و من كلام له عليه السلام و هو السادس و السبعون من المختار فى باب الخطب
إنّ بني أميّة ليفوّقو نني تراث محمّد صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تفويقا، و اللّه لئن بقيت لهم لأنفضنّهم نفض اللّحام الوذام التّربة. قال السّيد: و يروى التّراب الوذمة و هو على القلب، قوله عليه السّلام: ليفوقوننى أى يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة و هى الحلبة الواحدة من لبنها، و الوذام جمع و ذمة و هى الحزّة من الكرش و الكبد يقع في التراب فتنفض.
اللغة
(التراث) بضمّ التا الارث و التّاء و الهمزة فيهما بدل من الواو، و (نفضه) نفضا من باب قتل حرّكه ليزول عنه الغبار و نحوه فانتفض أى تحرّك لذلك و نفضت الورق من الشّجر نفضا اسقطته و النفض بفتحتين ما تساقط فعل بمعنى مفعول و (اللحام) القصّاب و (الوذام) ككتاب جمع و ذمة محرّكة و (ترب) الشّي ء يترب من باب تعب لصق بالتراب، و في القاموس التّراب بالكسر أصل ذراع الشّاة و منه التراب الوذمة أو هى جمع ترب مخفّف ترب و الصواب الوذام التربة انتهى.
و «الحزّة» بالضمّ القطعة من اللحم و نحوه تقطع طولا و الجمع حزز كغرفة و غرف و «الكرش» لذى الخف و الظلف كالمعدة للانسان.
الاعراب
اضافة تراث إلى محمّد من قبيل الحذف و الايصال أى يفوقونني تراثى من محمّد و التربة صفة للوذام.
المعنى
قوله (انّ بنى اميّة ليفوقوننى تراث محمّد صلّى اللّه عليه و آله تفويقا) اى يعطونني إرثى من رسول اللّه و هو الفي ء الحاصل ببركته صلوات اللّه عليه و آله قليلا قليلا، استعار لفظ التّفويق عن اعطائهم المال قليلا بمشابهة القلة و كونه في دفعات كما يدفع الفصيل ضرع امّه لتدر ثم يدفع عنها لتحلب ثمّ يعاد إليها لتدرّ و هكذا، ثمّ قال (و اللّه لئن بقيت) و صرت أميرا (لهم لأنفضنّهم نفض اللحام الوذام التربة).
قيل الظاهر أنّ المراد من نفضهم منعهم من غصب الأموال و أخذ ما في أيديهم من الأموال المغصوبة و دفع بغيهم و ظلمهم و مجازاتهم بسيئات أعمالهم.
و قال الشّارح البحراني: أقسم عليه السّلام ان بقى لبنى اميّة ليحرمنهم التّقدم في الامور، و استعار لفظ النفض لابعادهم عن ذلك و شبه نفضه لهم بنفض القصاب القطعة من الكبد أو الكرش من التّراب إذا أصابته.
أقول: و الأظهر عندى أنّه شبّههم بالوذام التّربة من حيث إنّ الوذمة إذا وقعت في التّراب و تلطخت به يتنفّر عنها الطباع و لا يرغب إليها النّاس فينفضها القصاب أى يسقطها و يعزلها عن ساير لحماته لمكان ذلك التنفّر فيقول عليه السّلام: إنّى لو بقيت لهم لاسقطهم عن درجة الاعتبار و اعزلهم عن الامارة و المداخلة لامور المسلمين بحيث لا يرغب إليهم أحد و يتنفّر النّاس عنهم و يكونون حقيرا عندهم كمالا يرغبون إلى الوذام لحقارتها و اللّه العالم بحقايق كلام وليه هذا.
و قد روى عنه عليه السّلام هذا الكلام في رواية اخرى بزيادة و نقصان و تفاوت لما هنا و هى ما رواها أبو الفرج في كتاب الأغانى باسناد رفعه إلى الحرب بن جيش قال: بعثنى سعيد بن العاص و هو يومئذ أمير الكوفة من قبل عثمان بهدايا إلى المدينة و بعث معي هدية إلى عليّ عليه السّلام و كتب إليه أنى لم ابعث إلى أحد ممّا بعثت به اليك إلّا إلى أمير المؤمنين فلما أتيت عليّا و قرء كتابه قال: لشدّ ما يخطر علىّ بنو اميّة تراث محمّد أما و اللّه لان وليّتها لأنفضنّها نفض القصاب التراب الوذمة.
