرب و شيرين
    • بساط عيشتان نيكو فراهمهنوز از پيروىّ من زده دم
    • بلى دانم شما در ناتوانىهمه هستيد ز اينسان زندگانى
    • قدم چون من نه بتوانيد هشتنبكار و از سر گيتى گذشتن
    • و ليكن آخر اين را مى توانيدكه خود با زهد سوى من كشانيد
    • بسعى و كوشش اندر كار بارىمرا از جان و دل بدهيد يارى

    القسم الثاني

    بلى كانت في أيدينا فدك مّن كلّ مّا أظلّته السّماء. فشحّت عليها نفوس قوم، و سخت عنها نفوس قوم آخرين، و نعم الحكم اللَّه و ما أصنع بفدك وّ غير فدك وّ النّفس مظانّها في غد جدث تنقطع في ظلمته اثارها، و تغيب أخبارها، و حفرة لو زيد في فسحتها، و أوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر و المدر، و سدّ فرجها التّراب المتراكم، و إنّما هى نفسى أروضها بالتّقوى لتأتى امنة يّوم الخوف الأكبر، و تثبت على جوانب المزلق.

    ترجمه

    چنانكه گفتم من از درهم و دينار و ضياع و عقار جهان چيزى نيندوخته ام چرا از تمامت آنچه آسمان بر آن سايه مى افكند و خورشيد بر آن مى تابد فقط يك فدكى در دست ما مانده بود كه خرج روزانه را كفايت ميكرد گروهى بر آن هم بخل ورزيده گرد هم نشستند و گفتند تا فدك در دست على ع باقى است محال است با ما بيعت كند بهر وسيله است بايد آنرا از وى گرفت آن گاه فرستادند و كارگذاران زهرا ع را با ستم از فدك رانده و آنرا تصاحب كردند، و بجاى اين كه آن غاصبين اقامه شهود بكنند از مالك و متصرّف شاهد خواستند، فاطمه ع را آزردند، سندى كه رسول خدا ص برايش در باره فدك نوشته بود دريدند گروهى ديگر من و اهل بيتم وقتى چنين ديدند دست از آن بازداشتند و داورى را بخدا گذاشتند و چه نيكو داورى است خداوند كه داد ستمكش را بزودى از ستمگر خواهد ستاند، ناگفته نماند: يكى از جاهائى كه مذهب تشيّع بدان ثابت است، همين موضع از فرمايش حضرت است كه آشكارا از غاصبين فدك شكايت كرده، داورى را بخدا گذاشته اند و با اين كه اغلب علماء اهل سنّت باين نامه و اين فراز از آن برخورد كرده اند معذلك دوستى دنيا نگذاشته است كه از راه حقّ پيروى كنند، و ديگران را گمراه ننمايند آقاى ابن الحديد در اينجا خيلى دست و پا زده و حدود 32 صفحه در شرح اين كه فدك چه زمينى بوده، و از بنى اميّه چه كس غصب كرده، و در چه زمان باهل بيت پس داده شده، و حديث مجعول از جانب ابى بكر را كه در جواب حضرت صدّيقه طاهره سلام عليها گفت، پدرت بمن فرموده است ما انبياء از خود ميراثى بر جاى نمى گذاريم، و مطالبى ديگر را نقل كرده است مع ذلك در آخر فصل در صفحه 106 جلد سوّم خواهى نخواه حق بزبانش جارى شده گويد: از مجموع اين سخنان اين نتيجه عايد مى شود كه دعوى فاطمه سلام اللَّه عليها در سر ارث درست و تكلّم نكردن حضرت زهرا با ابى بكر و آزردن و خشمگين ساختن آن مظلومه را و نماز نخواندن او بر جنازه آن حضرت ع و پنهان داشتن قبر او را و چيزهاى ديگرى را كه شيعه در اين موضوع نقل كرده در نزد من درست و صحيح است او اين سخن را مى گويد، و در جاهاى ديگر، آشكارا از دشمنى با شيعه دريغ نمى نمايد، بارى حضرت عليه السّلام فرمايد: اگر ابى بكر و عمر زهرا را آزرده و فدك را بردند ببرند آخر من فدك و جز فدك را براى چه مى خواهم، در صورتى كه جايگاه انسان در فردا تنگناى گوريست كه نشانه ها در تاريكيش گم، و خبرها در زير خاكهاى آن نهان است، آن گور گودالى است كه اگر دو دست گوركن در گشاديش كوشيده، و وسعتش زياد شده باشد، البتّه سنگ و كلوخ آنرا بهم گرفته، و درز، و رخنه هايش را با خاك روى هم انباشته شده ببندد بنا بر اين مرا بفدك و جز آن نيازى نيست اين منم كه نفس خويش را بتقوى و ترس از خدا رياضت مى دهم، تا در روزى كه ترس آن بسيار است آسوده آيد، و بر اطراف لغزشگاه صراط پايدار بپايد.

