المختار الرابع و الستون و من كتاب له عليه السلام اليه أيضا
أمّا بعد، فقد آن لك أن تنتفع باللّمح الباصر من عيان [عين ] الأمور فلقد سلكت مدارج أسلافك بادّعائك الأباطيل، و إقحامك [اقتحامك ] غرور المين و الأكاذيب، و بانتحالك ما قد علا عنك و ابتزازك لما اختزن دونك، فرارا من الحقّ، و جهودا لما هو ألزم لك من لحمك و دمك، ممّا قد وعاه سمعك، و ملى ء به صدرك، فما ذا بعد الحقّ إلّا الضّلال المبين، و بعد البيان إلّا اللّبس فاحذر الشّبهة و اشتمالها على لبستها، فإنّ الفتنة طالما أغدفت جلابيبها، و أعشت الأبصار ظلمتها. و قد أتاني كتاب منك ذو أفانين من القول ضعفت قواها عن السّلم، و أساطير لم يحكها منك علم و لا حلم، أصبحت منها كالخائض في الدّهاس، و الخابط في الدّيماس، و ترقّيت إلى مرقبة بعيدة المرام، نازحة الأعلام، تقصر دونها الأنوق، و يحاذى بها العيّوق. و حاش للّه أن تلى للمسلمين بعدي صدرا أو وردا، أو أجرى لك على أحد منهم عقدا أو عهدا، فمن الان فتدارك نفسك و انظر لها، فإنّك إن فرّطت حتى ينهد إليك عباد اللّه أرتجت عليك الأمور، و منعت أمرا هو منك اليوم مقبول، و السّلام.
اللغة
(آن): قرب و حان، (اللمح الباصر): النظر بالعين الصحيحة، (الأباطيل) جمع الباطل على غير قياس، (المدارج): الطرائق، (الاقحام و الاقتحام): الدخول في الشي ء من غير رويّة، (المين): الكذب، (الغرور): بالضمّ مصدر و بفتح الأول صفة بمعنى الفاعل، (الانتحال): ادّعاء ما ليس له، (الابتزاز): الاستلاب، (الجحود): إنكار ما يعلم.
(أغدفت) المرأة قناعها: أرسلته على وجهها، (الأفانين): الأساليب المختلفة، (الأساطير): الأباطيل واحدها اسطورة بالضمّ و إسطارة بالكسر، (الدهاس): المكان السهل دون الرمل، (الديماس) بالكسر: المكان المظلم و كالسراب و نحوه.
(المرقبة) موضع عال مشرف يرتفع إليه الراصد، (الأنوق) بالفتح: طائر و هو الرخمة أو كارها في رءوس الجبال و الأماكن الصعبة البعيدة، (العيّوق): نجم فوق زحل، (تنهد): ترفع، (ارتجت): اغلقت.
الاعراب
الباصر: صفة لقوله باللمح مجازا، أى بلمح الانسان الباصر و الباء للاستعانة، بادّعائك: الباء للسببيّة، ممّا قد وعاه: من للتعليل، فاحذر الشبهة و اشتمالها: قال الشارح المعتزلي: و يجوز أن يكون اشتمال مصدر مضاف إلى معاوية أى احذر الشبهة و احذر اشتمالك إيّاها على اللبسة، أى ادّراعك بها و تقمّصك- إلى أن قال: و يجوز أن يكون مصدرا مضافا إلى ضمير الشبهة فقط. ذو: صفة للكتاب، أساطير: عطف على أفانين، لم يحك: مضارع مجزوم من حاك يحوك و حوك الكلام صنعته و نظمه، تقصر دونها: جملة حاليّة.
المعنى
قال الشارح المعتزلي «ص 27 ج 18 ط مصر»: و هذا الكتاب هو جواب كتاب وصل من معاوية إليه عليه السّلام بعد قتل عليّ عليه السّلام الخوارج، و فيه تلويح بما كان يقوله من قبل: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وعدني بقتال طائفة اخرى غير أصحاب الجمل صفّين، و إنّه سمّاهم المارقين.
أقول: و كان معاوية بعد قتل الخوارج و هم شجعان جيش الكوفة الصادقين للجهاد في صفّين يرجو نيل الخلافة على كافّة المسلمين لأنّ خلافهم مع عليّ عليه السّلام و قتلهم في نهروان كافّة إلّا عدد يسير قد فتّ في عضد عليّ عليه السّلام و شوّش أمره إلى حيث انجرّ إلى الفتك به، فانتهز معاوية هذه الفرصة و طمع في قبول عليّ عليه السّلام شروطا للصلح تؤيّد مقصود معاوية في صعود عرش الخلافة الاسلاميّة برضا كافّة المسلمين و تجويز عليّ خلافته باقراره على ولاية الشام و نصبه على أنّه وليّ عهد له من بعده.