قال أبو الفرج هذا خطاء إنّما هو الوذام التّربة قال: و قد حدّثنى بذلك أحمد ابن عبد العزيز الجوهرى عن أبى يزيد عمر بن شيبة باسناد ذكره في الكتاب أنّ سعيد ابن العاص حيث كان أمير الكوفة بعث مع ابن أبى العايشة مولاه إلى عليّ بن أبي طالب بصلة فقال عليّ و اللّه لا يزال غلام من غلمان بنى اميّة يبعث إلينا ممّا أفاء اللّه على رسوله بمثل قوت الأرملة، و اللّه لئن بقيت لهم لأنفضنّها نفض القصاب الوذام التربة.
تذنيبان
الاول
في بيان نسب بنى امية.
فأقول في البحار من كامل البهائى أن اميّة كان غلاما روميّا لعبد الشمس فلما ألقاه كيّسا فطنا اعتقه و تنبّاه فقيل: اميّة بن عبد الشمس كما كانوا يقولون قبل نزول الآية: زيد بن محمّد، و لذا روى عن الصّادقين عليهما السّلام في قوله تعالى: الم غلبت الرّوم، أنّهم بنو اميّة و من هنا يظهر نسب عثمان و معاوية و حسبهما و أنّهما لا يصلحان للخلافة لقوله صلّى اللّه عليه و آله: الأئمة من قريش.
و قال مؤلف كتاب إلزام النّواصب: اميّة لم يكن من صلب عبد شمس و إنما هو من الرّوم فاستلحقه عبد شمس فنسب إليه فبنو اميّة كلّهم ليس من صميم قريش و إنّما هم يلحقون بهم و يصدّق ذلك قول أمير المؤمنين عليه السّلام: إنّ بنى امية لصاق و ليسوا صحيحي النسب إلى عبد مناف و لم يستطع معاوية إنكار ذلك.
الثاني
في ذكر بعض ما ورد من الآيات و الأخبار في لعن بنى اميّة و كفرهم و إلحادهم.
فأقول: في الكافي عن الصادق عليه السّلام رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم في منامه أنّ بني اميّة يصعدون على منبره و يضلّون النّاس عن الصّراط القهقرى، فأصبح كئيبا حزينا، قال عليه السّلام فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول اللّه ما لى أراك كئيبا حزينا قال: يا جبرئيل إنّى رأيت في ليلتي هذه يصعدون منبرى من بعدى يضلّون النّاس عن الصّراط القهقرى، فقال: و الذى بعثك بالحقّ نبيّا إنّى ما اطلعت عليه فعرج إلى السّماء فلم يلبث أن نزل بآى من القرآن يونسه بها قال: أَ فَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْناهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جاءَهُمْ ما كانُوا يُوعَدُونَ ما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يُمَتَّعُونَ و أنزل عليه: إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
جعل اللّه ليلة القدر لنبيّه خيرا من ألف شهر ملك بني اميّة.
و في مفتتح الصحيفة الكاملة السّجادية على صاحبها ألف سلام و تحيّة عن الصادق عليه السّلام قال، إنّ أبي حدّثني عن أبيه عن جدّه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخذته نعسة و هو على منبره فرأى في منامه رجالا ينزون على منبره نزو القردة يردّون النّاس على أعقابهم القهقرى، فاستوى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم جالسا و الحزن يعرف في وجهه فأتاه جبرئيل بهذه الآية: وَ إِذْ قُلْنا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحاطَ بِالنَّاسِ وَ ما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَ الشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي.
بعنى بنى اميّة قال: يا جبرئيل أعلى عهدى يكونون و في زمنى قال: و لا و لكن تدور رحى الاسلام من مهاجرك فتلبث بذلك عشرا، ثمّ تدور رحى الاسلام على رأس خمس و ثلاثين من مهاجرك فتلبث بذلك خمسا، ثمّ لا بدّ من رحى ضلالة هى قائمة على قطبها، ثمّ ملك الفراعنة و أنزل اللّه في ذلك. إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ.
يملكها بنو اميّة ليس فيها ليلة القدر.