    نظم

    • چو از گيتى بدم همواره تن زنفشاندم بر زرش با عزم دامن
    • ز هر چه سايه زن بر آن فلك بودفقط در دست ما باغ فدك بود
    • كه خرج ما ز دخلش بود تعيينوز آن برنامه روزانه تدوين
    • در آن قومى بچشم رشك ديدندبرون آنرا هم از دستم كشيدند
    • شود تا باغ دين و شرع خرّمنريزد آن بنا را پايه درهم
    • دلى از دست امّت پر ز رنجشگذشتيم از فدك از جود و بخشش
    • حكم اندر ميان كرده خدا راكه او گيرد از آنان حقّ ما را
    • چه نيكو حكمرانى دادگستربود در روز محشر ذات داور
    • كه در جنّت دهد جاى ستمكشستمگر را كشاند سوى آتش
    • به پيش پا چو از مرگ است راهمفدك را ديگر از بهر چه خواهم
    • بفردا جا چو اندر گور تار استچكارم با ضياع و با عقار است
    • بگورى كه در آن گم هر نشان استخبر در زير خاك آن نهان است
    • چه گودالى كه گر با تيشه حفّارز غفلت وسعتش را كرد بسيار
    • ز نو با خشت و هم با خاك و سنگشبچيند رخنه سازد نيك تنگش
    • لحد سازد بقيد قدّ انسانكند محكم بگل هر منفذ از آن
    • فدك يا كه جز آن را باز بگذارسخن از گور تار و مار ميآر
    • كنم تا خويش را نيكو حفاظتبتقوى نفس را دادم رياضت
    • بفردا تا رهم از طعنه و دقروان امروز گشتم در ره حق
    • كه در روزى كه بيمش هست بسياربكيفر هر بشر دارد سر و كار
    • بياسايد در آن آسوده جانمز لغزش دور و پا بر جا بمانم

    القسم الثالث

    و لو شئت لاهتديت الطّريق إلى مصفّى هذا العسل، و لباب هذا القمح، و نسائج هذا القزّ، و لكن هيهات أن يّغلبنى هواى و يقودني جشعى إلى تخيّر الأطعمة و لعلّ بالحجاز أو اليمامة من لّا طمع له في القرص، و لا عهد له بالشّبع أو أبيت مبطانا وّ حولى بطون غرثى، و أكباد حرّى، أو أكون كما قال القائل:

    • و حسبك داء أن تبيت ببطنةو حولك أكباد تحنّ إلى القدّ

    ترجمه

    اين ترس از خدا و حشر و قيامت است كه مرا تا اين اندازه بدنيا بى اعتنا كرده است، ورنه من اگر بجهان و زندگانيش دلبستگى داشته باشم و اگر بخواهم البتّه بسوى پاكيزگى اين عسل و مغز اين گندم و بافته هاى اين جامه ابريشم بخوبى راه مى برم و برايم ميسّر است كه خوراك و پوشاك خويش را از آن و اين ترتيب دهم و لكن دست آرزو از دامان على بسى بدور، و آز و شره با همه شدّت و حدّت كجا بتواند مرا وادار بگزيدن خوراكها و پوشاكهاى نرم و گوارا سازد، و حال آنكه ممكن است در حجاز و يمامه كسى باشد كه اميد به يافتن قرص نانى نداشته، و سير شدن را بياد ندارد، آيا سزاوار است كه من با شكم پر شب بروز آرم، و در اطراف كشورم شكمهاى گرسنه، و جگرهائى كه از فرط غذا نخوردن گرم و تفتيده است، وجود داشته باشد، مگر من چنانم كه آن گوينده حاتم طائى بعيالش گفت: و حسبك داء أن تبيت ببطنة و حولك أكباد تحنّ إلى القدّ يعنى اين درد تو را بس كه شب با شكم پر بخوابى و در گردت جگرها باشد كه آرزومند قطعه از پوستند تا چه رسد بغذا و خوراك نه على ع چنين نيست ما دام كه در كشورهاى اسلامى گرسنگان و برهنگان وجود دارند او در خوراك و پوشاك خويش را با آنان برابر خواهد گرفت، تا گرسنه رنج نبرد، و برهنه آزار نكشد.

    نظم

    • اگر نه در دلم ترس از خدا بودبدنيايم اگر كه اعتنا بود
    • بسوى اين عسل كاينسان مصفّا استو يا برگندمين نانى كه اعلا است
    • و يا آن جامه كز ابريشمش بافتهمان نسّاج و جان زان خرّمى يافت
    • توانستم بدانها راه بردناز آن پوشيدن از اين نيز خوردن
    • و ليك از دامن من دست خواهشبدور است و بدل بسته است راهش
    • اگر آز و شره را طبع تند استبمن نيز آتشش سرد است و كند است
    • على چون جامه از ديبا بپوشدخورد سير و ز شربتها بنوشد
    • و حال آنكه در ارض تهامهدر اطراف حجاز و هم يمامه
    • شكمهاى گرسنه روى خاك استجگرها بهر نانى زخم و چاك است
    • بنار فقر اشخاصى بسوزاندگرسنه از سر شب تا بروزاند
    • اميد قرصه نانى ندارندبخاطر عهد سيرى را نياراند
    • در اين صورت اگر دون تفكّرشكم را از غذاها من كنم پر
    • بدور از راه و رسم و عدل و دادمرعيّت را اميرى كج نهادم
    • چنان باشم كه آن شاعر گهر سفتز راه سرزنش باز وجه اش گفت
    • كه بس باشد تو را اين درد و محنتكه بيرونى ز رنج و درد امّت
    • ز پرخوارى تو شب افتاده دربندبنان گردت جگرها آرزومند
    • نه تنها از غذا خالى كف او استبحسرت هست بهر پاره پوست
    • خلاصه من بفكر مردمانمنه بند خويش چون گردنكشانم
    • على لذّت ز عمر آن گاه يابدكه سير آن بينوا در شب بخوابد

    القسم الرابع

    أ أقنع من نّفسى بأن يّقال أمير المؤمنين و لا أشاركهم في مكاره الدّهر أو أكون أسوة لّهم في جشوبة العيش، فما خلقت ليشغلنى أكل الطّيّبات كالبهيمة المربوطة همّها علفها، أو المرسلة شغلها تقمّمها، تكترش من أعلافها، و تلهوا عمّا يراد بها، أو أترك سدى، أو أهمل عابثا، أو أجرّ حبل الضّلالة، أو أعتسف طريق المتاهة، و كأنّى بقائلكم يقول: إذا كان هذا قوت ابن أبي طالب فقد قعد به الضّعف عن قتال الأقران و منازلة الشّجعان ألّا و إنّ الشّجرة البريّة أصلب عودا، و الرّوائع الخضرة أرقّ جلودا، وّ النّباتات البدويّة أقوى وقودا وّ أبطأ خمودا وّ أنا من رّسول اللَّه كالصّنو من الصّنو و الذّراع من العضد. و اللَّه لو تظاهرت العرب على قتالى لما ولّيت عنها، و لو أمكنت الفرص من رّقابها لسارعت إليها، و سأجهد في أن أطهّر الأرض من هذا الشّخص المعكوس، و الجسم المركوس، حتّى تخرج المدرة من بين حبّ الحصيد.