قال الشارح المعتزلي «ص 26 ج 18 ط مصر»: و كان كتب إليه يطلب منه أن يفرده بالشام و أن يولّيه العهد من بعده، و أن لا يكلّفه الحضور عنده، و كان مقصوده بعد أخذ هذا الاعتراف عنه عليه السّلام التدبير في الفتك به بأيّ وجه يمكنه، و قد أدرك عليه السّلام غرضه من هذا الكتاب فأبلغ في ردعه و دحض مطامعه بما لا مزيد عليه، و بيّن له أنّه بعيد عن مقام الخلافة بوجوه عديدة: 1- سلوكه مسالك أجداده الجاهليّين بادّعاء الأباطيل و اقتحام غرور المين و الأكاذيب فكأنّه باق على كفره أخلاقا و معنا و إن كان مسلما ظاهرا، فلا أهليّة له لزعامة المسلمين.
2- دعواه مقاما شامخا علا عنه، و استلابه ما قد اختزن دونه، قال الشارح المعتزلي: يعني التسمّى بأمير المؤمنين، و فسّره ابن ميثم بمال المسلمين و بلادهم الّتي يغلب عليها.
3- فراره عن الحقّ و جحوده ما يعلمه حقّا و ثبت عنده حتّى وعاه سمعه و ملي ء به صدره.
و قد فسّره المعتزلي بفرض طاعة عليّ عليه السّلام لأنّه قد وعاها سمعه، لا ريب في ذلك.
إمّا بالنصّ في أيّام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كما تذكره الشيعة، فقد كان معاوية حاضرا يوم الغدير لأنّه حجّ معهم حجّة الوداع، و قد كان أيضا حاضرا يوم تبوك حين قال له بمحضر من الناس كافّة «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» و قد سمع غير ذلك.
و إمّا بالبيعة كما نذكره نحن فانّه قد اتّصل به خبرها، و تواتر عنده وقوعها، فصار وقوعها عنده معلوما بالضرورة كعلمه بأنّ في الدنيا بلدا اسمه مصر، و إن كان ما رآها.
4- و انتهى عليه السّلام كتابه إلى التأكيد في منعه عن تصدّي الخلافة، فقال عليه السّلام (و حاش للّه أن تلي للمسلمين بعدي صدرا أو وردا، أو أجرى لك على أحد منهم عقدا أو عهدا).
و هذا تصريح ببعده عن الخلافة إلى حيث دونها الأنوق و يحاذي بها العيّوق.
و أنذره من سوء عاقبة إصراره على التمرّد و الطغيان بقوله عليه السّلام (فانّك إن فرّطت حتّى ينهد إليك عباد اللّه ارتجت إليك الامور- إلخ).
الترجمة
از نامه اى كه آن حضرت عليه السّلام باز هم بمعاويه نگاشته است: أمّا بعد، آن هنگامت فرا رسيده كه بخود آئى و از آنچه بچشم خود ديدى پند پذيرى، براستى كه تو باز هم براه نياكان بت پرست خود مى روى براى آنكه بيهوده دعوى دارى و خود را در فريب و دروغ اندر مى سازى و آنچه را برتر از مقام تو است بخود مى بندى و در آنچه از تو دريغ است دست اندازى مى كنى تا از حق گريزان باشى و از پيروى آنچه از گوشت و خون تنت بتو آميخته تر است سرباز زنى و انكارش كنى، همان حقائقى كه بگوش خود فرا گرفتى و در دلت انباشته اند و بخوبى مى دانى.
پس از كشف حقيقت راه ديگرى جز گمراهى و ضلالت نيست، و پس از تمامى بيان و حجّت جز شبهه سازى وجود ندارد، از شبهه سازى و فريب كارى و عوام فريبى بر كنار شو، زيرا كه دير زمانى است فتنه و آشوب پرده هاى سياه خود را گسترده و با تيرگى خود ديده هاى كوته بين را كور و نابينا كرده.
نامه اى از تو بمن رسيد كه سرتاسر سخن بافيها و دگرگونيها داشت، منطق درست و خير خواهى در آن سست بود و بمانند افسانه هائى بود كه از دانش و بردبارى در نگارش آن بهره اى نبود، بمانند مردى شدى كه از خاك تيره گوهر جويد و در تاريكى شب خار بر آرد، و گام فرا مقامى برداشتى كه بسيار از تو دور است، و نشانه اش ناجور، كركس را بدان ياراى پرواز نيست و با ستاره عيّوق دمساز است.
پناه بر خدا كه تو فرمانروا بر مسلمانان گردى و پس از من در خرد و درشت كار آنها مداخله كنى يا من در اين باره براى تو بر يكتن از آنان قرار و تعهّدى امضاء كنم.
از هم اكنون خود را درياب و براى خويش چاره انديش، زيرا اگر كوتاه آئى تا بندگان خدا بر سر تو آيند كارها بر تو دشوار گردد و درهاى نجات بروى تو بسته شوند و از آن مقامى كه امروزه از تو پذير است با زمانى، و السّلام.
( . منهاج البراعة فی شرح نهج البلاغه، ج17، ص 378-382)
|