أقول: قوله و الشّجرة الملعونة في القرآن فيه تقديم و تأخير أى و ما جعلنا الرّؤيا التي أريناك و الشّجرة الملعونة في القرآن إلّا فتنة للنّاس، و قيل: الشجرة الملعونة بالرّفع مبتداء و حذف الخبر أى و الشّجرة الملعونة كذلك أى فتنة للناس و قوله: يعنى بنى اميّة تفسير للشجرة الملعونة، و قوله: تدور رحى الاسلام من مهاجرك، أى من هجرتك فتلبّث بذلك عشرا أى عشر سنين هى مدّة حياته ثمّ تدور على رأس خمس و ثلاثين هى العشر المذكورة و مدّة خلافة المتخلفين، و هى خمس و عشرون سنة فتلك خمس و ثلاثون، قوله فتلبث بذلك خمسا هى مدّة خلافة أمير المؤمنين، ثمّ لا بد من رحى ضلالة اشارة إلى ملك بنى اميّة، و قوله ثمّ ملك الفراعنة اشارة إلى ملك بنى عباس.
و في مجمع البيان في تفسير قوله تعالى: وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ قال هى كلمة الشّرك و الكفر و قيل: كل كلام في معصية اللّه كشجرة خبيثة غير زاكية و هي شجرة الحنظل و قيل: انّها شجرة هذه صفتها و هو أنّه لاقرار لها في الأرض، و روى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام أنّ هذا مثل لبني اميّة و فيه أيضا في تفسير قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ.
قال سأل رجل أمير المؤمنين عن هذه الآية فقال هما الأفجران من قريش بنو اميّة و بنو المغيرة، فأمّا بنو اميّة فمتّعوا إلى حين و أما بنو المغيرة فكفيتموهم يوم بدر.
و في البحار من تفسير عليّ بن ابراهيم في قوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً.
قال: نزلت في بنى اميّة حيث خالفوهم على ان لا يردّوا الأمر في بنى هاشم، و في قوله: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَ لا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَ نَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
قال: نزلت في بنى اميّة ثمّ قال: بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ قال من عداوة أمير المؤمنين. وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ و فى قوله تعالى: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ.
عن أبي جعفر عليه السّلام قال نزلت في بنى اميّة فهم شرّ خلق اللّه هم الذين كفروا في باطن القرآن فهم لا يؤمنون.
و عن أبي جعفر عليه السّلام أيضا في قوله: وَ كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحابُ النَّارِ يعنى بني أميّة.
و من كنز جامع الفوايد و تأويل الآيات باسناده عن أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: سألته عن تفسير الم غلبت الرّوم، قال: هم بنى «بنوظ» اميّة و إنّما انزلها اللّه الم غلبت الرّوم بنو اميّة في أدنى الأرض و هم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين للّه الأمر من قبل و من بعد و يومئذ يفرح المؤمنون بنصر اللّه، عند قيام القائم.
أقول: كذا في النّسخ غلبت الرّوم بنو اميّة، فيحتمل أنّ أصل الكلام غلبت بنو اميّة فزاد النّساخ لفظ الرّوم كما احتمله في البحار أو أنّه كذلك و بنو اميّة بدل من الرّوم، و على كلّ تقدير فلا بدّ أن يكون غلبت على ذلك بصيغة المعلوم، و قوله سيغلبون بصيغة المجهول و التعبير عن بنى اميّة بالروم من حيث إنّها نسبهم إلى عبد رومي حسبما قدّمنا، و اللّه العالم.
و من تفسير الثعلبى فى قوله تعالى: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ نزلت في بنى اميّة و بنى هاشم و في غاية المرام عن الكليني باسناده عن صالح بن سعد الهمداني قال قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ و جلّ: اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فاطمة عليها السّلام فِيها مِصْباحٌ الحسن الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الحسين كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ فاطمة فكوكب درّي بين نساء أهل الدّنيا يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ إبراهيم زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ لا يهوديّة و لا نصرانيّة يَكادُ زَيْتُها يُضِي ءُ يعنى يكاد العلم ينفجر وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ إمام منها بعد إمام اللَّهُ نُورُ (السَّماواتِ ظ) للأئمّة مَنْ يَشاءُ وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ قلت أَوْ كَظُلُماتٍ قال الأوّل و صاحبه يَغْشاهُ مَوْجٌ الثّالث ظُلُماتٍ الثّاني بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ فتن بني أميّة إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ المؤمن في ظلمة فتنتهم لَمْ يَكَدْ يَراها وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً أمانا (اماما ظ) من ولد فاطمة فَما لَهُ مِنْ نُورٍ يوم القيامة هذا، و الآيات و الرّوايات في هذا المعنى كثيرة و فيما ذكرناه كفاية لمن اهتدى أو ألقى السّمع و هو شهيد.
|