    ترجمه

    پسر حنيف آيا سزاوار است كه من از خويشتن بهمين پسنده كنم كه در باره ام پيشواى مؤمنان گفته شود و با مردم در سختيهاى روزگار شركت نكرده، و در ناگواريهاى زندگى پيشاهنگ آنان نباشم آيا رسم رياست و سلطنت همين است كه ملّت بسوز و گداز، و من در ساز و نواز باشم نه چنين است مرا براى اين نيافريده اند كه در خوردن طعامهاى پاكيزه و پوشيدن جامه هاى نيكو از آنچه كه بشر براى آن آفريده شده است سرگرمم سازد، چونان چارپاى بندئى كه تمام همّتش بعلف مصروف و يا همچون حيوان رها شده كه شغلش چريدن بين دو دستش ميباشد، آن حيوان بيخبر از اين كه چه قصدى برايش دارند و او را براى چه روزى مى پرورانند به پر كردن شكم از علفهايش سر گرم است آيا خوب است كه على هم اين طور باشد مگر مرا اين طور بيهوده و سرخود وامى گذارند، من چرا بدون فكر و انديشه كشاننده ريسمان گمراهى و رهسپار وادى سرگردانى باشم و يا چرا همچون انبياء و اولياء براه حق روان نباشم گويا گوينده شما را مى نگرم كه گويد اگر خوراك پسر ابي طالب اين باشد، البتّه سستى و ناتوانى او را از برابرى با دليران تهمتن، و رزم دادن با گردان لشكر شكن باز مى دارد اين گوينده ظاهرنگر سخت در اشتباه است، و از قواى روح و نيروى ايمان كه در اثر رياضت و بندگى پروردگار بدست مى آيد بسيار دور و بيخبر است او را از من بگوئيد: دانسته باش كه چوب درخت دشتى كه روى خارا روئيده، و بآفتاب سوخته و جز از باران آب نمى گيرد بسى سخت تر است و درختهاى سبز و خرّم كه در باغستانها كنار جويبارها روئيده است بسيار كم دوامتر و پوستشان نازكتر است آن گياههاى ديمى را بنگريد كه چسان شراره آتشش فروزانتر و خاموشيش ديرتر است بشر نيز چنين است هر چه پرورشش در نعمت و ناز كمتر و رنجش بيشتر، درشتى استخوان، قوّت دل، نيروى بدن، آتش خشم، و اخگر شجاعتش شرر بارتر است، مگر رسول خدا ص ع نبود كه اين همه در خوراك و پوشاك امساك كرده، از فرط گرسنگى سنگ بر شكم مى بست، معذلك از تمامى مردمان در ميدان جنگ بدشمن نزديكتر بود پيوستگى من نيز با رسول خدا صلّى اللَّه عليه و آله همچون نخلى از نخل، و دستى از بازو است، نيروى ايمان و دلاورى من تا آن اندازه است كه اگر تمامى عرب پشت به پشت هم داده همدست و همداستان بكين و پيكار من كمر بربندند، سوگند با خداى كه من پشت بمعركه نكرده و از آنان رخ نتافته، و در صورت بدست افتادن فرصت بر آنان مى تازم، و همه را در راه خدا گردن مى زنم، نشدنى است كه على از پيكار در راه حقّ و حقيقت دمى برآسايد زودا كه با تمامى توان و توشم بكوشم تا زمين را از اين مردك وارون و كالبد نگون بپردازم و معاويه را بدوزخ در اندازم، و اين كوشش را ادامه خواهم داد تا اين كه كلوخ از ميان دانه درو شده به يك سوى شود و گندم اسلام از ريگ كفر و نفاق پاك و مجزّا گردد.

    نظم

    • روا نبود كه با كبر و مناعتكنم از خويشتن بر اين قناعت
    • كه مولى مردمم بر خويش دانندامير مؤمنانم خلق خوانند
    • بسختيها بآنان يار و همرنگنباشم در محن هم پيشآهنگ
    • رعيّت با غم و اندوه دمسازبه عيش و نوش من مقرون و انباز
    • خدا از بهر اين خلقم نفرمودكه آنان در زيان باشند و من سود
    • غذا و شربت الوان بنوشملباس از اطلس و ديبا بپوشم
    • چو آن حيوان كه او را بهر كشتارنمايد صاحب آن چاق و پروار
    • گر آن حيوان رها يا اين كه بسته استز فكر تيغ و كشتن پاك رسته است
    • نمى داند كه از بهر چه كاريششبانش ميكند تيمار خواريش
    • ز سر ببريدن خويش است غافلفقط آب و علف راهست مايل
    • سزاوار است آيا كانچنان منشوم سرگرم بر پروردن تن
    • بدنيا بهر اينم ناوريدندبراى عيش ما را نافريدند
    • نمى سازند مهمل واگذارمكه پا را هر كجا خواهم گذارم
    • نهم از دست راه فرّهى رابه پيمايم طريق گمرهى را
    • بعكس اين بميدان رياضتبتازم رخش و آرم سخت نهضت
    • قناعت را گشايم دست و بازوشوم با بينوايان همترازو
    • شگفتى را گمانم راه پويديكى گوينده اين گونه گويد
    • كه گر قوت على قرص جوين استغذا اين بر امير المؤمنين است
    • ز جنگ و از نبرد با دليرانشود سست و بماند روز ميدان
    • هجوم آرد بر او ضعف و توانىكند پهلو تهى از پهلوانى
    • نيارد شد باقران شاخ در شاخبر او تازد عدو سرمست و گستاخ

    ( . شرح نهج البلاغه منظوم، ج8، ص 12-33)

    منبع:پژوهه تبلیغ

    این موضوعات را نیز بررسی کنید:

    جدیدترین ها در این موضوع

    No image

    نامه 69 نهج البلاغه : نامه به حارث هَمْدانى در پند و اندرز

    نامه 69 نهج البلاغه اشاره دارد به "نامه به حارث هَمْدانى در پند و اندرز " .
    No image

    نامه 70 نهج البلاغه : روش برخورد با پديده فرار

    موضوع نامه 70 نهج البلاغه درباره "روش برخورد با پديده فرار" است.
    No image

    نامه 71 نهج البلاغه : سرزنش از خيانت اقتصادى

    نامه 71 نهج البلاغه به موضوع "سرزنش از خيانت اقتصادى" می پردازد.
    No image

    نامه 72 نهج البلاغه : انسان و مقدّرات الهى

    نامه 72 نهج البلاغه موضوع "انسان و مقدّرات الهى" را بررسی می کند.
    No image

    نامه 73 نهج البلاغه : افشاى سيماى دروغين معاويه

    نامه 73 نهج البلاغه موضوع "افشاى سيماى دروغين معاويه" را بررسی می کند.

    پر بازدیدترین ها

    No image

    نامه 28 نهج البلاغه : پاسخ به نامه معاویه

    نامه 28 نهج البلاغه به موضوع " پاسخ به نامه معاویه" می پردازد.
    No image

    نامه 45 نهج البلاغه : نامه به عثمان ابن حنيف انصارىّ حاکم بصره

    نامه 45 نهج البلاغه "به عثمان ابن حنيف انصارىّ حاکم بصره" می باشد.
    No image

    نامه 44 نهج البلاغه : افشاى توطئه معاويه نسبت به زياد

    نامه 44 نهج البلاغه به موضوع "افشاى توطئه معاويه نسبت به زياد" می پردازد.
    No image

    نامه 17 نهج البلاغه : بیان مقام و منزلت امیرالمومنین

    از نامه هاى آن حضرت عليه السّلام است به معاويه در پاسخ نامه اش (دو يا سه روز پيش از وقعه ليلة الهرير) كه در شرح خطبه سى و ششم بيان شد، در اين نامه مقام و منزلت خود را بيان فرموده و نادرستى سخنانى را كه بآن بزرگوار نوشته شرح داده و او را توبيخ و سرزنش نموده.
    Powered by TayaCMS